قامت سوزان بسيسو بأربع محاولات فاشلة، قبل أن تتمكن من اجتياز معبر رفح إلى مصر والنجاة من القصف الذي يتعرض له قطاع غزة.

وحكت الأميركية الفلسطينية البالغة من العمر 31 عاما، وهي واحدة من مئات الذين يحملون جوازات سفر أجنبية وسُمح لهم بمغادرة القطاع منذ الأسبوع الماضي، أنها كانت تواجه في كل مرة خطرا جسيما.

وقالت خلال مقابلة في القاهرة التي وصلت لها برا بعد العبور إلى شبه جزيرة سيناء "في كل مرة كنا نذهب إلى الحدود، كنا نتعرض للقصف ونشعر بالفزع (...) القنابل تتساقط في كل مكان يمينا ويسارا.

 وبعد أن فرضت إسرائيل حصارا على غزة في إطار الرد على الهجوم المباغت الذي نفذته حركة حماس في السابع من أكتوبر ظل معبر رفح، وهو المعبر الوحيد للخروج من غزة الذي لا يوجد على الحدود مع إسرائيل، خارج الخدمة لنحو أسبوعين وسط خلافات دبلوماسية حول ترتيبات السماح بدخول المساعدات وخروج المغادرين.

ومنذ ذلك الحين، يتم السماح بدخول كميات ضئيلة من مواد الإغاثة إلى غزة على متن شاحنات كما غادر بعض الأشخاص، إلا أن الترتيب هش وتم تعليقه يوم السبت، قبل استئنافه يوم الاثنين.

أزمة إنسانية

وتسببت الحرب المستمرة منذ شهر في أزمة إنسانية متفاقمة في غزة مع تصاعد العمليات العسكرية الإسرائيلية وسط نزوح متكرر لكثيرين منبين سكان القطاع البالغ عددهم 2.3 مليون نسمة بحثا عن المأوى والأمان.

وقالت بسيسو، التي أمضت حوالي نصف حياتها في غزة ونصفها الآخرفي الولايات المتحدة، إنها كانت تتكدس مع أقاربها في غرفة واحدة في منزل شخص غريب وسط شح في الغذاء والماء. ومضت عليها ليال لم يغمضلها فيها جفن بسبب الضربات الجوية.

 ومضت تقول "إنه مجرد فيلم رعب يتكرر باستمرار(...) لا نوم، لايوجد طعام، لا يوجد ماء. تظل تنتقل من مكان لآخر".

وتابعت أنها كانت تنتظر في إحدى المرات بمنطقة استراحة بجوار الحدود مع شقيقتها وقريب لها وأصيبت بالذعر عندما سمعت دوي ضربة بالقرب من مكان انتظار والديها وقريب آخر في الخارج.

وأضافت أنهم نجوا بأعجوبة، لكن الفلسطينيين تلقوا أمرا بإغلاق الحدود ورجعت العائلة أدراجها في رحلة ملؤها الخوف بسيارة أجرة إلى غزة وتروي "وفي طريقنا إلى المنزل، كانت طائرات الهليكوبتر تقصف منطقة الشاطئ، وكانت القنابل تتطاير فوق رؤوسنا، يمينا ويسارا،وكانت الطائرات تقصف أيضا".

تاريخ من النزوح

وفي نهاية الأمر، سُمح لأول دفعة من الأجانب وبعض الفلسطينيين الذين يحتاجون إلى العلاج الطبي بشكل عاجل ببدء مغادرة غزة في الأول من نوفمبر، بعد مفاوضات جرت بمشاركة الولايات المتحدة وإسرائيل وقطر ومصر.

وقد حالف بسيسو الحظ لأنها كانت ضمن المجموعات الأولى التي سُمح لها بالمغادرة من بين إجمالي نحو سبعة آلاف شخص من حاملي جوازات السفر الأجنبية المتوقع مغادرتهم. لكنها تشعر بالحسرة ولاتريد أن تعيش من جديد بنفس ألم الفراق الذي عاشته جدتها، البالغة من العمر الآن 89 عاما، عندما نزحت من مسقط رأسها في يافا قبل 75عاما.

 ونقلت رويترز عن بسيسو "الأمر يبدو مثل تخييرك بين الموت والمغادرة (...) ما الذي ستختار: ذكريات طفولتك، بيتك، أرضك، أو أن تبقى على قيد الحياة".

وخلال مغادرة الأسرة منزلها في غزة، بدأت جدتها في الصراخ والقول إنها لا تريد الذهاب، وكان على بسيسو أن تتوسل لها.

وخلال الرحلة وسط سيناء، قالت إن جدتها كانت تنظر بريبة لمساكن مبنية حديثا وسألت السائق عن سبب بنائها وأكدت تمسكها بأنها ستبقى في مصر لشهر واحد فقط ثم ستعود لبيتها.

أشجار الزيتون

وعبرت الأميركية الفلسطينية جنا تمراز (19 عاما) إلى مصر مع شقيقتها ورضيعها البالغ من العمر ثلاثة أشهر، لكنها لم تتمكن منذ لك إلا بعدما توسلت لمسؤولي الحدود لأن اسم ابنها لم يكن مدرجا على القائمة المعتمدة مسبقا.

ولم يتمكن زوجها ووالداها وإخوتها، الذين لا يحملون الجنسية الأميركية، من المرور.

 وقالت بعد وصولها إلى القاهرة "أنا هنا في مصر، لكن قلبي يعتصر على عائلتي وزوجي الذين تركتهم".

وانتقلت يسرا البطنيجي (78 عاما) من شمال غزة إلى جنوب القطاع تحت وطأة اشتداد القصف، وأقامت في منزل مع 30 شخصا قبل أن تتوجه إلى الحدود مع زوجها يوسف الذي يعاني من ظروف صحية.

وقد ولدت في غزة ولكنها تحمل أيضا الجنسية الأميركية، وحصلت على قطعة أرض بجوار منزلها عام 2005 حيث زرعت أشجار زيتون وليمون ونخيل.

وقالت بعد وصولها إلى القاهرة "قبل أن أغادر دعوت الله أن أعود لهذا المنزل حتى لو صار ترابا".

وتابعت "آمل أن يذهب الناس لبيتي ويأخذوا التمر والزيتون، حتى لا يضيع".

المصدر: سكاي نيوز عربية

كلمات دلالية: ملفات ملفات ملفات شبه جزيرة سيناء حركة حماس غزة غزة قصف غزة حرب غزة إجلاء الإجلاء شبه جزيرة سيناء حركة حماس غزة أخبار فلسطين

إقرأ أيضاً:

مفاوضات سويسرا السودانية… هل من أمل؟

مفاوضات سويسرا السودانية… هل من أمل؟

عثمان ميرغني

الإعلان عن ترتيب واشنطن لمفاوضات سودانية في سويسرا لم يكن مفاجئاً، وإن بدا للبعض كذلك. كثير من التحركات والمحادثات التي شهدتها بورتسودان، والاتصالات الهاتفية في الآونة الأخيرة كانت تصب في هذا الاتجاه. كذلك كانت التصريحات المتكررة من المبعوث الأميركي الخاص توم بيريلو تشير إلى أن واشنطن تضغط باتجاه استئناف مفاوضات منبر جدة مع بعض التعديلات في صيغتها.

حتى المحادثات المتعلقة بجوانب الإغاثة والمساعدات الإنسانية التي رتب لها رمطان لعمامرة، المبعوث الشخصي للأمين العام الأمم المتحدة إلى السودان، يمكن قراءتها على أنها كانت بمثابة تمهيد للخطوة التالية التي جاءت من واشنطن على لسان وزير الخارجية أنتوني بلينكن في دعوته القوات المسلحة السودانية و«قوات الدعم السريع» إلى محادثات لبحث وقف الحرب. فالملاحظ أن رمطان لعمامرة في بيانه الذي أصدره في ختام المفاوضات غير المباشرة في جنيف بين وفدي الطرفين وصفها بأنها كانت «خطوة أولية مشجعة في إطار عملية طويلة ومعقدة».

ما الجديد في الدعوة الأميركية؟

الملاحظة الأولى هي بالطبع نقل مكان المفاوضات إلى جنيف، بعدما كانت واشنطن تتحدث قبل ذلك عن السعي لاستئنافها في جدة، بل إن بيريلو حدد موعداً طموحاً في مايو (أيار) الماضي، ثم في يونيو (حزيران) للمحادثات، وهو ما لم يتحقق بسبب التعقيدات التي استجدت في الحرب بعد تمددها، وتمسك الحكومة السودانية بضرورة تنفيذ ما اتفق عليه في إعلان جدة في مايو 2023، لا سيما الشق المتعلق بإخلاء «قوات الدعم السريع» منازل المواطنين والمنشآت المدنية والخدمية التي احتلتها، بوصفه خطوة أولى يعقبها انسحاب هذه القوات من مراكزها وتجميعها في معسكرات محددة.

الواضح أن واشنطن تريد أن تكون الطرف الذي يدير جولة المفاوضات المزمعة في جنيف، بحيث تمارس الضغوط من دون قيود دبلوماسية كانت مفروضة عليها في الجولات السابقة. وقد ورد على لسان مصادر أميركية أن وزير الخارجية بلينكن، والمندوبة الأميركية لدى الأمم المتحدة ليندا توماس غرينفيلد، يمكن أن يفتتحا أو يشاركا بشكل مباشر خلال المحادثات، إذا رفعت قوات المسلحة و«قوات الدعم السريع» مستوى تمثيلهما فيها، وهذه محاولة بالطبع لإقناع الطرفين بإرسال شخصيات قيادية للمفاوضات. وبما أن «قوات الدعم السريع» سارعت لقبول الدعوة، ولن تمانع بالتأكيد في رفع مستوى من يمثلها، فإن الأمر يتوقف على الحكومة السودانية بعدما رفض الفريق عبد الفتاح البرهان الذهاب لأي مفاوضات ما لم يتم تنفيذ ما اتفق عليه في السابق.

هناك مشكلة أخرى تتمثل في سعي واشنطن لتوسيع المحادثات بدعوة أطراف أخرى بما فيها الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ومنظمة «إيقاد» ومصر والإمارات، وهو ما اعترضت عليه الحكومة السودانية في السابق، وتجري محاولات حثيثة من قبل عدة أطراف لإقناعها بالموافقة على هذا التوسيع على أساس أن إشراك أطراف إقليمية لها دور في الصراع، من شأنه أن يساعد في وقف الحرب. زيارة رئيس الوزراء الإثيوبي آبي أحمد الأخيرة إلى بورتسودان واجتماعه مع البرهان كانت تصب في هذا الاتجاه، وأعقبها الاتصال الذي جرى بين البرهان والرئيس الإماراتي الشيخ محمد بن زايد. والمؤكد أن الأيام القليلة المقبلة ستشهد تحركات واتصالات مكثفة بهدف تغيير الموقف السوداني الرافض لتوسيع المفاوضات، ونتائج هذه التحركات ستحدد ما إذا كانت مفاوضات سويسرا المقترحة ستنعقد، وبأي صيغة، وما إذا كانت ستحقق أي اختراق حقيقي لو انعقدت.

صيغة الدعوة المقدمة من واشنطن حاولت أن تجد مخرجاً للتحفظ السوداني، وذلك بالتأكيد على أن مفاوضات جنيف ستكون أيضاً برعاية سعودية على أساس أنها امتداد لمنبر جدة الذي يجد القبول من كل الأطراف، مع احتمال إضافة سويسرا بوصفها دولة مضيفة، في حين تشارك الأطراف الأخرى بصفة مراقب، مثلما حدث في مفاوضات القوى السودانية التي عقدت في مصر. المحزن أنه لا ذكر للجامعة العربية بتاتاً في هذه الجهود، وهو ما يعكس الحال التي تردى إليها الوضع العربي.

نجاح واشنطن في ترتيب مفاوضات سويسرا يبقى وارداً بل يبدو مرجحاً، لكنه لا يعني ضمان نجاحها في ظل التعقيدات المتشعبة للحرب، بالنظر إلى أن هذا الاهتمام الأميركي يأتي متأخراً، وفي وقت ستنشغل فيه أميركا بالانتخابات الرئاسية، إضافة إلى انشغالها بحربي غزة وأوكرانيا.

النافذة المتاحة تبقى ضيقة جداً، والتعقيدات كثيرة، ومنها فشل القوى السياسية والمدنية حتى الآن في التوصل إلى التوافق العريض الذي يحل عقدة من العقد الكبيرة والأساسية في هذه الحرب. أما العقدة الأكبر فتبقى هي مستقبل «قوات الدعم السريع» التي اتسعت الهوة بينها وبين الجيش، والأهم من ذلك بينها وبين المواطن السوداني الذي عانى كثيراً من ممارساتها وتجاوزاتها.

* نقلاً عن (الشرق الأوسط)

الوسومأنتوني بلينكن الإمارات الاتحاد الأفريقي الجيش الدعم السريع السعودية الشرق الأوسط جنيف سويسرا عبد الفتاح البرهان عثمان ميرغني مصر

مقالات مشابهة

  • صفحة(40)من مذكراتي
  • مفاوضات سويسرا السودانية… هل من أمل؟
  • نجوم يحلمون بتعزيز سجلهم الذهبي في أولمبياد باريس
  • بواسطة الإجلاء الطبي.. نقل مواطن من جورجيا لتلقي العلاج في المملكة
  • رضا شاه البهلوي.. حكم إيران بتأييد من الإنجليز وخُلع بأيديهم
  • شيخوخة خالية من الأمراض القاتلة.. طبيبة تكشف
  • مراقبون يتحدثون عن تفرد الرئيس سعيد بمشهد الانتخابات التونسية
  • بواسطة الإجلاء الطبي.. نقل مواطنة من طرابزون التركية لتلقي العلاج في المملكة
  • ثقافة الخوف وإقرار بالخطأ.. حقوقيون يتحدثون عن العدالة في قطر بعد تقرير أممي
  • رجال الداخلية يضبطون قضيتي تهريب أموال عبر الحدود