لفلسطين والمقاومة كل العزة والكرامة
تاريخ النشر: 8th, November 2023 GMT
شهر يمر على ميلاد معركة (طوفان الأقصى)، شهرا يمر منذ أصيب كيان العدو وقادته بحالة انهيار وهزيمة أفقدتهم تماسكهم وأفقدتهم كرامتهم ونزعت عن وجوههم القبيحة أقنعة الزيف ليظهروا أمام العالم بصورهم القبيحة..!
شهر منذ اندلاع معركة ( الطوفان) التي أذهلت ليس العدو وأربكته وأفقدته توازنه، بل أربكت أمريكا وبريطانيا والغرب بأسره ليهرول قادة أمريكا والغرب إلى الكيان متضامنين ومحاولين إعادة التوازن لكيانهم اللقيط ولقاعدتهم العسكرية المتقدمة أو بالأصح (كلب الحراسة) الذي يحرس مصالح أمريكا والغرب في الوطن العربي حيث مصادر الطاقة والممرات المائية وحيث المخزون الحضاري والروحي والتاريخي، ومصدر خوف أمريكا والغرب من توحد واستقرار واستقلال المنطقة، بما في ذلك من تهديد للمصالح الأمريكية الغربية بأبعادها الاستعمارية والجيوسياسية.
شهر كامل احتشد الغرب وأمريكا وسخروا كل قدراتهم العسكرية والاستخبارية والاقتصادية والدبلوماسية ووضعوها في خدمة الكيان الصهيوني المدجج بالأسلحة التدميرية الفتاكة وبجيش يتفوق بقدراته العسكرية على كل جيوش المنطقة، جيش يسجل له التاريخ أنه هزم كل الجيوش العربية عام 1948م وشارك بفعالية في العدوان الثلاثي على مصر عام 1956م، وهو من شن عدوانه على العرب عام 1967م واستطاع خلال ستة أيام فقط من احتلال قطاع غزة والقدس والضفة الغربية، ومرتفعات الجولان السورية، وسيناء المصرية، وهو من شارك عام 1970م بمعارك إيلول الأسود في الأردن إلى جانب الجيش الأردني ضد قوات الثورة الفلسطينية، ورغم هزيمته في حرب أكتوبر 1973م إلا أن هناك من حول هزيمته إلا انتصار، وهذا الجيش هو من غزا لبنان وصولا إلي العاصمة بيروت عام 1982م..
حتى لقب هذا الجيش بـ(الجيش الذي لا يقهر) وتحول إلى أسطورة وآلته العسكرية ليصبح هذا الكيان بجيشه ومعداته وأدواته مرجعية لكثير من الدول والأنظمة التي لم تتردد في إرسال أبنائها للدراسات العسكرية في أكاديميات العدو سرا وعلانية، كما غدت صناعته العسكرية مطلبا يتهافت عليها الكثيرون، إلى أن جاءت حرب 2006م بينه وبين المقاومة الإسلامية في لبنان -حزب الله – فكانت هزيمته حيث راهن الجميع على الانتصار، فسقطت أسطورة الجيش الذي لا يقهر، وسقطت أساطير صناعته العسكرية بعد أن أحرق أبطال المقاومة الإسلامية في لبنان (الميركافا) في (وادي جديد) ..!
بيد أن (طوفان الأقصى) أسقطت أساطير أخرى كان العدو يزعمها في الجانب الأمني والاستخباري، فما حدث يوم 7 أكتوبر المنصرم كان فشلا أمنيا واستخباريا وإهانة لكيان ما انفك يتوعد (الجمهورية الإسلامية الإيرانية) بالويل والثبور، فيما سقط مغشيا عليه في (سبت الطوفان) ولو لم يهرول إليه قادة أمريكا والغرب ومن ثم منحوه شيكا مفتوحا لارتكاب المجازر في قطاع غزة وكل فلسطين، مجازر لا يمكن أن يقوم بها جيش تقليدي محترف، لكن ما يجري في فلسطين وغزة يمثل دليلا واضحا على هزيمة هذا الكيان وجيشه وأجهزته، وبالتالي ذهب ليعيد اعتباره من خلال سلسلة جرائم وحشية، قتل فيها نساء وأطفال وشيوخ ومدنيون عزل، ومواصلته لارتكاب الجرائم بحق المدنيين والمنشآت الصحية والخدماتية وخزانات المياه والطرقات في اليوم الثلاثين من بدء عدوانه الهمجي فيه ما يكفي لتأكيد حقيقة هزيمته وأنه لم يتمكن من كسر إرادة المقاومة ولم يتمكن من إيقاف صواريخها التي تواصل استهداف المستوطنات والمدن الصهيونية، هزيمة دفعت أحد مسؤولي الكيان إلى الحديث عن القنبلة النووية كخيار لهزيمة المقاومة، ففضح ولأول مرة حقيقة كيانه معترفا بامتلاكه لأسلحة نووية..؟!
هذه التصريحات وهذه العمليات الإجرامية تدل مجتمعة على أن هذا الكيان يعيش أزمة وجودية ويعاني من هزائم مركبة لم تنفع معها دعايته ولا مواقف الغرب وأمريكا الداعمة له، بل يوما بعد يوم يضع أمريكا وحلفاءه في دائرة الإحراجات، فيما شعوب العالم خرجت منددة بجرائمه وبمن يتواطأ معه من الدول والأنظمة.
إن معركة طوفان الأقصى أعطت القضية الفلسطينية التي كانت قد ألقيت جانبا من أجندة اهتمام العالم، كما كشف الطوفان أمريكا وعراها وجردها من دور الوسيط، وهذا ما لم تكن أمريكا تريده..؟!
بنك أهداف العدوان صعبة التحقيق ومن وضعها لم يكن مستوعبا بما أقدم عليه وأعلن عنه وبالتالي فقد ضمن الهزيمة سلفا..؟!
إن المشهد الذي نتابعه اليوم يؤكد فشل العدو وهزيمته وانتصار فلسطين والمقاومة، ويؤكد لنا أيضا مدى حالة ارتهان النظام العربي غير المسبوقة، حالة تشير إلا أن هذه الأنظمة ليست عاجزة عن نصرة فلسطين، فهذا فعل يتجاوز قدراتهم لأن نصرة فلسطين لا تأتي إلا من أصحاب القيم ومن لديهم كرامة، بل تعجز هذه الأنظمة عن حماية نفسها ومواطنيها إذا ما غضب عليهم سفراء أمريكا والغرب..؟!
إن العزة والكرامة والخلود، قيم هي اليوم هوية فلسطين وبقايا أحرار الأمة الذين اصطفوا خلف المقاومة وناصروها وانتصروا لها وما يزالون.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
الحرب في غزّة إلى أين؟
سؤال يلحّ على جميع المهتمّين بما يحدث في قطاع غزّة من الطرفين؛ المقاوم وحلفائه وأنصاره، والمشروع الاستعماري وأدواته وأنصاره.
في غزّة يطرح المقاومون الصمود والتمسّك بالأرض وفرض وقف إطلاق النار وإعادة الإعمار وإطلاق سراح الأسرى كشروط لنهاية الحرب، وتتفرّع عن هذه النهاية خطط ومشاريع من قبيل لجنة مختصة لإدارة شؤون القطاع بإشراف حكومة رام الله (لجنة الإسناد المجتمعي)، وكذلك لجان عربية أو دولية تشرف على عملية إعادة الإعمار.
أما العدو، فيطرح أهدافه بتصفية جميع قوى المقاومة سواء كانت منظّمات أو دولاً، وتحرير الأسرى في قطاع غزّة بالقوة، والاحتفاظ بقوات من “جيش” العدو في مناطق محدّدة من قطاع غزّة مثل محوري فيلادلفيا ونتساريم، وخلق منطقة عازلة في جنوب لبنان. تتفرّع عن هذه الأهداف مشاريع مثل عودة الاحتلال الكامل للقطاع، وإعادة حركة الاستيطان فيه، وتتصدّر هذا النشاط حركة “حباد” الصهيونية الأرثوذكسية التي أعلنت عن قيام أول مستوطنة “بيت حباد” في مبنى بلدية بيت حانون في شمال قطاع غزّة.
بين الموقعين يستمر مشهد المجزرة وسط صمت عالمي مدوٍ، صامدون يقدّمون التضحيات، وقتلة لا يتردّدون في قتل المدنيين وتدمير البنى التحتية، مطاردة كلّ من يقف إلى جانب محور المقاومة في كلّ مكان في العالم. معظم الأنظمة العربية متواطئة سواء بالعمل على الأرض أو بالصمت والتظاهر بأن القضية إنسانية بحتة تقع ضمن اختصاصات الأمم المتحدة ومنظّماتها غير الحكومية. المطلوب استعمارياً تحقيق هدفين، القضاء على المقاومة بجميع أشكالها، وبثّ اليأس والاستسلام في نفوس جماهيرها، لتتحوّل هذه الجماهير إلى أقلية مسالمة تندمج في الكيانات الناتجة عن المشروع الاستعماري، وتصبح ما يمكن أن نسمّيه “أقلية مهملة” .
هذا السيناريو الذي قد يبدو للبعض وكأنه يحمل الكثير من المبالغة، كرّره المستعمرون أكثر من مرة عبر تاريخهم، خاصة في المرات التي احتلوا فيها أراضي الآخرين تحت شعارات ووعود دينية كما حدث في أمريكا وأستراليا ونيوزلندا. لقد اعتبر المستوطنون الأوائل أن أميركا هي “أرض الميعاد” المسيحية، وأنهم حجّاج أرسلهم الرب لإقامة مملكته، والقضاء على المتوّحشين الوثنيين. الشعارات نفسها أطلقتها حركة “حباد” الصهيونية التي اعتبرت العرب كفّاراً، لا بدّ من قتلهم لإقامة “دولة إسرائيل” من النيل إلى الفرات.
عبّرت هذه المشاريع عن نفسها سياسياً في الخرائط التي يرفعها غلاة الصهاينة من وزراء وقادة حركة الاستيطان، وتجد دعماً لدى الدوائر الاستعمارية كما حدث في تصريحات الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب حول صغر مساحة الكيان الصهيوني وضرورة توسيعها.
تمرّ عملية التدجين بثلاث مراحل: الهزيمة العسكرية من خلال ارتكاب مجازر بحقّ الشعوب بحيث تتحوّل المطالبة بالبقاء على قيد الحياة مطلباً للشعوب المقهورة، في المرحلة الثانية يقوم العدو بفرض التسويات بشروطه من خلال بثّ روح الهزيمة واليأس من المستقبل.
وقد تحتاج هذه المرحلة إلى المزيد من المجازر غير المبرّرة، واحتلال المزيد من الأراضي كما يحدث اليوم في غزّة وسوريا ولبنان، وعند الوصول إلى المرحلة الثالثة يكون مصير الأقلية المهملة بعد تدجينها بالكامل، الحصول على ميزات اجتماعية واقتصادية على اعتبارات إثنية أو دينية أو ثقافية، فيعيش أفرادها في محميات خاصة، ويسمح لهم بممارسة طقوسهم وثقافاتهم بهدف تفتيت الهوية الوطنية، وتحويل الدول إلى ائتلاف من الهويات والثقافات الفرعية.
هذا ما فعله الاستعمار الأبيض مع أصحاب البلاد الأصليين، بل إن هذا المستعمر قد يلبس قناع الإنسانية ويتظاهر بالدفاع عن حقوق الأقليات المهملة، ويمجّد تاريخهم وينتج أفلاماً ودراسات عن تاريخهم.
إذا قبلنا بإمكانية حدوث هذا السيناريو، فإنه يلقي على عاتقنا مسؤوليات جساماً، تنبع من حقائق التاريخ والجغرافيا. الشعب الفلسطيني، الذي تشكّل قضيته مركزاً للصراع مع المشاريع الاستعمارية، يختلف عن سكان البلاد الأصليين الذين أبادهم المستعمر الأبيض في أكثر من مكان من العالم، فالشعب الفلسطيني يمتلك امتداداً عربياً في الجغرافيا، وامتداداً إسلامياً في التاريخ، هذان البعدان تجسّدا خلال معركة طوفان الأقصى، من خلال انخراط جبهات الإسناد العربية في اليمن وسوريا والعراق، وجبهة الإسناد الإسلامية التي مثّلتها الجمهورية الإسلامية الإيرانية بدعمها المستمر للمقاومة الفلسطينية.
أدرك المستعمرون بعد الهزيمة المذلّة في شمال فلسطين، أن مخطّطاتهم مهما كان شكلها لن تجد طريقها إلى التنفيذ إلا بقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة كخطوة أولى، ثم الانتقال إلى تدمير قوى محور المقاومة بشكل منفرد.
وفي هذا السياق وافق العدو على وقف إطلاق النار في لبنان، ويتجه إلى القبول ببعض التنازلات مقابل وقف إطلاق النار في غزّة بناء على المبادرة المصرية، في الوقت نفسه كان التحالف الاستعماري يعمل بمشاركة تركية على إسقاط الجبهة السورية لقطع خطوط إمداد المقاومة، وتفتيت جبهاتها، وكذلك فصل الحرب في سوريا عمّا يحدث في غزة وما حدث في لبنان.
لقد فتحت الحرب على غزّة أبواب منازلنا لقنوات الربيع الاستعماري، التي بادرت منذ اللحظة الأولى لانطلاق الحرب على سوريا إلى تبديل سياساتها، وشنّ هجوم إعلامي مركّز على الدولة السورية، والتركيز على فكرة “تحرير” المدن السورية، وتحميل الدولة السورية المسؤولية عمّا يحدث برفضها التعاون مع تركيا لمناقشة مستقبل سوريا، الفكرة التي طرحها الرئيس التركي أردوغان، ولقيت رواجاً لدى الكثيرين بمن فيهم بعض المثقّفين المناصرين لمحور المقاومة، ناسين أو متناسين أن الهدف الأصلي للحرب التي انطلقت عام 2011م كان مصادرة سيادة الدولة السورية ووضعها بيد آخرين سواء كانت التنظيمات الإرهابية أو داعميها في الغرب وتركيا، وهو ما تحقّق يوم 8 ديسمبر.
الهدف من الحرب على سوريا اليوم، هو توسيع مناطق سيطرة الجماعات الإرهابية وصولاً إلى الحدود اللبنانية، لقطع التواصل بين أطراف محور المقاومة، وعزل المقاومة في لبنان تمهيداً للاستفراد بها عسكرياً وسياسياً، وإلحاق قطاع غزّة بالنظام العربي المطبّع بواجهة فلسطينية مرتبطة بحكومة رام الله المنخرطة في التنسيق الأمني مع العدو.
وصل العدو الصهيوني إلى الحدود السورية اللبنانية والأردنية، واندفع الغرب والولايات المتحدة للتواصل مع حكومة الأمر الواقع في دمشق.
وواجب كلّ المقاومين وجمهورهم التصدّي للمشروع الاستعماري الجديد، عسكرياً واقتصادياً وثقافياً وإعلامياً. هذا ما عبّرت عنه الجمهورية الإسلامية الإيرانية، والمقاومة اللبنانية واليمنية، وما على كل القوى السياسية في الوطن العربي المبادرة إليه، فهذه هي المعركة الأخيرة التي تحمل في طيّاتها إمكانية النصر أو الهزيمة وترسم ملامح مستقبل المنطقة.
كاتب سياسي أردني