المدن الخليجية وضغط الصحراء
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
تعاني أغْلَبُ مُدُن الخليج العربي، من البصرة (الَّتي أسَّسها الخليفة الراشد الثاني، عمر بن الخطاب (رضي الله عَنْه) في موقع «الإبلة») حتَّى مسقط وسواها من مُدُن سلطنه عُمان الزاهرة، من معضلات التصحُّر وزحف الكثبان الرمليَّة، الأمْرُ الَّذي ترَك آثاره، ليس فقط على هذه المراكز الحضريَّة الوثَّابة إلى الحداثة ومواكبة العصر، وإنَّما على شخصيَّة الإنسان المديني المستقرِّ في هذه المراكز.
والحقُّ، فإنَّ الصراع الجوهري الَّذي يعاني مِنْه سكَّان هذه المُدُن، إنَّما هو صراع بَيْنَ البداوة والمَدَنيَّة، فهو يعكس ذاته في هذه المُدُن، بالضَّبط كما تعكس ذلك مرآة سلوك سكَّانها ذات الازدواجيَّة المتشكِّلة بَيْنَ بقاء قِيَم البادية ومقاومتها للقِيَم المَدينيَّة الوافدة مع الغزو الثقافي الغربي وبَيْنَ القِيَم الغربيَّة الَّذي اضطلع بنقل أعلى ناطحات السَّحاب إلى الصحراء، بفضل فوائض «البترو دولار».
وتأسيسًا على ما جاء في أعلاه، يتوجَّب على أمناء ورؤساء بلديَّات هذه المدن العمل بمثابرة على حماية المراكز المَدنيَّة الحديثة من غزو الصحراء، يدًا بِيَدٍ مع علماء الاجتماع والخدمة الاجتماعيَّة الَّذين ينبغي أن يقاوموا تواصلَ القِيَم البدويَّة وتقاليدها الَّتي لا تتواءم مع متغيِّرات عصر شهد تخلِّي الإنسان عن ركوب الجِمال لصالح التنقل الأسرع باستخدام «عجلات مدولبة»، من نوع «تويوتا» و»فورد”»، من بَيْنِ سواهما من السيَّارات.
نشهد اليوم، جيلًا، هذا الارتطام القِيَمي الَّذي يُمكِن أن يكُونَ موجعًا بَيْنَ ما ورثناه من تقاليد بدويَّة، قاسية لا تتواءم مع «روح العصر»، من ناحية، وبَيْنَ الطارئ من تقاليد حضريَّة، من ناحية أخرى، إذ يُمكِن أن تكُونَ الأخيرة أكثر قسوةً على العقل المحافظ بسبب اقتلاعها من جذورها الموروثة!
يجد الإنسان الخليجي نَفْسَه على مفترق طُرق لا مهربَ مِنْه دُونَ أن يختارَ بحُرِّيَّة بَيْنَ الماضي والحاضر على سبيل استشراف المستقبل، وهي مسؤوليَّة تاريخيَّة مستوحاة من حُلم الأسلاف بعالَمٍ جديد، ومتحرِّر من كوابح التحجُّر والمحاكاة العمياء، تلك المحاكاة الَّتي أبقتنا، أجيالًا بعد أخرى، نَدُور في حلقة مفرغة: لا نحن قادرون على التحرُّر من الماضي، ولا نحن في موقع يؤهِّلنا الاحتضان الحاضر ومواكبة العصر.
أ.د. محمد الدعمي
كاتب وباحث أكاديمي عراقي
المصدر: جريدة الوطن
كلمات دلالية: هذه الم
إقرأ أيضاً:
تقاليد تذويب خواتم الباباوات في الفاتيكان – رمزية التغيير والاستمرارية "استثناءً من خاتم البابا فرنسيس الحالي"
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
في قلب الفاتيكان، حيث تلتقي التقاليد الكنسية العريقة بالطقوس الروحية، تُمارس مراسم مُحكمة لإدارة انتقال السلطة البابوية. من بين هذه الطقوس الغامضة للجمهور الخارجي تسييح خاتم البابا وهو إجراء يُنفذ بعد نهاية حبرية البابا، سواء بالوفاة أو الاستقالة.
و يُعتبر هذا الخاتم، المُعروف باسم خاتم الصياد" (Anulus Piscatoris) رمزًا للسلطة الرسولية، وتدميره يشكل فصلًا بين عهدين.
الخلفية التاريخية:
يرجع تقليد صنع الخاتم البابوي وتسييحه إلى قرون مضت، حيث كان يُستخدم الخاتم كأداة لختم الوثائق الرسمية باسم البابا.
- بعد وفاة البابا أو استقالته، يُكسر الخاتم أو يُذاب بمراسيم خاصة لمنع أي استخدام غير شرعي له، خاصة في تزوير الوثائق.
- يُصمم كل خاتم خصيصًا للبابا الجديد، ويحمل اسمه وتاريخ حبريته، مما يجعله قطعة فريدة ترتبط بعهده.
المراسم والإجراءات:
دور الكاميرلينغو (Camerlengo): ويُشرف رئيس الديوان البابوي (الكاميرلينغو) على عملية تسييح الخاتم، كجزء من مهامه في إدارة الفاتيكان خلال الفترة الانتقالية ("ال sede vacante").
- تُنفذ العملية في سرية تامة، غالبًا باستخدام مطرقة خاصة أو صهر الخاتم في درجات حرارة عالية.
الرمزية الدينية والسياسية: حيث يمثل التسييح نهاية السلطة الزمنية للبابا السابق وبدء التحضير لانتخاب خليفته ويُرسل المعدن المتبقي من الخاتم أحيانًا لصنع خاتم البابا الجديد، كرمز للاستمرارية.
حالات بارزة في العصر الحديث
البابا بندكتوس السادس عشر (2013): بعد استقالته التاريخية، شهد الفاتيكان أول عملية تسييح لخاتم بابوي في العصر الحديث دون وفاة الحبر الأعظم ونُفذت المراسم بسرعة لمنع أي محاولات لاستغلال الخاتم.
البابا يوحنا بولس الثاني (2005)
ذُوب خاتمه الذهبي المُزين بصورة القديس بطرس في مراسم مهيبة، بحضور كبار الكرادلة.
استثناء خاتم البابا فرنسيس:
اختار البابا فرنسيس منذ انتخابه عام 2013 خاتمًا بسيطًا من الفضة المذهبة، بعيدًا عن التقاليد الذهبية الفاخرة ونظرًا لاستمرار حبريته، لم يُذب خاتمه بعد، ولن يتم ذلك إلا بعد انتهاء فترة حكمه وهذا لا يحدث لانه ارتدي خاتم من الفضه مطلي بالذهب
الجدل والتحديات:
ينتقد بعض الخبراء عدم الشفافية في عملية التسييح، خاصة مع تطور تقنيات الأمان التي قد تجعل الطقس مجرد رمز وفي المقابل، يؤكد الفاتيكان أن التقاليد تُحافظ على الهوية التاريخية للكنيسة.
تظل طقوس تسييح الخواتم البابوية شاهدًا على التزاوج بين السلطة الروحية والإدارة المادية في الفاتيكان. ورغم تغير العصور، تحافظ الكنيسة على هذه المراسم كجسر بين الماضي والحاضر، مؤكدةً أن السلطة البابوية مهما بلغت قوتها مؤقتة بطبيعتها، وتخضع لقوانين السماء قبل الارض