التغلل الصينيّ الناعم في الخاصرة الأميركيَّة
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
تُحيي الولاياتُ المتّحدة نهايةَ السنة الجارية، ذكرَى مرور 200 سنة على إعلان "مبدأ مونروو"، الذي يكرِّس نفوذَ الولايات المتّحدة على باقي دول القارّة الواقعة جنوبها، ومنع تعرُّضها لأيّ عمليّة غزو أو استعمار من قِبل القوى الخارجيّة. ولئن كان المستعمر المقصود في ذلك الوقت هو القادم من أوروبا، إلّا أنّ مفاجآت التاريخ جعلت الصين هي من تمثّل هذا الخطر.
قبل الحديث عن القمّة المذكورة وأهدافها، من المهمّ توضيح بعض المُصطلحات الجغرافية التي تبدو بديهيةً، لكنها تُحدث لَبْسًا عندما يتعلّق الأمر بتفاصيل القارّة الأميركيّة، لاسيما بين مسمّيات أميركا الجنوبيّة وأميركا اللاتينيّة. فمسمّيات أميركا الشماليّة والجنوبيّة والوسطى ودول الكاريبي، كلها مسمّيات تعتمد الموقع الجغرافي للدولة من القارّة التي تنقسم إلى شماليّ وجنوبيّ، وبينهما المنطقة الوسطى، وحوض الكاريبي. أمّا مسمّى "اللاتينية"، فتشمل كلّ دول القارة الأميركيّة التي تتحدث لغات متفرّعة من اللغة اللاتينية: (فرنسية، إسبانية، برتغالية)، وهو ما يستثني الولايات المتحدة، وكندا، وخمس دويلات في أميركا الوسطى، والكاريبي، وغوايانا، وسورينامي، في أميركا الجنوبيّة.
مبادرة بايدنوعودة إلى قمّة "تحالف الأميركتَين من أجلِ الازدهار الاقتصاديّ"، فهي مبادرة اقتصاديّة أطلقها الرئيسُ الأميركيُّ جو بايدن السنة الماضية، في إطار توسيع التّحالفات الأميركيّة لمقاومة التدفّق الصينيّ في نصف القارّة الجنوبيّ.
وقد انخرطت في هذه المُبادرة، إحدى عشرة دولة من القارّة، وحضر نسختها الأولى، كلٌّ من رؤساء التشيلي، وكولومبيا، وكندا، وكوستاريكا، وجمهورية الدومينيكان، والإكوادور، والبيرو، والأوروغواي، وبربادوس، واكتفت المكسيك وبنما بإرسال وزيرَي خارجيتَهما. وتجدر الإشارة إلى أنَّ رئيس بنما الذي تربطه علاقة قوية بالإدارة الأميركيّة، تغيّب بسبب تزامن توقيت القمّة مع العيد الوطنيّ لبلاده، أمّا رئيس المكسيك- المعروف بقلّة زياراته الخارجيّة- فيعتبر ناقدًا بارزًا للسياسة الخارجية الأميركية، رغم تعاونه الوثيق معها في ملفّ الهجرة غير النظامية، إضافة إلى استنكاره مؤخرًا الدور الأميركي في الحرب على غزّة.
وتهدف واشنطن عبر هذه القمّة إلى جعل نصفِ الكرة الغربيّ "المنطقةَ الأكثر تنافسية على الصعيد الاقتصاديّ في العالم"، إضافةً إلى أن تكون القارة الأميركية بأكملها، "آمنة ومزدهرة وديموقراطية، من أقصى الشمال الكندي إلى أقصى الجنوب التشيلي"، حسب تعبير الرئيس الأميركيّ. وهذا ما يفسّر تناول القمة مواضيعَ خارج الاقتصاد، من أهمّها موضوع التغيّر المناخيّ ودور القارّة الأميركية في قيادته، والهجرة غير النّظاميّة نحو الولايات المتحدة، باعتبارها إحدى نتائج السياسات الاقتصاديّة غير الناجحة، في دول أميركا الوسطى والجنوبيّة. ووَفقًا لأرقام المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، فإنَّ عدد النازحين واللاجئين في القارة الأميركيّة بلغ حتى هذه السنة، 21 مليونَ شخص، من بينهم 6 ملايين فنزويلي. وقد أعلنَ الرئيس الأميركيّ بايدن، عن تخصيص استثمارات بقيمة 485 مليونَ دولار لمساعدة اللاجئين والمهاجرين والتجمّعات السكّانية المنعدمة الإمكانات في المناطق الفقيرة. لكنّ رئيس كولومبيا، غوستافو بيترو، رأى أنَّ هذه المساعدات، كان من الأجدر تخصيصُها لخلق فرص عمل في بلدان هؤلاء المهاجرين غير النظاميّين، من أجل بقائهم في بلدانهم، مادام الوضع الاقتصادي هو العاملَ الأساسي وراء ظاهرة الهجرة عمومًا. وكان الرئيس بيترو قد صرّح في مناسبة سابقة، أنّه على الولايات المتحدة- التي ضاقت ذرعًا بموجات طالبي اللجوء، لاسيما الفنزويليين في المحافظات الأميركية الديموقراطية- أن تفكّ الحصار على بلدهم، من أجل أن تعودَ الحياة إلى طبيعتها، ويلزموا الإقامة في بلدهم الأصليّ.
الجانب الاقتصاديأمّا فيما يتعلّق بالجانب الاقتصاديّ لهذه القمة، فقد ركّز الرئيس بايدن على فتح شهية البلدان الأعضاء لتوسيع المجموعة، والعمل بأولوية على النّهوض باقتصاداتها جميعًا، ودعاها إلى اختيار الاستثمارات الديموقراطية والشفّافة، في إشارة إلى القروض الأميركيّة وحلفائها من المؤسَّسات المالية الدوليّة، بدلًا من اللجوء إلى الشركاء من خارج القارّة، وتجنب الوقوع في "فخّ دبلوماسية الديون"، حسب تعبيره. وهذا ما فضح مخاوف واشنطن من تغلغل العملاق الصيني الذي أصبح الشريك التجاري الرئيسي لأميركا الجنوبية وثاني أكبر شريك لأميركا اللاتينية بعد الولايات المتحدة، مع العلم أن حجم تجارة الصين في السلع مع أميركا اللاتينية ومنطقة الكاريبي في الفترة بين 2000-2022، تضاعف 35 مرة، بينما زاد إجمالي تجارة المنطقة مع العالم أربعة أضعاف فقط حسب الأرقام الصادرة عن مفوضية الأمم المتحدة الاقتصادية لأميركا اللاتينية، وجزر الكاريبي. يُضاف إلى هذا، نجاح الصين في إبرام اتفاقيات تجارة حرة مع كوستاريكا والبيرو التشيلي، على اختلاف توجهات حكوماتها، والإكوادور التي أجّلت توقيع الاتفاقية إلى استئناف عمل البرلمان هذا الشهر.
طريق الحريروليس من المبالغة في شيء القول إن الصين- التي ضخّت استثمارات بمليارات الدولارات في البنى التحتية في أميركا اللاتينية، عبر قروض على الدول سدادها بمعدلات فائدة عالية الكلفة- نجحت في ضمّ 21 دولة منها، في إطار مبادرة ما يعرف بـ"طريق الحرير". إضافة إلى عضوية البرازيل، والأرجنتين مؤخرًا في مجموعة "البريكس"، ووعد فنزويلا وبوليفيا بضمّهما في المرحلة القادمة.
ورغم أنّ قمة "تحالف الأميركتَين من أجل الازدهار الاقتصادي"- كما يشير اسمها- تخصّ موضوع الاقتصاد، إلّا أنّ رئيسَي التشيلي وكولومبيا، أبيا إلّا أن يصرّح كلّ منهما للصحافة، ومن البيت الأبيض، باستيائهما من الجرائم التي تقوم بها إسرائيل في حقّ الشعب الفلسطينيّ في غزّة، ودعا رئيس التشيليّ بوريش، الرئيس الأميركي بايدن إلى التدخل لوقف ما يجري. يحدث هذا والرئيسان بيترو وبوريش يواجهان تحدّيات محلية كبرى، من قبل المعارضة في بلديهما، بسبب موقفيهما من حرب إسرائيل على غزة، وليس من الغريب أن هذا الموقف قد يكلّفهما وحزبيهما خسارةَ منصب الرئاسة، في الفترة القادمة.
aj-logoaj-logoaj-logoمن نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معناأعلن معنارابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+
تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinerssجميع الحقوق محفوظة © 2023 شبكة الجزيرة الاعلاميةالمصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الولایات المتحدة أمیرکا اللاتینیة ة الأمیرکی ة ة الأمیرکیة فی أمیرکا القار ة من أجل
إقرأ أيضاً:
ما هي الولايات السبع المتأرجحة التي ستحدد الفائز في الانتخابات الرئاسية الأمريكية؟
#سواليف
ستحسم سبع ولايات تُسمى “متأرجحة” نتيجة #الانتخابات_الرئاسية_الأمريكية ، إذ إنها لا تصوّت بشكلٍ واضحٍ لأحد الحزبين، بخلاف الولايات المؤيدة لنائبة الرئيس الديمقراطي #كامالا_هاريس؛ مثل كاليفورنيا ونيويورك، أو للرئيس الجمهوري السابق #دونالد_ترامب؛ مثل كنتاكي أو أوكلاهوما.
مَن يتخطى 270 من أصوات المجمع الانتخابي؟
تقوم الانتخابات الرئاسية الأمريكية على نظام اقتراعٍ غير مباشرٍ فريدٍ، يعتمد على أصوات كِبار الناخبين في المجمع الانتخابي، وتفتح أبواب البيت الأبيض للمرشح الذي يتخطى عتبة 270 من أصوات كِبار الناخبين.
مقالات ذات صلة سرايا القدس تبث مشاهد لمعارك ضارية وتفجير جيب إسرائيلي بالضفة الغربية / فيديو 2024/11/05ويتعين على المرشح الرئاسي أن يحصل على الأغلبية المطلقة من أصوات الهيئة؛ أي 270 من 538 صوتاً؛ للفوز.
وقدّمت وكالة “فرانس برس” قراءة في هذه الولايات السبع التي ستسحم الاقتراع:
بنسلفانيا (19 صوتاً في المجمع الانتخابي)
لطالما كانت هذه الولاية التي تشهد المنافسة الأكبر تميل للديمقراطيين، لكن فاز دونالد ترامب في بنسلفانيا بفارق ضئيل في عام 2016، وكذلك الرئيس الحالي جو بايدن في عام 2020.
تشتهر الولاية بمدن “حزام الصدأ”، مثل فيلادلفيا وبيتسبرغ، وقد عانت على مدى عقود من الانحدار المستمر لقاعدتها الصناعية.
خاض ترامب وهاريس حملات انتخابية متكرّرة في الولاية الشرقية، حيث عقد الثنائي مناظرتهما الرئاسية الوحيدة.
ويحاول ترامب؛ الذي نجا من محاولة اغتيال أثناء تجمُّع حاشد في يوليو في بنسلفانيا، استمالة السكان البيض الريفيين ويحذّرهم من أن المهاجرين يسيطرون على البلدات الصغيرة.
تسعى هاريس؛ بدورها إلى الاستفادة من مشاريع كبرى للبنى التحتية أطلقها جو بايدن. وفي بيتسبرغ، حدّدت خططاً لاستثمار 100 مليار دولار في التصنيع، وهي قضية رئيسة لسكان الولاية.
جورجيا (16 صوتاً)
تسلّطت الأضواء على الولاية الواقعة في جنوب شرق البلاد في الانتخابات في نهاية ولاية ترامب الأولى، وما زالت تثير الجدل.
وجّه المدعون العامون في جورجيا الاتهام إلى ترامب في قضية تدخل في الانتخابات بعد أن اتصل بمسؤولي الولاية وحثّهم على “إيجاد” عددٍ كافٍ من الأصوات لإلغاء فوز بايدن في 2020. وتمّ تعليق القضية لما بعد الانتخابات، ما يمثل دفعة لترامب.
وكان بايدن أول ديمقراطي يفوز بالولاية منذ 1992. ومن المرجح أن تصب التغييرات الديموغرافية في مصلحة هاريس؛ التي سعت لاستقطاب الناخبين من الأقليات في جميع أنحاء جورجيا.
كارولينا الشمالية (16 صوتاً)
كارولينا الشمالية هي الولاية الوحيدة من بين “الولايات المتأرجحة” السبع التي صوّتت للحزب الجمهوري في 2020.
ولم تصوت الولاية للديمقراطيين منذ عام 2008 لكنها انتخبت حاكماً ديمقراطياً منذ 2017.
وبعد مرور إعصار هيلين المدمّر الذي خلف 96 قتيلاً على الأقل في الولاية، نشر ترامب اتهامات لا أساس لها حول تعامل الحكومة مع الكارثة، لكن من الصعب تحديد تأثيرها على الناخبين المحليين.
وكما هي الحال في جورجيا، تعتمد كامالا هاريس على دعم الأمريكيين من أصل إفريقي والشباب.
ميشيغان (15 صوتاً)
تعد ولاية ميشيغان معقلاً آخر للديمقراطيين شهد تراجعاً صناعياً، ومنح دعمه لدونالد ترامب في عام 2016، في خطوة غير متوقعة. لكن عادت الولاية وصوتت لمصلحة جو بايدن في 2020.
وسيكون توجه عديد من الناخبين المسلمين أو ذوي الأصول العربية في هذه الولاية حاسماً بالنسبة لهاريس، في حين يعارض هؤلاء منذ عام الدعم الأمريكي لإسرائيل في حربها في غزة.
وفي الولاية المعروفة بصناعة السيارات، حصلت المرشحة الديمقراطية على دعم اتحاد “يو آي دبليو” الرئيس في القطاع.
ويركز دونالد ترامب على تكاليف المعيشة لجذب الطبقة الوسطى، ويصوّر منافسته على أنها مسؤولة مشارِكة في عهد ديمقراطي شابه التضخم.
أريزونا (11 صوتاً)
أحدثت ولاية أريزونا الواقعة في جنوب غرب البلاد مفاجأة في عام 2020 بتصويتها لبايدن؛ ومنحه 10457 صوتاً إضافياً، في حين أنها غالباً ما أيّدت الجمهوريين.
لكن طرح المرشح الجمهوري موضوع الهجرة غير الشرعية بعبارات قاسية قد يصب في مصلحته انتخابياً في هذه الولاية المتاخمة للمكسيك، على الرغم من كونها تضم عدداً كبيراً من المواطنين من أصول لاتينية.
وزارت هاريس حدود ولاية أريزونا في سبتمبر، وتعهدت باتخاذ إجراءات صارمة ضد الهجرة والعمل على إحياء مشروع قانون الحدود الحزبي الذي صدر العام الماضي، وقالت إن ترامب “أفشله” لأغراض سياسية.
ويسكنسن (10 أصوات)
وفي ولاية ويسكنسن أيضا، خسر الديمقراطيون في عام 2016، لكنهم فازوا في 2020.
ونظّم الجمهوريون الذين أسس حزبهم في هذه الولاية، مؤتمرهم الرئيس فيها في يوليو.
ويأمل الديمقراطيون في جذب الجمهوريين المعتدلين الذين يعارضون خطاب دونالد ترامب، من خلال الإشارة إلى أنه يمثل “تهديداً وجودياً للديمقراطية”.
نيفادا (6 أصوات)
تضم ولاية نيفادا أقل عدد من السكان مقارنة بالولايات المتأرجحة الأخرى وتُعرف بكازينوهاتها في لاس فيغاس، وهي لم تصوت لمرشح جمهوري منذ جورج بوش في 2004.
لكن يعتقد المحافظون أنهم قادرون على تغيير الوضع السائد بالاعتماد خصوصاً على المواطنين من أصول لاتينية الذين يبتعدون بشكل متزايد عن الحزب الديمقراطي، وخصوصا الرجال منهم.
وكان ترامب يتقدّم فيها على بايدن. لكن في غضون أسابيع من ترشحها، قلبت كامالا هاريس، ذلك عبر الترويج لخططها الاقتصادية لمساعدة الأعمال الصغيرة ومكافحة التضخم.