جبران خليل جبران حاضر في مسقط رأسه بمئوية كتابه النبي
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
من تمثال للأديب والرسام اللبناني الأميركي جبران خليل جبران عند مدخل بشرّي شمالي لبنان يدرك الزائر أنه وصل إلى مسقط صاحب كتاب "النبي" الشهير الذي يُحتفل هذه السنة بمئوية صدوره.
في المتحف -الذي يحتضن رفات المؤلف منذ وفاته عام 1931- يمكن الاطلاع على نسخ بأكثر من لغة من هذا الكتاب، إذ إن الشهرة الكبيرة -التي حظي بها بعدما نشرته دار "كنوبف" الأميركية في سبتمبر/أيلول 1923- دفعت لترجمته إلى 115 لغة، وبيعت منه ملايين النسخ، وبات المفضل لملايين القراء في مختلف أنحاء العالم.
ويقول جوزيف جعجع مدير متحف جبران خليل جبران إن الكتاب "يتقرب من روحية كل فرد من خلال معالجة مواضيع الموت والحياة والصداقة والحب والأولاد وسواها، فيشعر كل قارئ أينما وجد أن هذا الكتاب يعنيه ويمسه في الصميم".
وللمؤلف -الذي كتب في "النبي" عبارة "ويل لأمة تكثر فيها المذاهب والطوائف وتخلو من الدين"- مجموعة كبيرة من الأقوال يتصدر بعضها السور الخارجي للمتحف.
انتشار عالمييذكّر ألكسندر نجار الكاتب والروائي اللبناني باللغة الفرنسية -خلال أمسية قراءات من "النبي" أقيمت أخيرا في بيروت- بأن الكتاب حصد في ستينيات القرن الماضي إعجاب الجامعيين وحركة "الهيبيز" التي استهوتها جملته الشهيرة "أولادكم ليسوا لكم".
وتعلق بالكتاب زعماء عالميون ومشاهير، كإمبراطورة اليابان ميتشيكو ورئيسة الوزراء الهندية الراحلة إنديرا غاندي وجون لينون عضو فرقة "بيتلز" والمغني جوني كاش وغيرهم، وفق جعجع.
وكان نجم الروك الأميركي إلفيس بريسلي "يدون عليه ملاحظاته ويهديه إلى أصدقائه ويعتبر أنه قلب حياته"، بحسب نجار.
ويرى نجار أن أسلوب الكتاب "يذكّر بالإنجيل على غرار عبارة "الحق أقول لكم" التي كان يخاطب بها المسيح تلاميذه، ويقترب كذلك من كتاب "هكذا تكلم زرادشت" للفيلسوف الألماني فريدريتش نيتشه، لكن جبران بدا في كتابه "أكثر شاعرية وأقل فلسفة"، ملاحظا أن في "النبي" صورا "مستقاة من عالم التصوف".
أما الكاتبة والرسامة اللبنانية الفرنكوفونية زينة أبي راشد -التي أصدرت أخيرا كتابا بالفرنسية حولت فيه "النبي" إلى قصة مصورة من 400 صفحة- فترى أن "نص جبران ليس كسائر النصوص، كان تحديا جميلا"، مشددة على أهمية "إعادة نشره بطريقة مختلفة لكي يكتشفه الجيل الجديد من لبنانيين وغير لبنانيين".
متحف جبران بين الجبال في بشرّي شمالي لبنان (شترستوك) متحف جبرانعلى طاولة في إحدى غرف المتحف -في بشرّي حيث ولد جبران عام 1883- تُعرض الترجمات الأولى لكتاب "النبي"، وبلغ عددها 11 خلال المرحلة الممتدة من 1923 إلى 1931، أبرزها بالألمانية والهولندية، ويضم المتحف 53 ترجمة، من بينها أيضا السويدية والصينية والنرويجية.
وأقيم متحف جبران في دير مار سركيس للآباء الكرمليين، والذي بني مطلع القرن الـ18، ويطل المكان على جبل المكمل من الجهة اليسرى ووادي قاديشا من الجهة اليمنى، وتحيط به غابة تطغى عليها أشجار السنديان.
ويقول جان بيار رحمة -الذي يعمل في المتحف- إن جبران الفتى كان يتردد دائما على الدير ويرسم رئيسه بالفحم جالسا على المصطبة أمام مدخله الرئيسي.
كما يوضح جوزيف جعجع أن "رغبة شديدة بالعودة إلى بشرّي كانت موجودة لدى جبران بعدما هجرها وهو في الـ12 مع والدته وشقيقه وشقيقتيه، لكنه توفي" قبل تحقيق هذه الرغبة.
وبعد وفاته وافق الرهبان على بيع الدير والأرض المحيطة به إلى شقيقته مريانا، وتحول مدفنا له في أغسطس/آب 1931 ثم متحفا لأعماله التشكيلية ومخطوطاته ومقتنياته عام 1975.
ويعرض المتحف 150 لوحة لجبران من أصل 440 موجودة لديه، إضافة إلى ألف كتاب موزعة على الغرف في طوابق المتحف الثلاثة.
ترجمات كتاب "النبي" لجبران خليل جبران بلغات عدة في متحفه بمسقط رأسه في بشرّي (الفرنسية)ويشير جعجع إلى أن بداية جبران بالرسم كانت بقلم الرصاص والفحم، وفي سنة وفاته عاد إلى الأبيض والأسود، ولكن أيا كانت التقنية المتبعة فيها فإن لوحاته تحمل بأحجامها المتفاوتة "نظرته الروحانية العميقة إلى الوجود، إلى الموت والحياة في آن واحد"، فالطبيعة هي الأساس في نتاج ريشته "هي الأم الحاضنة لكل الكائنات، هي الأرض، هي المرأة التي وقفت إلى جانبه" بحسب جعجع.
بورتريهاتويحتضن المتحف بورتريهات لأصدقاء وشخصيات عرفها جبران، من بينها مي زيادة التي ربطته علاقة حب أفلاطونية معها، والمحلل النفسي السويسري كارل يونغ، والشاعر الفرنسي إدمون روستان كاتب مسرحية "سيرانو دي برجراك"، والفيلسوف الهندي طاغور، والكاتبة الأميركية تشارلوت تيلر، وغيرهم.
ويقول المدير العام لمتحف إتيان دينيه الوطني في الجزائر رابح ظريف الذي كان يزور المتحف "كأن جبران عندما كان يعجز عن التعبير كتابة كان يلجأ إلى الرسم وبالعكس، لوحاته نصوص مفتوحة".
ويرى ظريف أن لوحات جبران التي يتوزع عدد منها على متاحف عالمية "تحمل أفكارا رؤيوية تجاوز فيها عصره" بحسب وصفه.
وتأثرت حركة زوار المتحف منذ أسابيع بالتوتر القائم في لبنان على خلفية حرب إسرائيل على غزة، لكن عندما يكون الوضع مستقرا يصل عدد الزوار إلى 50 ألفا سنويا، وفق جعجع الذي يشرح أن "المتحف يستقبل في الربيع زوارا أوروبيين، وفي الصيف يأتي اللبنانيون المغتربون فيصل الإقبال إلى ذروته، وبين هذين الفصلين يقصد المتحف سياح من دول عربية"، كما يقصده زوار من الولايات المتحدة وكندا وأميركا اللاتينية وأستراليا، فيما تتراجع الحركة في الشتاء.
ويزور هؤلاء مدفن جبران داخل مغارة محفورة في الصخر حيث وضع بورتريه له بريشة الرسام اللبناني يوسف الحويك.
في إحدى القاعات أثاث وأغراض من منزل جبران في نيويورك: إبريق شاي على طاولة منخفضة، وكرسي خشبي ومرآة إطارها برونزي، وكان جبران يجمع صلبانا وأقنعة.
أما مكتبته فتتوزع محتوياتها على 4 غرف، وتضم مجموعة "البؤساء" لفيكتور أوغو وقصص شارلوك هولمز وكتبا تاريخية ولاهوتية وفلسفية.
وجُهّز المتحف بالآت تعدّل الحرارة والرطوبة للحفاظ على اللوحات والمحتويات، وتعتمد إدارته منذ 10 أعوام "مكننة العمليات وتحديثها من خلال جهاز دليل الصوت ولافتات الشرح التوضيحي المعلقة على الحائط".
وللمتحف منشورات عدة، ويتعاون مع متاحف في الخارج لإقامة معارض للوحات جبران ومقتنياته ومخطوطاته.
وأعدت إدارة متحف جبران العدة للمشاركة على مدى عام ونصف عام في معرض بمقر الأمم المتحدة في نيويورك بمناسبة مئوية "النبي".
ترجمات عديدة لكتاب "النبي" الذي يضم تأملات فلسفية واجتماعية لجبران خليل جبران (الفرنسية)ويوضح جعجع أن المتحف "اختار 23 لوحة نسبة إلى 2023، من بينها ما يمثل الأشخاص الذي كان لهم دور أساسي في كتاب "النبي" على غرار والدة جبران الداعمة الأساسية له".
وشارك المتحف بالعشرات من لوحات جبران في معرض أقيم في نيويورك ضم نحو 110 لوحات لجبران موجودة في المتاحف الأميركية.
ويكشف جعجع أن البرازيل أصدرت طابعا بريديا بمناسبة المئوية، وتنتهي أنشطة المئوية بمشاركة في معرض الشارقة الدولي للكتاب الذي افتتح أخيرا، وفي مؤتمر عن جبران بجامعة صوفيا في بلغاريا في ديسمبر/كانون الأول الماضي.
وتشكل هذه المكانة العالمية لجبران خليل جبران مصدر فخر في بشرّي وكل لبنان.
وقرب المنزل الصغير -الذي عاش فيه طفلا في ساحة بشرّي، والذي يتوسط حديقته المهملة اليوم تمثال نصفي له أقيم على قاعدة رخامية- تقيم المسؤولة عن المنزل نايلة كيروز التي تحرص على أن تطل من شرفتها القريبة منه لتتفقده حتى لو كانت في إجازة.
وتقول دامعة "ماذا يعني لي جبران؟ الكثير، أنا أعتبره أرزة من أرزات لبنان".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
كاتس: إذا حاول حزب الله خرق وقف إطلاق النار سنسحق رأسه
رام الله - دنيا الوطن
وجّه وزير جيش الاحتلال الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، الأحد، تهديدًا مباشرًا لحرب الله في حال اخترق وقف إطلاق النار ولم ينسحب إلى ما وراء الليطاني.
وقال كاتس في تصريح له: "إذا لم ينسحب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، وإذا حاول خرق وقف إطلاق النار، سنسحق رأسه".
وتابع أن حكومته "لن تسمح لحزب الله بالعودة إلى قرى جنوب لبنان وإعادة إنشاء بنى تحتية تهدد بلدات الشمال".
وأكد كاتس أن إسرائيل تعتبر تصرفات حزب الله تهديداً مباشراً لسيادة إسرائيل وأمنها، مشيراً إلى أن إسرائيل لن تسمح للمجموعات المدعومة من إيران بتجاوز الخطوط الحمراء المقررة في المنطقة.
في 27 نوفمبر/تشرين الثاني 2024 دخل حيز التنفيذ اتفاق لوقف إطلاق النار بين حزب الله اللبناني والجيش الإسرائيلي بعد شهور من عمليات عسكرية متبادلة بين الطرفين بسبب إسناد حزب الله لجبهة غزة بعد عملية (طوفان الأقصى).