عبد المعطي أحمد يكتب: حقائق ومتغيرات ما بعد غزة
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
أيا ما كانت نتيجة الحرب الدائرة فى غزة الآن فإنها تقدم لنا حقائق ومتغيرات جديدة سواء على مستوى الداخل الفلسطينى والداخل الإسرائيلى، أو على المستوى العربى والإقليمى والعالمى، وتضع فى أيدينا أوراقا تحتاج إلى استثمارها بحكمة وحسم فى آن واحد لتؤتى ثمارها الإيجابية:
أولا: القضية الفلسطينية لن تموت، بل لعلها قد بعثت من جديد أشد قوة بفضل دماء الشهداء، وتضحيات المصابين.
ثانيا: الشعب الفلسطينى لن يترك أرضه وحقوقه وأولها حقه فى دولة مستقلة ذات سيادة على كامل أرضه المحتلة.
ثالثا: رغم تحفظاتنا على حماس وممارساتها فى أحداث 2011 إلا أنها فصيل ينتمى - مع أخواتها من فصائل المقاومة- لشعب وأرض محددين بمئات القرارات الدولية، ومحصنين بجميع القوانين والمواثيق الدولية، وليست كما حاول نتنياهو تصويرها بأنها مثل "داعش" ليبرر دعوته للقضاء عليها, فداعش لاتمثل شعبا، بل هى كيان يضم أشتاتا من مختلف الجنسيات، ولايوجد سند من الشرعية الدولية لبقائه.
رابعا: لدينا زخم من التأييد العالمى لحقوق الفلسطينيين سواء على مستوى الحكومات – كما ظهر من التصويت على قرار الجمعية العامة للأمم المتحدة – أوعلى مستوى الرأى العام العالمى الذى تعبر عنه شعوب العالم من مختلف قاراته كل يوم بالمظاهرات والمسيرات التى تدين وحشية الحرب الإسرائيلية، وتطالب بوقفها وتؤيد حقوق الفلسطينيين.
خامسا: لدينا انقسام داخلى فى أمريكا ومثله فى أوروبا تجاه دعم الحرب الاسرائيلية على عكس ماحدث تجاه أوكرانيا، ويكفى أن أمريكا لم تجد من يعترض على قرار الأمم المتحدة الأخير بشأن غزة سوى أربع عشرة دولة ليس من بينها سوى أربع دول أوروبية فقط هى: النمسا وكرواتيا والمجروالتشيك، بينما أيدت القرار أربع عشرة دولة أوروبية على رأسها فرنسا التى تقود الاتحاد الأوروبى وبلجيكا ولوكسمبرج، حيث مقر هذا الاتحاد، فضلا عن دول مهمة مثل: أسبانيا، والبرتغال، والنرويج، وسلوفينيا وغيرها خروجا من "بيت الطاعة" الأمريكى.!
سادسا: بات من الضرورى والحتمى إنهاء الانقسام الفلسطينى بين فتح وحماس والجبهة الشعبية، وغيرها من الفصائل، وبدء صفحة جديدة، ونسيان الماضى بكل سلبياته، ليصبح الجميع حركة مقاومة موحدة.
هذه الحقائق والمتغيرات المخضبة بدماء الشهداء وصرخات المكلومين تطرح سؤالا أساسيا عن كيف ننجح فى استثمارها فى إعادة ترتيب البيت الفلسطينى والبيت العربى، وكيف ننتقل بمواقفنا من مستوى الإدانة والشجب والاكتفاء بتقديم المساعدات الإنسانية إلى مستوى الإدانة بالفعل وباستخدام هذه المتغيرات وما فى أيدينا من أوراق، وأظن أن القمة العربية المرتقبة فى الرياض يوم السبت المقبل يمكن أن تمثل نقطة البداية على هذا المسار الجديد.
• أمر الغرب وأمريكا عجيب وغريب، فهم يسنون القوانين لما يسمى بحقوق الإنسان، أو حتى الحيوان من وجهة نظرهم فقط، بل إنهم يدينون أى انتهاك، ويصل الأمر إلى توقيع عقوبات بحق من يتعامل من وجهة نظرهم فقط بطريقة غير لائقة مع الإنسان، أو حتى الحيوانات، لكنهم وهذا هو الشاذ، والغريب يتلذذون بسفك دماء الأبرياء من الأطفال والنساء والشيوخ فى غزة، وكأنهم من فصيلة مصاصى الدماء الذين كنا نشاهدهم فى الأفلام، ونتعامل معهم على أنهم شخصيات من وحى الخيال الفنى والسينمائى، لكن الأيام أظهرت أن هناك من هم أشد منهم قسوة، وظلما، وعدوانا.
• من أبيات الشعر التى درستها فى المرحلة الثانوية، ومازالت محفورة فى ذاكرتى ووجدانى تلك الأبيات التى وردت فى ديوان"أتسأل مصر ماذا حمل العميد" للشاعر أحمد محرم والذى يتناول فيه حقبة من سنوات الاحتلال و"المعتمد البريطانى" فى تلك الفترة ومقاومة مصر للاحتلال قال الشاعر: عميد الغاصبين نزلت أرضا
يبيد الغاصبون ولاتبيد
يذود الواحد القهار عنها
إذا قهرت جنودك من يذود
• نتوهم أحيانا أننا وصلنا إلى نهاية المطاف، ولن يعرف الأمل والحماس والنجاح عنواننا، لكن الحياة علمتنى أن النجاح ليس له ميعاد فى حياة البشر، يأتينا فى مرحلة الشباب، ويأبى أن يلتقينا فى خريف العمر، لايعرف الفوارق ولايميز بين البشر، وإنما يقف على مسافة واحدة من الجميع، لكنه ينتظر اللحظة التى ندرك فيها كيف نغير أقدارنا بالعزيمة والمثابرة والإصرار. وعلمتنى الحياة أيضا أن قمة السعادة ليست بما تحصل عليه من الدنيا، بل السعادة بما تعطيه للآخرين حقا، وصدقا، ويقينا.
المصدر: صدى البلد
إقرأ أيضاً:
أحمد ياسر يكتب: مثلث التوترات (إسرائيل - سوريا - تركيا)
الرسالة واضحة: إسرائيل لا تريد تركيا كجار في سوريا ما بعد الحرب
ما يحدث في سوريا ليس مجرد إعادة تشكيل للديناميكيات الداخلية للبلاد، بل يكشف عن صراع أعمق في الرؤى بين تركيا وإسرائيل، وجهات النظر متباعدة للغاية في تصورهما لمستقبل سوريا.
بينما تدعو إسرائيل إلى هيكل فيدرالي مجزأ يُعلي من شأن الأقليات مثل الأكراد والدروز، تدعم تركيا دولة سورية موحدة بحكومة مركزية قوية، قادرة على السعي لتحقيق أجندة شاملة لجميع مواطنيها.
فكرة دعم تركيا لسوريا موحدة تعدي الإجراءات الدبلوماسية الشكلية، بل يمثل ضرورة استراتيجية واضحة، فمع تبني الحكومة الانتقالية نهجًا أكثر شمولية تجاه الأقليات، رفضت إسرائيل هذه المبادرات إلى حد كبير، وصوّرت نفسها على أنها "الوصي الفعلي" على جماعات مثل الأكراد والدروز.
في ظل هذه الخلفية، تُمثل خطوات المصالحة الأخيرة بين قوات سوريا الديمقراطية (قسد) التي تهيمن عليها وحدات حماية الشعب والنظام السوري نقطة تحول مهمة، فرغم ترددها الظاهر، إلا أن هذه الخطوة كانت ضرورة استراتيجية لقوات سوريا الديمقراطية في ضوء الانسحاب الأمريكي من سوريا. والأهم من ذلك هو انحياز حزب العمال الكردستاني الواضح لدعوة أوجلان لنزع سلاحه، مما قد يُشير إلى بداية النهاية لصراع لطالما أثقل كاهل تركيا.
مع تزايد الاستقرار وتحسن المشهد الأمني، تهدف تركيا إلى تدريب جيش البلاد المُعاد هيكلته، مُشيرةً إلى موقف استباقي ضد أي عودة لداعش أو تهديدات مماثلة، لكن بالنسبة لإسرائيل، يُعد وجود تركيا الديناميكية والحازمة في الجوار تطورًا غير مرغوب فيه.
قد يُفسر هذا سبب استهداف الغارات الجوية الإسرائيلية - التي يُزعم أنها تستهدف بقايا ذخائر النظام - مؤخرًا للطرق والبنية التحتية بالقرب من قاعدة T4 الجوية، حيث تخطط تركيا لإقامة وجود عسكري.
مع ذلك، تجدر الإشارة إلى أن تركيا أيضًا لا ترغب في رؤية إسرائيل المُزعزعة للاستقرار تُوسّع نطاق وجودها العسكري في المنطقة، لم يكن الاتفاق على إنشاء قاعدة عسكرية بالقرب من مطار T4 عملًا إكراهيًا، بل كان نتاجًا لموافقة متبادلة بين أنقرة والإدارة السورية الجديدة.
بالنسبة لإسرائيل، لا يزال شعار "التهديد الأمني" المألوف يُشكّل درعًا مناسبًا لسياساتها التوسعية، فمن احتلالها طويل الأمد لمرتفعات الجولان إلى ضرباتها المتواصلة خارج الحدود، استخدمت إسرائيل لغة إدراك التهديد لتبرير الوضع الراهن الذي يُشبه بشكل متزايد تجاوزًا استراتيجيًا.
من جانبها، تبدو الولايات المتحدة حذرة من التصعيد، قبل توليه منصبه بوقت طويل، حذّر دونالد ترامب من توريط أمريكا في صراع آخر في الشرق الأوسط.
وقد تجلى هذا الحذر جليًا خلال اجتماع متوتر بشكل واضح مع نتنياهو في البيت الأبيض، وقد كشفت الأجواء التي تلت الاجتماع عن كل شيء: رئيس وزراء إسرائيلي كئيب، مُحبط من إحجام واشنطن عن إعطاء الضوء الأخضر لجبهة أخرى.
تُمثّل المحادثات الأخيرة بين المسؤولين الأتراك والإسرائيليين في أذربيجان خطوة دبلوماسية حاسمة - خطوة صُممت لتجنب صدام مباشر في سوريا، ويكمن في جوهر أي اختراق محتمل مبدأ بسيط: الاعتراف المتبادل بشرعية الإدارة السورية الجديدة وتخفيف العقوبات، فدون هذا الأساس، يبقى كل شيء مجرد هراء.
بالنسبة لأنقرة، الطريق إلى الأمام واضح.. فقد عززت بالفعل اعترافها الدبلوماسي، وبنت علاقات مؤسسية، وأقامت شراكة أمنية متجذرة في الاستقرار الإقليمي.
لا تحتاج تركيا إلى بذل المزيد من الجهد، فقد قامت بالفعل بالجزء الأكبر من العمل، ويبدو أن واشنطن توافق على ذلك، فقد أقرّ المسؤولون الأمريكيون صراحةً بأن أي خارطة طريق جادة بشأن سوريا تمر عبر أنقرة.
لا يزال الانزعاج قائمًا في واشنطن، وخاصةً بين صانعي السياسات في عهد ترامب، إزاء إدراج أفراد يصفونهم بـ "الجهاديين السابقين" في الحكومة الانتقالية السورية… لكن هذه التسميات تبدو جوفاء، وهي صادرة عن مؤسسة سياسية لطالما دعمت الإرهابيين والجهات الفاعلة العنيفة، بدءًا من عملاء مناهضي كاسترو وقوات الكونترا في نيكاراغوا، وصولًا إلى لوس بيبس في كولومبيا ووحدات حماية الشعب في سوريا.
ولا يمكن للخطاب أن يخفي نفاق الاستناد الانتقائي إلى المعايير الأخلاقية عندما يخدم ذلك المصالح الجيوسياسية.
في الوقت الحالي، تُقدم القنوات الدبلوماسية المفتوحة إشارة مُطمئنة: إن المواجهة العسكرية المباشرة بين تركيا وإسرائيل ليست وشيكة… لكن صمود هذا الضبط يعتمد على تل أبيب أكثر منه على أنقرة.
إذا كان من المُحتمل أن يُحوّل أي طرف الوضع نحو التصعيد، فهو "إسرائيل"، بتاريخها الحافل بالسياسات التوسعية والاستفزازات بدافع الاحتلال.
في غضون ذلك، ترسم تركيا مسارًا مختلفًا - مسارًا يهدف إلى الاستقرار ومكافحة الإرهاب وإعادة الاندماج الإقليمي، لكن خطوطها الحمراء واضحة، إذا بدأ عدم الاستقرار في سوريا بالتصاعد مرة أخرى، وخاصةً من قِبل جهات تُقوّض البنية الأمنية لتركيا، فلن تبقى أنقرة مكتوفة الأيدي.