أحمد ياسر يكتب: حماس والمعبر الأمريكي
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
إن الأهوال ليست جديدة على الشرق الأوسط المريض.. وقد سالت دمائه في العديد من الحروب وعبر العديد من الخرائط...... وكثيرًا ما تنتهي الحروب بتسوية تتعارض مع طموحات من أطلق الرصاصة الأولى.
وتظل هناك حرب واحدة لا نهاية لها: الصراع الفلسطيني الإسرائيلي.... وغالبًا ما يكمن في الجمر تحت الرماد قبل أن ينهض مرة أخرى في لهيب شرس.
الخسائر لا يمكن تصورها والصور المتدفقة من القطاع مروعة.... ولم تنج المدارس والمستشفيات وسيارات الإسعاف من غضب الغارات الجوية.
الحرب تدور رحاها على الشاشات والهواتف المحمولة... وكأن الضحايا يموتون في بيوتنا ومكاتبنا.... وكأننا نعيش بين الجثث والأنقاض.
ولهذا السبب فإن إنهاء الحرب هو المطلب الأكثر إلحاحا..... ولكن من يستطيع إنهاء هذا الصراع الشرس الذي يعمل بكامل قوته المرعبة؟
ما الذي يمكن أن يقدمه فلاديمير بوتين لشعب غزة؟ ما الذي يمكن أن يقدمه شي جين بينغ؟ ما هو الدور الذي يمكن أن تلعبه أوروبا عندما يحطم الصراع مواقفها الموضوعية ودعواتها المستمرة حول حقوق الإنسان؟ فمن يستطيع أن يوقف آلة القتل المرعبة هذه التي استغلت حديث الغرب عن «الحق في الدفاع عن النفس» لشن حرب لقتل العشرات من الأبرياء؟
ما الذي يمكن أن تقدمه إيران لشعب غزة أكثر من "العواقب الوخيمة" لاستمرار الحرب؟ وقد تدفع الهجمات على القواعد الأمريكية في العراق وسوريا واشنطن إلى اتخاذ موقف أكثر انحيازًا تجاه إسرائيل.
إن خطة طرد أمريكا من هذا الركن من الشرق الأوسط قد تدفعها إلى أن تصبح أكثر التزامًا بحليفها المضمون.
وتجد قيادة حماس نفسها في موقف يذكرنا بالموقف الذي كانت فيه منظمة التحرير الفلسطينية عندما حاصر الجيش الإسرائيلي بيروت في العام 1982، لقد أغرق الاحتلال العاصمة اللبنانية بالدم، فقتل الناس ودمر كل شيء في الأفق.
أرييل شارون قطع الماء والكهرباء، وجدت بيروت نفسها أمام معبر واحد فقط نحو استعادة المياه والكهرباء، وأيضًا نحو وقف إطلاق النار.
من يستطيع أن يرتب وقفًا إنسانيًا لإطلاق النار في غزة؟ ومن يستطيع الضغط على إسرائيل للموافقة على المساعدات والسماح بإجلاء الجرحى؟ ومن القادر على ترتيب وقف إطلاق النار لاحقًا؟
بعد مرور أكثر من أربعة عقود على غزو بيروت، تبدو الإجابة واضحة: الولايات المتحدة، بغض النظر عن سياساتها المتحيزة.. وسمع وزير الخارجية الأمريكي أنتوني بلينكن، خلال جولته في المنطقة، تصريحات عربية حادة تطالبه بالضغط على إسرائيل للموافقة على وقف إطلاق النار.
وجهت عملية طوفان الأقصى التي نفذتها حماس في 7 (أكتوبر) الماضي، ضربة قوية لصورة إسرائيل وقدرتها على الردع..... ورد بنيامين نتنياهو بشن حرب دموية كانت كارثة على الشعب، واضعا هدفه إبادة حماس.
وحقيقة أن هذه هي حربه الأخيرة على الأرجح لا تؤدي إلا إلى تفاقم المخاوف... وهو يدرك أن إعلان وقف إطلاق النار الآن سيكون بمثابة نهاية لمسيرته الطويلة والخطيرة.... وترى المعارضة ضد نتنياهو أن هذه معركة وجودية.
ويدرك جنرالات إسرائيل أن تدمير غزة أسهل من تدمير حماس وأنفاقها.... لقد حولوا الحرب إلى عقاب جماعي للمدنيين، وألقوا باللوم على حماس في دفع الثمن الباهظ.
النكبة الحالية في غزة تتطلب وقف إطلاق النار، وهو أمر لا يمكن تحقيقه إلا من خلال الولايات المتحدة.... لكن هناك عقبة أخرى تتمثل في أن واشنطن نفسها تريد إخراج حماس من معادلة غزة.... وتعتقد أن وقف إطلاق النار الآن من شأنه أن يمهد الطريق لعودة الوضع في غزة إلى ما كان عليه من قبل.....إنها أزمة صعبة للغاية.
ولم تقم حماس بأكبر عملية لها على الإطلاق ليتم إخراجها من المعادلة، حتى لو تم التوصل إلى اتفاق لتمهيد الطريق إلى حل الدولتين... فضلًا عن ذلك فإن إدارة غزة على بقايا حماس لن تكون بالمهمة السهلة.
وكان الرئيس محمود عباس صريحا في هذا الشأن. إن دور حماس والسلطة الفلسطينية مرتبط بالحل السياسي الشامل.
فكيف يمكن لحماس أن تقبل بحل يقضي عليها بعد أن تكبدت حماس خسائر فادحة في صفوفها وفي صفوف الشعب؟
ويبدو أنه لا يوجد خيار في الأفق سوى معبر بلينكن.... لكن اتخاذ هذا الطريق له ثمن... ولا يمكن لإسماعيل هنية، الزعيم السياسي لحماس، أن يكون شريكًا في عملية السلام التي تنص على ضرورة الاعتراف بإسرائيل.
لا يستطيع ذلك، ولكن ما هو الخيار الآخر هناك؟ هل استمرار الحرب هو دليل على أنه لا يمكن إخراج حماس من المعادلة؟
فهل تعتمد حماس على امتداد الصراع إلى المنطقة للسماح لأعضاء محورها الإقليمي بالانضمام إلى معركة كبرى ومصيرية؟ وهل حساباتها تتماشى مع حسابات حلفائها؟
ومن الواضح أنه من غير المرجح أن نشهد وقف إطلاق النار في أي وقت قريب... آلة الحرب تحتاج لمزيد من الضربات والجثث لفرض أو سحب بعض شروطها.
لكن استمرار الحرب سيكون محفوفا بالمخاطر واحتمال امتدادها تدريجيا إلى المنطقة.
فهل توقعت حماس عندما أطلقت عمليتها الشهر الماضي أن تؤدي إلى السيناريو الحالي؟ فهل هي مستعدة لتقديم الرهائن ثمنًا لوقف القتال؟....وماذا عن دورها بعد انتهاء القتال؟
لقد دفعت منظمة التحرير الفلسطينية ثمن اختيارها المعبر الأمريكي... وهل ستدفع حماس ثمنا معينا رغم أنها ليست مثل منظمة التحرير الفلسطينية؟
وهل وقف إطلاق النار يعني إنهاء الدور السني والفلسطيني في «محور المقاومة»؟ فهل سينجح العرب في تخفيف شروط وقف إطلاق النار اللازم للوصول إلى المعبر الأمريكي؟
المصدر: بوابة الفجر
كلمات دلالية: احمد ياسر فلسطين اخبار فلسطين غزة الصراع الفلسطيني الإسرائيلي الاحتلال الاسرائيلي نتنياهو بايدن حماس طوفان الاقصي واشنطن أوروبا الشرق الأوسط وقف إطلاق النار الذی یمکن أن من یستطیع لا یمکن فی غزة
إقرأ أيضاً:
«الفيتو» الأمريكي الخامس.. استمرار الإبادة
خاب أمل المتفائلين بأن إدارة الرئيس الأمريكي جو بايدن يمكن أن تتخذ موقفاً أكثر أخلاقية وعدالة قبل أسابيع من رحيلها وتسليم السلطة إلى الرئيس دونالد ترامب.
سقط الرهان يوم أمس الأول، إذ أكدت من جديد إنها ستواصل دعمها لحرب الإبادة التي تمارسها ضد الفلسطينيين. وكان «الفيتو» الخامس الذي استخدمته في مجلس الأمن بالضد من الأعضاء ال 14 الآخرين في المجلس، الدائمين والمنتخبين، هو ضوء أخضر جديد لإسرائيل كي تمضي قدماً في حربها على الشعب الفلسطيني إلى ما لا نهاية.مشروع القرار الذي اصطدم ب «الفيتو» الأمريكي كان يطالب بوقف «فوري وغير مشروط ودائم لإطلاق النار في غزة، وانسحاب القوات الإسرائيلية، بشكل كامل، من القطاع»، كان قد تعرض لتعديلات أكثر من مرة كي تقبل به واشنطن قبل طرحه على التصويت، إلا أنها لم تتراجع رغم تصويت الدول ال 14 الباقية لصالحه.
«الفيتو» الأمريكي الجديد أثار استنكارالعديد من الدول، فقد أعربت دولة الإمارات عن أسفها لعدم تمكن مجلس الأمن من اعتماد قرار يطالب بوقف إطلاق النار في غزة، وأكدت أنه « وبعد مرور أكثر من أربعمئة يوم من الوضع الكارثي في غزة، وتوسع رقعة الصراع ليطال جميع أنحاء المنطقة، فإن وقف إطلاق النار الفوري وغير المشروط والدائم قد طال انتظاره»، وأضافت «لا يمكن لمن يعاني على الأرض أن يحتمل أكثر»، واعتبر المندوب الصيني في المجلس أن الولايات المتحدة «دمرت بموقفها آمال أهالي غزة، والتاريخ لن ينسى ذلك»، كما أن الفيتو الأمريكي«جاء على الرغم من أن 44 ألف شخص قتلوا في غزة»، واتهم الولايات المتحدة بتزويد إسرائيل بالأسلحة، والبحث دائماً عن «مبررات» لها، فيما اتهم المندوب الروسي الولايات المتحدة بأنها المسؤولة عن قتل المدنيين في غزة.
يحمل «الفيتو» الأمريكي رسالة واضحة إلى إسرائيل بالاستمرار في حرب الإبادة الجماعية وارتكاب جرائم الحرب والتجويع والعقاب الجماعي مع الإفلات من العقاب، والتمتع بالحصانة، وانتهاك القانون الدولي الإنساني، وهو الموقف الذي أشاد به المندوب الإسرائيلي الذي اعتبر أن الولايات المتحدة وقفت إلى جانب «العدالة»، في حين «خان بقية الأعضاء واجبهم».
ممنوع وقف إطلاق النار، وعلى إسرائيل المضي قدماً في تحدي الإجماع الدولي. هذا ما تريده الولايات المتحدة التي أجبرت الدول الأعضاء في المجلس على تعديل مشروع القرار مراراً، وخصوصاً التخلي عن النقطة المتعلقة ب«الفصل السابع» من ميثاق الأمم المتحدة، واستبدالها بعبارة «المسؤولية الرئيسية للمجلس في ما يتعلق بدعم الأمن والسلم العالميين» بناء على اقتراح بريطانيا، وإصرار المندوب الأمريكي على عدم المساواة بين قضية الرهائن والأسرى الفلسطينيين، وضرورة إطلاق سراح الرهائن فوراً.
الموقف الأمريكي يلغي إرادة المجتمع الدولي، ويؤكد مجدداً أن الولايات المتحدة شريكة في حرب الإبادة، خصوصاً أن الفيتو تزامن مع قرار مجلس الشيوخ الأمريكي برفض مشروع قانون تقدم به السيناتور المستقل بيرني ساندرز بوقف بيع بعض الأسلحة لإسرائيل بأكثرية 79 صوتاً مقابل 18 صوتاً.
وكان مؤيدو المشروع يأملون أن يؤدي التصويت إلى تشجيع الحكومة الإسرائيلية وإدارة الرئيس جو بايدن على بذل المزيد من الجهود لحماية المدنيين في غزة، وإيصال المساعدات الإنسانية إليهم، والتخفيف من المأساة التي يعيشونها، إلا أن أملهم خاب أيضاً.