الرباط- بعد مطالعة تقرير و3 أخبار من أهم الأحداث المغربية باللغة العربية، يقلب القارئ الورقة ليقع نظره على لغة مختلفة في الصفحة الثالثة من الجريدة برموز قد تبدو غريبة بالنسبة لقارئ أجنبي، ثم يلتفت إلى صفحة مقابلة حُرّرت موادها بلغة الضاد تحت عنوان "الأمازيغية"، بتنسيق يوحي إلى أن الصفحتين تهمان الشأن الأمازيغي وأن الرمز في الصفحة السابقة ما هو إلا "تيفيناغ" الحرف الذي تُكتَب به ثاني لغة رسمية في المغرب.

يبدو أن التنوع الإثني الذي تتمتع به دول المنطقة المغاربية أخذ بالانعكاس أيضا على مشهدها الإعلامي، الذي تمكنت ضمنه الصحافة الأمازيغية -رغم حداثة نشأتها- من توطيد مكانة مهمة لدى الجمهور، بدءا من كونها متخصصة في قضايا الأمازيغ بلغات مختلفة، مرورا بتوظيف الحرفين العربي واللاتيني لتحرير المادة الأمازيغية، وصولا إلى مخاطبة القارئ بـ"تيفيناغ".

تُعد صحيفة "العَلم" أول يومية وطنية في المغرب تخصص صفحات من أعدادها لتبليغ الرسالة الإعلامية بهذا الحرف، في تجربة ذات دلالة رمزية تُعبّر عن لغة وثقافة مكون أساسي من مكونات الهوية المغربية رغم التحديات التي تواجهها، حسب عزيز اجهبلي المشرف على القسم الأمازيغي في الصحيفة المذكورة.

البداية

اهتمام صحيفة العلم بالصحافة الأمازيغية بدأ منذ عام 2007، عندما فكر عزيز باقتراح المشروع على صحف وطنية ناطقة باللغة العربية قبل أن يحظى بترحيبها، وبذلك تنطلق محطة جديدة من تجربة إعلامية تاريخية لأقدم صحيفة مغربية ناطقة بالعربية ومستمرة إلى اليوم (منذ عام 1946).

مقر جريدة العلم وسط العاصمة الرباط (الجزيرة)

"عقب الاتفاق مع رئيس التحرير آنذاك عبد الله البقالي"، يقول عزيز اجهبلي للجزيرة نت: "تم تخصيص صفحة أسبوعية ضمن يومية العَلم لمواكبة الشأن الأمازيغي في المغرب من خلال تغطية قضايا الأمازيغ، وإجراء حوارات مع فاعلين سياسيين وثقافيين في هذا الشأن"، إضافة إلى مواكبة نشاطات الجمعيات الأمازيغية، وما يتعلق بهذه الثقافة على مستوى المنطقة المغاربية والعالم.

الصحفي عزيز اجهبلي منسق القسم الأمازيغي في جريدة العلم (الجزيرة)

استمرت التجربة لأزيد من 10 سنوات كإحدى قنوات التواصل بين الثقافة الأمازيغية والقارئ المغربي، "وسط ترحيب وتفاعل إيجابي مع المبادرة من قبل الفاعلين في الحركة الأمازيغية، والسياسيين الذين تقبلوا الفكرة بصدر رحب" يضيف اجهبلي، لافتا إلى أن صفحته استقبلت خلال تلك الفترة كتابات متنوعة من أقلامهم، كما واكبت حينها النقاش الذي ساد حول المرافعة من أجل ترسيم اللغة ودسترتها، وهو ما توج عام 2011 بمحطة وصفها اجهبلي بـ"المفصلية في تاريخ الأمازيغية بالمغرب".

"العَلم" بلسان أمازيغي

"تعد الأمازيغية أيضا لغة رسمية للدولة، باعتبارها رصيدا مشتركا لجميع المغاربة بدون استثناء"، بهذه العبارة نص الدستور المغربي الجديد عام 2011 على رسمية اللغة الأمازيغية، ليكون "نقطة فاصلة بين مرحلتين" حسب اجهبلي، دخلت على إثرها يومية العلم مرحلة جديدة في تجربتها الإعلامية مع الشأن الأمازيغي، توجت في 2020 بإضافة أبجدية تيفيناغ إلى غرفة أخبار الصحيفة بالتعاون مع المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (حكومي).

مقر المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية في الرباط (الجزيرة)

وتيفيناغ حرف تقول بعض الروايات والأبحاث التاريخية إن الأمازيغ استعملوه في عصور ما قبل الميلاد للتعبير عن لسانهم، ثم اختفى لتقتصر شعوب المنطقة على الحكي الشفهي، وتستعين لاحقا بالحرف العربي لكتابة لغتها إثر الفتوحات الإسلامية، قبل بروز نقاش حاد في نهاية القرن الماضي بين نخبة مطالبة بالعودة إلى الحرف العربي وتيار فرانكفوني متمسك بالحرف اللاتيني، حسمه العاهل المغربي محمد السادس عام 2003 بحل وسط من خلال المصادقة على "تيفيناغ" ليكون حرفا رسميا وحيدا لكتابة الأمازيغية في المغرب.

من ناحيتها، ترى الباحثة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية صباح علاش في خطوة العَلم دلالة على "اقتناع النُّخب بما فيها الجريدة المغربية العريقة بأن هذا الحرف يمثل بُعدا للمغاربة بحكم التنوع الذي يزخر به وطنهم ويمكن من خلاله إعادة الاعتبار للغة والثقافة الأمازيغيتين"، وعدّت الأمازيغية "مسؤولية وطنية ليست ملقاة على الإنسان الأمازيغي وحده، بل على جميع المغاربة الانخراط فيها".

الباحثة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية صباح علاش (الجزيرة)

إضافة إلى ما حققه في مسار معيرة اللغة الأمازيغية وإنتاج أبجدية حديثة تتألف من 33 حرفا أدرجت في اليونيكود ولوحة المفاتيح، يشرف المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، حسب الباحثة ذاتها، على إعداد معاجم للمصطلحات بحرف تيفيناغ تم تخصيص واحد منها لوسائل الإعلام، كما يجري إغناء المحتوى الإعلامي للصحافة المغربية باستمرار عبر أبحاث علمية ينجزها مركز الدراسات التاريخية والبيئية التابع للمعهد.

أما بشأن مسألة تنوع اللسان الأمازيغي داخل المغرب بين تاريفيت (شمالا) وتمازيغت (وسط) وتاشلحيت (جنوبا)، تلفت صباح -في حديث مع الجزيرة نت- إلى أن هذا التعدد لم يعد يطرح مشكلة بالنسبة إلى وسائل الإعلام بفضل اشتغال المعهد الملكي على معيار لغوي يوحد الأمازيغيات الثلاث، مشيرة إلى وجود مجهودات مستمرة على مستوى مراكز المعهد لرصد الإشكالات وتجاوزها.

مواكبة رسمية

في ضوء هذا الاهتمام، يبدو أن عمل محرر الصفحات الأمازيغية في جريدة العَلم وغيرها من المؤسسات يخلو من أي عائق تقني يتعلق بحرف تيفيناغ، يكفي أن يفتح لوحة مفاتيح حاسوبه ويضع الأبجدية الأمازيغية ليُحرّر مادته الصحفية، كما لن يعاني غياب المعلومة أو المصادر والدراسات الثقافية والتاريخية، إذ يوفرها المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية، فضلا عن تقديمه استشارات على مستوى الكتابة وفق مذكرة تفاهم وقعها مع يومية العَلم نوفمبر/تشرين الثاني 2020.

مكتبة في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الجزيرة)

أما بالنسبة إلى يشو بنعيسى، مدير البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية في المعهد، فإن هذه المواكبة الرسمية تنطلق من رؤية إستراتيجية تسهم من خلالها المؤسسة في تحديد الكيفية التي ينبغي أن يشتغل بها الإعلام "الذي يعد من دعامات بناء المجتمع الحداثي الديمقراطي"، مع أخذه بعين الاعتبار -يضيف المتحدث- "المستجدات التي عرفتها السياسة الثقافية واللغوية في المغرب المتمثلة في أننا لم نعد وطنا أحادي اللغة والثقافة، ليتقدم (الإعلام) بدوره خطوة في هذا الاتجاه ويراعي تعدد الثقافات".

مدير مركز البحث الديداكتيكي والبرامج البيداغوجية يشو بنعيسى (الجزيرة)

"من هذا المنطلق نقوم بمهامنا تجاه هذه الدعامة"، يقول بنعيسى للجزيرة نت، ويضيف أنهم بصفتهم "مؤسسة أكاديمية بحثية لا بد من أن ننتج مجموعة من المواضيع التي يشتغل بها الصحفي، على مستوى الكتابة والمعاجم"، إضافة إلى الإسهام في تكوينه الذي "نتدخل في شقيه الأساسي عبر المعهد العالي للصحافة والاتصال، أو المستمر لفائدة الصحفيين الممارسين الذين نعمل كذلك على تحفيزهم عبر تنظيم الجائزة الوطنية للثقافة الأمازيغية".

رواق فني في المعهد الملكي للثقافة الأمازيغية (الجزيرة) التعليم.. التحدي الأبرز

رغم ذلك، فإن الصحافة الأمازيغية لا تزال تواجه إكراها عاما، حسب رأي الصحفي بجريدة العَلم عزيز اجهبلي، إذ إنه رغم مرور سنوات على ترسيم حرف تيفيناغ "ما زالت الكتابة به في بداية انتشارها بسبب عدم تعميم تدريسها على جميع مستويات التعليم داخل المدرسة المغربية من الابتدائي إلى الثانوي التأهيلي"، وهو ما يؤثر سلبا على التحرير بتيفيناغ "نظرا لقلة المتخصصين في الكتابة بهذا الحرف، الذين يعد عددهم قليلا جدا بالمقارنة مع عدد الناطقين باللغة الأمازيغية"، ومن ثم معاناة أبجديته من عدم الانتشار.

من جهته، يرى الخبير الإعلامي موحا مخلص أن هذا الإكراه يتعدى الصحفي والكاتب إلى القارئ، الذي لن يتمكن بدوره من مطالعة المادة المكتوبة بحرف تيفيناغ إلا إذا كان "من التلاميذ الذين يستفيدون من دروس الأمازيغية في بعض المدارس، أو أساتذة اللغة، أو الباحثين، أو الشباب المهتمين بالأمازيغية وأبجديتها، وكذلك بعض الصحفيين"، مؤكدا أن هذا يشكل تحديا يمكن التغلب عليه عن طريق التعليم.

مخلص: ينبغي التعامل مع الصحافة الأمازيغية بتمييز إيجابي خلال مرحلة معينة حتى تستقر (الجزيرة)

يذكر أن المغرب يسعى إلى تعميم تدريس الأمازيغية في المستوى الابتدائي بشكل تدريجي مع بداية الموسم الدراسي المقبل، في إجراء يشمل 4 ملايين تلميذ في 12 ألف مؤسسة تعليمية في أفق 2030، وفق ما أعلن عنه وزير التربية الوطنية في الأول من يونيو/حزيران الجاري.

في هذا الصدد، يقول مخلص للجزيرة نت "كلما عُمّمت اللغة الأمازيغية بالمستويات التعليمية، ازداد عدد القراء المقبلين على الصحافة الأمازيغية، التي ستستفيد كثيرا من هذه الورش، خاصة مع إدراج دروس تعرف بالصحافة في مقررات الدراسة".

ويشدد المتحدث ذاته على ضرورة "التعامل مع الصحافة الأمازيغية بتمييز إيجابي خلال مرحلة معينة حتى تستقر"، لافتا إلى أنها "قناة مهمة للتعبير عن الثقافة واللغة الأمازيغية بجميع أبعادها".

المصدر: الجزيرة

كلمات دلالية: فی المغرب على مستوى من خلال إلى أن

إقرأ أيضاً:

صحافة عالمية: إسرائيل حُبست في تصور خاطئ عن حماس ولم تفهم السنوار

تناولت صحف ومواقع عالمية تداعيات الفشل الإسرائيلي في تقدير نوايا حركة المقاومة الإسلامية (حماس) وقائدها السابق يحيى السنوار، مشيرة إلى أن تل أبيب أسرت نفسها داخل تصور خاطئ عن الحركة، مما أدى إلى مفاجأة كبرى في هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأبرزت الصحف أن الإخفاق الاستخباراتي الإسرائيلي لم يكن نتيجة نقص المعلومات، بل بسبب سوء التقدير والثقة المفرطة التي أعمت القيادة العسكرية عن استيعاب التحذيرات المتكررة.

صحيفة لوموند الفرنسية أكدت أن الجيش الإسرائيلي لم يدرك أن حكم غزة بالنسبة إلى حماس كان مجرد وسيلة وليس غاية، مما أدى إلى تجاهل الحقائق الاستخباراتية التي كانت متاحة له.

وأوضحت الصحيفة أن الأجهزة الأمنية الإسرائيلية رفضت تحدي مفاهيمها الراسخة حول نوايا الحركة، رغم أن المؤشرات كانت تدل على استعدادها لخيار المواجهة العسكرية.

أما صحيفة واشنطن بوست، فنقلت عن مسؤولين عسكريين إسرائيليين أن التقديرات الخاطئة بشأن نوايا السنوار كانت عاملا رئيسيا في سلسلة الإخفاقات التي سبقت هجوم السابع من أكتوبر/تشرين الأول.

وذكرت أن قادة الجيش الإسرائيلي اعتقدوا حتى أواخر عام 2023 أن السنوار يهدف فقط إلى تحقيق تنازلات مالية من إسرائيل لإدارة غزة، وليس خوض حرب شاملة.

إعلان

كما أشار مسؤول عسكري إلى أن التقييمات الإسرائيلية كانت ترى أن حماس لا تملك القدرة على تنفيذ عملية عسكرية بهذا الحجم.

في السياق ذاته، كتب زعيم المعارضة الإسرائيلية يائير لبيد مقالا في هآرتس، انتقد فيه فشل حكومة بنيامين نتنياهو في تقديم بديل سياسي واقعي لحماس.

واقترح لبيد أن تتولى مصر إدارة قطاع غزة لمدة 8 سنوات، قابلة للتمديد حتى 15عاما، بهدف إعادة بناء القطاع وتهيئة الظروف لقيام حكومة فلسطينية مستقلة.

غياب العدالة

من جهتها، سلطت صحيفة ليبيراسيون الفرنسية الضوء على التدهور الكبير في أوضاع السجناء الفلسطينيين داخل السجون الإسرائيلية منذ السابع من أكتوبر/تشرين الأول 2023.

وأشارت إلى تضاعف أعداد المعتقلين الفلسطينيين ليصل إلى 10 آلاف، بينهم 3500 معتقل إداري ونحو 3 آلاف أسير حرب من غزة، كلهم محتجزون في معسكرات يديرها الجيش الإسرائيلي.

وأكدت الصحيفة أن غياب نظام العدالة في إسرائيل تجاه الفلسطينيين أصبح أكثر وضوحا في ظل عمليات الاعتقال التعسفية والتضييق المتزايد.

وعلى الصعيد الدولي، تناولت صحيفة واشنطن تايمز رفض الرئيس الأميركي دونالد ترامب مطالب رئيس الوزراء البريطاني كير ستارمر المتعلقة بدعم أوكرانيا، معتبرة أن هذا الرفض شكّل ضربة للقادة الأوروبيين الذين سعوا إلى إقناع واشنطن بعدم تقديم تنازلات لروسيا.

وأشارت الصحيفة إلى أن موقف ترامب المتشدد قد ينعكس أيضا على تعامله مع الرئيس الأوكراني فولوديمير زيلينسكي، خاصة في ظل تصاعد الضغوط لإنهاء الحرب مع روسيا.

وفي السياق ذاته، ذكرت مجلة تايم الأميركية أن لقاءً محوريا بين ترامب وزيلينسكي شهد توترا غير مسبوق، حيث انتهى الاجتماع مبكرا بعد تبادل حاد للكلمات بين الطرفين.

وأوضحت المجلة أن المواجهة العلنية بين الزعيمين مثّلت خروجا عن الأعراف الدبلوماسية، إذ عادة ما تجري الخلافات خلف الأبواب المغلقة، في حين تحرص القيادات على إظهار الوحدة أمام وسائل الإعلام.

إعلان

مقالات مشابهة

  • بالصور.. رئيس الجمهورية في الديوان الملكي السعودي
  • القارئ الطبيب صلاح الجمل لـ«الأسبوع»: أنا العربي الوحيد الذي سُمح له أن يسجل القرآن في الحرمين النبوي والمكي
  • صحافة عالمية: إسرائيل لن تستأنف القتال في غزة قريبا رغم تعثر المفاوضات
  • ملعب مولاي الحسن الجديد الذي سيحتضن مباريات الجزائر يقترب من الجاهزية
  • محافظ كفر الشيخ: افتتاح معرض الحرف اليدوية والغذائية ببرج البرلس
  • القارئ السوداني وضاح خضر: هكذا حفظت القرآن الكريم بالاستماع
  • كفر الشيخ .. افتتاح معرض الحرف اليدوية والغذائية ببرج البرلس
  • «دبي للثقافة» تواكب شهر القراءة بفعاليات متنوعة
  • صحافة عالمية: إسرائيل حُبست في تصور خاطئ عن حماس ولم تفهم السنوار
  • وزير الخارجية السابق محمد بنعيسى في ذمة الله