حرب غزة ودور الصين في الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
قد تكون حرب إسرائيل -حماس أول تَحَدٍّ دبلوماسي كبير للصين في الشرق الأوسط في التاريخ القريب.
منذ تدشين مبادرة الحزام والطريق قبل عشرة أعوام تزايد نفوذ الصين في المنطقة بسرعة. وبلغ ذروته في مارس الماضي بتوسط بكين في التقارب السعودي-الإيراني.
لكن على مر السنين ظلت الصين حريصة على الابتعاد عن التعقيدات الجيوسياسية للمنطقة والحفاظ على علاقات متوازنة وودية مع كل القوى الرئيسية بما في ذلك إيران وإسرائيل والدول العربية.
لكن الحرب بين إسرائيل وحماس على أي حال تجدد التشظِّيات الإقليمية القديمة وتجعل من الصعب لبكين الحفاظ على توازناتها. وعلى الرغم من بنائها علاقة وطيدة مع إسرائيل منذ أعوام التسعينيات، فإن تاريخ الصين كقائدة لعالم عدم الانحياز جعلها دائما داعمة قوية للقضية الفلسطينية.
فالصين لا تصنِّف رسميا حزب الله أو حماس كمنظمتين إرهابيتين. وفي الماضي أدانت باستمرار إسرائيل لانتهاكها القانون الدولي ودعت مرارًا إلى حل الدولتين داخل حدود 1967. لكن تأييدها للفلسطينيين ظل خطابيًّا أساسًا ولم يؤثر على روابطها التجارية المزدهرة مع إسرائيل.
هذه المرة موقف الصين إزاء أحداث 7 أكتوبر قد يؤثر سلبًا وبقدر كبير على علاقتها مع إسرائيل. وبعد أسبوعين من الصمت أدلى الزعيم الصيني شي جين بينج بتصريح عادي دعا فيه إلى وقف إطلاق النار وذكر أن إقامة «دولة فلسطين المستقلة» عبر حل الدولتين يمثل التسوية الجوهرية للنزاع.
كما امتنع عن إدانة حماس بوضوح أو وصفها بالمنظمة الإرهابية. أما بيان وزارة الشؤون الخارجية الصينية فلم يذكر حتى حماس بل فقط أدان «كل أشكال العنف والهجمات على المدنيين». وفي الأثناء انتقد وزير الخارجية وانج يي إسرائيل «لتجاوزها الدفاع عن النفس» ودعا إلى وقف «العقاب الجماعي لأهل غزة».
استثار الموقف الصيني ردود أفعال حادة في أوساط المسؤولين ووسائل الإعلام في إسرائيل. وعبّرت وزارة الخارجية الإسرائيلية عن خيبة أملها «العميقة» من عدم إدانة الصين لحماس.
إذا خاطرت الصين بإغضاب إسرائيل، فذلك لأنها ترى رهانات أوسع نطاقا في الصراع الحالي يتجاوز المسألة الفلسطينية-الإسرائيلية. بكين ترى في الأزمة فرصة لتمييز موقفها عن موقف الغرب المؤيد لإسرائيل وتعزيز سمعتها في جنوب العالم الذي تتعاطف العديد من بلدانه بشدة مع القضية الفلسطينية.
منذ بداية الأزمة شددت عدة بلدان في الشرق الأوسط وما ورائه من انتقادها لازدواج المعايير الذي يعتمده الغرب، فيما يخص احترام القانون الدولي، مشيرة إلى الضغوط الغربية لدعم أوكرانيا بعد اندلاع الحرب مع روسيا. وفي الأمم المتحدة بدت الولايات المتحدة والبلدان الأوروبية معزولة عندما صوّتت ضد قرار يدعو إلى وقف إطلاق النار وأيّدته روسيا والبرازيل والصين وبلدان غير غربية أخرى.
الانقسامات الدولية حول الأزمة الراهنة عززت سردية الصين بالحاجة إلى إعادة تشكيل النظام العالمي الذي يقوده الغرب. لقد سعت في السنوات الأخيرة إلى الترويج لنفسها كقيادة بديلة في المشهد الدولي وتقدمت للتوسط في نزاعات عديدة بما في ذلك حرب أوكرانيا. كما دشنت مبادرات عالمية حول التنمية والأمن والحضارة بهدف تحدي النظام العالمي بقيادة الغرب.
الصراع الفلسطيني-الإسرائيلي من بين النزاعات التي اقترحت لها الصين عدة خطط سلام ومبادرات وساطة منذ أوائل العشرية الأولى من هذا القرن. وقبل زيارة محمود عباس رئيس السلطة الفلسطينية إلى بكين في يونيو جدَّد تشين جانج وزير الشؤون الخارجية السابق عرضه لتسهيل إجراء محادثات سلام. وعقب هجوم حماس دعا وانج يي وزير الخارجية الحالي إلى عقد مؤتمر سلام دولي وبعثت بكين ممثلها الخاص تشاي جون إلى المنطقة.
رغم هذه الجهود تبدو الصين بلا حول ولا قوة في التصعيد الحالي بخلاف إصدار بيانات قليلة. ولم تحقق أي من مبادرات التوسط السابقة التي اقترحتها بين إسرائيل والسلطة الفلسطينية تقدما يذكر. وبالنظر إلى عدم استعداد بكين لإدانة حماس من المستبعد أكثر من ذي قبل أن تكون هناك وساطة صينية في الأزمة القائمة.
بعد سنوات قليلة من الضجة الإعلامية حول تزايد نفوذ الصين في الشرق الأوسط يسلط التصعيد الحالي في غزة الضوء على افتقارها إلى ثقل سياسي في المنطقة.
فمواقفها أضعفت العلاقات الصينية-الإسرائيلية دون أن تعزز بقدر مهم من علاقاتها مع الدول العربية. بل أكد الصراع مجددًا الهيمنة الجيوسياسية للولايات المتحدة.
لقد مر أسبوعان تقريبا قبل أن يصدر الرئيس شي جين بينج بيانا حول الأزمة في حين كان القادة وكبار الدبلوماسيين الغربيين يزورون إسرائيل والشرق الأوسط على مدار أسبوع. وأرسلت الولايات المتحدة حاملتي طائرات إلى البحر الأبيض المتوسط ردّا على الجدل الذي ثار مؤخرا حول انسحابها من المنطقة وأعدت حوالي 2000 فرد من قواتها لانتشار محتمل في المنطقة. كما تبحث إرسال حزمة دعم عسكرية جديدة بقيمة 14 بليون دولار لإسرائيل.
أيضا نقلت بريطانيا وفرنسا والدنمارك وألمانيا حاملات طائرات وسفنًا إلى شرق المتوسط. بل حتى خارج القوى الغربية تبدو روسيا حاليًّا أكثر إقداما من الصين في تشكيل الجدل في المنابر الدولية كالأمم المتحدة.
إذا لم تُبدِ الصين رغبة تذكر في المساعدة على التخفيف من تصاعد الأزمة بخلاف إصدار بيانات فاترة وقليلة ربما أيضًا لأنها لا تجد مصلحة في القيام بذلك.
أثناء زيارة وزير الخارجية الصيني وانج يي إلى واشنطن في 26-28 أكتوبر ضغطت الولايات المتحدة على الصين لتوظيف علاقتها مع إيران وبلدان الشرق الأوسط الأخرى في تهدئة التوترات الإقليمية ومنع تمدد الحرب. لكن من منظور بكين الصراعُ الفلسطيني-الإسرائيلي حربٌ صنعها الغرب. وما لم تتحول الحرب إلى صراع إقليمي أوسع نطاقًا لن تتأثر مصالحها الجوهرية المتمثلة أساسا في أمن الطاقة وحرية الملاحة، إلا بشكل هامشي فقط على الأقل حتى الآن.
بل الأزمة تفيد الصين في السياق الأوسع نطاقًا لتنافسها مع الولايات المتحدة. فالحرب في غزة تصرف انتباه الولايات المتحدة بعيدا عن منطقة المحيطين الهندي والهادي وتقوض جهود واشنطن للتطبيع الإسرائيلي في الشرق الأوسط وتزيد السخط الإقليمي من الغرب.
وفي حين من المستبعد أن تكون الصين لاعبا رئيسيا في الأزمة الحالية، على الأوروبيين العمل على ألا يكون دورها مقوِّضا.
الاستقطاب العالمي الحالي حول المسألة الفلسطينية-الإسرائيلية يخدم السرديتين الصينية والروسية عن انقسامٍ بين الغرب وبلدان جنوب العالم. والارتباط مع الصين في الأزمة الراهنة من شأنه أن يزيل هذه الثنائية «الزائفة» التي تراهن عليها الصين.
يمكن أن تشكل حرب إسرائيل- حماس أيضا فرصة لاستكشاف مجالات التعاون البناء مع الصين في المنطقة والتي لدى الأوروبيين وبكين مصلحة مشتركة في استقرارها. وسيكون تنسيق رؤيتيهما حول استقرار الشرق الأوسط في الأجل الطويل بالغ الأهمية خلال السنوات والعقود القادمة مع تعاظم النفوذ الجيو-اقتصادي للصين في المنطقة.
يمكن أن تكون الصين خصوصا شريكا مفيدا في ارتباط إقليمي أوسع نطاقا بما في ذلك مع إيران التي لديها معها علاقات وثيقة ومتطورة.
بذلك قد تكون التوترات الحالية لحظة مواتية لمطالبة الصين بأداء دور أكثر مسؤولية وشفافية في الشرق الأوسط. ويمكن للأوروبيين بعد توسطها بين إيران والسعودية تشجيعها على أداء دور بناء في استقرار المنطقة. لكن عليهم في الوقت ذاته أن يظلوا واقعيين مع أنفسهم حول استعداد بكين للتعاون فقط طالما كان ذلك مفيدًا للمصالح الصينية.
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: الولایات المتحدة فی الشرق الأوسط فی المنطقة فی الأزمة الصین فی
إقرأ أيضاً:
«فايننشال تايمز»: الصين تتسلح لمواجهة حرب تجارية مع ترامب.. بايدن حافظ على معظم الإجراءات المطبقة ضد بكين مع تصاعد التوتر بين البلدين
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تستعد الصين لمواجهة حرب تجارية محتملة مع الرئيس الأمريكي المنتخب دونالد ترامب، وذلك من خلال سلسلة من التدابير المضادة التى أعدتها خلال السنوات الأخيرة، بحسب مستشارين فى بكين ومحللين دوليين للمخاطر.
كشف تقرير لصحيفة فايننشال تايمز، أنه منذ فوز ترامب المفاجئ بالانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٦، أظهرت بكين استعدادها لرد قوى على أى إجراءات اقتصادية عدائية من جانب الولايات المتحدة، فأظهرت بكين استعدادها لرد قوى على أي إجراءات اقتصادية عدائية من جانب الولايات المتحدة.
وفرضت إدارة ترامب رسومًا جمركية عالية، وقيدت الاستثمارات، وفرضت عقوبات على شركات صينية، مما أثار مخاوف فى الصين من احتمال اندلاع حرب تجارية شاملة.
وأعلنت الصين عن سلسلة من القوانين الجديدة خلال السنوات الماضية التى تمنحها سلطة "إدراج الشركات الأجنبية فى القائمة السوداء"، و"فرض عقوبات" عليها، و"تقليص الوصول الأمريكى إلى سلاسل التوريد" فى حال استمرت التوترات التجارية.
وقال وانج دونج مدير معهد التعاون والتفاهم العالمى بجامعة بكين: "هذه عملية ذات اتجاهين. ستحاول الصين بالطبع التعامل مع الرئيس ترامب بأى طريقة، وستحاول التفاوض. ولكن إذا لم نتمكن، كما حدث فى عام ٢٠١٨، من تحقيق أى شيء من خلال المحادثات واضطررنا إلى القتال، فسوف ندافع بحزم عن حقوق الصين ومصالحها".
وكشفت الصحيفة أنه الرئيس جو بايدن حافظ على معظم الإجراءات التى اتخذها ترامب ضد الصين، مع تصاعد التوترات بين البلدين، أعرب ترامب مؤخرًا عن رغبته فى اتباع نهج أكثر صرامة تجاه الصين، فقد عين صقورًا ضد الصين فى مناصب حكومية، وهدد بتفرض رسوم جمركية على جميع السلع الصينية.
الرد الصينيوقالت الصحيفة، إن الصين تتمتع الآن بسلاح "قانون العقوبات ضد الأجانب"، وهو قانون جديد يسمح لها بالرد على أى تدابير تتخذها دول أخرى ضدها، وتستطيع الصين أيضًا الاعتماد على "قائمة الكيانات غير الموثوقة"، التى تشمل الشركات الأجنبية التى ترى أنها قوضت مصالحها الوطنية.
ولكن قد يكون للصين سلاح أكثر فاعلية، وهو قانون "الرقابة على الصادرات" الموسع، الذى يمنحها سلطة السيطرة على صادرات المعادن النادرة والليثيوم، وهى موارد حيوية للعديد من التكنولوجيات الحديثة.
قال أندرو جيلهولم، رئيس قسم تحليل الصين فى شركة الاستشارات "كونترول ريسكس"، إن العديد من الخبراء قللوا من شأن الضرر الذى يمكن أن تلحقه الصين بالمصالح الأمريكية.
وأضاف جيلهولم: "لقد أطلقت الصين "طلقات تحذيرية" فى الأشهر الأخيرة، وذلك من خلال عقوبات على شركة "سكايديو" الأمريكية لصناعة الطائرات بدون طيار، وتهديد شركة "PVH" بإدراجها فى "قائمة الشركات غير الموثوقة". وأكد "إن هذا مجرد غيض من فيض، وأن الصين لم ترد بشكل جدى حتى الآن".
وأشارت الصحيفة أن الصين لا تستطيع أن تتجاهل بسهولة تهديد ترامب أثناء حملته الانتخابية بفرض رسوم جمركية شاملة تتجاوز ٦٠٪ على جميع الواردات الصينية، نظرا لتباطؤ النمو الاقتصادي، وضعف الثقة بين المستهلكين والشركات، ومعدلات البطالة بين الشباب المرتفعة تاريخيا.
تقوم الصين بتوسيع التجارة مع الدول غير المرتبطة بالولايات المتحدة، وتستثمر فى بناء سلاسل توريد تكنولوجية وموارد أكثر مقاومة للاضطرابات ناجمة عن العقوبات الأمريكية.
وكشفت الصحيفة عن خبراء أن الصين ستكون مستعدة للمواجهة مع ترامب، وأنها ستحاول بذل أقصى جهودها من أجل تجنب فرض رسوم جمركية أخرى.
وفى حالة حدوث حرب تجارة، قد تواجه الصين تحديات اقتصادية كبيرة، وقد تؤثر الرسوم الجمركية على النمو الاقتصادى ومعدلات البطالة.
فى حين تستعد الصين للمواجهة مع ترامب باستخدام مجموعة من الآليات الاقتصادية والسياسية ومن المرجح أن تشهد العلاقات التجارية بين البلدين توترات متزايدة خلال الفترة المقبلة.