سودانايل:
2024-09-17@03:02:49 GMT

الدعم السريع: التفلت مهنتي (2/2)

تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT

إذا أغرت قوات "الدعم السريع" مكاسبها في ولاية دارفور خلال الأسبوع الماضي بالاستيلاء على كل السودان، كما صرح نائب القائد العام لهذه القوات عبدالرحيم دقلو، فيصح أن نسأل: ما الهوية المهنية هذه القوات التي بدا أنها رتبت نفسها لحكم السودان؟
ونعني بالهوية المهنية عنصر الضبط والربط فيها الراكز في سلسلة قيادة من أعلى إلى أسفل.

ولا أعرف تزكية للمهنية مثل تزكية جي أم كويتزي الروائي من جنوب أفريقيا في روايته "العصر الحديدي". قال فيها إنه لم يمنع النظام العنصري في جنوب أفريقيا أن يهلك "الرفاق" (وهو ما كان يطلق على الشباب الذين صارعوه بقوة) عن بكرة أبيهم، إلا أن قوات أمنه، مهما قلت عنها، استعصمت بالمهنية. فعصمتها مهنيتها دون ألا تبقى من الرفاق دياراً.
وغير خافٍ أن ما ترتكبه "الدعم السريع" في حق الناس وعرضهم هو علة في بنيته كجيش خلاء (في مقابل جيش الكلية الحربية في عرف السودانيين) على رغم مساعي "الدعم السريع" الدائبة لتصويره كاستثناء موجب للمؤاخذة. فالعلة في هوية "الدعم السريع" كجيش لم يتخلق بمهنية القتال الذي ربما أجاده حركات ومصابرة. فليس دونه وحق الناس عاصم من مهنية. فليس منهم من يحرص على الترقي في المهنة ومسؤولياتها بقسم أمام دستور ووطن تحت قيادة آمرة ناهية لا كقيادة حميدتي التي لا تلقي الأعذار عما يرتكبه منسوبوها فحسب، بل وتفديهم متى تورطوا في عيب أيضاً.
وعليه ينتهز صفوفه كل مغامر ممن يعرف بلورد الحرب.
ومن ضمن هؤلاء المغامرين حسين برشم عبود (أبو شنب) الذي ذاع ذكره متصلاً بهجوم "الدعم السريع" بقيادته على بلدة ود عشانا بشرق ولاية كردفان في الأول من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي. وكان حسين قد جاء من السعودية، حيث عمل في أمن الشركات، وهو ممن يقرضون الشعر مثل قوله في حبيبته:
فطينا (فاطمة) الدنيا خينيه (خائنة) أبت تسمح لينا
وهجوم ود عشانا هو الذي حيته قيادة "الدعم السريع" ببيان لها بوصفه المدخل للهجوم على ميناء كوستي النهري والبري على النيل الأبيض، والمدخل لولاية الجزيرة، فالخرطوم. وصمتت عن نهبه للبلدة وقتل بعض أهلها. فقال شاهد عيان إن جنود برشم دخلوا البيوت وكسروا المتاجر فإما سلمتهم مالك أو قتلوك. وقتلوا بالفعل جماعة من المدنيين، ثم سرقوا تليفونات وثلاجات وشاشات التلفزيون وكسروا الدكاكين. وقال إنهم "انتهوا من الأخضر واليابس". ولم تصمت قيادة "الدعم السريع" عن هذا التفلت الدموي الذي تم باسمها، أو تحت قيادتها، فحسب، بل لم تفتقد برشم حين لم يواصل حملته إلى كوستي وغادر إلى أهله في غرب كردفان.
وكان اقتحام "الدعم السريع" على بلدة العيلفون القريبة من الخرطوم في السادس من أكتوبر الماضي تفلتاً صريحاً بدلائله. وكان على قيادة ذلك الاقتحام أبو عاقلة محمد أحمد كيكل. وله سمعة سبقت في التهريب. ونشط في منبر على "فيسبوك" يعنى بقضايا أهله في شرق السودان. وغازل قوى الحرية والتغيير لما كنت في الحكم، ولم يجد سبيلاً لها. فكون مع آخرين جماعة مسلحة هي "درع الوطن" تحتج على المكاسب التي نالتها دارفور باتفاق جوبا في 2021 في حين انحرم منها أهله، ثم جرى إغراؤه بالانضمام لـ"الدعم السريع"، ففعل.
فما دخل "الدعم السريع" العيلفون حتى طردوا أهلها من بيوتهم، ونهبوا السيارات والذهب واستباحوا ما في البقالات، واغتصبوا نساءً. وقال شاهد عيان إنهم لم يمهلوه وقتاً، فخرج من بيته بجلابية متسخة وجهاز تليفون وكيس أدوية، وأنه عاد لبيته ليأخذ بعض أوراقه فرموه على الأرض وضربوا الرصاص من حوله. ومن أحزن ما قاله إن العيلفون بلد قديم تقطعت أسبابه بأصوله القبلية أو في القرى. وهي المواضع الآمنة التي قصدها من سبق لـ"الدعم السريع" طردهم من منازلهم في الخرطوم. فضربوا في الأرض لا يعرفون إلى أين.
وظهر كيكل في فيديو بعدها بأيام يستعرض ما لا يقل عن 100 سيارة في حوش كبير. وقال إنها سيارات "أهلنا ناس العيلفون". ووجه من حوله ليصوروا أرقام اللوحات واحدة بعد أخرى ليتعرف عليها أهلها ويبلغوا في الغد لتسلمها. وزاد بقوله إن تلك هي "الظواهر السالبة". ومع ذلك لم تصدر من "الدعم السريع"، وهو يحتفي باحتلال العيلفون، عبارة واحدة عن جريمة حربها فيها بطرد المدنيين من دورهم.
لا يكف "الدعم السريع" عن تصوير جرائم حربه كتفلتات وظواهر سالبة لحد إنشاء لجنة لملاحقتها، لكن ما دخله من هذه الجهة مما لا يتداوى في قول السودانيين، أي إنه فاقد المهنية، وهي مما لا ينصلح بلجنة، فما دخله مما يستحيل استدراكه مهما حسنت النيات!


IbrahimA@missouri.edu  

المصدر: سودانايل

كلمات دلالية: الدعم السریع

إقرأ أيضاً:

وفاة اثنين أو ثلاثة معتقلين يوميًا في معتقلات الدعم السريع

(نجوم في الحرب)
سلسلة حوارات يجريها:
محمد جمال قندول
الصحفي طارق عبد الله يروي يوميات الاعتقال والحرب لـ(الكرامة):
اتهموني بأني”الانصرافـي” واعتقــلوني فى مكان يعــج بـالقمـل والمجانيـن
(….) هـؤلــاء باعــوني بسعــرٍ بخــس
وفاة اثنين أو ثلاثة معتقلين يوميًا بسبب الجوع والاهمال
كنا نقضي حاجتنــا في “جــرادل” والحمــام ممنــوع..
انتظــرت تصفـيتــي وواجهتهم بســلاح (….)
(….) هــو الحــل الوحيــد للنجــاة من أولئــك الأوبــاش
قالـــوا لي أنت موالٍ للجيش وتتــواصل مع العطــــا
ربما وضعتهم الأقدار في قلب النيران، أو جعلتهم يبتعدون عنها بأجسادهم بعد اندلاع الحرب، ولكنّ قلوبهم وعقولهم ظلت معلقةً بالوطن ومسار المعركة الميدانية، يقاتلون أو يفكرون ويخططون ويبدعون مساندين للقوات المسلحة.
ووسط كل هذا اللهيب والدمار والمصير المجهول لبلاد أحرقها التآمر، التقيتهم بمرارات الحزن والوجع والقلق على وطن يخافون أن يضيع.
ثقتي في أُسطورة الإنسان السوداني الذي واجه الظروف في أعتى درجات قسوتها جعلني استمع لحكاياتهم مع يوميات الحرب وطريقة تعاملهم مع تفاصيل اندلاعها منذ البداية، حيث كان التداعي معهم في هذه المساحة التي تتفقد أحوال نجوم في “السياسة، والفن، والأدب والرياضة”، فكانت حصيلةً من الاعترافات بين الأمل والرجاء ومحاولات الإبحار في دروبٍ ومساراتٍ جديدة.
وضيف مساحتنا لهذا اليوم هو الكاتب الصحفي الكاتب الصحفي طارق عبد الله، الذي اعتقلته ميليشيا الدعم السريع الإرهابية من مسكنه بالحاج يوسف:
حدثنا عن اعتقالك كيف وأين تمّ؟
اعتقالي تمّ من مدينة الحاج يوسف، عندما اقتحمت قوةً مسلحةً مكونة من ستة أشخاصٍ المنزل بحُجة أنهم يريدون شقيقي للاشتباه في أنّه (أبولداي) ( عسكري) ، وأخبرتهم أنّه غير موجود ولا يسكن معنا، وأنّه يقيم في منزل الوالد وأنّ المنزل خاصٌ بي ومعي أُسرتي الصغيرة المكونة من زوجتي وأبنائي الأربعة، ومعي والدتي وشقيقتاي وشقيقاي مرضى، وأنّ شقيقي الذي يبحثون عنها يأتي لزيارتنا فقط وهو خريج “تقنية معلومات”، فطلبوا مني أن أرافقهم لأنهم يريدونني أيضًا، ثم قاموا بتفتيش المنزل وإرهاب الأسرة والتحقيق مع جارتنا التي جاءت لزيارة والدتي المريضة، وبعدها قاموا بعصب عيني وقيدوني بالحبال وأدخلوني في “ركشة” ونقلوني لمكتب الاستخبارات بالحاج يوسف.
ماذا وجهوا لك من اتهامات؟
وجهوا لي اتهاماتٍ بأنني موالٍ للجيش وأكتب تقاريرًا عن الدعم السريع، ولدي تواصل مع الفريق أول ٩ياسر العطا، ويشكون في إنني (الانصرافي)، والأخيرة بسبب مشاركتي في عدة صفحات على “الفيس بوك” ترتبط بعملي مثل: صفحة جامعة العلوم والتقانة، وصحيفة خاصتي باسم “ليدرز برس” وصفحاتٍ أخرى من اهتماماتي.
حدثنا عن يوميات الاعتقال؟
يوميات الاعتقال كان صعبةً جدًا، تنقلت فيها بين مكتب الاستخبارات وقضيت فيه خمسة أيامٍ، ثم معتقل الرياض وقضيت فيه خمسة عشر يومًا كانت من أسوأ أيام عمري بسبب أنّ المعتقلٌ سيئٌ جدًا وعبارة عن “بدروم” بعمق (6) أمتارٍ تحت الأرض ولا تتوفر فيه أي خدماتٍ ومكتظٌ بالمعتقلين، ونحن حوالي مائة شخص كنا ننوم جالسين على دَرجُ السُلّمِ، وبعد يومين وعن طريق جاري المعتقل وجدت نصف مترٍ أنوم فيه، وطيلة تلك الأيام نقضي حاجتنا في جرادل، الحمام ممنوع والسواك غير ممكن بسبب شح الماء، والمعتقل يعُج بـ”القمل والمجانين”، وبعدها نقلوني إلى سجن سوبا الذي كان بالنسبة لنا رحمةً.
مأساة عايشتها أيام الاعتقال؟
كثيرةٌ جدًا المآسي، تخيل أنك يوميًا تصلي على اثنين أو ثلاثة يجلسون معك ماتوا بسبب الإهمال والجوع.
كيف خرجت؟
خرجت بضغطٍ من زملائي الصحفيين بكل كياناتهم في “الاتحاد والقاعدة المستقلة والنقابة” وغيرها من الأجسام الصحفية ومئات الزملاء الذين وقفوا معي بأقلامهم واتصالاتهم، وتجاوب زملائنا القُدامى الذين انضموا للدعم السريع منهم “نزار سيد أحمد والطيب خليل”، وقد سعت كل هذه المجموعات في أن يطلق سراحي حتى تحقق ذلك، وإني أشكرهم جميعًا على تلك الوقفة المشرفة.
تجربة الاعتقال؟
تجربة الاعتقال كانت مفيدةً، فقد عرفت منها المخبوء وسط الشعب السوداني، ومنه عرفت الكثير من خفايا الحرب وخرجت منها بإيمانٍ قاطعٍ بأنّ الحل الوحيد للنجاة من هؤلاء “الأوباش” هو التوسل إلى الله. فخرجت بقوةَ إيمانٍ لم تكن متوفرةً لي في السابق، وفي الأيام الأولى كنت انتظر تصفيتي حسب تهديد الذين اعتقلوني فواجهتهم بسلاح الدعاء والحسبنة والاستغفار.
أين كنت أول يوم الحرب؟
عندما اندلعت الحرب كنت داخل مكتبي بجامعة العلوم والتقانة، و،(نحن طالعين) عرفت من مواقع التواصل الاجتماعي بأنّ هنالك اشتباكٌ في المدينة الرياضية، وأيقنتُ أنّ الاشتباك سيتمدد نظرًا للانتشار الواسع لقوات الدعم السريع في الخرطوم، فوجهت من معي بالمغادرة وتحركت إلى منزلي بالحاج يوسف ووصلت الساعة الثالثة ظهرًا.
كيف علمت بنبأ اندلاع الحرب؟
من مواقع التواصل الاجتماعي.
هل كنت تتوقع الحرب؟
كنتُ أتوقعُ الحرب وقلت ذلك في صفحتي الشخصية على “الفيس بوك” قبل شهرٍ من الحرب، وكان واضحًا أنّ الوقيعة بين الجيش والدعم السريع قد نجحت، وبدأ الأخير في تحشيد قواته، وكان واضحًا في تصريحات “حميدتي” الأخيرة وتمسكه بـ”الاتفاق الإطاري” دون الآخرين، والمتابع جيدًا يدرك بأنهم وضعوه ليقوم مقامهم في مواجهة الجيش بينما لزموا الصمت.
شعورك حينما اندلعت؟
شعرتُ بالمرارة، لأنّ الحرب لا تجلب إلّا الدمار والتشريد والقتل، وأنّ المجتمع السوداني فيه غبائن وثاراتٍ قديمة، وكانت واضحةً في أحداث “قرنق” وفي الحروب التي وقعت بدارفور، وتأكدت أنّ البعض سيستغل الحرب لـ(يفش غبينته) وقد كان باستهداف البيوت الفخيمة ونهب العربات الفارهة، وما حدث للمساليت بـ(الجنينة وأردمتا) كان متوقعًا، لذلك شعرت بالمرارة والشعور بأننا سنفقد بلادنا.
فوائد الحرب؟
من فوائد الحرب أننا تعرفنا على الجيران ورجعنا لجذورنا وأضرب المثل بنفسي فأنا لم أزُر منطقة والدي وهي مدينة “مروي” إلّا زياراتٍ خاطفة لا تتعدى اليوم الواحد لأداء واجب، والآن رجعت لجذوري وبدأت في تشييد منزل الأسرة والتأسيس، ومعظم الذين نزحوا من الخرطوم إلى مناطقهم بالولايات قاموا بالشيء نفسه. وهناك شعورٌ بأنّ الخرطوم ليست مضمونة، ومن فوائد الحرب أننا عرفنا الناس على حقيقتهم إذا كانوا زملاءً أو أصدقاء أو جيران، وعرفنا الصالح والطالح.
عادة فقدتها مع الحرب؟
فقدت عادة السهر حتى الساعات الأولى من الصباح، وهي طبيعة مهنة المتاعب التي لا تجد معها وقتًا للراحة والنوم.
ماذا خسرت في الحرب؟
خسرت وظيفتي، وخسرت بعض الأصدقاء والجيران “باعوني بسعرٍ بخس”.
ما هي الإجراءات الاحترازية التي قمت بها فور علمك باندلاع الحرب؟
نقلت الأسرة الكبيرة معي بالمنزل ليكونوا تحت رعايتي، ثم اتفقنا كجيران على عدم المغادرة وأن نكون يدًا واحدة نشد أزر بعضنا، وكنا نحمي بيوتنا عن طريق الدوريات والتواجد في مجموعات، ولكن طول أمد الحرب أضعف الناس بسفر الكثيرين، ويمكن كنا آخر مجموعة غادرت الحي.
هذه حرب مختلفة؟
طبعًا مختلفةً في كل شيءٍ، هي الحرب الوحيدة التي استُهدف فيها المواطن بشكل مباشر.

إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • البيت الأبيض يدعو قوات الدعم السريع إلى وقف فوري لهجماتها على مدينة الفاشر
  • الكتلة الديمقراطية: ندين القصف العشوائي الذي تمارسه مليشيا الدعم السريع ضد المدنيين في الفاشر
  • هجوم لقوات الدعم السريع يخلف 40 ضحية مدنية في السودان
  • البيت الأبيض: هجمات قوات الدعم السريع على مخيمات النازحين والمستشفيات في الفاشر مروعة
  • الدعم السريع يقصف مناطق شمال أم درمان.. والجيش يتأهب في الفاشر
  • جثامين في العراء .. الدعم السريع تمنع دفن 40 قتيل
  • عاجل | البيت الأبيض: ندعو قوات الدعم السريع إلى وقف الهجمات على الفاشر فورا
  • السودان.. معارك عنيفة في الفاشر بعد هجوم الدعم السريع
  • وفاة اثنين أو ثلاثة معتقلين يوميًا في معتقلات الدعم السريع
  • تجدّد المعارك في الفاشر بعد هجوم لـ«قوات الدعم السريع»