النزاهة: سنلاحق جرائم غسيل الأموال بالتقنيات الحديثة والرقمنة
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
الثلاثاء, 7 نوفمبر 2023 4:32 م
بغداد/ المركز الخبري الوطني
اكدت هيئة النزاهة الاتحادية، اليوم الثلاثاء، عزمها ملاحقة جرائم الكسب غير المشروع وغسل الأموال بالتقنيات الحديثة والرقمنة.
وذكرت النزاهة في بيان تلقاه/ المركز الخبري الوطني/،أن “رئيس الهيئة القاضي حيدر حنون اكد في كلمة له في حفل إطلاق نظام (Laser fiche)، الذي حضره ممثل ومستشار رئيس مجلس الوزراء (مؤيد الساعدي)، أهميَّة الإفادة من التطور التكنولوجي والثورة المعلوماتية؛ بغية التحوُّل الرقميّ والحوكمة الإلكترونيَّة لدورها في مكافحة الفساد، وتوفير الجهد وسرعة إنجاز الأعمال وتخفيض التكاليف، وتحقيق النزاهة والشفافية الإداريَّة في مُؤسَّسات الدولة كافة”.
وشدد القاضي حنون، على “أهمية تحوُّل مُؤسَّسات الدولة كافة إلى أتمتة إجراءاتها والتحوُّل نحو الحوكمة الإلكترونيَّة”، لافتاً إلى أن “ذلك يتكفل بالحيلولة دون احتكاك المراجعين بالموظفين وتقليص فرص ابتزازهم أوطلب الرشى منهم مقابل تيسير إنجاز معاملاتهم”.
وأشاد، بـ”التعاون الكبير والمثمر بين الهيئة وبرنامج الأمم المتحدة الإنمائي (UNDP) في مختلف المجالات، لا سيما في مجال الانتقال إلى الرقمنة وتحقيق الحوكمة الإلكترونيَّة”، مُنوِّهاً الى أن “تدشين العمل بنظام إدارة المؤسسات (Laser fiche) يأتي ضمن سلسلة من محطات التعاون في هذا المجال”.
واشار، إلى أنَّ “الطرفين تعاونا في انطلاق مشروع إنشاء مختبرٍ للأدلة الجنائيَّة الرقميَّة (DFL) الذي يسعى إلى دعم هيئة النزاهة الاتحاديَّة في الإفادة من الثورة الرقميَّة وتكنولوجيا المعلومات في التحقيق بقضايا الفساد وملاحقة مرتكبيه، ويجعلها قادرةً على مُتابعة الأموال المُهرَّبة؛ نتيجة جرائم الفساد، ويُعزّزُ من قدرتها على اكتشاف الفساد والاحتيال وغسيل الأموال والتحقيق في تلك الجرائم وردع مُرتكبيها”.
وثمَّن حنون، “الجهود التي بذلها نائب رئيس الهيئة المُدير العام للأكاديميَّة (مظهر تركي عبد) وملاكاتها الفنيَّة وبقيَّة مُوظَّفيها في الجديَّة والمثابرة؛ من أجل الوصول إلى الشروع بأتمتة جميع إجراءات الأكاديميَّة”، مؤكداً أنَّ “هذه التجربة التي يأمل لها النجاح ستُعمَّمُ بين بقيَّة دوائر الهيئة والإفادة منها في تذليل بعض المُعوّقات التي قد تعترضها”، فيما اوضح أنَّ “قانون الهيئة أتاح لها القيام بأي عملٍ يساهم في مكافحة الفساد أو الوقاية منه، كما منحها الصلاحية لاستخدام وسائل التقدم العلمي وأجهزة وآلات التحري والتحقيق وجمع الأدلة، وتوفير مستلزمات ومتطلبات استخدامها في ميدان الكشف عن جرائم الفساد او منعها أو ملاحقة مرتكبيها”.
المصدر: المركز الخبري الوطني
إقرأ أيضاً:
رسّام الحياة الحديثة .. الحداثة والعبقرية كما يعرّفهما بودلير
أذكر كنت فـي مكتبة «لوتس» أنبش الكتب بحثًا عن كتاب لقراءته وقتها، إلا وتتلقف يدي بغتة كتابًا كان على وشك السقوط، ابتهجت لحظتها لأنني عثرت على اسم كاتب أحبه، شارل بودلير أحد أعمدة القرن التاسع عشر وأبرز رواد الحداثة والرمزية، ثم استغرقت فـي عنوان الكتاب الطويل نسبيا، «نسبيا» هذه الكلمة التي ستتكرر فـي ثنايا الكتاب، «رسام الحياة الحديثة/الجمال المطلق للحظة الراهنة»، ترجمة الدكتور قاسم المقداد، وتقديم جيرالد فروادوفو الذي أرفق دراسة حول الحداثة البودليرية عنونها بـ«الحداثة والنزعة الحداثية، بودلير إزاء عصره».
وأذكر أنني كنت أقرأ الكتاب فـي أحد كراسي المكتبة المريحة، فقرأت فـي غلاف الكتاب الفقرة، وليست كأي فقرة، التي قالها جيرالد فـي تقديمه: «بودلير يقابل الحداثة العلمية والصناعية فـي عصره بنظريته حول الحداثة الثقافـية.
بهذا تراه يرفض السلطة المولدة ذاتية لأي شيء حديث، وكذلك لفكرة الحداثة. عندئذ نفهم أن الحداثة البودليرية ليست تمجيد إنجازات الإنسان المعاصر، فتبدو بمثابة مشروع إنقاذ، ويعبر عنها، إن لم يكن بإرادة العودة، فعلى الأقل بالرغبة فـي ترويض الشياطين التي أعتقها العقل الخلاق للإنسان الحديث».
لكن كل ذلك لم يشبع ظمئي وفضولي، فضلا عن أن الكتاب ثقيل بمحتواه الفكري، نوعا ما، ويحتاج إلى تركيز ووقت.
وأذكر أنني كنت ممسكًا بكتاب آخر لبودلير «الفراديس المصطنعة فـي الحشيش والأفـيون»، فعضضت عليهما بالنواجذ، وابتعت الكتابين مثلما يبتاع الأب لأبنائه سكاكر حلوة من السوق.
رسام الحياة الحديقة هو ثلاث عشرة مقالةً، فقط، يلخص فـيها بودلير رؤاه وهواجسه إزاء الإبداع والعبقرية والحداثة والجمال.
فحداثة بودلير لا ثابت ولا مطلق لها سوى التجديد، فحداثي اليوم سيصبح قديم الغد، وثمة مثال فـي ذهني يعزز رؤية بودلير، هو أن بودلير نفسه الحداثي الكبير فـي زمنه، أو المتقدم على عصره، غدا أدبه اليوم يصنف ضمن الكلاسيكيات القديمة.
فـي ذات الوقت لم تكن نظرة بودلير بمتطرفة إزاء الجميل القديم، فهو يؤمن بخلود الجمال الأصيل والعبقرية، فنجده يستشهد بعباقرة التاريخ والمبدعين القدامى والحديثين، هو المولع بمنابع العبقرية ومحاولة فهمها وتحليلها.
فـيشرح بودلير فلسفته إزاء الحداثة على نحوٍ مبسط فـيقول: «البكرات كلهن جذابات، أو بالأحرى كُنَّ جذابات بشكل مشروع فـي وقتهن قبل أن تدور العجلة، وتحلُّ بكرة جديدة محل البكرة السابقة، وتأتي بجميل مشروع بعد السابق ويحل مطلق محل آخر». فـي حين يقول فروادوفو فـي التقديم: «بودلير لا يخشى التناقض، لأن هذا التناقض، هو الحداثة نفسها».
كل هذا جعلني أستحضر ديلاكتيك هيغل ونهر هيراقليطس وتطور داروين، وأمورا أخرى كالهدم والتخريب لبناء الجديد.
وفـي رؤية أخرى لبودلير، يثبت فـيها أن كل جميل يتكون من عنصر ثابت دائم، وعنصر نسبي ظرفـي، فـيردف: «من دون العنصر الثاني، الذي قد يشكل غطاء مسليًا، أو مدغدغا، ومشهيًا للكعكة الإلهية، سيكون العنصر الأول عسير الهضم، ولا يناسب الطبيعة البشرية». وفـي سياق مشابه يقول: «تأملوا، إذا شئتم، ذلك الجزء الثابت أبدًا بوصفه روح الفن، والعنصر المتغير باعتباره جسده». نلاحظ أن لغة بودلير فـي الكتاب لا تخلو من الشعرية والصور الجمالية العذبة.
وينتصر بودلير لجماليات الهامش مستطردًا: «هناك أناسٌ ممن قرؤوا، ذات يوم، بوسويه وراسين فـيعتقدون أنهم امتلكوا تاريخ الأدب. لكن، لحسن الحظ، يبرز من وقت إلى آخر، من يصحح مثل هذه الأخطاء، من نقاد وهواة، وفضوليين، ليؤكدوا أن رافائيل لا يختصر الفن، وأن راسين لا يعني كل شيء، وأن لدى الشعراء الصغار ما يقولونه من جديد، ومتين ولذيذ».
والجمال فـي الأدب والفن بالنسبة لبودلير لا ينحصر على فئة أو مذهب أو شخوص، إلا أنه يميل دائما للأدب والفن اليومي الذي يمثل طبقة العامة والبسطاء والحياة المعيشة مجسدًا الحياة الحقيقية فـي تلك الفترة، وينتقد الفنون والآداب الشائعة فـي زمنه تلك التي تصور الطبقة المخملية من برجوازيين وأرستقراطيين ونبلاء وغيرهم.
وأنا أقرأ هذه الفكرة عدتُ بلا إرادة مني لتاريخنا العربي، التاريخ الأدبي على وجه التحديد، فضربت مثالا، ربما ينطبق على ما قاله بودلير، قد لاحظته سابقا، وهو أن السرد العربي كان دائما يمثل ويعكس هذه الطبقة الدنيا على عكس الشعر الذي كان معظمه يتغنّى ويمجّد بطبقات السلاطين والملوك والفرسان والنبلاء وهلم جرا، فإذا بكُتّاب السرد مكروهين منبوذين ومهمشين من البلاط على عكس الشعراء المقربين، باستثناء الشعراء الصعاليك طبعًا. فـي المقابل هذا لا يبخس أهمية ديوان العرب ليس للحضارة العربية بل حتى فـي تاريخ الآداب والفنون العالمية.
يحدثنا بودلير فـي معظم الكتاب عن هذه الشخصية العجائبية، هذا المثال الشامل الذي ينطبق على أغلب رؤى بودلير. وهو فنان، رسام ويكتب الشعر أحيانا، يرفض عادة ذكر اسمه، يسميه بودلير «بالإنسان العالمي»، ولا يمل بودلير من وصفه وسرد قصص عنه، فالذي يتمتع بثقافة موسوعية تتقصى الجمال فـي كل شيء، نذر حياته كلها للجمال اللحظي وللفن والأدب والإبداع. هذه الشخصية الفريدة التي ألهمت بودلير فـي كتابة هذا الكتاب الذي أخال أن روحه تحضر حتى فـي العنوان» رسام الحياة الحديثة/الجمال المطلق للحظة الراهنة».
وبالنسبة لبودلير تقف العبقرية جنبًا إلى جنب مع الطفولة، ذلك الفضول والدهشة الأولى عند الطفل والحساسية المرهفة هي ما يحتاجها المبدع، فـيقول: «العبقرية يمكن أن تنطلق من الفضول». ويقارن فـي سياق آخر بين العبقري والطفل فـيردف: يتمتع العبقري بأعصابٍ متينة؛ أما أعصاب الطفل فضعيفة. لدى الأول شغل العقل مكانًا كبيرًا، أما لدى الطفل فتشغل الحساسية كيانه كله. لكن العبقرية ليست سوى الطفولة المستعادة إراديًا».
وأختم هذا المقال باقتباس لبودلير حول الإلهام الذي يجتاح العبقري:
«أؤكد أن للإلهام علاقة معينة بالاحتقان، وأن أي فكر سامٍ يترافق بهزة عصبيةٍ قوية، إلى حد ما، يصل دويها إلى المُخيخ».