بقلم: بلال التليدي

القرار 2703 الذي تبناه مجلس الأمن يوم 30 أكتوبر 2023 المتعلق بنزاع الصحراء، أزال كثيرا من الالتباسات حول حقيقة الموقف الدولي، وأيضا حول واقع التوتر بين المغرب والجزائر، وما إذا كان هذا التوتر يمكن أن يذهب إلى أبعد أفق في التصعيد.

فعلى الرغم من أنه يشكل امتدادا طبيعيا، للقرار 2602 الصادر سنة 2021، والقرار 2654 الصادر سنة 2022، إلا أن أهميته تأتي ليس من جهة كون مضامينه متطابقة مع مضامين القرارين السابقين، ولكن من جهة أن تحولات في العلاقات الدولية قد حصلت، بشكل كان يفترض أن يكون له تأثيره على القرار الجديد، ومع ذلك، لم يترتب عنها أي أثر.

تنبغي الإشارة إلى أن هذا القرار مدد ولاية المينورسو لسنة كاملة إلى غاية متم أكتوبر المقبل، تماما مثلما تضمن القرار رقم 2654 الذي تم تبنيه السنة الماضية، وهو ما يعكس وجود حد أدنى من الاستقرار في منهجية المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي لقضية الصحراء.

المغرب حسب تعليق وزارة خارجيته، وأيضا من خلال ممثله الدائم في مجلس الأمن، السيد عمر هلال، اعتبر أن القرار الجديد هو انتصار للمغرب، ولموقفه، وذلك على الأقل من ثلاث زوايا، الأول، أنه زكى واقع الحشد الدولي المؤيد لمبادرة المغرب في الحكم الذاتي (الدعم الدولي المتنامي من حوالي مائة بلد للمبادرة المغربية للحكم الذاتي، وفتح أكثر من ثلاثين قنصلية عامة بالعيون والداخلة، وعدم اعتراف أكثر من 84 في المائة من الدول الأعضاء في الأمم المتحدة بجبهة البوليساريو) والثاني، أنه حدد الأطراف الأساسية في نزاع الصحراء، وفند أطروحة حيادية الجزائر، إذ ذكرها القرار ست مرات، إما كطرف أساسي في النزاع، ينبغي أن يتحمل مسؤوليته في البحث عن حل نهائي للنزاع، أو كعضو أساسي في الموائد المستديرة التي اعتمدها المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي كمنهجية للتفاوض من أجل التوصل لحل سياسي، وهو ما يسير في اتجاه معاكس لإرادة الجزائر التي تعتبر نفسها غير معنية بحضور هذه الموائد ولا المشاركة فيها. وأما الزاوية الثالثة، حسب التعليق المغربي، فتتعلق بتكريس طبيعة المسلسل وتأكيد غايته، إذ تحدث القرار أن الحل السياسي النهائي، لا يمكن أن يكون إلا «حلا سياسيا واقعيا وعمليا ودائما وقائما على التوافق» وهو ما يدعم المبادرة المغربية للحكم الذاتي، التي وصفها القرار نفسه بأنها «جادة وذات مصداقية».

الجزائر التي لم تكن تفوت الفرصة للتعليق على قرارات مجلس الأمن بهذا الخصوص، التزمت -على غير العادة- الصمت، فلحد الآن لم يصدر عن خارجيتها أي بيان، علما أنه سبق لها أن أدانت قرارا يماثله لمجلس الأمن هو القرار رقم 2602 الذي تم تبنيه عام 2021، معتبرة إياه «قرارا متحيزا» «يفتقر بشدة إلى المسؤولية والتبصر» وأنه يعكس في الواقع «الضغوط الممارسة من قبل بعض الأعضاء المؤثرين في المجلس».

تفسير هذا الصمت، يحيلنا ضرورة إلى فهم دلالات هذا القرار من جهة كونه يعكس مواقف دولية ربما لم تكن متوقعة.

في متم أكتوبر 2021، انزعت الجزائر كثيرا من القرار 2602 وكان تفسير هذا الانزعاج يرجع إلى الموقف الفرنسي، فالجزائر كانت تعتقد أن هذا القرار لم يكن ليصدر لولا الدور الفرنسي، ولذلك، لم تتردد في بيانها المدين لقرار مجلس الأمن في الإشارة إلى دوافعه، محملة المسؤولية لبعض الأطراف الدولية، وتعني بذلك فرنسا على وجه التحديد، التي اتهمتها بممارسة ضغوط على مجلس الأمن من أجل دعم الموقف المغربي.

بين 2021 و2023، جرت مياه كثيرة تحت الجسر، ووقعت تحولات مفصلية في العلاقات المغربية الفرنسية، وكان يفترض أن تحقق الدبلوماسية الجزائرية كسبا من خلال استغلال واقع التوتر والتصعيد في العلاقة بين الرباط وباريس، لاسيما وأن علاقة الجزائر بباريس دخلت أفق الشراكة الاستراتيجية الاستثنائية، لكن، شيئا من ذلك لم يتحقق، ففرنسا، صوتت لفائدة قرار مجلس الأمن، ولم يظهر من حراكها الدبلوماسي بأروقة مجلس الأمن أي إشارة دعم أو انحياز للأطروحة الجزائرية، وهو ما شكل صدمة حقيقية للدبلوماسية الجزائرية، التي مرت ثلاثة أيام لحد كتابة هذه السطور دون أن تصدر موقفها بخصوص القرار.

الجانب الثاني، المرتبط بحقيقة الموقف الدولي، أن زيارة الرئيس الجزائري عبد المجيد تبون لموسكو، ومحاولة تعميق العلاقات الاستراتيجية معها، لم ينعكس على مستوى الموقف الروسي من قضية الصحراء، فموسكو، بفضل علاقاتها المتنامية مع الرباط، فضلت أن تستمر في مسك العصا من الوسط، وعبرت عن امتناعها عن التصويت، لتعكس بذلك، واقع رغبتها في الاحتفاظ بالعلاقات المتوازنة مع كل من الرباط والجزائر.

البوليساريو في بلاغها لم تعلق في الواقع على قرار مجلس الأمن، وفضلت أن تغمض الطرف عن التقدم الذي تعكسه قرارات مجلس الأمن الثلاثة الأخيرة من جهة دعم الأطروحة المغربية، سواء من جهة أطراف النزاع، أو طبيعة المسلسل، أو غايته، وفضلت بدلا عن ذلك أن تعود للتاريخ البعيد، إلى قرارات سابقة، كانت تعبر عن موازين قوى لم تعد قائمة اليوم.

لكن، من جانب آخر، ينبغي الانتباه إلى الحدث الإرهابي الذي تعرضت له مدينة السمارة الأحد 29 أكتوبر، أي يوما واحدا قبل تبني قرار مجلس الأمن، والذي تم فيه إطلاق مقذوفات صاروخية على منازل تعود لمدنيين، أفضت إلى استشهاد أحد وإصابة آخرين بجروح.

المغرب، أحال القضية للنيابة العامة قصد التحقيق، ولم يبادر إلى إصدار أي اتهام لأي طرف، قبل أن تقول التحقيقات كلمتها، وكان لافتا في الموقف المغربي إبعاد القوات المسلحة عن التحقيق، محاولة منه أن يبدأ بفرضية الهجوم المحلي، والاستبعاد المؤقت لفرضية التعرض للهجوم من منطقة الجدار العازل، وعلى الرغم من إعلان الجبهة الرسمي لمسؤوليتها عن الحادث، إلا أن المغرب استمر في تحقيقاته.

ممثل المغرب الدائم بالأمم المتحدة، السيد عمر هلال، قال بأن «المملكة لا تتهم أحدا» لكنه علق على بلاغ الجبهة بالقول «المؤشرات تذهب إلى طرف واحد مباشر، وهو البوليساريو، التي قامت بنشر ببلاغ تشير فيه إلى استهداف السمارة».

هذا المؤشر الجديد، الذي تزامن مع وضوح كل المؤشرات على حقيقة قرار مجلس الأمن، يفيد بأن الجزائر والبوليساريو، يوجدان في مأزق حقيقي، وأن توتر علاقات المغرب الدبلوماسية مع باريس لم تمنعه من أن يراكم كسبه ويدفع مجلس الأمن، لتأكيد ضرورة التزام الجزائر بمسؤوليتها كطرف رئيسي في النزاع، وذلك من خلال البحث عن حل نهائي للنزاع، وفي المشاركة في الآلية التي وضعها المبعوث الشخصي للأمين العام الأممي، لتفاوض الأطراف حول الحل النهائي (الموائد المستديرة).

البعض يعتقد أن استهداف السمارة هو جزء من رد القوى المنزعجة من المنحنى الذي اتجهت فيه قرارات مجلس الأمن، لكن، على فرض ذلك، فثبوت فرضية تورط البوليساريو، يمكن أن يستعيد إلى الذاكرة السيناريو الذي تبناه المغرب عقب محاصرتها لمعبر الكركرات، فعناصر التشابه كثيرة، لاسيما ما يرتبط بالتأني والهدوء وطول النفس وعدم الاندفاع لرد الفعل.

كلمة ممثل المغرب الدائم بمجلس الأمن التي وصف فيه الهجوم على السمارة بأنه إرهابي وإعلان حرب، تؤكد فرضية إعادة هذا السيناريو، فقد توعد برد المغرب ليس فقط من الناحية القانونية وإنما أيضا من الناحية السياسية.

المصدر: أخبارنا

كلمات دلالية: قرار مجلس الأمن من جهة وهو ما

إقرأ أيضاً:

عبد الله بوصوف يكتب..النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام

 

أصبح النظام العسكري الجزائري يقفز من مصيبة فيسقط في فضيحة…فهو لا يقبل عنه بديلا حضاريا و ديمقراطيا إذ تعود الانقلاب على صناديق الاقتراع كما حدث قبل العشرية السوداء و قتل الالف الأبرياء و مثلهم من مجهولي المصير… وبنفس التغول و نفس الغطرسة و منطق فرض الأمر الواقع سيواجه الحراك الشعبي المبارك الذي قطع الطريق على عبد العزيز بوتفليقة..فقامت الافعى(النظام العسكري ) بتغيير جلدها لا عاداتها و اسلوبها في القتل بالسم…و هكذا تم الزج بآلاف الشباب الغاضب في السجون و دفع اعداد أخرى للهجرة الغير الشرعية..

فمطالب الشارع الجزائري كانت واضحة منذ الانقلاب على الثورة في يوليوز 1962…لكن ذات النظام العسكري تعود الالتفاف على تلك المطالب الاجتماعية والاقتصادية و السياسية و الحقوقية المشروعة..و نسج لنفسه عقيدة جديدة و بروباغاندا للتخدير الجماعي و أن صرف مقدرات الشعب الجزائري على ملفات بعيدة عن معاشه و خبزه و حليبه و لحمه…أنه واجب وطني في سبيل تمويل مجموعات ارهابية في إفريقيا و آسيا و أمريكا اللاتينية… كما كانت غاية الالة الإعلامية الجزائري هي تدجين المواطن الجزائري الذي يجب أن يرى كل تبذير لثروات الجزائر هو تدبير حكيم من طرف النظام الحاكم…
استمرت آلة النظام العسكري في معركة كسر عظام قادة و منظمات الحراك الشعبي و المعارضين السياسيين والحزبيين و النقابيين و رمت بهم في السجون و الحبس الإحتياطي و إثقالهم بغرامات كبيرة وإغلاق مقرات إعلامية. ..و أصبح المشهد السياسي و العمليات الانتخابية مجرد مسرحية هجرها الناخب الجزائري..
و لعل الإخراج الرديء للرئاسيات الأخيرة هو أكبر إحراج سياسي و إعلامي منذ انقلاب بومدين على الرئيس بنبلا…

عمليات كسر العظام ستتواصل مع رجال الإعلام “المزعجين ” و سيواصل رجال النظام الجزائري بطشهم بصناع الإعلام الغير الرسمي و كل الخارجين عن الخط التحريري للمخابرات الجزائرية كعمر فرحات و سفيان غيروس و إحسان القاضي و غيرهم كثير…صحيح ان ذات النظام كان يظطر لاطلاق سراح المعتقلين خاصة قادة الحراك الشعبي و اعلاميين…. لكنه جاء مرة في إطار ” تكتيك المهادنة ” بعد انتخاب الرئيس عبد المجيد تبون ( سنتي 2019 و 2024 ) حيث أطلق حوالي 4000 معتقل من بينهم صحافيين…و مرة أخرى تحت ضغط المنظمات الحقوقية الدولية..بعد حملات و تقارير حقوقية و إعلامية فاضحة لعورة نظام ” دموي ” يستشيط غضبا من الرأي الآخر أو الرأي المخالف…بدليل أن لا حديث اليوم إلا عن معركة كسر الأقلام الجريئة التي تصدع بقول الحقيقة التاريخية أمام الجميع و فوق أرض الجزائر ذاتها…فالكاتب الفرنسي ذو الأصل الجزائري ” بوعلام صنصال ” (75 سنة ) تم اعتقاله يوم 16 نوفمبر من مطار الجزائر قادما من فرنسا على خلفية تصريحاته تخص التاريخ الفرنسي في الجزائر و مرحلة الاستعمار و تسليم أراضي مغربية للجزائر / الفرنسية وخاصة الصحراء الشرقية و التأكيد على مغربية الصحراء…

فصاحب Le Serment des barbares سنة 1999 و الحاصل على جوائز أدبية مميزة لم يغير رأيه من طبيعة وتاريخ النظام الجزائري و لم يغادر الى فرنسا بل فضل البقاء في مدينة بومرداس…رغم المضايقات و الرقابة و العيون اللصيقة للأجهزة الجزائرية التي ستواصل معركة كسر قلم صنصال بمنع كتابه Poste restante, Alger من المشاركة في المعرض الدولي للكتاب بالجزائر لسنة 2006..وهو الكتاب الذي تضمن قراءة نقدية للحالة السياسية للنظام العسكري…

ليس هذا فحسب فالنظام العسكري يحاول استفزاز فرنسا بعد موقفها الصريح والتاريخ بمغربية الصحراء و بعد زيارة الدولة للرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون و التوقيع على جيل جديد من الاتفاقيات الاستراتيجية المهمة…من خلال التحرش و اعتقال كل المفكرين و الكتاب الجزائريين المستقرين بفرنسا او يكتبون يالفرنسية…
فالكاتب و القاص ” بوعلام صنصال” يحمل الجنسية الفرنسية و كتاباته بالفرنسية..و اعتراف ذات الكاتب بمغربية الصحراء من داخل الجزائر هو فقط الشرارة الأولى التي بإمكانها تشجيع كل الأقلام الجريئة من داخل الجزائر لقول الحقيقة التاريخية حول الصحراء المغربية…لذالك سارعت أجهزة مطار الجزائر الى اعتقاله في مكان مجهول لحد الآن…
تحرش النظام الجزائري بالاقلام سيطال أيضا الكاتب و اللاجئ الجزائري بفرنسا “كمال داود ” 54 سنة..والفائز بجائزة ” الغونكور ” الفرنسية الشهيرة لسنة 2024 عن قصته Houris..فهرع النظام باسم مواطنة تدعى ” سعدة عربان ” 31 سنة لرفع دعوى قضائية ضد “كمال داود” بتهمة السرقة الأدبية..بتوظفه لقصتها الشخصية في زمن الحرب الاهلية وأنها فقدت النطق بعد قيام الاسلاميين بقطع أحبالها الصوتية بعد محاولة ذبحها…و نجاتها من الموت بأعجوبة…

هنا أيضا النظام الجزائري يحاول كسر قلم ” كمال داود” من جهة ، و التلويح بالذكريات الأليمة للحرب الأهلية و أن ذات النظام انقد الجزائريين من الإسلاميين بعد فوزهم في الانتخابات ( سياسة الخوف )…و كأنهم يعيدون التأكيد على خطوطهم الحمراء أي قضية الصحراء المغربية و الديمقراطية وتداول السلط…

فالهزائم المتتالية للنظام العسكري سواء على المستوى السياسي او الديبلوماسي رفع من درجة حساسيته وجعل من بث الارقام الهزلية لنتائج الرئاسيات أولا، و بث مباشر لصور الرئيس تبون و أحد موظفيه ثانيا أسباب عجلت بإقالة المدير العام للتلفزيون العمومي الجزائري..” محمد النذير بوقابس” في شهر غشت الماضي و الذي عُين بدوره بعد إقالة مماثلة للمدير العام للتلفزيون “شعبان لونكال ” بعد بثه خبر فوز المغرب على البرتغال وتاهله الى دور الربع لمونديال قطر 2022..

لقد أعتقد النظام العسكري أنه بهذه الاعتقالات و التهم المفبركة و أعمال الرقابة على كل الفاعلين السياسيين و الإعلاميين و الحقوقيين… أنه سيحد من تأثيرهم داخل الجزائر أو خارجها…في حين يكون قد وضع نفسه أمام كشافات المنظمات الحقوقية و تقارير المؤسسات الاعلامية و أمام ضمير المجتمع الدولي…و أقل وصف ينطبق على النظام العسكري في الجزائر هذه الاثناء هو أنه تحت سيف ديموقليس….
عبد الله بوصوف…

مقالات مشابهة

  • برقية شكر من الملك إلى رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة
  • لزرق: الجزائر تستشعر قرب طي ملف الصحراء بإنتاج مسرحيات هزلية جديدة
  • الملك يشكر رئيس بنما على إثر قرار بلاده بخصوص القضية الوطنية الأولى للمملكة
  • دعم دولتي الريف والقبائل.. الجزائر والمغرب يشهران سلاح الحركات الانفصالية
  • الجهات القضائية المصرية ترفع المئات من قوائم الإرهاب
  • كلام عن المغرب.. ما الذي قاله صنصال وأغضب الجزائر؟
  • كلام عن المغرب.. ما الذي قاله صنصال وأغضب سلطات الجزائر؟
  • كلام عن المغرب.. ما الذي قاله صنصال وأزعج سلطات الجزائر؟
  • الأرصاد الجوية توضح بخصوص ارتفاع درجات الحرارة بالمغرب
  • عبد الله بوصوف يكتب..النظام الجزائري من معركة كسر العظام الى معركة كسر الأقلام