شهر على الحرب في غزة.. أوضاع مأساوية وتحذير من مقبرة للأطفال
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
أسفرت الحرب بين إسرائيل وحماس المستمرة منذ 7 أكتوبر الماضي عن خسائر بشرية فادحة وأوضاع إنسانية على حافة الانهيار، وفي وقت حذرت الأمم المتحدة من تحول القطاع إلى "مقبرة للأطفال" لايلوح في الأفق أي حل قريب وسط تصاعد الضغوط للتوصل لهدن إنسانية.
ومنذ هجوم السابع من أكتوبر، حصدت الحرب أرواح أكثر من 10 آلاف فلسطيني بغزة، وتسببت في أزمة إنسانية حادة، يعاني معها مئات الآلاف غالبيتهم مدنيون، وتتمثل بغياب حاجيات العيش الأساسية، في انتظار إقرار هدنات أو وقف لإطلاق نار لم يتحقق حتى الآن.
وذكر تقرير مطول للإذاعة الوطنية العامة "أن بي آر"، أن استمرار الحرب يترافق مع مظاهرات لأهالي المختطفين، بهدف الضغط على الحكومة الإسرائيلية للإفراج عنهم، وسط مظاهرات عارمة مؤيدة للفلسطينيين يشارك بها مئات الآلاف حول العالم، علما أن عدد المختطفين لدى حماس يقدر بـ 240، وفقا للجيش الإسرائيلي.
وفي الأسابيع الأربعة التي تلت هجوم حماس، الذي أسفر عن مقتل 1400 شخص معظمهم من المدنيين وبينهم نساء وأطفال، يبدو أن لا نهاية تلوح في الأفق للحرب المستمرة، حيث يواصل رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، رفض الدعوات المطالبة بوقف إطلاق النار، وفقا للتقرير.
نتانياهو: إسرائيل ستتولى المسؤولية الأمنية الشاملة في غزة بعد الحرب أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتانياهو، الاثنين، أن إسرائيل ستتولى لفترة غير محددة "المسؤولية الأمنية الشاملة" في قطاع غزة بعد الحرب التي تخوضها حالياً ضد حماس، مجدداً رفضه وقف إطلاق النار قبل إطلاق الحركة سراح الرهائن.وقال نتانياهو في بيان، الجمعة، "لقد أوضحت أننا نمضي قدما بكل قوة وأن إسرائيل ترفض أي وقف مؤقت لإطلاق النار لا يتضمن إطلاق سراح الإسرائيليين المختطفين".
"مقبرة أطفال"قال الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش، الاثنين، إن حماية المدنيين "يتعين أن تكون الأهم" في الصراع بين إسرائيل وحركة حماس الفلسطينية، محذرا من أن قطاع غزة يتحول "مقبرة للأطفال".
وأضاف غوتيريش للصحفيين "العمليات البرية التي تقوم بها القوات الإسرائيلية والقصف المستمر يضربان المدنيين والمستشفيات ومخيمات اللاجئين والمساجد والكنائس ومنشآت الأمم المتحدة التي تتضمن ملاجئ. لا أحد في مأمن".
ومضى يقول "في الوقت نفسه، تستخدم حماس ومسلحون آخرون المدنيين كدروع بشرية ويواصلون إطلاق الصواريخ بلا تمييز على إسرائيل".
خسائر ثقيلةوقتل أكثر من 10328 فلسطينيا نتيجة الغارات الإسرائيلية على غزة منذ 7 أكتوبر، وفقا لوزارة الصحة في القطاع، التي تقول إن غالبية القتلى هم من النساء والأطفال (4237 طفلا)، وقد أصيب نحو 25 ألف شخص بجروح، ويقدر أن آلافا آخرين في عداد المفقودين.
وانقطع الإنترنت والاتصالات في قطاع غزة ليلة الأحد، للمرة الثالثة، مما أدى إلى عزل الفلسطينيين عن العالم الخارجي.
وقد تعرض محيط المستشفيات ومخيمات اللاجئين للقصف عدة مرات في الغارات الجوية الإسرائيلية.
وأصدرت منظمة الصحة العالمية نشرة قالت فيها إنها وثقت أكثر من 100 هجوم على مرافق الرعاية الصحية في غزة منذ 7 أكتوبر.
والمستشفيات التي لم تتعرض للهجمات مكتظة وبالكاد تعمل بسبب انخفاض الإمدادات وقلة الوقود أو عدم وجوده على الإطلاق، وفقا لمنظمة الصحة العالمية والأمم المتحدة.
وحذرت المنظمة، الجمعة، من أن القصف ونقص الغذاء وضعف المراكز الصحية العاملة وانهيار البنية التحتية يشكل مخاطر خاصة على النساء الحوامل والأطفال.
وقالت "هناك نحو 50 ألف امرأة حامل في غزة، تلد أكثر من 180 امرأة كل يوم. ومن المرجح أن تعاني 15% منهن من مضاعفات الحمل أو الولادة ويحتجن إلى رعاية طبية إضافية".
منظمة أممية: 70 بالمئة من سكان غزة نزحوا ويعيشون ظروفا "غير إنسانية" أعلنت وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (أونروا)، الاثنين، أن ما لا يقل عن 70 بالمئة من سكان قطاع غزة البالغ عددهم مليوني نسمة أصبحوا الآن نازحين، ويعيش معظمهم في ظروف مروعة في ملاجئها.وتقول إسرائيل إن غاراتها الجوية تستهدف البنية التحتية العسكرية لحماس ومستودعات الأسلحة في غزة.
ويؤكد الجيش الإسرائيلي أنه يشن ضربات دقيقة تستهدف قادة حماس أو مواقع العمليات، وإنه لا يستهدف المدنيين، لكنه أيضا يتحدث عن تواجد مسلحين في مناطق مدنية بجميع أنحاء قطاع غزة، وفقا لوكالة "أسوشيتد برس".
وقالت وحدة المتحدثين باسم الجيش الإسرائيلي، في وقت سابق لموقع "الحرة"، إن "عدم المساس بالمدنيين خلال الغارات على القطاع يمثل مصلحة مشتركة لمواطني غزة ودولة إسرائيل".
وبالنسبة للخسائر الاقتصادية في إسرائيل، فقد نقل مراسل "الحرة" عن معطيات نشرتها "يديعوت أحرونوت"، الثلاثاء، أن تكلفة الحرب بلغت 50 مليار شيكل (أكثر من 12 مليار دولار أميركي) حتى الآن.
والضرر في بلدات غلاف غزة تسبب بخسارة 10 مليارات شيكل (2 مليار ونصف مليار دولار أميركي)، بالإضافة إلى أن الضرر المتوقع للاقتصاد نتيجة التراجع المتوقع لدفع الضرائب يبلغ 15 مليار شيكل (أكثر من 3 مليار و800 مليون دولار أميركي).
جهود دبلوماسيةوقام وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، بجولة سريعة أخرى في المنطقة في نهاية الأسبوع الماضي، في محاولة لتعزيز الشراكات الأميركية لمنع اتساع نطاق الأعمال العدائية، ومواصلة محاولة التوسط للتوصل إلى اتفاق من شأنه أن يسمح بدخول المزيد من المساعدات الإنسانية إلى غزة وحماية المدنيين، وفقا للإذاعة.
وقام الأحد بزيارة غير معلنة للعراق والتقى برئيس الوزراء، محمد شياع السوداني، في بغداد لأكثر من ساعة.
كما قام بلينكن بزيارات إلى إسرائيل والأردن واجتمع مع رئيس السلطة الفلسطينية، محمود عباس، في رام الله بالضفة الغربية، الأحد.
وقال متحدث باسم عباس إنه دعا إلى وقف فوري لإطلاق النار وإيصال المساعدات الإنسانية إلى غزة.
وردا على سؤال حول التقدم نحو وقف إطلاق النار أو وقف الأعمال العدائية للسماح بوصول المساعدات الإنسانية إلى سكان غزة، قال بلينكن إن فريقه يواصل العمل مع الحكومة الإسرائيلية، مشيرا إلى أن إطلاق سراح المخطوفين الذين تحتجزهم حماس هو جزء من المحادثات.
مغادرة عدد قليلولم يتمكن سوى عدد قليل من الأشخاص العالقين في غزة من المغادرة، وبعد مفاوضات شاقة بين إسرائيل وحماس ومصر، وافق مسؤولون على السماح بفتح معبر رفح، مما سمح بدخول بعض المساعدات ومغادرة بعض الرعايا الأجانب وعدد قليل من الفلسطينيين الجرحى.
لكن المسؤولين في غزة أغلقوا المعبر في نهاية الأسبوع، قائلين إنه لن يُسمح لحاملي جوازات السفر الأجنبية بالمغادرة ما لم يُسمح للجرحى من المستشفيات في مدينة غزة وشمال غزة بالوصول إلى المعبر، وفقا للإذاعة.
وأكد مسؤول أميركي، الأحد، أن أكثر من 300 أميركي غادروا غزة في الأيام الأخيرة، لكنه لم يؤكد عدد الأشخاص الذين بقوا داخل القطاع.
وتعبر شاحنات محملة مساعدات إلى غزة من مصر عبر رفح، لكن حجم المساعدات لا يزال أدنى من مستوى ما قبل السابع من أكتوبر، إذ تقول إسرائيل إن تفتيش الشاحنات يستغرق وقتا، كما أن لا وقود يتم إدخاله.
وقال غوتيريش "من دون وقود، سيموت الأطفال الحديثو الولادة والمرضى المعتمدون على أجهزة الإنعاش".
وتابع "السبيل للمضي قدما واضح. وقف إطلاق النار لأغراض إنسانية الآن. واحترام جميع الأطراف لالتزاماتها وفق القانون الإنساني الدولي الآن".
وندد غوتيريش بما "نشهده من انتهاكات سافرة للقانون الإنساني الدولي".
وتدخل المساعدات إلى غزة ببطء، وتطالب المنظمات الإنسانية بمزيد من الإمدادات.
وأفاد الهلال الأحمر الفلسطيني خلال عطلة نهاية الأسبوع أنه منذ 21 أكتوبر، دخلت 451 شاحنة على الأقل، أي حوالي 30 شاحنة يوميا، عبر معبر رفح.
وأضاف "لكن السلطات الإسرائيلية لم تسمح بدخول الوقود حتى هذه اللحظة".
وأوقفت السلطات الإسرائيلية إلى أجل غير مسمى تصاريح العمل لأكثر من 110 آلاف فلسطيني يعملون في إسرائيل أو المستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية، وأعادت آلاف العمال إلى غزة.
تزايد الدعوات لوقف إطلاق الناروقالت إسرائيل في بيان، الأحد، إنه "تم ضرب أكثر من 2500 هدف في قطاع غزة" من قبل قواتها البرية والجوية والبحرية خلال الأسابيع الأربعة الماضية.
وخلال عطلة نهاية الأسبوع، دعا المتظاهرون في جميع أنحاء العالم إلى إنهاء العنف ودعوا إسرائيل إلى وقف إطلاق النار.
وفي واشنطن العاصمة، تجمع عشرات الآلاف من الأشخاص، السبت، في واحدة من أكبر الاحتجاجات المؤيدة للفلسطينيين في الولايات المتحدة منذ بدء الحرب.
وقالت إدارة بايدن إنها تواصل الوقوف إلى جانب إسرائيل و"حقها في الدفاع عن نفسها".
ولا يزال المشرعون الأميركيون يدعمون إلى حد كبير موقف بايدن المؤيد لإسرائيل، وهناك مخاوف متزايدة في الكابيتول بشأن ارتفاع عدد الضحايا في غزة، لكن قلة من المشرعين دعوا علنا إلى وقف القتال، وفقا للإذاعة.
واعتبارا من أوائل نوفمبر، عبر 18 عضوا في مجلس النواب عن موقف مغاير لإدارة بايدن المؤيد لإسرائيل، ووقعوا عريضة تدعو إلى وقف إطلاق النار.
ويعد السيناتور الديمقراطي، كريس مورفي، من أوائل أعضاء مجلس الشيوخ الذين عبروا علنا عن مخاوفهم بشأن رد فعل إسرائيل على حماس، داعين إلى "حملة (...) متناسبة".
وقال إن "المعدل الحالي للقتلى المدنيين داخل غزة غير مقبول"، وحث "إسرائيل على إعادة النظر فورا في نهجها والتحول إلى حملة أكثر تناسبا لمكافحة الإرهاب، تستهدف بشكل جراحي قادة حماس والجهاد الإسلامي والبنية التحتية الإرهابية مع إعطاء الأولوية القصوى لسلامة المدنيين وفقا للقانون".
ماذا بعد الهجوم البري؟وبعد حوالي ثلاثة أسابيع من هجوم حماس، شن الجيش الإسرائيلي هجوما بريا على غزة.
وقال نتانياهو، الجمعة، "قواتنا تعمل على كافة الجبهات بكل قوة. انتصارنا سيكون حاسما وواضحا. وسيبعث برسالة إلى أعدائنا - رسالة سيتردد صداها لأجيال".
بحلول مساء الأحد، وصلت الفرقة 36 العسكرية إلى مواقع على طول ساحل غزة بعد توسيع العمليات البرية الإسرائيلية خلال الأيام السبعة الماضية، حسبما أعلن الجيش الإسرائيلي.
وقال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، إن القوات مستمرة في التقدم ببطء وبحذر داخل مدينة غزة.
وأكد الجيش أن "سلاح الهندسة هدم عشرات الأنفاق" التابعة لحماس داخل قطاع غزة.
معلنا تدمير أنفاق لحماس.. الجيش الإسرائيلي يتحدث عن تقدم قواته داخل مدينة غزة قال المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، الثلاثاء، إن القوات مستمرة في التقدم ببطء وبحذر داخل مدينة غزة.ونقلت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" عن الجيش الإسرائيلي قوله، الاثنين، إن ضربات جوية خلال الأيام الأخيرة تسببت بتضرر عدة أنفاق وقتل قياديين في حماس.
وقالت إن الجيش يعتقد أنه تسبب في أضرار جسيمة لأنفاق تابعة لحماس في غارات ليلية، فيما أكدت أن حصيلة قتلى العملية العسكرية البرية من الجنود والضباط الإسرائيليين وصلت إلى 30.
ويعتقد الجيش الإسرائيلي أن الهجمات المكثفة التي نفذها خلال الليل (الأحد الاثنين) في شمال قطاع غزة تسببت في أضرار جسيمة للبنية التحتية فوق وتحت الأرض التابعة لحركة حماس.
وهناك توترات متزايدة على طول الحدود الإسرائيلية اللبنانية حيث يواصل حزب الله إطلاق الصواريخ من جنوب لبنان على إسرائيل.
وفي خطاب ألقاه مؤخرا، توقف زعيم حزب الله، حسن نصر الله، عن الإعلان عن حرب شاملة مع إسرائيل، لكنه هدد بالتصعيد اعتمادا على التطورات في غزة.
ومع ذلك، يبقى التركيز الرئيسي للجيش الإسرائيلي على القضاء على حماس، وفقا للإذاعة.
ويشكل هدف القضاء على حماس تحديا عسكريا كبيرا من المرجح أن يستغرق ما بين شهرين إلى ستة أشهر، وفقا ليعقوب أميدرور، الجنرال السابق ومستشار الأمن القومي الإسرائيلي.
المصدر: الحرة
إقرأ أيضاً:
هل بدأ خزان التجنيد في الجيش الإسرائيلي بالنضوب؟
القدس المحتلة- فاقمت الحرب على جبهتي لبنان وغزة أزمة الجيش الإسرائيلي، وذلك بسبب النقص الحاد بالقوى البشرية وفي أعقاب الخسائر الفادحة التي تكبدها بالجنود والضباط في المعارك البرية، وهو ما يلزم تجنيدا فوريا لآلاف الجنود.
ولتفادي هذا المأزق كان وزير الدفاع المقال يوآف غالانت قد أعلن عن تجنيد 7 آلاف من اليهود الحريديم، وهو ما هدد بتفكيك ائتلاف حكومة بنيامين نتنياهو الذي سارع إلى إقالة غالانت والاستعاضة عنه بوزير الخارجية يسرائيل كاتس.
وعكس هذا الإجراء من قبل نتنياهو أزمة الخدمة العسكرية التي تتفاقم منذ عقود في المجتمع الإسرائيلي، وذلك بسبب إعفاء اليهود الحريديم من التجنيد، وهو ما ترك ترسبات في الجيش الإسرائيلي الذي يعاني من نقص شديد بالقوات في ظل احتدام المعارك البرية على جبهتي القتال.
احتياجات وترتيبات
وفي وقت تسعى فيه حكومة نتنياهو إلى الالتفاف على القانون الذي أجاز لعشرات الآلاف من اليهود الحريديم سنويا التهرب من الخدمة العسكرية لضمان بقاء الحكومة حتى أكتوبر/تشرين الأول 2026 كشفت صحيفة "يديعوت أحرونوت" أن الجيش الإسرائيلي بحاجة ماسة إلى 7 آلاف جندي.
واستعرضت الصحيفة في تقريرها أزمة التجنيد في المجتمع الإسرائيلي والتسرب من الخدمة العسكرية والإعفاء من التجنيد لأسباب طبية ونفسية، وامتناع الحريديم عن الخدمة، إذ ادعى الجيش أنه كان يستطيع تجنيد 3 آلاف حريدي، ولكن في عام التجنيد السابق تم تجنيد 1200 فقط من أصل نحو 13 ألف مرشح للخدمة.
وتكشف "يديعوت أحرونوت" من خلال التقرير أن واحدا من كل 3 رجال مطلوبين للخدمة العسكرية لم يدخل مكتب التجنيد على الإطلاق، وأن 15% من الجنود تسربوا خلال الخدمة العسكرية ولم يخدموا في الاحتياط على الإطلاق، في حين قفز عدد الحاصلين على إعفاءات من التجنيد لأسباب طبية ونفسية من 4 إلى 8% قبل الخدمة.
وفي قراءة لهذا المعطيات والبيانات تناولت قراءات وتقديرات للمحللين ومراكز الأبحاث الإسرائيلية التحديات التي تواجه الجيش الإسرائيلي مستقبلا، وأبرزها قضية تجنيد الحريديم التي ما زالت مثارا للجدل في الساحة السياسية الإسرائيلية، بحيث إن الإعفاء السنوي لعشرات الآلاف من طلاب المدارس الدينية اليهودية ما زال موضع خلاف في المجتمع الإسرائيلي بكل ما يتعلق بعدم تحقيق المساواة الاجتماعية وعدم تقاسم الأعباء.
ومع استمرار الحرب في غزة ولبنان تعززت قناعات الجيش الإسرائيلي بضرورة توفير الحد الأدنى من الجنود والقوى البشرية لتأمين التشكيلات التي يحتاجها مستقبلا، إذ تكشف من خلال القتال أن الجيش سيضطر إلى زيادة القوات البرية، والتأهب لاحتمال نشوب حرب أوسع على أكثر من جبهة، وحماية الحدود لتجنب تكرار الهجوم المفاجئ في 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وعليه يجب على الجيش الإسرائيلي وبإجماع قراءات المحللين أن يأخذ في عين الاعتبار عواقب الهجوم المفاجئ الذي شنته حركة حماس، والقيام بترتيبات لتلبية الاحتياجات العملياتية، سواء بتوسيع دائرة التجنيد، وتمديد مدة الخدمة العسكرية، وزيادة استخدام النساء في الوحدات القتالية ومقارنة مدة خدمة المرأة مع الرجل، وخلق مسارات تجنيد جديدة.
تزداد المطالب بتوزيع العبء في الجيش الإسرائيلي بتجنيد الحريديم وعدم إعفائهم من الخدمة (الفرنسية) استخلاص العبربدوره، قدّر البروفيسور إيال بن آريه الباحث في معهد "يروشاليم" للإستراتيجية والأمن أن الحرب متعددة الجبهات كشفت عمق أزمة التجنيد في الجيش الإسرائيلي، وتساءل عما إذا ما كان نموذج التجنيد يلبي احتياجات المؤسسة العسكرية بعد حرب غزة.
وفي استعراضه لهذا التساؤل في ظل استمرار الحرب على جبهتي غزة ولبنان، شدد الباحث الإسرائيلي على ضرورة استخلاص العبر من الحرب الحالية والاعتراف بالحاجة إلى حماية الحدود، والاستثمار في الموارد البشرية بالجيش، وتجنيد المزيد من فئات المجتمع في الخدمة العسكرية.
وأشار بن آريه إلى أن الجيش سيكون مطالبا بالاستمرار في الاستعداد لحرب أوسع، إذ إن إسرائيل ستحتاج إلى جيش أكبر بكثير لخوض حرب متعددة الجبهات، وهو ما يلزم الحكومة الإسرائيلية بتكييف نموذج التجنيد الإجباري للتحديات التي يواجهها الجيش الإسرائيلي في الشرق الأوسط.
ويعتقد أن الاعتبارات والمعايير لأي نموذج تجنيد مستقبلي للجيش الإسرائيلي عليها أن تأخذ بعين الاعتبار الاحتياجات العملياتية للجيش، وبالذات خلال الحرب متعددة الجبهات، والقيود الاجتماعية والسياسية والاقتصادية المفروضة على الخدمة العسكرية وتجنيد الحريديم، وضرورة تخطي هذه القيود والاستجابة لاحتياجات الجيش.
ضعف الجيشوفي قراءة لأزمة التجنيد التي تكشفت خلال المعارك في قطاع غزة والتوغل البري في جنوب لبنان، تساءل الباحث في علم الاجتماع نداف هعيتسني في مقال له في صحيفة "إسرائيل اليوم" عن موقف الجيش الإسرائيلي والمجتمع الإسرائيلي بعد عام ونيف من الحرب، وما الذي تغير منذ تاريخ 7 أكتوبر/تشرين الأول وما الذي لا يزال يتعين عليه أن يتغير؟
ويشير هعيتسني إلى كتاب "جيش التكنولوجيا الفائقة وجيش الفرسان" الذي يصف عمق التشويه الذي حدث بالجيش الإسرائيلي في الجيل الأخير، وكيف أن هذا التشويه خلق جيشين مختلفين "أحدهما متألق ومتعدد الإنجازات، والآخر مهمل، وهو جيش البرية".
ويضيف الكاتب الإسرائيلي "نحن نعرف العناوين الرئيسية بشأن سير المعارك البرية، لكن التفاصيل صادمة ولا تزال مزعجة للغاية، لقد انحسر ما نسميه الجيش البري وأصبح ليس ذا أهمية، ففرق المشاة -بمن في ذلك المظليون ولواء غولاني– والمدرعات والمدفعية والهندسة جميعها أهملت، في حين تم تطوير القوات الجوية والمخابرات والوحدات الخاصة وتحولت إلى جيش يتم استخدامه بشكل شبه حصري".
وبعد مرور أكثر من عام على الحرب يقول هعيتسني إنه "بدون القوات البرية لا يمكن الحسم، وبالتالي لا بد من توسيع فرق المشاة والاستثمار بالقدرات البشرية، فالجيش البري هو رأس الحربة بالقتال والدفاع، وإن الانشغال بالجيش واحتياجاته والقدرة على حماية وجود إسرائيل يتطلب تغييرا جوهريا في التعامل مع تجنيد الحريديم".
هرتسي هاليفي يتفقد قاعدة لواء غولاني بعد تعرضها لهجوم بمسيّرة مفخخة لحزب الله (الصحافة الأجنبية) ملء الفراغالطرح ذاته تبناه الباحث في المعهد الإسرائيلي للديمقراطية البروفيسور عميحاي كوهين الذي أكد أن المعارك البرية على جبهتي لبنان وغزة أثبتت مدى حاجة الجيش الإسرائيلي إلى المزيد من القدرات البشرية الميدانية، وكذلك إلى تدعيم الوحدات القتالية من أجل حسم الحرب.
ويعتقد كوهين أن النقص في القوات البرية والقدرات البشرية بالجيش من شأنه أن تكون له تداعيات على سير العلميات العسكرية واستمرارها، وقد يدخل إسرائيل في حرب استنزاف طويلة الأمد، ويتسبب بتآكل القدرات القتالية لمختلف الفرق والوحدات العسكرية وإنهاك الجنود وقوات الاحتياط.
ولفت إلى أن الحرب أظهرت الحاجة إلى المساواة بين مختلف قطاعات المجتمع الإسرائيلي في كل ما يتعلق بالخدمة العسكرية، قائلا إن "عدم تجنيد الحريديم يشكل في حد ذاته انتهاكا لمبدأ المساواة، إذ إن تقاسم الأعباء والمساهمة المتساوية يخلقان التضامن بين جميع شرائح المجتمع، وهو التضامن الضروري لقدرة إسرائيل على مواجهة التحديات التي تواجهها".
ويضيف كوهين أنه بدا واضحا من سير المعارك البرية أن الجيش الإسرائيلي يحتاج إلى قوات بشرية، خاصة في الوحدات القتالية "وخلال الحرب تم توسيع مهام الجيش، إذ قُتل المئات من الجنود وجرح الآلاف، وهو ما عمق أزمة النقص في القوات البشرية، وهناك حاجة ماسة لسد النقص، ودون تجنيد الحريديم سيكون من الصعب جدا الحسم الحرب".