لقاء د. عبدالله حمدوك ــ بعبدالواحد نور ومني مناوي … ما الجديد؟
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
في سبيل، إكمال ما بدأه من مشوار العبور بالبلاد إلى بر الأمان فيما يبدو، كشفت مصادر أنّ د. عبد الله حمدوك رئيس الهيئة القيادية التحضيرية لتنسيقية القوى الديمقراطية المدنية المعّرفة اختصارا بـ(تقدم) قد التقى عبد الواحد محمد احمد النور رئيس حركة تحرير السودان في كينيا، فما الجديد في هذا اللقاء؟ وهل تغير عبدالواحد، أم أنّ د.
خلفية التواصل بين الرجلين ترجع إلى سبتمبر 2020م تم ذلك عفوياً عبر اتصال هاتفي حيث أوضحت حركة/ جيش تحرير السودان بقيادة عبدالواحد محمد نور عبر بيان لها "أن الأستاذ عبد الواحد اتصل بالرفيق/ عبد العزيز آدم الحلو إبان تواجده في أديس أبابا في إطار التواصل الدائم بينهما، ووجد معه الدكتور عبد الله حمدوك، وطلب أن يسلم عليه كمواطن سوداني وللعلاقة الشخصية التي تربط بينهما، ولم يتطرقا لأي مسائل تتعلق بالسلام والتفاوض أو القضايا العامة”.
في ذات البيان أضحت الحركة رؤيتها لحل أزمة البلاد في عزمها إطلاق مبادرة للسلام الشامل بالسودان تتعلق بعقد مؤتمر للحوار السوداني السوداني داخل الوطن بمشاركة جميع المكونات السودانية وليس تفاوضاً فيما بينها والحكومة.
وجد السيد عبدالواحد محمد نور سانحة لشرح رؤية حركته من أجل تحقيق السلام الشامل والمستدام في السودان. للسيد رئيس وزراء الحكومة الانتقالية د. عبدالله حمدوك خلال لقاء رتبه وزير شؤون الرئاسة بدولة جنوب السودان د. برنابا بنجامين بفندق بيرا ميدز بجوبا في مايو 2021م، تم خلال اللقاء الاتفاق على مواصلة الحوار.
إلتزم الرجلان فيما يبدو بوعديها بمواصلة الحوار، رغم المياه الكثيرة التي جرت بغضب تحت جسور البلاد، فالتقيا مرة أخرى خلال بحر الأسبوع الماضي.
أكدت مصادر بحسب راديو دبنقا أن اللقاء جاء في اطار الجهود الجارية والمستمرة لبناء أوسع جبهة مدنية ديمقراطية تسهم في إنهاء الحرب وإعادة تأسيس الدولة السودانية.
فهل اقتنع السيد عبدالواحد نور بـ(تقدم) كمظلة سياسية سودانية وارفة بإمكانه الانضمام إليها، أم انه يعتبر لقائه الأخير أيضا، لقاء علاقات عامة، وهل كان في جعبة د. حمدوك شيئا مغايرا قدمه لرئيس حركة/ جيش تحرير السودان في أديس أبابا، نترقب بيان من الحركة يوضح فحوى اللقاء بين القامتين.
يلاحظ هنالك ليونة في مواقف حركة/ جيش تحرير السودان في الآونة الأخيرة، ومرونة في تعاطيها مع الشأن السوداني، سيما بعد اندلاع الحرب، وتوغل الحركة في مساحات مقدرة في دارفور، وبعد الفشل الزريع لاتفاق جوبا للسلام، لكن من الملاحظ، أن السيد عبدالواحد نور يركن كثيراً على مواقف رفيقه عبدالعزيز الحلو، أكثر من غيره من ساسة السودان، وإن لم يفلح د. حمدوك في إقناع عبدالعزيز الحلو بالانضمام على (تقدم)، لا نظن أنه سيفلح في استقطاب عبدالواحد، والعكس صحيح، والأفضل له، ترتيب لقاء يجمعه مع الزعيمين على طاولة واحدة، بصورة جادة بعيداً عن الصدف التي قد لا تتجاوز العلاقات العامة.
أيضاً، نجاح د. حمدوك في مساعيه لإقناع عبدالواحد نور وعبدالعزيز الحلو، يتطلب بالضرورة، الابتعاد على طاقمه القديم، والاستغناء عن مشورة اللذين أدمنوا زراعة خميرة "العكننة"، وبرعوا في حياكة الدسائس السياسية، والذين لا يطيقون رؤية عبدالواحد والحلو ضمن ألوان الطيف السياسي السوداني. ذلك أن المقدمات الخاطئة، حتميتها نتائج خاطئة، ومن جرب المجرب حاقت به الندامة.
ضمن ذات الجهود، وفي ذات المدينة والتوقيت، كشف حاكم إقليم دارفور مني أركو مناوي، عن لقاء جمعه برئيس الوزراء السوداني السابق د. عبد الله حمدوك بالعاصمة الكينية نيروبي، لأول مرة بعد فترة طويلة لما يلتقيا فيها حسب قوله. وقال إنهما ناقشا الخروج من الأزمة الراهنة عبر مشروع وطني جامع لا يستثني أحداً. ويفهم من سياق الحدث، أن لقاء د. حمدودك بالسيد مني بمبادرة من الأخير، فمن المرجح أن يحدث اختراق لقوى الحرية والتغير ـــالكتلة الديمقراطية، تمهيداً لتصدعها وانضمام بعض مكوناتها إلى (تقدم) وفي ذلك خيرٌ للبلاد والعباد.
//أقلام متّحدة ــ العدد ــ 123//
ebraheemsu@gmail.com
المصدر: سودانايل
كلمات دلالية: تحریر السودان عبدالواحد نور
إقرأ أيضاً:
ثورة أكتوبر وتوق الشعب السوداني إلى حركة حقوق مدنية (6-6)
مجتزأ من ورقة: عبد الله الفكي البشير، "ثورة أكتوبر ومناخ الستينيات: الانجاز والكبوات (قراءة أولية)"، نُشرت ضمن كتاب: حيدر إبراهيم وآخرون (تحرير)، *خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014): نهوض السودان المبكر*، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014.
عبد الله الفكي البشير
abdallaelbashir@gmail.com
الكبوة الأخلاقية: الفشل في حقن الدماء وتحقيق التسوية الوطنية
وضعت ثورة أكتوبر الأحزاب التقليدية أمام تحد أخلاقي. فالمطلوب حسن التصرف في الحرية في اتجاه مبادئ الثورة حيث حقن الدماء في الجنوب، وتحقيق التسوية الوطنية الشاملة، حفاظا على وحدة السودان. فخروج الجماهير في ثورتهم بسبب قضية الجنوب، التي وفرت شرارة الانفجار للغضب الشعبي، كان تعبيرا عن الورع الأخلاقي عبر رفض الحسم العسكري للقضية، وبحثا عن سبل تحقيق التسوية الوطنية الشاملة وبناء الوحدة. كان مؤتمر المائدة المستديرة للجنوب، والذي عقد في مناخ ثورة أكتوبر وكان من ثمارها، وهو أول محاولة سودانية جادة للبحث عن السلام، فرصة عظيمة لتحقيق التسوية الوطنية الشاملة. إلا أن فشل مؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الاثنى عشر التي خرجت منه، كان تعبيرا قويا عن عجز الأحزاب السودانية في تحقيق التسوية الوطنية، ومن ثم المفارقة لأشواق الجماهير و"تجميد الأوضاع". ففي الحفل الذي أقامته لجنة الاثني عشر في مساء يوم 26 سبتمبر 1966 لتقديم تقريرها رسميا إلى الحكومة، جاء في خطاب التقديم: "لقد أجمعت الأحزاب السودانية في مؤتمر المائدة المستديرة على أن الوضع الحالي للحكم- الحكومة الموحدة الممركزة- لم يعد يخدم المصلحة القومية، إذ ثبت عجزه عن مواجهة التحديات التي تواجه البلاد الناشئة كبلادنا، التي يسبق فيها الاستقلال السياسي بناء القومية، وحيث تتعدد عناصر الأمة، وتنشأ بالضرورة نوازع الفرقة بينها، نسبة للعوامل الجغرافية والثقافية والتاريخية. وعلي جيلنا هذا، إما أن يقابل هذا التحدي، أو أن يخلد إلى اليأس، وتبديد الطاقة في تجميد الأوضاع". غاب الورع الأخلاقي في التعاطي مع القضايا وحيكت المؤامرات، ففشل قادة الأحزاب التقليدية في تحقيق التسوية الوطنية، وجمدوا الأوضاع وبددوا الطاقات. ويضيف يوسف محمد علي، عضو سكرتارية المؤتمر ورئيس لجنة الاثنى عشر، قائلا: "ولم يقدر لتلك التجربة أن تؤتي ثمارها للأسف. فقد نكست رايات أكتوبر بعد حين، وعادت النظم الاستبدادية –برلمانية وعسكرية- تتناوب على التسلط والقهر". ما من ثورة جماهيرية غاب عنها مبدأ الأخلاق لدى قادة الجماهير، كما كان حال ثورة أكتوبر، إلا ونكست راياتها. فغياب مبدأ الأخلاق عند خدمة الجماعة يعني بالضرورة غياب القانون وهو قاعدة الأخلاق، ويعني بالضرورة أيضا، خيانة الجماعة وخيانة مبادئ الثورة. فالأخلاق تعطي الناس الفرصة ليكونوا أحرارا وشجعانا في سعيهم لخدمة الجماعة والفكر والثقافة وأنسنة الحياة، فغياب الأخلاق يعني موت المعاني الإنسانية.
تبع فشل مؤتمر المائدة المستديرة ولجنة الاثني عشر، وهو بمثابة الإعلان عن عجز الساسة في تحقيق التسوية الوطنية الشاملة، أن اتبعت الدولة السودانية، بمختلف أنظمتها السياسية المتعاقبة، أمام تحديات التسوية الوطنية وانفجار الصراعات في أقاليم أخرى، منهج الترقيع والترميم عبر الاتفاقيات الثنائية والجزئية والمؤقتة، في سعيها لتحقيق السلام والاستقرار والوحدة. فمنذ ثورة أكتوبر، وحتى تاريخ اليوم، لم تتوفر فرصة لتحقيق التسوية الوطنية الشاملة، مثل تلك التي توفرت مع مؤتمر المائدة المستديرة. وأصبحت المعالجات جزئية وثنائية ومؤقتة وفوقية. فمنذ توقيع اتفاقية السلام بأديس أبابا عام 1972، تفشت في السودان ثقافة عقد الاتفاقيات، فقد تم توقيع عشرات الاتفاقيات، ولا يزال توقيع الاتفاقيات مستمرا وبكثافة حتى تاريخ اليوم. وبرغم التوقيع المستمر للاتفاقيات ظلت الصراعات تتجدد وتتوسع والانقسامات تتالى وتتمدد. فالاتفاقيات – برغم حقنها المؤقت للدماء وهو أمر مطلوب وواجب وطني وإنساني- لا تمثل سوى حلا جزئيا ومرحليا للصراع مهما قيل عنها وطال سريانها، في حين أن المطلوب هو الحل الكلي والشامل والدائم. كما أن الاتفاقيات الثنائية والحلول الجزئية والمؤقتة، في بلدان التعدد الثقافي، كحال السودان، ما هي إلا ترميم لبناء متهالك، وتعبير فصيح عن العجز والفشل في تحقيق التسوية الوطنية، أقصى مراتب مصيرها الانهيار وأدناه الانفصال.
إن تفشي ثقافة الاتفاقيات الثنائية والجزئية، هو نتيجة طبيعية لفشل مؤتمر المائدة المستديرة، وعجز الأحزاب التقليدية عن تحقيق التسوية الوطنية الشاملة. والمفارقة العجيبة أن نفس تلك الأحزاب عندما وقع انقلاب 25 مايو 1969، عادت إلى مربع النضال من أجل استعادة الديمقراطية، وظلت تناضل حتى عادت بالمصالحة الوطنية عام 1977. وما لبثت أن غطت سماء الخرطوم مرة ثانية بالدعوات للدستور الإسلامي، الأمر الذي تحقق لها في عام 1983. فدخلت البلاد في الحرب الأهلية مرة ثانية، وتحكم مناخ الانفصال والتشظي حتى تاريخ اليوم. ولا مخرج إلا بالثورة الكبرى، ثورة العقول.
خاتمة: نحو الثورة الكبرى ثورة العقول
على الرغم أن ثورة أكتوبر الشعبية السلمية العزلاء، إلا من قوة إجماع الجماهير على إرادة التغيير، استطاعت أن تغير الحكم العسكري، بيد أنها لم تحقق المكاسب المرجوة حيث التغيير الجذري والشامل في اتجاه الحرية والعدالة الاجتماعية ووحدة البلاد، والمنطلق من مكونات السودان وتكويناته المتنوعة وانتمائه الأفريقي، والمتصل بالمشهد العالمي حيث انتصار حركة الحقوق المدنية والاعتراف بالتعدد الثقافي. لقد اختطفت القوى التقليدية والدينية والطائفية ثورة أكتوبر، وتحالفت قياداتها فيما بينها، وعبر التآمر والعبث بإرادة الجماهير والفوضي الدستورية نجحت في إبعاد القوى الحديثة وتحجيم المد الديمقراطي، وتكليس الوعي الديمقراطي. كما أنها سارت بالسودان، أمام تحديات التسوية الوطنية وانفجار الصراعات، في اتجاه منهج الترقيع والترميم في سعيها لتحقيق السلام والاستقرار من خلال توقيع الاتفاقيات الثنائية، وهو منهج يعبر عن العجز وأفضي إلى الانفصال وتمكين ثقافة التشظي.
وعلى الرغم الخسائر الضخمة الناتجة من اختطاف ثورة أكتوبر، وعدم تحقيقها للمكاسب المرجوة، إلا أن ثورة أكتوبر، لم تكتمل مراحلها بعد. فقد تركت إرثاً ثورياً ضخماً وعميقاً، سيعين في اكتمالها يوم اشتعال الثورة الكبرى من جديد، ثورة في عقول الجماهير، بقيادة المثقفين الأحرار. وعندما تشتعل الثورة من جديد في عقول الشعب فإنها تكون قد بدأت المرحلة الإيجابية من ثورة أكتوبر.. وهذه في الحقيقة هي الثورة الكبرى، وواجب اشعالها يقع على أفراد الشعب عامة وعلى المثقفين بصفة خاصة عبر تنوير الجماهير وتحريرهم من التبعية والطائفية والقوى التقليدية والدينية ورجال الدين والأوصياء على العقول.
إن المد الثوري، كحالة إنسانية تنشد التغيير والتحرير، في حالة توسع وتجدد واستمرار. كما أن مغذيات الثورة الشعبية وأسبابها في السودان، اتسعت وتعمقت الآن، أكثر من أي وقت مضى، وتسربت إلى وعي الجماهير، بمعزل عن الأوصياء على العقول، ولهذا فنحن الآن على مشارف انفجار "الثورة الكبرى". وهي ثورة ستشتعل في عقول الجماهير، وهدفها التغيير الشامل والجذري، ولا يفصلنا عنها، سوى لحظة الاجماع، وقيام المثقفين بواجبهم نحو اشعالها في عقول الجماهير. فمتى ما تمت الثورة الكبرى، الآن أو مستقبلاً، ستكون إدارة السودان على أساس التعدد الثقافي، وقيم الديمقراطية والحرية والعدالة الاجتماعية وكرامة الإنسان، من أبجديات الحراك السياسي والفكري، وعندها ستتم الوحدة بين أقاليم السودان المختلفة، بما في ذلك جنوبه، الذي اختار اسم (جمهورية جنوب السودان) لدولته وفي هذا نبوءة مستقبلية لوحدة قادمة.
(بالطبع تتضمن الورقة قائمة بالمصادر والمراجع، وهي منشورة ضمن: حيدر إبراهيم وآخرون (تحرير)، خمسون عاماً على ثورة أكتوبر السودانية (1964- 2014): نهوض السودان المبكر، مركز الدراسات السودانية، القاهرة، 2014).