لليوم الـ32 من الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة المحاصر منذ 2006، يستمر تجاهل دعوات وقف إطلاق النار وتسريع إدخال المساعدات الإنسانية في ظل تفاقم نقص الأغذية والوقود ومياه الشرب والأدوية.

وتشير تقديرات مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية إلى أنّ نحو 1.5 مليون، أي أكثر من نصف سكان قطاع غزة، فرّوا من منازلهم ويحتمي قرابة 700 ألف منهم بمبان تديرها وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا)، فيما اتّخذ عشرات الآلاف، من المستشفيات والكنائس مآوى لهم.

وأكّد المكتب في وقت سابق أنّ ملاجئ الأونروا في الجنوب تأوي ما يفوق طاقتها ولم تعد قادرة على استقبال المزيد، مشيرا إلى أنّ الكثير من النازحين ينامون في العراء في الشوارع قرب الملاجئ.

من جانبها، أكّدت منظمة الصحة العالمية أنّ أكثر من ثلث مستشفيات غزة البالغ عددها 35، خرج من الخدمة وأنّ المرافق التي ما زالت تعمل تبلغ دوريا عن وجود نقص حاد في الوقود، وهو ما قلّص إمداداتها من الكهرباء بشكل كبير. حرب التجويع “لم نشرب ماء منذ يومين”.. كلمات بالكاد تخرج من حلق طفل فلسطيني أصابه الإعياء والخوف الناتجين عن استمرار القصف الإسرائيلي على القطاع غزة لليوم الـ32.

ويُعاني سكان قطاع غزة من نقص حاد في المياه بعد أن توقّفت محطّتين لتحلية مياه البحر عن العمل بسبب نقص الوقود، وتعمل أخرى بالحدّ الأدنى، وفق مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية.

وفي شهادة أخرى عن الوضع المعيشي في قطاع غزة، قالت إحدى السيّدات إنّ المواطنيين يشربون المياه المالحة (البحر) في ظل شحّ المياه الصالحة للشرب ونقص الإمدادات الموجّهة إليهم في المدارس التابعة للأونروا.

وأظهرت مقاطع فيديو طفلة صغيرة تحاول امتصاص قطرات الماء من خزان وُضع على عربة يجرّها حمار دون جدوى، في مشهد مؤثّر يصوّر حجم المعاناة التي يعيشها الأطفال والنساء في قطاع غزة.

وتقول منظمات دولية تُعنى بالغوث الإنساني إنّ الأزمة تجاوزت عدد الشهداء الذي فاق عشرة آلاف، مؤكّدة أنّ الجوع والعطش باتا يهدّدان مئات الآلاف من المواطنين الذين ينتظرون إلى حد الآن دخول المساعدات والإمدادات عبر معبر رفح الحدودي مع مصر.

وفي وقت سابق، أكّد المتحدّث باسم وزارة الداخلية بغزة أنّ عدم توفّر مياه الشرب في محافظتي غزة وشمال غزة دفع السكان إلى شرب المياه الملوثة، مشيرا إلى أنّ نحو 900 ألف من سكان القطاع يواجهون كارثة بعد توقّف المخابز وانقطاع مياه الشرب.

وقال أحد المواطنين إنّ أكثر من 25 إنسانا يتشاركون زجاجتَيْ ماء كل فترة طويلة. والمياه التي نشربها في أغلب الأحيان غير صالحة للشرب وأحيانا نملأ الزجاجات من ماء البحر.

ويقول مواطنون في قطاع غزة إنّ الاحتلال يوسّع دائرة قصفه قطاع غزة واستهدافه التجمّعات السكنية المأهولة بهدف إجبار السكان على المغادرة وتهجيرهم إلى الجنوب، وذلك ضمن خطط الهجوم البري.

وتشير تقارير إعلام محلّي إلى أنّ الكيان يوجّه طائراته لقصف المرافق الحيوية في قطاع غزة من أجل تخويف المواطنين ودفعهم إلى مغادرة منازلهم، مضيفة أنّ الاحتلال كثّف في الفترة الأخيرة قصفه المستشفيات وخزانات المياه والمخابز وهي كلها مرافق حيوية بدرجة عالية. وإضافة إلى قطع المياه، كثّف الاحتلال استهدافه المخابز (11 مخبزة) في القطاع، ما عمّق الأزمة الغذائية ونقص إمداد السكان بالخبز.

وكان مكتب الأمم المتحدة لتنسيق الشؤون الإنسانية، أكّد أنّ المطحنة الوحيدة المتبقية في غزة لم تعد قادرة على طحن الدقيق بسبب نقص الكهرباء والوقود، فيما أوضح برنامج الأغذية العالمي أنّ مخزونات السلع الغذائية الأساسية في القطاع مثل الأرز والزيوت النباتية على وشك النفاد في فترة تتراوح بين يوم وثلاثة أيام.

والاثنين، أصدر مسؤولو الوكالات الرئيسية التابعة للأمم المتحدة بيانا مشتركا نادرا أبدوا فيه غضبهم من ارتفاع عدد الضحايا المدنيين في غزة، مطالبين بوقف فوري إنساني لإطلاق النار.

وجاء في بيان الـ18 منظمة أنّه في غزة “يتعرّض شعب بكامله للحصار والهجوم، ويُحرم من الوصول إلى العناصر الضرورية للبقاء على قيد الحياة، ويُقصَف السكان في منازلهم وفي الملاجئ والمستشفيات وأماكن العبادة. هذا أمر غير مقبول”.

ممرات الموت تقول منظمات إنسانية إنّ حرب التجويع الإسرائيلية تبلغ ذروتها في قطاع غزة من خلال منع الإمدادات الغذائية، وقصف المخابز، وخزانات المياه. وفي بيان أصدره تعليقا على الاستهداف الإسرائيلي للمرافق الحيوية، قال المرصد الأورومتوسطي لحقوق الإنسان إنّ “القانون الإنساني الدولي يحظر بشكل صارم استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب، وباعتبارها القوة المحتلة في غزة، فإنّ إسرائيل ملزمة وفقا للقانون الإنساني الدولي بتوفير احتياجات سكان غزة وحمايتهم”.

وتؤكّد التقارير الدولية أنّ حرب التجويع التي يقودها الكيان، تهدف بشكل رئيسي إلى إجبار السكان على مغادرة القطاع ضمن ما تزعم أنّه “ممرات آمنة”.

وفي وقت سابق، دعا الاحتلال سكان غزة إلى التوجّه جنوبي القطاع وذلك بالتزامن مع إعلانه بدء العملية البرية، فيما طالب مسؤولون في الكيان بضرورة تهجيرهم إلى سيناء المصرية. وكان المتحدّث باسم وزارة الصحة في غزة، أشرف القدرة، وصف العروض الإسرائيلية الخاصة بالتحرّك عبر الممرات الآمنة، بالمخادعة، مؤكّدا أنّها “ليست سوى ممرات الموت”.

وأضاف أنّ الجثث ملقاة على الطريق منذ أيام، داعيا اللجنة الدولية للصليب الأحمر إلى مرافقة سيارات الإسعاف المحلية لانتشال القتلى.

وتؤكّد شهادات النازحين ما صرّح به القدرة، إذ أوضحت شابة تدعى أمل -كانت جزءا من مجموعة مكوّنة من 17 شخصا قاموا بالفرار من شمال القطاع يوم الاثنين- أنّ الدبابات الإسرائيلية أطلقت النار بالقرب منهم.

وأضافت في تصريحات لـ”أسوشيتد برس” أنّ جنودا إسرائيليين أمروا الجميع برفع أيديهم والأعلام البيضاء قبل السماح لهم بالمرور، مضيفة أنّ بعض المواطنين تعرّضوا للاستهداف المباشر. بدورها، وصلت الفلسطينية نور ناجي أبو ناصر (27 عاما) إلى مدينة خان يونس جنوب قطاع غزة، واصفة رحلتها التي استمرت لساعات، بأنّها “مخيفة للغاية”.

وقالت نور في تصريحات صحفية: “لقد أطلقوا النار على الرمال من حولنا، أرادوا إخافتنا”، مضيفة أنّها شاهدت جثثا ملقاة على طول الطريق خارج مدينة غزة. وأظهرت مقاطع فيديو زيف ادّعاءات الكيان بإقامة ممرات آمنة، إذ كشفت الصور استهداف طيران الاحتلال الإسرائيلي المهجّرين قسرا من منازلهم في شارع صلاح الدين الذي يصل شمال غزة بالجنوب.

وتأتي محاولة الاحتلال الإسرائيلي إجبار أكبر عدد من سكان قطاع غزة على الهجرة الجماعية ضمن خطة إفراع شمال غزة ووسطها، تمهيدا لاجتياح بري كبير بالتزامن مع استمراره في ارتكاب مجازر في حقّ المدنيين وسط صمت عربي ودولي مطبقين.

المصدر: مأرب برس

كلمات دلالية: فی قطاع غزة فی غزة إلى أن

إقرأ أيضاً:

صرخات الجوع.. رسائل إلكترونية شاهدة على معاناة الغزيين في الحرب

"تخيّل أن يستيقظ طفلك فجرًا يصرخ من زفرات الجوع ولا تجد ما يروي جوفه، كيف سيكون حالك وقتها؟"، بهذه الكلمات عبّر الفلسطيني باسم الحناوي في تدوينه على فيسبوك عن أقسى لحظاته الأبوية منذ بداية الحرب الإسرائيلية على قطاع غزة.

وتابع "الساعة 5 فجرًا، استيقظ الولد يبكي يريد أن يأكل ولا يوجد ما يأكله، لقد غمست الخبز في الماء وأطعمته".

ولم يأكل الجوع بطون الصغار وحدهم خلال الحرب، فقد أصبح الكبار يبحثون عما يسد جوفهم الجاف ليلا.

قصة جديدة مع الجوع يرويها هذه المرة معين الضبة، الذي استيقظ من نومه يشكي الجوع وقلة الطعام، فاضطر لأخذ إحدى وجبات طفله الإغاثية.

وكتب عن قصته قائلا "لا يوجد خبز ولا حتى طحين (دقيق)، هذا المعجون جلبته لابني من الإغاثة، عمره 6 أشهر، يأكله بدلا من الحليب لأنه مقطوع أيضا.. اضطررت لأكله لأني أموت من الجوع. منذ أسابيع قلصنا الوجبات اليومية من ثلاث إلى واحدة، لكن اليوم لا نجد هذه الوجبة".

وتشتكي بطون سكان غزة الجوع منذ بدء الحرب الإسرائيلية في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023، حيث فرض جيش الاحتلال الإسرائيلي حصارا بريا وبحريا وجويا على القطاع، وأغلق كافة المعابر، وبسط سيطرته على حركة دخول البضائع والمساعدات.

ويوم الجمعة الماضي، قال مدير تحليل الأمن الغذائي والتغذية لدى برنامج الأغذية العالمي جان مارتن باور إن "هناك احتمالا قويا بأن المجاعة تحدث أو أنها وشيكة في أجزاء من شمال غزة".

وأكد البرنامج التابع للأمم المتحدة أن عدد الشاحنات التي تحمل مساعدات إنسانية ودخلت غزة في أواخر أكتوبر/تشرين الأول الماضي انخفض بشكل كبير، مشيرًا إلى أن 58 شاحنة فقط تدخل يوميا مقارنة بنحو 200 شاحنة كانت تدخل خلال الصيف الماضي.

صرخات الجوع

ووصلت أزمة الغذاء في قطاع غزة إلى مستويات غير مسبوقة حتى أصبحت صرخات الجوع تملأ مواقع التواصل الاجتماعي، فالصمت عن الجوع ليس عيبا، كما يقول معين الكحلوت الذي كتب عبر حسابه في منصة إكس "لا أشعر بالخجل عندما أقول نفسي بالأكل.. نفسي بالخضروات والفواكه.. نفسي باللحمة والدجاج.. نفسي بالجبنة واللبن، صدّقوني لقد نسينا طعمها، ونفسي بأشياء ما كنت أحبها لكن لو توفرت سآكلها".

ويختم قائلا "هذا أنا الكبير فما بالكم بالصغار؟".

لا أشعر بالخجل عندما أقول
أقسم بالله نفسي بالأكل
نفسي بالخضروات والفواكه
نفسي باللحمة والدجاج
نفسي بالجبنة واللبن
صدقوني نسينا طعمها
نفسي بأشياء ما كنت أحبها
لكن لو توفرت حأكلها

هذا أنا الكبير فما بالكم بالصغار ؟#شمال_غزة

— معين الكحلوت . من غزة ???????? ???????? (@Moin_Awad) November 6, 2024

بينما لا ترى دعاء الشريف في صرخات الجوع أي مبالغة، فهي ترى أن غزة، من شمالها إلى جنوبها، ومن أصغر طفل إلى أكبر شيخ يخلدون إلى النوم جوعى خلال حرب لم ينفك الاحتلال فيها عن إسقاط كل أشكال العذاب على سكان القطاع قصفا وتهجيرا وتجويعا وإبادة.

لا أبالغ إن قلت لكم أن غزة الآن بأسرها، من شمالها إلى جنوبها، ومن أصغر طفل إلى أكبر شيخ، يخلدون جميعاً إلى النوم وهم جوعى !!

— دعاء الشريف Doaa El shareef | ???????? (@anadoaa8) November 4, 2024

طب أقسم أنني جائع ولا أجد ما أسد جوعي
ليس قلة في المال
لأنه لا يوجد شيء يشترى ويؤكل
حتى الخبز الذي نفذ من خيمتي أصبنا منه بالأمراض لأنه مليء بالسوس والديدان
اللهم أنت حسبنا ونعم الوكيل https://t.co/X8Cyr9egEO

— محمد عبد العزيز-غزة???? (@Mohammed_102006) November 4, 2024

انخفاض تدفق المساعدات أدى إلى مضاعفة أسعار المواد الغذائية في قطاع غزة، وصل بعضها إلى 10 أضعاف، مما جعل نحو 2.2 مليون نسمة في القطاع يشتهون أبسط ما كانت تغرق به موائدهم قبل الحرب الإسرائيلية.

فهذا سمعة يشتهي "المقلوبة وما تحتويه من باذنجان وبندورة وبطاطا، ولو أضيفت لها اللحمة ستكون أحلامنا قد تحققت لأننا نسينا مذاق هذه الأشياء"، كما يسهب في وصفه.

الناشط خالد صافي شارك شيئا من هذه الظاهرة، وأوضح عبر حسابه في منصة "إكس" أن تكلفة إعداد وجبة عشاء لسكان غزة في هذه الحرب، مكونة من طبق بطاطا وآخر باذنجان مع زيتون وبندورة وفلفل أخضر، تصل إلى 40 دولارا.

تعشيت؟
منازل الهنا يارب بالصحة والعافية على قلبك
للتذكير فقط: أهلك وأحبابك في غزة وقت ما يلاقوا موارد لعمل وجبة عشاء مكونة من:
صحن بطاطا مقلية وباذنجان وزيتون وسلطة بندورة وفلفل أخضر
تكلفهم 150 شيكل = 40$
علمًا بأنهم لا يعملون منذ أكثر من عام.
والحمد لله على كل حال pic.twitter.com/m47w1sXnjg

— Khaled Safi ???????? خالد صافي (@KhaledSafi) November 9, 2024

هي الأسباب نفسها التي أوجعت الصحفي الفلسطيني أسامة العشي، الذي لا يُنكر تكلفة مذاق طبق السلطة وصعوبة توفيره في الحرب، وكتب متمنيا عبر حسابه "جاي على بالي صحن سلطة".

وحتى إبراهيم العزايزة قال في تعليق له إنه "اشترى كيلوغرام الطماطم بـ55 شيكلا (نحو 15 دولارا أميركيا)"، يستذكر في قرارة نفسه الأيام الماضية حين كان يشتري بثمن الكيلوغرام الواحد من الطماطم دجاجتين لعمل أحلى غذاء.

يذكر أن برنامج الغذاء العالمي التابع للأمم المتحدة قال إنه لم يتمكن خلال أكتوبر/تشرين الأول الماضي من جلب سوى أقل من 30% من الاحتياجات الغذائية لسكان قطاع غزة.

وبدعم أميركي، تواصل إسرائيل منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023 حرب إبادة جماعية على قطاع غزة، خلفت آلاف الشهداء والجرحى، معظمهم أطفال ونساء، وما يزيد على 10 آلاف مفقود، وسط دمار هائل ومجاعة قتلت عشرات الأطفال والمسنين.

مقالات مشابهة

  • ما حقيقة زيادة الاحتلال لكمية المساعدات الواردة لغزة بعد ضغط أمريكي؟
  • 43736 شهيداً في قطاع غزة منذ بدء حرب الإبادة
  • استشهاد 5 فلسطينيين وإصابة آخرين في قصف بمخيم المغازي وسط قطاع غزة
  • الدفاع المدني الفلسطيني: طواقمنا معطلة قسرا في شمال غزة لليوم الـ22 على التوالي
  • شهداء ومصابون في قصف للاحتلال على قطاع غزة
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي ينذر عددا من سكان بلدات جنوب لبنان بإخلاء منازلهم
  • جيش الاحتلال الإسرائيلي ينذر سكان 14 قرية في جنوب لبنان بالإخلاء
  • شاهد.. الاحتلال يهجّر قسرا مئات الفلسطينيين من بيت حانون
  • صرخات الجوع.. رسائل إلكترونية شاهدة على معاناة الغزيين في الحرب
  • الجيش الإسرائيلي يجبر آلاف المواطنين على النزوح قسرا من بيت حانون