نشرت مجلة فورين بوليسي (Foreign Policy) الأميركية مقالا يفيد بأن الاقتراب الصيني من روسيا أيديولوجيا قد انتهى، وأن ما كانت تأمله الصين من دفاع البلدين عن عقيدة سياسية واحدة وعن فضائل (للاستبداد) ضد (الهجوم) المتخيل من الليبرالية الغربية الديمقراطية؛ قد فتر.

وأضاف كاتب العمود بالمجلة هوارد فرينش في مقاله أنه لم تعد لدى الصين أي طريقة ممكنة لفهم أو تفسير "البوتينية" (إشارة إلى الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) بشكل يجعل بكين مرتاحة للاقتران الأيديولوجي بينهما، وبدلا من كونهما حليفين؛ برزت روسيا حاليا وبشكل متزايد بوصفها مشكلة بالنسبة للصين.

شعور الصين بأنها في مأزق

وأوضح فرينش (وهو أستاذ في كلية الدراسات العليا للصحافة بجامعة كولومبيا) أن المعروف علنا هو أن الرئيس الصيني شي جين بينغ أدلى ببيان قوي بشكل غير عادي عن تعاطفه مع روسيا وبوتين أوائل العام الماضي، عندما تحدث عن صداقتهما على أنها "لا حدود لها".

وتابع أنه ومنذ ذلك الحين، ظلت الصين في مأزق لتوضيح أن هذا لا يعني أن البلدين قد دخلتا في تحالف، ووقعت بكين في عملية موازنة دقيقة وحتى مكلفة، في محاولة لإظهار الدعم لموسكو وفي  الوقت نفسه عدم الوقوع في ما يمكن أن يكلفها في علاقتها مع واشنطن، مثل تجنب ظهور الأسلحة الصينية الفتاكة لدى جيش بوتين الضعيف. ولتجنب إلحاق ضرر جسيم بالعلاقات مع أوروبا، كان على الصين أن تحافظ على موقفها بأنها ليست مهتمة كثيرا بانتصار روسي بقدر اهتمامها بنوع من النتائج العادلة والسلمية. لكن الدول الأوروبية التي تشعر بالتهديد من "تهور" بوتين والغضب من تكلفة الصراع تبدو أقل ميلا للإيمان بمساعي الصين الحميدة.

الازدراء الهادئ

وأضاف الكاتب أنه من المرجح أن الرئيس شي ينظر إلى المشهد المتدهور لروسيا بشيء من الازدراء الهادئ، وأن تاريخ الصين منذ منتصف القرن العشرين وحتى الآن يشهد على أنها تعتقد أنه لا يوجد نظام في روسيا (الاتحاد السوفياتي سابقا) يستحق القتال من أجله، وأن التمرد الأخير الذي نفذه قائد مجموعة "فاغنر" يفغيني بريغوجين رسّخ فكرة انحلال النظام الروسي لدى بكين.

وأشار فرينش إلى أن أحد المبادئ التأسيسية لمؤسس جمهورية الصين الشعبية ماو تسي تونغ هو أن يظل جيش البلاد في جميع الأوقات تحت سيطرة واضحة لا لبس فيها وفي خدمة الحزب الشيوعي، مضيفا أن كل زعيم منذ ماو تمسك بهذا الخط.


واستمر الكاتب ليقول إن تاريخ الصين يحمل في طياته أسبابا أقدم للشعور بالنفور من انحلال روسيا في عهد بوتين.

بوتين ومتابعة التاريخ بشكل معاكس

وقال فرينش إنه ولعقود من الزمن قبل انتصار الحزب الشيوعي الصيني عام 1949، كانت الصين ممزقة باستمرار من قبل أمراء الحرب، ومشهد روسيا اليوم يذكر الصينيين بتاريخهم البائس، وإن بوتين يتصرف كما لو كان يتابع التاريخ في الاتجاه المعاكس، فقد اعتمد بشكل متزايد على أمراء الحرب والمليشيات لتعزيز سلطته والسعي إلى تحقيق أهداف إستراتيجية.

ومنذ حرب الشيشان في مطلع القرن، ظل بوتين يعتمد على المليشيات، مثل اعتماده على القوات الموالية لأحمد قديروف لإخماد تمرد انفصالي هناك. وفي العام الماضي في حرب أوكرانيا، ذهب بوتين إلى أبعد من مضاعفة تلك الإستراتيجية، إذ اعتمد بشدة على مجموعة فاغنر.

صمت الصين المؤقت تجاه تمرد فاغنر

وقال فرينش إن مبدأ الصين وعداءها للمليشيات أو أي كيان عسكري خارج قبضة الدولة يساعد في تفسير سبب صمت بكين فترة طويلة بعد تمرد بريغوجين قصير الأجل، وعندما بدأت بكين أخيرا التعليق كان الأمر مجرد التعبير عن الرغبة اللطيفة في أن تتمكن جارتها بطريقة ما من الحفاظ على استقرارها الوطني.

ومع ذلك، يقول الكاتب إنه لا ينبغي لأي من هذا أن يوحي بأن الصين ستغسل يديها من روسيا أو بوتين؛ فهما جاران مسلحان نوويا ومرتبطان بالعديد من الأشياء؛ من اعتماد روسيا المتزايد على الصين بوصفها مشتريا للهيدروكربونات، إلى تدفق المهاجرين الاقتصاديين الصينيين إلى الأراضي الحدودية ذات الكثافة السكانية المنخفضة في الشرق الأقصى الروسي.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

فورين بوليسي: هكذا حطمت غزة أساطير الغرب

إبادة إسرائيل لغزة، بتمويل من الديمقراطيات الغربية، فرضت محنة نفسية لعدة أشهر على ملايين البشر، ليصبحوا شهودا مكرهين على عمل من أعمال الشر السياسي، ويدركوا بصدمة، وهم يسمعون صراخ أم تشاهد ابنتها تحترق حتى الموت في مدرسة قصفتها إسرائيل، أن كل شيء ممكن، وأن تذكر الفظائع الماضية لا يضمن عدم تكرارها في الحاضر، وأن أسس القانون الدولي والأخلاق ليست آمنة على الإطلاق.

في هذه الجمل يتلخص المقال الذي اقتبسته مجلة فورين بوليسي -كما تقول- من كاتب "العالم بعد غزة" للروائي والكاتب الهندي بانكاج ميشرا، الذي انطلق فيه من ذكرى محرقة وارسو عام 1943، عندما حمل بضع مئات من الشباب اليهود في حي وارسو كل الأسلحة التي تمكنوا من العثور عليها وردوا على مضطهديهم النازيين، في ما لم يكن سوى سعي لإنقاذ بعض الكرامة واختيار طريقة الموت، كما يقول قائدهم.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2تايمز: ما المعتقد الديني لترامب؟ هكذا غيّر الاقتراب من الموت شيئا في إيمانهlist 2 of 2موقع إيطالي: ما الذي تخفيه المفاوضات حول مستقبل القواعد الروسية بسوريا؟end of list

وأشار الكاتب، بعد التذكير بندوب المحرقة وولادة دولة إسرائيل وحروبها مع العرب، بأن السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023، كان سببا جديدا في إحياء الخوف من محرقة أخرى، لن تتردد القيادة الإسرائيلية الأكثر تعصبا في التاريخ في استغلاله.

وبالفعل ادعى زعماء إسرائيل الحق في الدفاع عن النفس ضد حركة المقاومة الإسلامية (حماس)، ولكن كما اعترف عمير بارتوف، المؤرخ الرئيسي للمحرقة، فإنهم سعوا منذ البداية إلى "جعل قطاع غزة بأكمله غير صالح للسكن، وإضعاف سكانه إلى الحد الذي يجعلهم إما ينقرضون أو يبحثون عن كل الخيارات الممكنة للفرار من المنطقة".

إعلان

الغرب لم يفعل شيئا

وهكذا شهد المليارات من البشر هجوما غير عادي على غزة، كان ضحاياه -كما قالت بلين ني غرالاي، المحامية الأيرلندية التي رافعت نيابة عن جنوب أفريقيا في محكمة العدل الدولية في لاهاي- "يبثون تدميرهم في الوقت الحقيقي على أمل يائس وعبثي في أن يفعل العالم شيئا"، ولكن العالم، أو الغرب على وجه التحديد، لم يفعل شيئا.

ورغم أن الضحايا في غزة يتنبؤون بموتهم على وسائل الإعلام الرقمية قبل ساعات من إعدامهم، وأن قتلتهم بثوا أفعالهم على تيك توك، فقد عتمت أدوات الهيمنة العسكرية والثقافية الغربية على تصفية غزة، من زعماء الولايات المتحدة وبريطانيا الذين هاجموا المحكمة الجنائية الدولية ومحكمة العدل الدولية، إلى محرري صحيفة نيويورك تايمز الذين أصدروا تعليمات لموظفيهم بتجنب مصطلحات "مخيمات اللاجئين" و"الأراضي المحتلة" و"التطهير العرقي".

كان الوعي بأن مئات من الناس يُقتلون أو يجبرون على مشاهدة قتل أطفالهم -ونحن نواصل حياتنا- يسمم حياة الملايين، وكانت مناشدات أهل غزة، وتحذيراتهم من أنهم وأحبائهم يوشكون أن يقتلوا، تليها أنباء عن قتلهم، تزيد من الإذلال والشعور بالعجز الجسدي والسياسي.

ستتراجع الحرب في النهاية إلى الماضي -كما يذكر المقال- وقد يسوي الزمن كومة الرعب الشاهقة، لكن علامات الكارثة ستبقى في غزة لعقود، في الأجساد المصابة والأطفال الأيتام وأنقاض المدن والمشردين والوعي بالحزن الجماعي، وحتى الذين شاهدوا عن بعد قتل وتشويه عشرات الآلاف على شريط ساحلي ضيق، ورأوا تصفيق أو عدم اكتراث الأقوياء، سوف يعيشون بجرح داخلي وصدمة لن تزول لسنوات.

أما النزاع في كيفية وصف عنف إسرائيل بأنه الدفاع المشروع عن النفس أو الحرب العادلة في ظروف حضرية صعبة أو التطهير العرقي والجرائم ضد الإنسانية، فلن يُحَل أبدا، ولكن ليس من الصعب أن نرى علامات الفظاعة النهائية والمخالفات الأخلاقية والقانونية الإسرائيلية، في القرارات الصريحة والروتينية من جانب القادة الإسرائيليين بالقضاء على غزة.

إعلان

كما لن يكون من الصعب أن نراها في موافقة الجمهور الضمنية، وفي نعت الضحايا بأنهم شر مع أن معظمهم كانوا أبرياء تماما، وفي حجم الدمار الذي كان أكبر مما أحدثته الحلفاء بألمانيا، وفي كون وتيرة عمليات القتل وملء المقابر الجماعية في جميع أنحاء غزة وأساليبها التي تعتمد على خوارزميات الذكاء الاصطناعي، وفي حرمان الناس من الوصول إلى الغذاء والدواء، وفي تعذيب السجناء العراة، وفي تدمير المدارس والجامعات والمتاحف والكنائس والمساجد وحتى المقابر، وفي صبيانية الشر المتمثلة في رقص الجنود الإسرائيليين في ملابس الفلسطينيات القتلى أو الهاربات، وفي شعبية مثل هذا النوع من الترفيه على تيك توك في إسرائيل، وفي الإعدام الدقيق للصحفيين الذين يوثقون إبادة شعبهم في غزة.

لا توجد كارثة تقارن بغزة

حدث الكثير في السنوات الأخيرة من الكوارث الطبيعية والمالية والسياسية، ولكن لا توجد كارثة تقارن بغزة، وما تركته من الحزن الهائل والحيرة والضمير الميت، ولم يسفر أي شيء عن مثل هذا القدر من الأدلة المخزية على افتقارنا إلى الحماس والسخط وضيق الأفق وضعف الفكر، مما دفع جيلا كاملا من الشباب في الغرب إلى مرحلة الرشد الأخلاقي بسبب أقوال وأفعال وتقاعس شيوخهم في السياسة والصحافة.

وكان الحقد العنيد والقسوة التي أبداها الرئيس الأميركي جو بايدن تجاه الفلسطينيين -حسب الكاتب- من بين الألغاز المروعة التي طرحها الساسة والصحفيون الغربيون، إذ كان من السهل عليهم حجب الدعم غير المشروط للنظام المتطرف في إسرائيل مع الاعتراف بضرورة ملاحقة وتقديم المذنبين في السابع من أكتوبر/تشرين الأول، للعدالة.

وتساءل الكاتب لماذا ادعى بايدن أنه شاهد مقاطع فيديو فظائع لا وجود لها، ولماذا زعم رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر أن إسرائيل "لها الحق" في حجب الطاقة والمياه عن الفلسطينيين، ولماذا قفز يورجين هابرماس للدفاع عن مرتكبي التظهير العرقي المعلنين؟ وما الذي دفع مجلة أتلانتيك إلى نشر مقال يزعم أن "قتل الأطفال أمر ممكن قانونيا"؟

إعلان

وتساءل الكاتب عن تفسير بناء وسائل الإعلام الغربية كل أفعال إسرائيل للمجهول، ولماذا ساعد مليارديرات الولايات المتحدة في حملات القمع القاسية ضد المتظاهرين في الحرم الجامعي؟ ولماذا فصل الأكاديميون والصحافيون، وحظر الفنانون والمفكرون من العمل، ومنع الشباب من العمل لمجرد أنهم يتحدون الإجماع المؤيد لإسرائيل؟ ولماذا استبعد الغرب الفلسطينيين من مجتمع الالتزام والمسؤولية الإنسانية، في حين دافع عن الأوكرانيين وحماهم؟

وخلص الكاتب إلى أن بغض النظر عن كيفية تعاملنا مع هذه الأسئلة، فإنها تجبرنا على النظر بشكل مباشر إلى الظاهرة التي نواجهها، الكارثة التي تسببت فيها الديمقراطيات الغربية بشكل مشترك، والتي دمرت الوهم الضروري الذي نشأ بعد هزيمة الفاشية في عام 1945 حول إنسانية مشتركة يدعمها احترام حقوق الإنسان والحد الأدنى من المعايير القانونية والسياسية.

مقالات مشابهة

  • فورين بوليسي: هكذا حطمت غزة أساطير الغرب
  • كيف علّق جنبلاط على اقتراب تشكيل الحكومة؟
  • اشتباكات عنيفة في اللواء الرابع درع الوطن بعد تمرد مسلح غرب عدن تسفر عن قتلى وجرحى
  • محاكمة القرن.. كيف قلب مقال أنا أتهم لإميل زولا فرنسا رأسا على عقب؟
  • الكرملين: روسيا وأمريكا لم تبحثا بعد لقاء بوتين وترامب
  • الرئاسة اللبنانية :تصريحات أورتاغوس بشأن حزب الله تعبّر عن وجهة نظرها
  • روسيا تعلّق على لقاء محتمل بين بوتين وترامب
  • روسيا تكشف الموعد المحتمل لقمة بوتين وترامب
  • فورين بوليسي: خطة ترامب لتطهير غزة جنون محض
  • بكين: الصين تؤمن دوما بأن الفلسطينيون يحكمون فلسطين