وقف الحرب والتصدي لتقسيم البلاد
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
بقلم: تاج السر عثمان بابو
(1)
تابعنا في معرض مفاوضات جدة واجتماع الجبهة المدنية لوقف الحرب، ضرورة قيام اوسع تحالف قاعدي لوقف الحرب وضمان وصول المساعدات الإنسانية للمتضررين، و عدم إطالة أمد الحرب وتوسيع نطاقها للولايات أخرى كما حدث في ولايات دار فور وكردفان، مما يهدد بتقسيم البلاد بفصل دارفور بعد المخاطر الحالية كما في سقوط نيالا و زالنجي والجنينة والهجوم على الفاشر من الدعم السريع ، وتكرار تجربة انفصال الجنوب بعد شن الحرب الجهادية من الإسلامويين بعد انقلاب 30 يونيو 1989 وتوسيع مدى الحرب ليصل دارفور وجنوب كردفان والنيل الأزرق والشرق، وكانت النتيجة إضافة لانفصال الجنوب تهجير وإبادة جماعية كما حدث في العام 2003 في دارفور وقرار المحكمة الجنائية الدولية بتقديم البشير ومن معه للمحكمة الجنائية الدولية بتهمة الإبادة الجماعية
مما يصبح لزاما علينا التصدي لمخطط تقسيم البلاد، وهذا التصدي ممكن حاليا في ظل انشغال الامبريالية الأمريكية والكيان الصهيوني بحرب غزة، ونهوض الشعوب العربية، وفي بقية أنحاء العالم استنكارا للإبادة الجماعية وتهجير شعب فلسطين.
إضافة لمواصلة السير قدما في تحقيق أهداف الثورة في تحقيق السلام والديمقراطية ،ومنع تجدد الحرب بتجاوز الاتفاقات الهشة والشراكة مع العسكر التي تعيد إنتاج الحرب بشكل اوسع من السابق، وتؤدي لتهديد وحدة البلاد.
(2)
انفجرت الحرب تتويجا للانقلابات العسكرية التي تمت كما في:
انقلاب 11 أبريل 2019 الذي قطع الطريق أمام الثورة.
مجزرة فض الاعتصام التي كانت انقلابا دموي، لكن موكب 30 يونيو 2019 قطع الطريق أمام الانقلاب.
انقلاب 25 أكتوبر على الوثيقة الدستورية رغم أنها كرست هيمنة العسكر وقننت الجنجويد دستوريا وعطلت تحقيق أهداف الثورة.
على صعيد آخر استمرت واتسعت المقاومة الجماهيرية والمطالبة بالحكم المدني الديمقراطي، وعودة العسكر للثكنات، وحل الجنجويد، وتحسين الاوضاع المعيشية، وانتزاع النقابات ، و درء آثار الحرب، وحماية سيادة البلاد ووحدتها، وثرواتها من النهب.
كما جاءت الحرب نتاجا لتدخل المحاور الاقليمية والدولية بالدعم لطرفي الحرب في اطار حدة الصراع لنهب ثروات البلاد والموانئ ، اضافة لتدخلها لفرض الوثيقة الدستورية بعد مجزرة فض الاعتصام ،التي كرّست الإفلات من العقاب ،وحكم العسكر، وتوقيع اتفاق جوبا الذي يهدد وحدة البلاد وقنن الوجود المسلح لجيوش الحركات في المدن، وجود مجرمي الحرب حميدتي والبرهان واللجنة الأمنية في مجلس السيادة، بعد المجازر التي ارتكبوها في دارفور وجنوب النيل الأزرق وبقية المناطق ومجزرة فض الاعتصام، وكانت النتيجة الانقلاب على الوثيقة الدستورية في 25 أكتوبر 2021 ، وبعد فشل الانقلاب بعد المقاومة الواسعة في تكوين حكومة، تم تكرار خطأ محاولة اعادة الشراكة في الاتفاق الإطاري ، وتكريس الدعم السريع واتفاق جوبا، والصراع الذي نشب حول دمج الدعم السريع، فضلا عن ازدياد حدة الصراع الدولي علي الموارد، مما قاد للحرب الحالية، وكان كل طرف يري انها ستتم في لحطات خاطفة، لكنها طالت واستطالت، مع التخوف بانتشارها في الولايات مع تأجيج” الفلول” لها الذين اصبح مستقبلهم مظلما في حكم البلاد، مما يتطلب مواصلة الثورة حتى تحقيق أهدافها والتصدي لمخطط تقسيم البلاد .
الوسومتاج السر عثمان بابوالمصدر: صحيفة التغيير السودانية
إقرأ أيضاً:
خلط الماء بالزيت في وعاء تنسيقية (تقدم)
بقلم: منتصر عبد الماجد
في أوائل التسعينيات استحدث التجمع الوطني الديمقراطي، (بدعة) (خلط ماء القوى المدنية- بزيت الجماعات المسلحة) فقرر، ضم الحركة الشعبية لتحرير السودان، عضوا في التحالف المدني الذي أطاح بـ(نظام 25 مايو). ثم انتظم مرة أخرى لمواجهة (نظام الانقاذ). وقال قادة التجمع آنذاك إن ضم الحركة الشعبية يهدف لإشراكها لتجنب رفضها وقف الحرب، والتفاوض عند إسقاط نظام البشير مثل ما فعلت مع المجلس العسكري الانتقالي بقيادة سوار الذهب عام 1985، وأطلقت عليه (مايو2).
وبرغم من فشل هذه (البدعة) بتخلي الحركة الشعبية عن حلفائها المدنيين في التجمع الوطني بتوقيعها منفردة على اتفاقية نيفاشا؛ إلا (بدعة خلط الماء بالزيت) أصبحت (سنة متبعة) في كل التحالفات السياسة اللاحقة، وغض القادة المدنيون الطرف عن تجربة التجمع الوطني التي تفيد (إن لم يكن العقل معتلا) بإمكانية وضع الماء والزيت في الإناء، لكنهما لن يصبحا مزيجا متجانسا.
واليوم يبدو أن مأزق تنسيقية القوى الديمقراطية المدنية (تقدم) بدعة خلط الماء بالزيت، بعد أن رأت الفائدة في ضم المكونات المدنية والمجموعات المسلحة في وعاء (لا للحرب). ومع تطورات الحرب المتقلبة على مدار الساعة وسط حالة التباينات الحادة في طرق وقف حمام الدم، يتعرض مقصد (تقدم) النبيل لتحديات حقيقية يمكن أن تتحول لنقطة ضعف يتسرب منها الأعداء لدمغ التنسيقية باتهامات تُعمي بصيرة العامة.
تواجه تنسيقية (تقدم) هذه الأيام ظروفا عسيرة وضعت داخل قفص الاتهام بجريرة الانحياز للدعم السريع. وبالطبع يصبح نفي هذا الاتهام وإثبات عكسه فرض عين على قيادتها حتى لا يتم تحميل القوى السلمية وزر انتهاكات وتركة السجل الحقوقي البائس للدعم السريع، وفي ذات الوقت تعاني التنسيقية أيضا من خلافات حادة قد تعصف بوحدتها بشأن (إعلان حكومة) بمناطق سيطرة الدعم السريع، وبالنظر إلى تصريحات مكونات التحالف رفضا وقبولا وشروعا. في المقابل لم يصدر عن التنسيقية موقف رسمي واضح بشأن الحكومة التي تضعط المجموعات المسلحة لفرضها، وترجح التصريحات المتضاربة باقتراب حدوث مفاصلة بين مكونات (تقدم).
وإن حدثت المفاصلة المرتقبة ستجني القوى المدنية جوائز عدة، في مقدمتها التحرر من بدعة (خلط ماء القوى المدنية بزيت الجماعات المسلحة) وكسر دائرة التحالفات السالبة التي تعمد على العموميات المبنية على برنامج (لا). وستعدل تحالفاتها وفق برامج سياسية واقتصادية، واجتماعية شاملة، تسورها السلمية المطلقة التي ستلتف حولها الجماهير، لأنها تستصحب مصلحة المدنيين في التغيير والتحول المدني الديمقراطي.
ولو أن قادة (تقدم) درسوا ملف اتفاقية جوبا عند تأسيس التنسيقية لكانوا قد التفتوا للتعارض النوعي الاستراتيجي في رؤى (العمل المدني السلمي) ونقيضه (العمل المسلح). وأدركوا أن التباين الفكري والمنهجي في المنطلقات والوسائل، والادوات، واسع لحد لا يمكن رتقه بتحالف مهما تدنى حد سقفه. وآمنوا بأن مجرى النضال المدني لا يصب في جب عمل مسلح يفرض التغيير وفق مفهوم لا يتعدى رؤية السلطة مجرد (كيكة) يمكن مشاركتها مع العدو في سبيل التشبث بالحكم.
إن نبل المقصد عند تنسيقية (تقدم) في وقف الحرب واستكمال التحول المدني لا يتحقق بحسن النوايا فقط، أو سياسة (الرزق تلاقيط) وإنما يتطلب اتباع فلسفة ونسق تفكير يتقبل النقد وممارسته على مستوى الأفراد والجماعات والمنظومة وأجبار القادة لاتخاذ مواقف متسقة لصالح الثورة واستقراء الإخفاقات (التي لا بد منها ما دام هناك عمل) وتوقع السلبيات ووضع الحلول لمنع تكرارها.
إن اتباع فلسفة يمكن من عمق التحليل ويتيح استقراء سليم للتاريخ يمنع حدوث اخفاقات متكررة من ضمنها تحالفات القوى المدنية في نضالها ضد الأنظمة الديكتاتورية مع الجماعات المسلحة التي ظلت على الدوام تولي شطر وجهها نحو الأنظمة القمعية، وأدمنت رسو سفنها على المواني المعادية للنضال المدني السلمي.
- في عام 1999 تخلت الحركة الشعبية لتحرير السودان بقيادة جون قرن عن التجمع الوطني الديمقراطي، وهي أبرز مؤسسيه وأحد أهم أركان قيادته، وبالرغم من ذلك فضلت الحركة التحاور بمعزل عن القوى المدنية بالتجمع، ثم وقعت منفردة اتفاقا في (نيفاشا) مع نظام الإنقاذ قضى بفصل جنوب السودان.
- خلال سنوات تسلط نظام الإنقاذ وقعت مئات الاتفاقيات مع مجموعات مسلحة يعتلي بعض قادتها اليوم مناصب في الهيئة القيادية لـ(تقدم)، وإذا بحثنا في بنود اتفاقياتهم لن نجد بندا واحدا يتضمن إشارة إلى الديمقراطية أو العدالة أو الحقوق المدنية.
- خلال الفترة الانتقالية رفضت ذات المجموعات المسلحة الجلوس مع الحكومة المدنية أو القوى المدنية، ووضعت شروطا تعجيزية لمنع أي تفاهم يقود إلى توافق سياسي.. ثم لاحقا حاورت الشريك العسكري في الحكم الانتقالي واستجابت لشروط ممثله (حميدتي) ووقعت معه ما يسمى اتفاق سلام جوبا في أكتوبر 2020، وكانت بنود الاتفاق المسمار الأول في نعش التحول الديمقراطي. أحد البنود حوى تشريعا جعل الاتفاق أعلى من الوثيقة الدستورية، وانصب تركيز هؤلاء القادة في الاتفاقية على المحاصصات ومكاسب السلطة والثروة، ثم درجوا بعد ذلك في إثارة الفتن داخل الحكومة الانتقالية، ثم تآمرت هذه المجموعات مع الفلول والعسكريين للإنقلاب على شرعية الثورة، وارتضت أن تكون مخلباً للفلول في (اعتصام الموز). ثم قبضت ثمن خيانتها دون أن ترمش عيون قادتها، ونالت مناصباً تتيح الثراء الحرام في حكومة الإنقلاب. والآن يتوزع ولاء قادتها حسب المصالح على طرفي الحرب الدموية.
المسار الذي اتخذته المجموعات المسلحة بشأن الحكومة الموازية لحكومة الأمر الواقع؛ قصد به نسف جوهر شعار القوى المدنية (لا للحرب) ومنح شرعية زائفة لأحد أطراف الحرب. وهو موقف متوقع من مجموعات تتسنم قيادتها شخصيات ارتمت في حضن الفلول ردحا من الزمن، اختلفت معهم في مقدار السوء. ثم سعت لتأسيس حركات مسلحة على التحيزات الإثنية والجهوية، مرجعيتها فتاوى أئمة السلطان. مارست العنف ضد المدنيين ولديها تاريخ قذر في الاترزاق المغيت في الحرب اللييبة، وتمتلك سجلاً مروعاً في تجنيد الأطفال. أما علاقاتها مع القوى المدنية فسجلها عدم الالتزام بالديمقراطية، والابتزاز بالبندقية.
بمغادرة هذه المجموعات المسلحة تتعافى تنسيقية (تقدم) لتعود مدنية خالصة تستعيد أدواتها السلمية، وستتسق أفكارها مع ممارستها، وستستطيع بكل شفافية وصراحة إغلاق ملف الحكومة الموازية (الملغوم). وستضع حدا لتنطع المجموعات المسلحة، وستفتح أبواباً موصدة، وفرصاً أوسع لاستعادة ثقة قوى الثورة المدنية، والتحالف معها على قيم ومبادئ الثورة، كما ستعطي إشارة مهمة تفيد بأن هذه المحموعات المسلحة لم تكن يوماً جزءً من نسيج الثورة التي لا جدال حول أنها نظمت بواسطة قوى مدنية خالصة أشعلتها دون طلقة واحدة، ونازلت النظام القمعي بسلمية مطلقة، ودفعت من دماء شبابها أثماناً غالية للديمقراطية.