الفعل والخطاب.. حول خطاب الأمين العام لحزب الله
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
الخطاب الذي ألقاه الأمين العام لحزب الله مساء الجمعة (3 تشرين الثاني/ نوفمبر) حول الحرب على غزة، وبعد شهر تقريبا من هذه الحرب، يمكن أن يُفصَل فيه النقاش على قضيتين، وإن كانتا من حيث الأصل قضية واحدة، ولكن الفصل الإجرائيّ بينهما ضروري لنقاش أكثر توازنا، يقطع الطريق على السجالات ذات الطبيعة الغرائزية، التي تنتهز الفرص للدفع بدعاية الحبّ أو الكراهية إلى الأمام، إذ المطلوب هو النقاش الذي يقصد بناء التصوّرات الصحيحة في هذا الهول العظيم المصبوب على غزّة، ويتهدّد الفلسطينيين في كلّ مكان.
يمكن إجرائيّا الفصل بين موقف الحزب وأدائه في هذه الحرب الأخطر على القضية الفلسطينية من بعد العام 1967، وبين الخطاب نفسه الذي أثار الكثير من النقاش، بقدر ما استحثّه من انتظار. ولعل البداية من هذا الخطاب أسهل، ثمّ تحويله إلى قاعدة للنقاش في أداء الحزب ومن خلفه المحور برمّته، الذي يؤسّس شرعيته في الخطاب العامّ على قضية مقاومة العدوّ الإسرائيلي، والهيمنة الأمريكية في المنطقة. وليس ثمّة حدث يجتمع فيه العدوان الإسرائيلي والأمريكي بنحو واضح يخلو من الالتباس منذ سنوات طويلة كهذه الحرب التصفوية على غزّة.
لم تكن مشكلة خطاب الأمين العام لحزب الله في عدم إعلانه الحرب على "إسرائيل"، فالحرب لا تُبدأ بالخطابات، والقراءة الدقيقة لأوضاع الحزب والظروف المحيطة به، لم تكن لتبشّر بمستوى أعلى من التدخل المُراد ساعتها، ولكنّ مشكلته في مسألتين فنّيتين، ولكنهما في الوقت نفسه جوهريتان من حيث موقع الخطاب وتحليله، وهاتان المسألتان هما، توقيته، والدعاية المكثفة له السابقة عليه
لم تكن مشكلة خطاب الأمين العام لحزب الله في عدم إعلانه الحرب على "إسرائيل"، فالحرب لا تُبدأ بالخطابات، والقراءة الدقيقة لأوضاع الحزب والظروف المحيطة به، لم تكن لتبشّر بمستوى أعلى من التدخل المُراد ساعتها، ولكنّ مشكلته في مسألتين فنّيتين، ولكنهما في الوقت نفسه جوهريتان من حيث موقع الخطاب وتحليله، وهاتان المسألتان هما، توقيته، والدعاية المكثفة له السابقة عليه.
من جهة التوقيت، فإنّ موقع الخطاب وتأثيره سيختلف تماما لو كان في بداية الحرب، أو بعد عشرة أيام مثلا على بدايتها، فإنّ مضمونه مفيد جدّا ساعتها لمستوى تدخل الحزب، ويعطي معنى أهمّ للغموض البنّاء وقيمة فعّالة لمقولة الاحتمالات المفتوحة، أمّا بعد شهر فإنّ المضمون بات أقرب إلى الطمأنة المجانية للعدوّ، وذلك لأنّ هذا المضمون بعد هذا الوقت الطويل وفي ظلّ المحرقة التي لم تتوقف عن الإزاحة السكانية بالقتل والتهجير والتدمير؛ لا يُقدّم إضافة نوعية لفعل الحزب الجاري في الميدان، ويلغي عمليّا حالة الغموض التي كان من أهمّ عواملها احتجاب الأمين العامّ مع استمرار المشاغلة في شماليّ فلسطين المحتلّة.
من جهة الدعاية، قدّم الحزب بين يدي الخطاب عددا من الفيديوهات القصيرة للأمين العامّ للحزب، أوحت بأنّ تحوّلا ما في مستويات التدخل سيرافق الخطاب، أو على الأقلّ سيشير إليه الخطاب، وتبع تلك الفيديوهات نشر رسالة من "المقاومة الإسلامية في لبنان" إلى المقاومة في فلسطين، وسبق ذلك كلّه عدّ شهداء الحزب في اشتباكات شماليّ فلسطين "شهداء على طريق القدس".
ولم يكن بمقدور أحد تجاهل تلك الدعاية، لأنّه لا يُتوقّع من الماكينة الدعائية للحزب، ولا من الأمين العام نفسه، انتهاج هذا الأسلوب من حثّ الترقب والانتظار، ما لم يتضمن الخطاب طرحا فارقا، وهو ما ساهم في رفع توقّعات الناس، حتّى أكثرهم تحفظا، الأمر الذي استدعى تاليا نقدا للحزب من بعض الكتاب والإعلاميين والسياسيين الذين هم من الأكثر ولاء له وثقة بأمينه العامّ، ممّا يعني أنّ هذا الأسلوب الدعائيّ ينبغي أن يكون حاضرا في التقييم لدى الحزب في فحص دوافعه ونتائجه.
موقع الخطاب وتأثيره سيختلف تماما لو كان في بداية الحرب، أو بعد عشرة أيام مثلا على بدايتها، فإنّ مضمونه مفيد جدّا ساعتها لمستوى تدخل الحزب، ويعطي معنى أهمّ للغموض البنّاء وقيمة فعّالة لمقولة الاحتمالات المفتوحة، أمّا بعد شهر فإنّ المضمون بات أقرب إلى الطمأنة المجانية للعدوّ، وذلك لأنّ هذا المضمون بعد هذا الوقت الطويل وفي ظلّ المحرقة التي لم تتوقف عن الإزاحة السكانية بالقتل والتهجير والتدمير؛ لا يُقدّم إضافة نوعية لفعل الحزب الجاري في الميدان، ويلغي عمليّا حالة الغموض
الإشارة إلى الدعاية التي سبقت الخطاب، تقود إلى المضمون الذي يبدو أنّه في القدر الأكبر منه موجّه لجمهور الحزب، إذ قدّم أمينه العامّ شرحا مفصلا لتدخل الحزب، من حيث التوقيت والمستوى والفاعلية بالرغم من عدم علمه المسبق بالحدث، وهو ما يعني أنّه لم يتخلّف عن نصرة المقاومة في غزّة في حدود ما تسمح به قراءته الاستراتيجية للظرف المحيط به، إلا أنّ هذا المضمون يفقد أهمّيته، مرّة أخرى، بسبب التوقيت، فكل ما قيل عن مشاغلة فعّالة في شماليّ فلسطين حجزت قدرا مهمّا من عداد جيش العدوّ وعديده سيكون مفهوما بداية الحرب، لأنّ السؤال بعد شهر لن يكون عن حصول المشاغلة المعلومة، بل عن أثرها في إضعاف العدوان على غزّة، لأنّ الأمر بات في المجازر المفتوحة وعمليات الإبادة والتهجير، وما يمكن أن يفضي إليه ذلك من مخاطر تصفوية، أو في أقلّ تقدير إخراج قطاع غزّة من قدرته على إدارة مقاومة فعّالة في المنطقة لسنوات طويلة قادمة.
في المضمون سوى ذلك، مما يُناقش أيضا المقارنة بين حرب تموز 2006 وهذه الحرب على غزّة، فدون أدنى خلاف حول موقع الإرادة والصبر في حرب كهذه، فإنّها مختلفة في الجوهر من حيث افتقاد المقاومة والشعب في غزة للعمق الجغرافي، فالنار والقتل والتهجير والتدمير؛ كل ذلك وأكثر يلاحق الناس في القطاع كلّه، والناس محاصرون بشربة الماء وحبة الدواء ولقمة الغذاء، بينما كان لبنان كلّه عمقا لبيئة الحزب وحاضنته الاجتماعية في حرب تموز، فضلا عن سوريا، وفضلا عن قدرات الإمداد التسليحي من سوريا وإيران، المنعدمة في غزّة التي يُصنع فيها السلاح محلّيّا ويعتمد فيها المقاتل على قذائف فاعليّتها من مديات محدودة للغاية.
لا يعني نقد الخطاب من جهة توقيته (حتى نقد المضمون في جانب منه متعلق بالتوقيت)، أنّ المطلوب هو فتح حرب إقليمية، فالمخاوف والمحاذير والحسابات معروفة، ومن غير المضمون أن تكون هذه الحرب في صالح القضية الفلسطينية أو الفلسطينيين في غزّة الآن، فهذه الحسابات كلّها مقدّرة، لكنّها في المقابل تطرح أسئلة حول إن كان هذا هو مستوى الفاعلية الوحيد الممكن للمحور في حرب تكاد تكون وجودية كهذه،
هذا الاعتبار تحديدا، أي الظرف الخاص بغزة، الذي يجعل أي معركة يخوضها القطاع مختلفة تماما عن حزب الله، هو ما يطرح الأسئلة بقوّة حول تكامل المحور وأهدافه الواحدة وتوزيع الأدوار بين أطرافه، إذ يتحمل قطاع غزّة الكلفة الأكبر لمقاومة العدوّ، أو وحده من يكاد يتحمل هذه الكلفة، وهو ما يقود إلى موضوع آخر في المضمون، وهو أنّ الصراع مع هذا العدوّ يُحسم بالنقاط، وأنّ أعداءه لم يَجْهَزوا بعد للمعركة الفاصلة، وهو كلام صحيح يستوجب الاتفاق معه تماما، والاختلاف مع الكثير من التصوّرات التي تلحّ على إمكان التحرير القريب وتستدعي بعض التفاسير لمفهوم "وعد الآخرة" القرآني، إلا أنّ هذا الاتفاق لا يُنسينا أحاديث سابقة للأمين العامّ للحزب حول تحرير الجليل وإرجاع "إسرائيل" إلى العصر الحجري وضرورة أن يكون للمحور موقف قوي مما يجري في القدس. وليست التصريحات الإيرانية حين السعة مختلفة عن ذلك، إلا أنّ ثمّة تحولا وقت الضيق، كهذه الحرب، نحو تعبيرات أكثر تواضعا عن المواقف والقدرات.
لا يلغي ذلك أهمية ما يقوم به الحزب الآن، فالحديث هو عن اشتباك بالنار ودفع تضحيات، ولا يعني نقد الخطاب من جهة توقيته (حتى نقد المضمون في جانب منه متعلق بالتوقيت)، أنّ المطلوب هو فتح حرب إقليمية، فالمخاوف والمحاذير والحسابات معروفة، ومن غير المضمون أن تكون هذه الحرب في صالح القضية الفلسطينية أو الفلسطينيين في غزّة الآن، فهذه الحسابات كلّها مقدّرة، لكنّها في المقابل تطرح أسئلة حول إن كان هذا هو مستوى الفاعلية الوحيد الممكن للمحور في حرب تكاد تكون وجودية كهذه، ومن ثمّ يقود ذلك إلى نقاش أوسع حول المحور وخطاباته المعلنة وأهدافه وطبيعة العلاقات البينية بين أركانه وحقيقة الأدوار المطلوبة من كلّ طرف فيه وبعض ما جرى سابقا بين هذه الأطراف، وقدر من هذا قد يصلح النقاش فيه أثناء الحرب، وبعضه يجب النقاش فيه بصراحة أكبر بعد الحرب.
twitter.com/sariorabi
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة الفلسطينيين لبنان حزب الله لبنان فلسطين غزة حزب الله نصر الله مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة صحافة مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الأمین العام لحزب الله هذه الحرب الحرب على على غز ة بعد شهر ة التی فی حرب من جهة ا یعنی من حیث لم تکن
إقرأ أيضاً:
وزير الخارجية يلتقي وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة
نيويورك-سانا
وزير الخارجية والمغتربين السيد أسعد الشيباني يلتقي في مدينة نيويورك السيد جان بيير لاكروا وكيل الأمين العام لعمليات حفظ السلام في الأمم المتحدة.
الخارجية وزير الخارجية 2025-04-26Hassan Nasrسابق من منافسات بطولة النصر 3 لفروسية قفز الحواجز على مرمح نادي الفروسية المركزي في الديماس بريف دمشق انظر ايضاً وزارة الخارجية والمغتربين تصدر بياناً بخصوص الدبلوماسيين المنشقين عن النظام البائددمشق – سانا أصدرت وزارة الخارجية والمغتربين بياناً بخصوص الدبلوماسيين المنشقين عن النظام البائد جاء …
آخر الأخبار 2025-04-26اختتام بطولة النصر 3 لفروسية قفز الحواجز بمشاركة 55 فارسًا وفارسة 2025-04-26المؤتمر الختامي لحملة شفاء… إجراء 670 عملاً جراحياً معظمها نوعية أجريت لأول مرة في سوريا بمشاركة 110 أطباء 2025-04-26الوزير الشيباني يلتقي وكيلة الأمين العام للشؤون السياسية وبناء السلام في الأمم المتحدة 2025-04-26مديرية أمن حمص تعلن القبض على المجرم اللواء عساف عيسى النيساني 2025-04-26افتتاح سفارة الجمهورية اليمنية الشقيقة بدمشق 2025-04-26الوزير الشيباني يلتقي مبعوث الأمم المتحدة إلى سوريا غير بيدرسون 2025-04-26وزارة الزراعة تبحث مع أكساد تعزيز التعاون للمساهمة بزيادة الإنتاج الزراعي 2025-04-26بدء تسيير شاحنات القمح المقدمة من العراق من دير الزور إلى المحافظات 2025-04-26وزير الاقتصاد والصناعة يعين 8 مستشارين للاستفادة من خبراتهم في تطوير قدرات الاقتصاد الوطني 2025-04-26في اليوم العالمي للملكية الفكرية… وزارة الاقتصاد والصناعة تؤكد قيمة الابتكار وحماية حقوق المخترعين
صور من سورية منوعات صفائح لعضلة القلب من الخلايا الجذعية… خطوة نحو العلاج الأول من نوعه في العالم 2025-04-17 أول سماعة طبية رقمية في اليابان تستخدم الذكاء الاصطناعي لتحليل نبضات القلب 2025-04-10فرص عمل وزارة التجارة الداخلية تنظم مسابقة لاختيار مشرفي مخابز في اللاذقية 2025-02-12 جامعة حلب تعلن عن حاجتها لمحاضرين من حملة الإجازات الجامعية بأنواعها كافة 2025-01-23
مواقع صديقة | أسعار العملات | رسائل سانا | هيئة التحرير | اتصل بنا | للإعلان على موقعنا |