الجزيرة:
2024-07-01@18:49:31 GMT

التغلل الصينيّ الناعم في الخاصرة الأميركيَّة

تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT

التغلل الصينيّ الناعم في الخاصرة الأميركيَّة

تُحيي الولاياتُ المتّحدة نهايةَ السنة الجارية، ذكرَى مرور 200 سنة على إعلان "مبدأ مونروو"، الذي يكرِّس نفوذَ الولايات المتّحدة على باقي دول القارّة الواقعة جنوبها، ومنع تعرُّضها لأيّ عمليّة غزو أو استعمار من قِبل القوى الخارجيّة. ولئن كان المستعمر المقصود في ذلك الوقت هو القادم من أوروبا، إلّا أنّ مفاجآت التاريخ جعلت الصين هي من تمثّل هذا الخطر.

وليست قمّة "تحالف الأميركتَين من أجل الازدهار الاقتصاديّ"، التي احتضنتها واشنطن نهاية الأسبوع الماضي، سوى إحدى خطوات تصدّي الإدارة الأميركية للتمدّد الصيني المتصاعد في أميركا الوسطى والجنوبيّة.

قبل الحديث عن القمّة المذكورة وأهدافها، من المهمّ توضيح بعض المُصطلحات الجغرافية التي تبدو بديهيةً، لكنها تُحدث لَبْسًا عندما يتعلّق الأمر بتفاصيل القارّة الأميركيّة، لاسيما بين مسمّيات أميركا الجنوبيّة وأميركا اللاتينيّة. فمسمّيات أميركا الشماليّة والجنوبيّة والوسطى ودول الكاريبي، كلها مسمّيات تعتمد الموقع الجغرافي للدولة من القارّة التي تنقسم إلى شماليّ وجنوبيّ، وبينهما المنطقة الوسطى، وحوض الكاريبي. أمّا مسمّى "اللاتينية"، فتشمل كلّ دول القارة الأميركيّة التي تتحدث لغات متفرّعة من اللغة اللاتينية: (فرنسية، إسبانية، برتغالية)، وهو ما يستثني الولايات المتحدة، وكندا، وخمس دويلات في أميركا الوسطى، والكاريبي، وغوايانا، وسورينامي، في أميركا الجنوبيّة.

مبادرة بايدن

وعودة إلى قمّة "تحالف الأميركتَين من أجلِ الازدهار الاقتصاديّ"، فهي مبادرة اقتصاديّة أطلقها الرئيسُ الأميركيُّ جو بايدن السنة الماضية، في إطار توسيع التّحالفات الأميركيّة لمقاومة التدفّق الصينيّ في نصف القارّة الجنوبيّ.

وقد انخرطت في هذه المُبادرة، إحدى عشرة دولة من القارّة، وحضر نسختها الأولى، كلٌّ من رؤساء التشيلي، وكولومبيا، وكندا، وكوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، والإكوادور، والبيرو، والأوروغواي، وبربادوس، واكتفت المكسيك وبنما بإرسال وزيرَي خارجيتَهما. وتجدر الإشارة إلى أنَّ رئيس بنما الذي تربطه علاقة قوية بالإدارة الأميركيّة، تغيّب بسبب تزامن توقيت القمّة مع العيد الوطنيّ لبلاده، أمّا رئيس المكسيك- المعروف بقلّة زياراته الخارجيّة- فيعتبر ناقدًا بارزًا للسياسة الخارجية الأميركية، رغم تعاونه الوثيق معها في ملفّ الهجرة غير النظامية، إضافة إلى استنكاره مؤخرًا الدور الأميركي في الحرب على غزّة.

وتهدف واشنطن عبر هذه القمّة إلى جعل نصفِ الكرة الغربيّ "المنطقةَ الأكثر تنافسية على الصعيد الاقتصاديّ في العالم"، إضافةً إلى أن تكون القارة الأميركية بأكملها، "آمنة ومزدهرة وديموقراطية، من أقصى الشمال الكندي إلى أقصى الجنوب التشيلي"، حسب تعبير الرئيس الأميركيّ. وهذا ما يفسّر تناول القمة مواضيعَ خارج الاقتصاد، من أهمّها موضوع التغيّر المناخيّ ودور القارّة الأميركية في قيادته، والهجرة غير النّظاميّة نحو الولايات المتحدة، باعتبارها إحدى نتائج السياسات الاقتصاديّة غير الناجحة، في دول أميركا الوسطى والجنوبيّة. ووَفقًا لأرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإنَّ عدد النازحين واللاجئين في القارة الأميركيّة بلغ حتى هذه السنة، 21 مليونَ شخص، من بينهم 6 ملايين فنزويلي. وقد أعلنَ الرئيس الأميركيّ بايدن، عن تخصيص استثمارات بقيمة 485 مليونَ دولار لمساعدة اللاجئين والمهاجرين والتجمّعات السكّانية المنعدمة الإمكانات في المناطق الفقيرة. لكنّ رئيس كولومبيا، غوستافو بيترو، رأى أنَّ هذه المساعدات، كان من الأجدر تخصيصُها لخلق فرص عمل في بلدان هؤلاء المهاجرين غير النظاميّين، من أجل بقائهم في بلدانهم، مادام الوضع الاقتصادي هو العاملَ الأساسي وراء ظاهرة الهجرة عمومًا. وكان الرئيس بيترو قد صرّح في مناسبة سابقة، أنّه على الولايات المتحدة- التي ضاقت ذرعًا بموجات طالبي اللجوء، لاسيما الفنزويليين في المحافظات الأميركية الديموقراطية- أن تفكّ الحصار على بلدهم، من أجل أن تعودَ الحياة إلى طبيعتها، ويلزموا الإقامة في بلدهم الأصليّ.

الجانب الاقتصادي

أمّا فيما يتعلّق بالجانب الاقتصاديّ لهذه القمة، فقد ركّز الرئيس بايدن على فتح شهية البلدان الأعضاء لتوسيع المجموعة، والعمل بأولوية على النّهوض باقتصاداتها جميعًا، ودعاها إلى اختيار الاستثمارات الديموقراطية والشفّافة، في إشارة إلى القروض الأميركيّة وحلفائها من المؤسَّسات المالية الدوليّة، بدلًا من اللجوء إلى الشركاء من خارج القارّة، وتجنب الوقوع في "فخّ دبلوماسية الديون"، حسب تعبيره. وهذا ما فضح مخاوف واشنطن من تغلغل العملاق الصيني الذي أصبح الشريك التجاري الرئيسي لأميركا الجنوبية وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة، مع العلم أن حجم تجارة الصين في السلع مع أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في الفترة بين 2000-2022، تضاعف 35 مرة، بينما زاد إجمالي تجارة المنطقة مع العالم أربعة أضعاف فقط حسب الأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية، وجزر الكاريبي. يُضاف إلى هذا، نجاح الصين في إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كوستاريكا والبيرو التشيلي، على اختلاف توجهات حكوماتها، والإكوادور التي أجّلت توقيع الاتفاقية إلى استئناف عمل البرلمان هذا الشهر.

طريق الحرير

وليس من المبالغة في شيء القول إن الصين- التي ضخّت استثمارات بمليارات الدولارات في البنى التحتية في أميركا اللاتينية، عبر قروض على الدول سدادها بمعدلات فائدة عالية الكلفة- نجحت في ضمّ 21 دولة منها، في إطار مبادرة ما يعرف بـ"طريق الحرير". إضافة إلى عضوية البرازيل، والأرجنتين مؤخرًا في مجموعة "البريكس"، ووعد فنزويلا وبوليفيا بضمّهما في المرحلة القادمة.

ورغم أنّ قمة "تحالف الأميركتَين من أجل الازدهار الاقتصادي"- كما يشير اسمها- تخصّ موضوع الاقتصاد، إلّا أنّ رئيسَي التشيلي وكولومبيا، أبيا إلّا أن يصرّح كلّ منهما للصحافة، ومن البيت الأبيض، باستيائهما من الجرائم التي تقوم بها إسرائيل في حقّ الشعب الفلسطينيّ في غزّة، ودعا رئيس التشيليّ بوريش، الرئيس الأميركي بايدن إلى التدخل لوقف ما يجري. يحدث هذا والرئيسان بيترو وبوريش يواجهان تحدّيات محلية كبرى، من قبل المعارضة في بلديهما، بسبب موقفيهما من حرب إسرائيل على غزة، وليس من الغريب أن هذا الموقف قد يكلّفهما وحزبيهما خسارةَ منصب الرئاسة، في الفترة القادمة.

 

 

 

 

 

aj-logo

aj-logo

aj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+

تابع الجزيرة نت على:

facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلامية

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: الولایات المتحدة أمیرکا اللاتینیة ة الأمیرکی ة ة الأمیرکیة فی أمیرکا القار ة من أجل

إقرأ أيضاً:

هيئة الاستثمار: حزمة شاملة من الإصلاحات والحوافز لتحويل مصر إلى مركز للاستثمارات الإقليمية

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

شارك حسام هيبة، الرئيس التنفيذي للهيئة العامة للاستثمار والمناطق الحرة، في جلسة نقاشية بعنوان "إصلاحات استراتيجية لتحول مصر لمركز إقليمي للاستثمارات" والتي عُقدت ضمن فعاليات، مؤتمر الاستثمار المصري الأوروبي، والتي شارك فيها جرت يان كوبمان المدير العام بالمفوضية الأوروبية، وسوزان إم لوند، نائبة الرئيس للشؤون الاقتصادية وتنمية القطاع الخاص بمؤسسة التمويل الدولية، وماري بيث جودمان نائبة الأمين العام لمنظمة التعاون الاقتصادي والتنمية، والمهندس أحمد السويدي الرئيس التنفيذي لشركة السويدي اليكتريك، وأيمن عزت، الرئيس التنفيذي لشركة كابجمني.

وأوضح حسام هيبة، خلال كلمته بالجلسة وجود حزمة شاملة من الإصلاحات والحوافز الاستثمارية الجديدة التي تهدف إلى تعزيز بيئة الاستثمار من أجل تحويل مصر إلى مركز للاستثمارات الإقليمية بالمنطقة وجذب المزيد من الاستثمارات الأجنبية المباشرة، وخاصة من دول الاتحاد الأوروبي، مستعرضا مجموعة من الإجراءات الطموحة التي تتخذها مصر لترسيخ مكانتها كوجهة استثمارية رائدة في المنطقة، والإصلاحات التي تعكس التزام الحكومة المصرية بتهيئة مناخ أعمال يتسم بالمرونة والكفاءة، ويلبي احتياجات المستثمرين المحليين والدوليين على حد سواء.

وأشار إلى أنه من أبرز هذه الإصلاحات توسيع نطاق عمل المناطق الحرة والمناطق الاستثمارية، وإطلاق منظومة الرخصة الذهبية التي تبسط إجراءات الحصول على التراخيص والموافقات اللازمة للمشروعات الاستثمارية فضلا عن تطوير منصة إلكترونية موحدة لتأسيس الشركات، وكذا تقليص المستندات المطلوبة لخدمات ما بعد التأسيس، موضحا أن الحكومة قد أقرت عدد من الحوافز الاستثمارية لقطاعات تستهدفها الدولة المصرية وتحظي باهتمام مستثمري الاتحاد الأوروبي مثل الهيدروجين الأخضر وصناعة السيارات.

وقال رئيس الهيئة إن مصر بموقعها الاستراتيجي وقوتها العاملة الشابة وبنيتها التحتية المتطورة، تقدم فرصا واعدة للشركات الأوروبية في قطاعات متنوعة كالطاقة المتجددة وصناعة المنسوجات وتكنولوجيا المعلومات وصناعة السيارات والأدوية والتصنيع الغذائي، مؤكدا أن الإصلاحات الجديدة التي قامت بها الحكومة المصرية ستعزز جاذبية مصر كمركز إقليمي للاستثمارات، وستفتح آفاقا جديدة للتعاون الاقتصادي بين مصر والاتحاد الأوروبي بما يحقق مصالح الجانبين وخاصة في إطار التحول الاستراتيجي لمستوى الشراكة المصرية الأوروبية والذي يعزز الاستفادة من إمكانات مصر في جذب الاستثمارات، وتحقيق التكامل الاقتصادي بين مصر والاتحاد الأوروبي.

كما أكد هيبة حرص الهيئة العامة للاستثمار على تعزيز أوجه التعاون الاستثماري مع الجانب الأوروبي، وتقديم الدعم الكامل لمجتمع الأعمال الأوروبي، مما يمكنه من اغتنام الفرص الاستثمارية الواعدة في مصر، والاستفادة من الامتيازات الاستثنائية التي توفرها قناة السويس، والاتفاقيات التجارية بين مصر والتكتلات الإقليمية بالمنطقة، ووضع المكانة اللائقة لمصر ضمن سلاسل إمداد الاتحاد الأوروبي.

مقالات مشابهة

  • كالكاليست: هل يمكن لإسرائيل الاستغناء عن الأسلحة الأميركية؟
  • هيئة الاستثمار: حزمة شاملة من الإصلاحات والحوافز لتحويل مصر إلى مركز للاستثمارات الإقليمية
  • «اللكمة» توقف الأميركي وياه مباراتين!
  • علاقة زواج سيئة.. كيف يمكن للغرب التعامل مع التحالف الروسي الصيني؟
  • لماذا تقوم الصين بتخزين الموارد الرئيسية وهل هو تكرار سيناريو ألمانيا النازية؟
  • للمرة الأولى.. «أبل» تطرح نظارات «فيجن برو» للبيع من خارج أميركا
  • رئاسة الجمهورية: الاتحاد الأوروبي حريص على دعم مسار الإصلاح الاقتصادي بمصر
  • باختصار.. ما أبرز التعليقات على مناظرة بايدن وترامب؟
  • ستيف كير: «أحلام أميركا» يترقب «معسكر أبوظبي»
  • بايدن يستأنف حملته ويتعهد بالفوز بعد أداء سيئ بمناظرة ترامب