نساء اليمن... ضحايا الحرب والعنف والمجتمع!
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
دفعت النساء في اليمن ثمنًا باهظًا للحرب الدائرة في البلاد منذ نحو تسعة أعوام، فكنّ أكثر الفئات نزوحًا وتعرّضًا للعنف، والأكثر تحمّلًا للمسؤولية، وخسرن كثيرًا من المكاسب التي كانت قد تحققت لهن طوال العقود الأربعة الماضية.
إلى ما قبل اجتياح الحوثيين للعاصمة صنعاء كانت مختلف القوى السياسية قد وافقت على تخصيص تمثيل نسائي في جميع مؤسسات الدولة بنسبة لا تقل عن 30% طبقًا لمخرجات مؤتمر الحوار الوطني الشامل، وسجّلت المرأة اليمنية حضورًا فاعلًا خلال جلسات ذلك المؤتمر التي استمرّت نحو عام، لكنها الآن لا تتمثّل في الحكومة التي شكّلها الحوثيون ولا يعترف بها أحد، كما غاب تمثيلها في تشكيلة تلك المعترف بها دوليًا.
لم يقتصر الأمر على ذلك بل إنّ الحوثيين فرضوا جملة من القيود على تحركات المرأة اليمنية وسفرها وتعليمها أيضًا، فمنعوا النساء من التنقّل بين المحافظات إلا بوجود (محرم) وكذلك الأمر فيما يخصّ سفرها إلى الخارج، وشنّوا حملةً ضد التحاقهن بالعمل لدى المنظمات الإغاثية، أو دراسة اللغات الأجنبية، وصولًا إلى منعهن من الدراسة الجامعية في قاعات مختلطة مع الذكور... وهي خطوات لم تعرفها البلاد منذ نحو ستين عامًا.
ومع توقف سلطة الحوثيين عن صرف رواتب الموظفين في مناطق سيطرتهم منذ نهاية عام 2016 وحتى الآن، وما رافق ذلك من تدهور اقتصادي وتوقف معظم الأعمال، تحمّلت النساء مسؤولية إعالة الكثير من الأسر خاصة في الريف الذي يعيش فيه نحو 73% من سكان البلاد، حيث تعمل في زراعة الأرض أو لدى الغير من أجل توفير متطلّبات أسرتها، وكذلك الحال بين سكان المدن حيث اضطرت الكثيرات إلى العمل في صنعاء، في مجال المعجّنات أو التطريز أو صناعة البخور أو الخدمة المنزلية.
ولا تقتصر معاناة النساء في اليمن على ذلك، بل إنّ النساء والأطفال يشكلون نحو 80% من النازحين الذين يفوق عددهم أربعة ملايين شخص، وتُظهر بيانات أممية أنّ واحدة من كل ثلاث أسر نازحة تعولها نساء وتقل أعمار الفتيات اللاتي يقمن بإعالة 21% من هذه الأسر عن 18 عامًا، وبحسب هذه البيانات فإنّ 60 ألف امرأة فقدن أزواجهن، وبلغ عدد الأسر التي تعيلها نساء على مستوى البلاد 417 ألف أسرة.
إضافة إلى ذلك، زادت حالة انعدام عدم المساواة بين الجنسين واحتلت اليمن المرتبة (155)، أي ما قبل المرتبة الأخيرة، في المؤشر العالمي للفجوة بين الجنسين للعام 2021، في حين أنها كانت في المرتبة (115) في العام 2006. وتشير بيانات مكتب الأمم المتحدة للشؤون الإنسانية إلى أنّ نسبة الفقر بين الأسر التي تعيلها النساء على مستوى الريف تصل إلى 72%، في حين بلغت نسبة الفقر بين الأسر التي تعيلها النساء على مستوى الحضر 20.1%.
ويقول ريتشارد راجان مدير مكتب برنامج الأغذية العالمي في اليمن إنّ النساء، وخاصة اللائي يقمن بإعالة أسرهن، هنّ من أكثر المتضررين من أزمة اليمن، وإنّ تسع سنوات من الصراع أدت إلى تدمير اقتصاد البلاد وسبل عيشها، وتسبّبت في انتشار الجوع وسوء التغذية على نطاق واسع، وخلقت واحدة من أسوأ الأزمات الإنسانية في العالم.
ويؤكد المسؤول الأممي أن حوالى 17 مليون يمني - أكثر من نصف السكان - يعانون حاليًا من انعدام الأمن الغذائي الحاد. والنساء على وجه الخصوص محرومات ويواجهن مستويات أعلى من البطالة وعدم المساواة في الدخل.
وإلى ذلك، فقد سُجّلت طوال سنوات الحرب زيادة كبيرة في العنف القائم على النوع الاجتماعي، وزادت ظاهرة زواج القاصرات حيث تسعى الأسر للتخفيف من التزاماتها من خلال الموافقة على زواج بناتها دون سن 18 عامًا، كما أنّ الأسر الفقيرة تفضّل إخراج الفتيات من المدارس والاكتفاء بإرسال الذكور لأنها غير قادرة على تحمّل نفقات الالتحاق بالتعليم.
وتجزم المحامية هدى الصراري بأنّ "ضعف التشريعات اليمنية ساهمت بزيادة وقائع العنف ضد النساء والفتيات، أكان عنفًا أسريًا أو مجتمعيًا أو وقائع جنائية بحتة"، وقالت: "لولا مناصرة الضحايا وتحويل الوقائع لقضايا رأي عام والضغط على أجهزة إنفاذ القانون لتسريع البت في تلك الجرائم والوقائع لكانت كيّفت بشكل خاطئ أو تنصّل الجاني من جريمته".
وتراهن الصراري على "الوعي العام والمجتمع المدني"، والأهم من ذلك كيفية تناول الإعلام لتلك الوقائع "باعتبارها جرائم جنائية مجرّدة وكأننا نعطي للجاني حجة لارتكابه جريمته"، مع التشديد في هذا المجال على أنّ "وقائع العنف ضد النساء والفتيات ظواهر لها امتداد يتعلّق بالقيم والعادات والموروث والتنشئة الأسرية ونظرة الرجل للمرأة دون اعتبارات إنسانية وحقوقية لها".
المصدر: الموقع بوست
كلمات دلالية: اليمن نساء حقوق ضحايا الحرب المجتمع
إقرأ أيضاً:
مركز أوروبي: تزايد العنف الجنسي وزواج الأطفال بسبب عدم الاستقرار في اليمن
كشف المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR) عن تزايد العنف الجنسي وزواج الأطفال بسبب عدم الاستقرار في اليمن.
وقالت المركز في بيان لها ترجمه للعربية "الموقع بوست" إن البلد الذي دمرته سنوات من الصراع، يواجه أزمة إنسانية كارثية، حيث تتحمل الفئات الأكثر ضعفًا - وخاصة النساء والأطفال - العبء الأكبر.
وأضاف "من بين الآثار الأكثر إيلامًا لعدم الاستقرار المستمر ارتفاع معدلات العنف الجنسي وزواج الأطفال. لا تعكس هذه القضايا المزعجة للغاية المعاناة الواسعة النطاق الناجمة عن الحرب فحسب، بل إنها تؤدي أيضًا إلى تفاقم التحديات الطويلة الأجل لإعادة بناء مجتمع تمزقه الحرب.
وتابع "منذ عام 2014، تورطت اليمن في حرب وحشية، شاركت فيها قوى خارجية، مما أدى إلى دمار واسع النطاق. أدت الحرب إلى انهيار البنية الأساسية، وتعطيل أنظمة التعليم، وتدمير خدمات الرعاية الصحية، مما ترك الملايين من اليمنيين مشردين وفي حاجة ماسة إلى المساعدة الإنسانية".
مع تدهور الوضع، حسب التقرير- عانت الفئات الأكثر ضعفًا - النساء والأطفال - بشكل غير متناسب. في هذه البيئة غير المستقرة، تم تقويض حقوق وحماية هذه الفئات بشدة، مما أدى إلى ارتفاع معدلات العنف الجنسي وزواج الأطفال.
وحسب المركز الأوروبي فإن زواج الأطفال يعد أحد أكثر العواقب المأساوية للصراع المستمر في اليمن، والذي تفاقم بسبب الوضع الاجتماعي والاقتصادي الهش في البلاد.
وقال "كان لدى اليمن أحد أعلى معدلات زواج الأطفال على مستوى العالم حتى قبل بدء الحرب، حيث تزوجت ما يقرب من واحدة من كل ثلاث فتيات قبل سن 18 عامًا. ومع ذلك، تصاعدت الأزمة منذ الصراع، حيث دفعت الفقر وانعدام الأمن والنزوح الأسر إلى تزويج بناتها في أعمار أصغر".
وفقًا لمنظمة Girls Not Brides، فإن انتشار زواج الأطفال في اليمن مرتبط بعدد من العوامل، بما في ذلك الأعراف الثقافية المتجذرة والفقر والآن الحرب. تتجه الأسر، في محاولة للبقاء على قيد الحياة أو حماية بناتها، بشكل متزايد إلى الزواج المبكر، غالبًا كوسيلة لتأمين المهور أو ضمان سلامة بناتهم في بيئة غير مستقرة.
ويرى أن عواقب هذه الزيجات وخيمة. وتواجه الفتيات الصغيرات اللاتي يتعرضن لزواج الأطفال مخاطر صحية مثل الحمل المبكر، والذي قد يؤدي إلى مضاعفات أثناء الولادة، وكثيراً ما يقعن في فخ علاقات مسيئة. كما تحرمهن هذه الممارسة من التعليم، مما يؤدي إلى تفاقم الفقر والحد من فرصهن المستقبلية.
وكما أبرز تقرير صادر عن صندوق الأمم المتحدة للسكان، فإن حالة أم تبلغ من العمر 16 عاماً في اليمن تشكل مثالاً مدمراً لكيفية دفع الحرب للعديد من الفتيات إلى زواج الأطفال في سن مبكرة. وبالنسبة للعديد من الفتيات في اليمن، فإن الزواج ليس خياراً - بل هو آلية للبقاء تمليها الحقائق الاجتماعية والاقتصادية التي يواجهنها.
وأكد المركز أن العنف الجنسي في اليمن أصبح نتيجة للصراع المستمر وأداة للحرب. وقال إن انهيار القانون والنظام، أدى إلى جانب الافتقار إلى الوصول إلى الخدمات الأساسية، إلى زيادة العنف الجنسي، وخاصة ضد النساء والفتيات.
وكما ورد في تقرير صادر عن المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان، فإن العنف الجنسي يستخدم في كثير من الأحيان كسلاح من قبل الفصائل المتحاربة لإرهاب المجتمعات، وتعطيل التماسك الاجتماعي، والسيطرة على السكان.
وأشار إلى أن النساء والفتيات، اللاتي يواجهن بالفعل وطأة العنف، يقعن في كثير من الأحيان ضحايا للاغتصاب والعبودية الجنسية وأشكال أخرى من الإساءة. وفي كثير من الحالات، تُترَك الناجيات من العنف الجنسي دون دعم طبي أو نفسي، حيث انهار نظام الرعاية الصحية في اليمن تحت وطأة الصراع. وعلاوة على ذلك، فإن المحرمات الثقافية والافتقار إلى الحماية القانونية تجعل من الصعب على الناجيات السعي إلى العدالة أو حتى الإبلاغ عن إساءة معاملتهن.
وأوضح التقرير أن عواقب العنف الجنسي عميقة، وغالبًا ما تؤدي إلى صدمة جسدية ونفسية دائمة للناجيات، فضلاً عن انهيار ثقة المجتمع وقدرته على الصمود. وفي اليمن، حيث سيادة القانون ضعيفة، يظل العديد من الجناة دون عقاب، مما يؤدي إلى استمرار دورات العنف.
وأفاد أن ارتفاع حالات زواج الأطفال والعنف الجنسي ليس مجرد أزمة إنسانية؛ بل إنه يمثل تهديدًا طويل الأمد لاستقرار اليمن وتطورها في المستقبل.
ودعا المركز الأوروبي للديمقراطية وحقوق الإنسان (ECDHR) المنظمات الإنسانية والحكومات والهيئات الدولية إعطاء الأولوية لحماية النساء والأطفال في اليمن، ليس فقط من خلال تقديم المساعدات الطارئة ولكن أيضًا الحلول طويلة الأجل التي تعالج الأسباب الجذرية لزواج الأطفال والعنف الجنسي.
وقال "لا بد من بذل جهود أكبر لمحاسبة مرتكبي العنف الجنسي. ومع انهيار النظام القضائي في اليمن، أصبح الدعم الدولي ضروريا لضمان حصول الناجين على العدالة ومقاضاة المسؤولين عن الجرائم".