غزة.. انتصار المقاومة وهزيمة الكيان
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
سالم أحمد بخيت صفرار
"وَمَا رَمَيْتَ إِذْ رَمَيْتَ، وَلَكِنَّ اللَّهَ رَمَى" [الأنفال 17].. انتصرت المُقاومة حينما سطّرت عملياتها القتالية ببراعة تامة ودقة التخطيط وبلوغ الهدف، لقد أظهرت عملية طوفان الأقصى حقيقة المقاومة، وعرّت الجيش الصهيوني، وأظهرته على حقيقته التي يتغنى بها، والذي يحاول إرعاب الجميع أنَّه الأسطورة والجيش الذي لا يقهر.
بعد ثلاثين يومًا من بدء عملية طوفان الأقصى تجلّت الحقائق، وانكشفت الأقنعة وظهر المستور، أي شعب أنتم يا أهل غزة؟ قدمتم للعالم أعلى أمثلة العزة والكرامة والثبات والشجاعة، أي إيمان هذا الذي لديكم وأي صبر تميزتم به وأنتم تزفون الشهداء أفواجا، لقد أعدتم للأمة مكانتها وهيبتها، وبعثتم فيها الأمل. مشاهد حقيقة لا توصف حينما ترى أهل غزة، وهم يتناولون فطورهم بين الركام وتحت وابل القصف في ثبات وعزيمة ولا عجب في ذلك لأنه لا يصدر إلا من أهل الأرض الممتدة إليها جذورهم العميقة.
حينما قرر جيش الكيان الصهيوني الدخول البري لغزة أمضى أيامًا وهو في حالة تخبط حول تحديد توقيت الدخول، ودخلت في بادئ الأمر قوة خاصة أمريكية إسرائيلية على صيغة أفلام الأكشن الهوليودية آملين أن يُحَرروا الأسرى، لكنهم يجهلون الأسود الضواري التي تنتظرهم والمتسلحة بالإيمان، وتستعجل الموت أملًا في نيل الشهادة، وحدث ما لم يتوقعوه؛ إذ اندحرت تلك القوات منهزمة بين قتيل وأسير؛ مما اضطر قادة العملية للتراجع بما يمكنهم الحفاظ عليه، يدَّعِي جيش الكيان أنه نفذ توغل بريًا في غزة، ولكنه في الواقع لم يتمكن من الدخول سوى لمسافة قليلة جدًا، وتحولت آلياته وجنوده إلى فرائس تصطادها أسود المقاومة بين قتيل وجريح وأسير، في حقيقة لا يجرؤ جيش الكيان الصهيوني على البوح بها، مخافةً من عواقبها في انهيار معنويات جيشه وتأليب الرأي العام الداخلي في إسرائيل، ويقدم الروايات المضللة الواحدة تلوى الأخرى في تكتم كبير على الخسائر الفادحة التي مُني بها في محاولاته لعبور غزة.
وإزاء تلك الهزائم الفاضحة يرتكب جيش الكيان الصهيوني المجازر تلوى الأخرى والغارات الهمجية الوحشية على المدنيين الأبرياء والنساء والأطفال، وهذا يدل بما لا يدع مجالًا للشك على فشله وهزيمته وإفلاسه، ولا نستغرب أن ينتهك هذا الكيان المجرم القوانين والشرائع الدولية، فهذه سجية المجرمين القتلة، ولا نتوقع منه قيماً وأخلاقيات فهو لا يمتلكها. لقد قدمت المقاومة، وضربت أروع الأمثلة في الصمود والتحدي وتحقيق المستحيل وهي فصيل بسيط بأسلحة محلية الصنع، ولا يوجد هناك أي مقارنة أو تكافؤ بين الطرفين المتقاتلين المقاومة وجيش الكيان الصهيوني. مقاومة بدأت بالحجارة والأسلحة البيضاء، وها هي اليوم تشكل لإسرائيل الرعب، فأي الرجال أنتم وأي طاقات تمتلكون فأنتم حقيقةً صنعتم المستحيل، حينما يتبادر إلى الذهن خروج هؤلاء الأبطال من الأنفاق والانقضاض على الأعداء وأسرهم والعودة بهم إلى الاتفاق فهل تساءلنا؟ كم الجهد والوقت والتخطيط والأعباء ومواجهة المخاطر في حفر هذه الأنفاق، فهذا من صنع المستحيل، عندما تُطْلَق الصواريخ هل تساءلنا؟ كيف حصلت عليها وكيف صُنِعَت محليا وكيفية تأمين المواد الخام في ظل حصار جائر برًا وبحرًا وجوًا، فكم من المخاطر واجهت تلك العقول في أدائها، فهذا من صنع المستحيل، حينما يقوم أبطال المقاومة بتنفيذ العمليات القتالية، والتي انبهر العالم بعملية طوفان الأقصى من حيث التخطيط والإعداد والتنفيذ الدقيق للأهداف دون ترك فرصة للفشل، واليوم بعد ثلاثين يومًا من الحرب، ولا يزال أبطال المقاومة هم المتحكمون، فهل تساءلنا كم استغرق إعدادهم وتدريبهم هذا التدريب العالي في الكفاءة القتالية؟
إنِّهم بالفعل صنعوا المستحيل، ومرغوا أنف الكيان الصهيوني في الوحل والمقاومة اليوم ليس كما قبلها، فقد تغيرت المعادلة، وها هي إسرائيل في نهاية المطاف ستجد نفسها مُجبرةً، رغمًا عنها للرضوخ للتفاوض مع حماس وحماس شامخة، دون أن تُطأطئ الرأس.
المصدر: جريدة الرؤية العمانية
إقرأ أيضاً:
471 رقم استثنائي في انتصار غزة
خليل المعلمي
سيظل الرقم 471 رقماً صعباً ومميزاً في تاريخ الإنسانية، سيشهد هذا الرقم وسيحكي عن قصص صمود 471 يوماً لشعب أعزل ضد أعتى قوة عسكرية عرفها التاريخ وتحالف معها الدولة الأقوى في العالم الحديث أمريكا وعدد من الدول الأوروبية (بريطانيا وألمانيا وفرنسا وغيرهم).
أظهر هذا الصمود قوة الحق ضد الباطل، وأظهر صلابة الشعب الفلسطيني بكل مكوناته السياسية والاجتماعية، الذي يمتلك الحق في أراضيه وتماسك فصائله المقاومة مع شعبه الصبور، وأثبت لنا هذا الصمود صوابية الطريق الذي يaسير عليه المجاهدون الفلسطينيون في الحصول على حقوقهم المسلوبة منذ ما يقارب من 80 عاماً..
كما سيظل الرقم 471 شاهداً عن تخاذل الأنظمة العربية والإسلامية المنتشرة في قارات آسيا وأفريقيا وهي محيطة بالشعب الأعزل في قطاع غزة بل ومشاركة البعض في هذه الحرب مع أنها تضم أكثر من مليار مسلم.
لقد تعرض الشعب الفلسطيني في قطاع غزة إلى حرب مدمرة، حرب إبادة جماعية، وظل خلال هذه الفترة الطويلة ينزح من مكان إلى آخر ويواجه تقلبات الطقس المختلفة باحثاً عن مأوى يقيه الحر في أوقات، ويخفف عنه برودة الشتاء القارس في أوقات أخرى، ليس ذلك فقط بل ويبحث عن المأوى الآمن وعن الطعام الذي يسد جوعه بعد أن أطبق عليه الحصار ومنع عنه الطعام والدواء معاً.
حرب لم يحدث مثلها لا في العصر الحديث ولا القديم، حرب أحرقت الأخضر واليابس، كان بطلها الحقيقي هو الشعب الفلسطيني الذي ظل في حالة صمود خيالية، قصفت المباني السكنية والمدارس الإيوائية والأطقم الاسعافية والإعلامية، ووصل الحال إلى قصف وتدمير المستشفيات وإخلائها من المرضى وقصف مخيمات النازحين، وارتكب الكيان الغاصب المحتل المجازر تلو المجازر بدعم وإسناد من الدول الكبرى التي تدعي الحضارة والتطور والتقدم ورعايتها لحقوق الإنسان.
لقد أصبحت غزة ورجالها مدرسة للصمود وتعليم العالم معاني الحرية والكرامة والعزة، بنضالها وصبرها وقتالها وتحديها، تحققت لأهلها معاني الصبر، وأن الإرادة هي إحدى مفاتيح النصر.
أثبتت غزة بصبرها هشاشة النظام العالمي الحديث الذي لا يعترف إلا بالقوة ولا يعرف معاني الإنسانية إلا في حدود تفكيره، وتحيزه للغاصبين وللقتلة والمجرمين، ولمصالحه الشخصية، فسقطت الأقنعة وتكشفت الوجوه على حقيقتها.
نعم إنه انتصار عظيم وكبير، لقد انتصرت غزة ليس فقط على الكيان الإسرائيلي الغاصب، ولكن انتصرت على العالم بأسره، ذلك العالم الذي اصطف معظمه مع الظالم والغاصب والقاتل بالسلاح، والآخر بالسكوت والجبن والخيانة والكراهية والتخاذل، نعم انتصرت غزة وانتصر الفلسطينيون لأن الحق لا يشيخ، ولأن الأرض ترفض أن تتخلى عن أبنائها مهما أثقلتها الأقدار.
انتصرت غزة لأنها تقاتل بعقيدة النور ضد ظلام الطغاة والمستكبرين، انتصرت لأنها كانت وستظل صوت الأحرار والمظلومين، وشاهداً على أن الحصار لا يكسر إلا من كانت عزيمته أشدّ من الحديد.
بعد 471 يوماً أصبحت غزة منتصرة في زمنٍ تنكّر فيه القريب، وباع فيه البعيد، وانتصر أهلها لأنهم لم يركنوا إلا إلى الله، ولأن أيدي أطفالها الصغيرة حملت من الحلم ما يعجز عنه الجبابرة.