كاتب تركي: لهذه الأسباب تنحاز ألمانيا دائما لإسرائيل
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
في الوقت الذي يتواصل فيه العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة منذ أكثر من شهر، ومع تزايد حجم المجازر ضد المدنيين بدأت أروقة الصحافة والرأي العام تناقش أسباب دعم الدول الغربية -خاصة ألمانيا- لإسرائيل.
وكتب البروفيسور التركي كمال إينات عضو هيئة التدريس في جامعة صقاريا التركية مقال رأي نشرته وكالة الأناضول عن استمرار تجاهل كل من الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي -خاصة ألمانيا- المجازر الإسرائيلية ضد الفلسطينيين وغيرها من انتهاكات القانون الدولي.
كما يواصل المسؤولون في الولايات المتحدة والاتحاد الأوروبي الإدلاء بتصريحات داعمة لإسرائيل رغم أنهما يدعيان أنهما يتمتعان بأعلى معايير المبادئ الأساسية للقانون الدولي وحماية حقوق الإنسان وينشران تقارير تنتقد الدول الأخرى بشأن هذه القضايا.
ويقول الكاتب إن من يتذكر سياسات الدول الداعمة لإسرائيل في المجازر المماثلة التي ارتكبتها في الأراضي الفلسطينية وفي لبنان لا يستغرب في الواقع من المواقف الحالية، نظرا لقوة وتأثير اللوبي الإسرائيلي على السياسيين والبيروقراطيين والإعلاميين في العالم الغربي.
النموذج الألمانيويرى الكاتب أن السياسة التي تنتهجها ألمانيا تجاه مجازر إسرائيل في غزة منذ أكثر من شهر لا تخرج في الحقيقة عن الخط العام السائد في الغرب.
وفي الواقع، يبدو أن القادة الذين يديرون سياسة ألمانيا الخارجية المعروفة بماضيها في ما يتعلق بالمحرقة (الهولوكوست) يبذلون جهدا خاصا ليكونوا في طليعة الداعمين لإسرائيل ودفع العالم نحو نسيان الهولوكوست صارخين بأعلى صوتهم إنه "من حق إسرائيل الدفاع عن نفسها".
وهنا يتساءل إينات "هل دفاع إسرائيل عن نفسها يكون من خلال قتل آلاف الأطفال؟" ثم يجيب: يتم تجاهل هذا السؤال في الغرب من خلال ترديد العبارة نفسها "نحن نؤيد بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
ومع تزايد أعداد أطفال غزة الذين استشهدوا جراء العدوان الإسرائيلي وتصاعد ردود فعل الرأي العام الألماني عبر المستشار أولاف شولتز ووزيرة الخارجية أنالينا بيربوك عن رفضهما على استحياء مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين، قائليْن "لا نريد أن يتأذى المدنيون".
المستشار الألماني أولاف شولتز عبر على استحياء عن رفضه مقتل مئات المدنيين الفلسطينيين (رويترز)ويعود الكاتب للتساؤل قائلا "كيف لهذا (ألا يتأذى المدنيون) أن يتم دون وقف إطلاق النار ودون وقف الهجمات الإسرائيلية؟ وتجاه هذا السؤال يتجدد تكرار العبارة ذاتها لدى الغرب "نؤيد بشكل كامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وفي غزة، قصفت إسرائيل المستشفى الأهلي المعمداني، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 500 شخص.
المستشار شولتز بدوره قال عبر منصة "إكس" إن "لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها، وواجب على كل دولة حماية مواطنيها".
حسنا، أليس سكان غزة مواطنين؟ ومن سيحميهم من الهجمات الإسرائيلية؟ ومن سيحمي الفلسطينيين في الضفة الغربية من الاعتداءات الإسرائيلية والفوضى واغتصاب وطنهم؟ ليس لدى المستشار شولتز إجابات عن هذه الأسئلة، لأنه يعتبر أن الآن هو الوقت المناسب لدعم إسرائيل، وليس هذا هو الوقت المناسب للتشكيك في أهداف (رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين) نتنياهو.
جهود حثيثة لتبرئة إسرائيل
من جانبها، أظهرت وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك أداء منقطع النظير للظهور بمظهر المؤيدة الأكثر حماسة لإسرائيل كما لو أنها تشعر بالقلق من غضب نتنياهو واللوبي الإسرائيلي، لعدم قدرتهما على منع المظاهرات المناهضة لإسرائيل في برلين.
وفي يوم هجوم (حركة المقاومة الإسلامية) حماس (على مستوطنات غلاف غزة في 7 أكتوبر/تشرين الأول الماضي) عبرت بيربوك عن موقف الخارجية الألمانية الداعم لإسرائيل بقولها إن "حماس تصعّد العنف، إنني أدين بشدة الهجمات الإرهابية ضد إسرائيل من غزة".
وقالت في ما بعد "نحن متضامنون تماما مع إسرائيل، ومن حق إسرائيل الدفاع عن نفسها ضد الإرهاب وفقا للقانون الدولي".
وبعد 3 أيام -أي في 10 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، وبعد مقتل مئات الفلسطينيين جراء الهجمات الإسرائيلية- واصلت الوزيرة الألمانية موقفها الداعم لإسرائيل بالقول "أوروبا ككل تقف إلى جانب إسرائيل".
وفي ما يتعلق بمقتل المدنيين في غزة نتيجة الهجمات الإسرائيلية، قالت بيربوك إن "معاناة وموت المدنيين الفلسطينيين جزء من إستراتيجية الإرهابيين"، وبعد ذلك حاولت تبرئة الإدارة الإسرائيلية بالقول "حماس تختبئ وراء السكان المدنيين".
وفي 13 أكتوبر/تشرين الأول الماضي عندما أصبحت أعداد المدنيين في غزة ممن قضوا جراء الهجمات الإسرائيلية بالآلاف قالت الوزيرة الألمانية إن "إسرائيل تعيش هذه الأيام على وقع إرهاب همجي، من حق إسرائيل أن تدافع عن نفسها ضد هذا الإرهاب في إطار القانون الدولي، ألمانيا تقف إلى جانب إسرائيل دون تردد"، مكررة دعمها لحكومة نتنياهو بالقول "لهذا السبب سأذهب إلى إسرائيل اليوم".
لكن، ماذا تعني وزيرة الخارجية الألمانية بالقول إن لإسرائيل الحق في الدفاع عن نفسها "في إطار القانون الدولي"؟ هل كانت تقصد أنه إذا انتهكت إسرائيل القانون الدولي أثناء دفاعها عن نفسها فسنسحب دعمنا لها؟ بلا شك، لا.
ورغم استمرار إسرائيل في قصفها لغزة منتهكة كافة قواعد القانون الدولي ومرتكبة جرائم حرب يندى لها جبين الإنسانية فإن دعم ألمانيا حكومة نتنياهو لا يزال مستمرا إلى اليوم.
ولم تدعُ ألمانيا حتى إلى وقف إطلاق النار، مضيفة صفحة جديدة من العار إلى تاريخها بالامتناع عن التصويت على القرار الذي يدعو إلى وقف إنساني عاجل لإطلاق النار في غزة في الجمعية العامة للأمم المتحدة.
ومع ذلك، إذا أمكن إجبار إسرائيل على وقف إطلاق النار لأسباب إنسانية فسيكون من الممكن للمواطنين الأجانب الذين تعرضوا للقصف في غزة مغادرة القطاع والعودة إلى بلدانهم، ومن بينهم أيضا مواطنون ألمان.
لكن إسرائيل لم تسمح بإجلاء المواطنين الألمان في غزة لمدة 3 أسابيع، فماذا كان رد فعل ألمانيا على إسرائيل التي أبقت مواطنيها أسرى في غزة تحت القصف لأسابيع؟ كان الرد دائما "إننا نؤيد بالكامل حق إسرائيل في الدفاع عن نفسها".
وزيرة الخارجية الألمانية أنالينا بيربوك عبرت باستمرار عن دعمها لإسرائيل (غيتي) 4 أسباب وراء دعم ألمانيا لإسرائيلوبحسب الكاتب، يمكن القول إن هناك 4 أسباب رئيسية وراء الدعم الألماني غير المشروط لإسرائيل، وهي عبء ماضي الهولوكوست، واللوبي الإسرائيلي في البلاد، ونفوذ الولايات المتحدة، وخط الحكومة الائتلافية الحالية.
ولا شك في أن الإبادة الجماعية التي ارتكبت ضد اليهود في عهد (أدولف) هتلر قد رهنت السياسة الألمانية لصالح إسرائيل حتى يومنا هذا.
ولا ينبغي أن ننسى أن هناك أشخاصا يبذلون قصارى جهدهم لضمان استمرار هذا النهج، وفي هذه المرحلة يأتي دور اللوبي الإسرائيلي في البلاد، حيث تتم تغطية موضوع المحرقة بشكل مستمر على شاشات التلفزيون والصحف الألمانية، مما يذكّر الألمان بأنه رغم أن الجريمة المعنية ارتكبها أسلافهم فإن الأجيال الحالية أيضا تتحمل القدر نفسه من المسؤولية.
ونتيجة لذلك يصف السياسيون الألمان دائما حماية إسرائيل بأنها "سياسة الدولة" الألمانية، وهم يعتقدون أيضا أن على ألمانيا دعم تل أبيب بغض النظر عما تفعله الأخيرة في الأراضي الفلسطينية والمنطقة، وإشاحة الوجوه عن الفلسطينيين الذين وقعوا ضحايا لهذا التفكير المرضي.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الهجمات الإسرائیلیة الخارجیة الألمانیة فی الدفاع عن نفسها القانون الدولی إسرائیل فی حق إسرائیل فی غزة
إقرأ أيضاً:
كاتب إسرائيلي: قرار الجنائية الدولية يثبت تحول إسرائيل إلى دولة منبوذة
تناول مقال للكاتب والمحلل السياسي الإسرائيلي "ميرون رابوبورت" إصدار المحكمة الجنائية الدولية مذكرات اعتقال ضد رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو ووزير حربه يوآف غالانت.
وأكد أن القرار الأخير للمحكمة الجنائية الدولية بإصدار مذكرات توقيف ضد رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت يشكل لحظة فارقة بالنسبة لصورة إسرائيل وشرعيتها الدولية.
وأضاف أن مذكرات التوقيف الصادرة عن المحكمة الجنائية الدولية تثبت أن إسرائيل تتتحول سريعا إلى "دولة منبوذة".
وأوضح أن "رد إسرائيل كان أخرقاً، ولكن الجمهور الذي يظن أن جيشه لا يرتكب الفظاعات بدأ يصحو وإن ببطء".
وفيما يلي نص المقال:
أطلقت المذكرات موجات اهتزازية في أرجاء المجتمع الإسرائيلي والمؤسسة السياسية.
كان رد فعل السياسيين عدم المبالاة. اتهم نتنياهو المحكمة الجنائية الدولية بمعاداة السامية، وعلى نهجه سار بقية تيار اليمين داخل إسرائيل.
أما يسار الوسط فلم يتهم المحكمة بمعاداة السامية، ولكنه وافق على أن القرار لم يكن مقبولاً، وكان جائراً، ولم يكن له سند قانوني، لأنه عامل إسرائيل وحماس كمتساويين في ارتكاب الجرائم أثناء الحرب.
جاءت ردود الفعل لتكون استمراراً مباشراً لعدم اعتراف إسرائيل بما يجري في غزة.
حتى لو كان هناك أقلية صغيرة جداً في إسرائيل تقر بأن جرائم قد ارتكبت من قبل جيشها في غزة، إلا أن الجمهور الإسرائيلي العام مازال في حالة من الإنكار التام. يزعمون بأن حماس وحدها هي التي ترتكب جرائم الحرب، وليس إسرائيل، وأن ما تفعله إسرائيل في غزة ما هو إلا دفاع عن النفس.
في عيون معظم الإسرائيليين، إسرائيل لا تقتل الفلسطينيين الأبرياء بلا سبب، وإذا كان هناك مجاعة في غزة، فإنما هي نتيجة قيام حماس بسرقة المساعدات الإنسانية – وهي مقولة يتكرر ترديدها المرة تلو الأخرى من قبل الجيش الإسرائيلي ومن قبل القنوات الرسمية الأخرى.
كان رد الفعل هذا متوقعاً، وإن كان الوضع في إسرائيل أكثر تعقيداً. لا ريب أن إصدار مذكرات التوقيف ضد رئيس الوزراء ووزير الدفاع السابق حدث بارز ولحظة فارقة في علاقات إسرائيل بالمجتمع الدولي وبالقانون الدولي.
تأسست إسرائيل بموجب قرار صادر عن الأمم المتحدة. جل التطورات في القانون الدولي ما بعد الحرب العالمية الثانية، مثل حماية اللاجئين أو تجريم الإبادة الجماعية، كانت رداً على المحرقة، ولقد ساندت إسرائيل تلك التطورات.
إلا أن هجوم إسرائيل على المحكمة الجنائية الدولية يجعل البلد يبدو عدواً للقانون الدولي، ودولة تسعى إلى تقويض القانون الدولي وجميع مؤسساته. لا شك أن هذا تغير دراماتيكي في السلوك.
ولا ينتهي الأمر عند المحكمة الجنائية الدولية. فمحكمة العدل الدولية تنظر الآن في القضية التي رفعتها جنوب أفريقيا أمامها متهمة إسرائيل بارتكاب إبادة جماعية.
لا يوجد صلة مباشرة بين المؤسستين وبين الإجراءين القانونيين. ولكن من المعقول الظن بأن إصدار مذكرات التوقيف من قبل المحكمة الجنائية الدولية سوف يؤثر كذلك على المداولات داخل محكمة العدل العليا حول الإبادة الجماعية.
صدرت المذكرات ضد نتنياهو وغالانت شخصياً، ولكنها وإلى حد بعيد تشير إلى أن إسرائيل، كدولة، ترتكب جرائم حرب وجرائم ضد الإنسانية.
لم يرتكب نتنياهو وغالانت هذه الجرائم المزعومة بأنفسهما، بل الجيش بأسره وكل أجهزة الدولة كانت ضالعة.
على المدى القصير، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يردع القادة العسكريين من أصحاب الرتب المتوسطة والعليا في إسرائيل، مثل قادة الفرق وقادة الألوية.
على سبيل المثال، قال كبار ضباط الجيش الإسرائيلي علانية إنهم منعوا المساعدات الإنسانية من الوصول إلى شمال غزة بعد بدء عملية الجيش العسكرية هناك في مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول). وقالوا أيضاً إن الغاية من هذه العملية كانت تهجير من بقي من السكان جنوباً عبر محور نتساريم.
والآن، أما وقد صدرت الأوامر، سوف يفكر ضباط الجيش الإسرائيلي مرتين قبل أن يطلقوا مثل هذه التصريحات، لأنهم قد يخشون أن يُلقى القبض عليهم خلال رحلتهم القادمة إلى أوروبا. كما قد يمتنع الجندي عن تنفيذ الأوامر التي قد تؤدي إلى التجويع، نظراً لأن ذلك ورد ذكره بوضوح في مذكرات المحكمة الجنائية الدولية كجريمة باعتباره جريمة محتملة ضد الإنسانية.
"الرفض الرمادي"
على المدى القصير أو المتوسط، يمكن لقرار المحكمة الجنائية الدولية أن يوفر الإجابة لأولئك الإسرائيليين الذين يتساءلون عما إذا كانت إسرائيل ترتكب جرائم في غزة.
بغض النظر عن الأقلية الصغيرة من منتسبي تيار اليسار الذين لديهم قناعة بأن إسرائيل ترتكب جرائم، هناك مجموعة أوسع من اليهود في يسار الوسط ممن بدأت تساورهم الشكوك حول أفعال إسرائيل في غزة، رغم أنهم مازالوا حتى الآن يدعمون الحرب.
مؤخراً، دعا كل من تومر بيرسيكو، وهو أستاذ جامعي ليبرالي من يسار الوسط، وإيران إتزيون، نائب رئيس مجلس الأمن القومي السابق، الاحتياط إلى رفض الخدمة في عملية التطهير العرقي التي تمارس في شمال غزة.
لا ندري كم عدد اليهود الذين يفكرون بهذه الطريقة، فوسائل الإعلام التقليدية لا تمنح هذه الأصوات حيزاً لتعبر عن قناعاتها، ولكن قد تصل نسبتهم إلى 10 أو 15 بالمائة من السكان اليهود.
سوف يمنح قرار المحكمة الجنائية الدولية شرعية لتلك الآراء في إسرائيل. ولسوف يتمكن أصحاب هذه الآراء من القول: "هذا هو ظن العالم بنا."
من شأن التغير في الرأي داخل معسكر اليسار الصهيوني أن يفضي إلى زيادة في رفض الخدمة في الحرب. منذ بداية الحرب في أكتوبر (تشرين الأول) 2023، كانت هناك حالات قليلة جداً من رفض الخدمة، بينما في حرب لبنان الأولى وفي الانتفاضة الثانية كانت هناك مئات الحالات.
إننا نرى الآن في إسرائيل ظاهرة "الرفض الرمادي" – والمتمثلة في استنكاف الإسرائيليين عن الحضور عندما تتم دعوة الاحتياط.
في بداية الحرب، كل الذين تمت دعوتهم لبوا النداء، أم اليوم فقد تراجع المعدل إلى 65 بالمائة. هذا "الرفض الرمادي" لا يكون في العادة لأسباب أخلاقية، بل يتعلق بشكل رئيسي بمشاكل اقتصادية أو عائلية. ومع ذلك، من الوارد أن يزداد مثل هذا الرفض بعد قرار المحكمة الجنائية الدولية.
كما أن من الوارد أن يميز بعض ضباط وجنود الاحتياط بين غزة ولبنان.
لم تعد للحرب في غزة شعبية لدى الجمهور الإسرائيلي، مقارنة بالحرب في لبنان، التي مازالت تتمتع بإجماع واسع. ونظراً لأن حكومة نتنياهو تبدو قد تخلت عن الرهائن المائة وواحد في غزة، فقد يصب ذلك في صالح المعارضة.
دولة منبوذة
على المدى البعيد، وبطريقة ذات دلالة أكبر، تقطع مذكرات المحكمة الجنائية الدولية إسرائيل عن المجتمع الدولي بطريقة حادة جداً.
فهذه لم تعد مجرد مظاهرات حاشدة ضد الحرب تنظم في لندن أو داخل الجامعات عبر الولايات المتحدة. بل هذا قرار صادر عن محكمة يقبل بها معظم العالم الغربي. بفضل مذكرات التوقيف هذه، تنتقل إسرائيل أكثر فأكثر إلى هوامش المجتمع الدولي.
من المحتمل أن تكون إدارة ترامب الجديدة في الولايات المتحدة أكثر عدوانية تجاه المحكمة الجنائية الدولية، وأن تحاول إخراج إسرائيل من هذه العزلة، ومعها دول مثل المجر، وجمهورية التشيك، والأرجنتين، وأعضاء آخرون في ائتلاف اليمين المتطرف حول العالم.
ولكن هذا الرد الأمريكي، والذي لا يمكن ضمان أثره (فقد فرض ترامب عقوبات على المحكمة الجنائية الدولية في فترة رئاسته الأولى ولم يكن لذلك كبير أثر على المحكمة)، لا يمكنه تغيير الحقيقة الأساسية، ألا وهي أن إسرائيل تتحول سريعاً إلى دولة منبوذة.
ما تتعرض له إسرائيل من عزلة ونزع للشرعية قد يكون له آثار عملية ومباشرة، مثل تشجيع فرض العقوبات العسكرية وغيرها على إسرائيل.
لا يقتصر الأمر على أن نتنياهو سيجد صعوبة في السفر إلى الخارج، بل سوف يجد الزعماء الأجانب صعوبة كذلك في السفر إلى إسرائيل للاجتماع برجل "مطلوب للعدالة". بل يمكن أن تتلقى كل علاقات إسرائيل الدبلوماسية ضربة كبيرة.
يمكن القول إن إسرائيل تمر بعملية بطيئة كتلك التي شهدتها جنوب أفريقيا قبل إلغاء نظام الأبارتايد (الفصل العنصري).
يمكن لأنصار الحقوق الفلسطينية حول العالم القول إن إسرائيل ارتكبت جرائم أخطر بكثير في غزة مما هي متهمة به، وأنها لم تتعرض بعد لنفس العقوبات الشديدة التي فرضت على روسيا وإيران. ثمة عدالة في هذا الزعم.
ولكن يجب أن يؤخذ بالحسبان أن إسرائيل جزء لا يتجزأ من الغرب، وهي الحليف الأقرب إلى الولايات المتحدة. كثيرون في أوروبا يرون أن دعم إسرائيل هو نوع من التعويض عن المحرقة. وفي أعين الغربيين، لم تقف إسرائيل أبداً حيث وقفت بلدان مثل إيران وسوريا أو روسيا.
ولذلك فإن تهميش إسرائيل حدث كبير نسبياً بالمقارنة مع كان عليه وضعها يوم السادس من أكتوبر 2023.
من المبكر جداً القول ما إذا كان إصدار مذكرات التوقيف ضد نتنياهو وغالانت سوف يؤدي إلى إضعاف حكومة اليمين المتطرف في إسرائيل. بل قد ينجم عن ذلك زيادة الدعم الذي تحظى بها، كما يزعم نتنياهو وشركاه من أن "العالم بأسره يقف ضدنا."
ولكن يمكن القول إن شيئاً عميقاً قد تصدع في شرعية إسرائيل كدولة ضمن المجتمع الدولي، وأن إسرائيل سوف تجد صعوبة في إصلاح ذلك دون إحداث تغيير كامل في الطريقة التي تعامل بها الفلسطينيين. وهذا ما يجعل قرار المحكمة الجنائية الدولية حدثاً ذا دلالات هائلة.