الحراك السياسي السوداني في ظل تباعد المواقف واستمرار الحرب
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
بالتزامن مع اشتداد المعارك العسكرية في العاصمة الخرطوم وولايات أخرى انتظمت قوى سياسية فاعلة في المشهد السوداني، منذ سبتمبر، اكتوبر الماضيين، في تحركات للخروج من أزمة الحرب، تباينت مطالبها، آلياتها وأولوياتها.
الخرطوم: التغيير:سارة تاج السر
في 12 سبتمبر الماضي، تبنت تحالفات سياسية تحت مسمى القوى السياسية الوطنية، “إعلان اسمرا”، لوقف الحرب وإدارة الفترة الانتقالية في عامين برئاسة قائد الانقلاب عبد الفتاح البرهان، ومجلس سيادي من 5 مدنيين و4 عسكريين يمثلون أقاليم البلاد، وتشكيل مجلس تشريعي من 300 عضو وإنشاء 8 مفوضيات وحدد مستوي الحكم بالنظام الفيدرالي.
وذلك في الاجتماعات التي جرت بالعاصمة الاريترية في السابع من الشهر نفسه، وشملت تحالف الحرية والتغيير الكتلة الديمقراطية الذي يتكون من الحزب الاتحادي الديمقراطي الاصل، حركتي مناوي وجبريل، مجلس البجا بقيادة ترك والجبهة الشعبية المتحدة برئاسة الأمين داؤود، وحلفاء النظام البائد التيجاني سيسي وبحر ابوقردة، الفاضل مبارك، بالإضافة لنجل المهدي مساعد الرئيس المخلوع، عبد الرحمن الصادق المهدي.
وتواثقت تلك الكيانات على وضع حد لميراث الحروب والانقلابات وأكد الاعلان على مهنية الجيش والالتزام بالتحول المدني الديمقراطي، التاكيد على انهاء الحرب وفق إعلان جدة و “خروج الدعم السريع من مؤسسات الدولة والمساكن والمشافي وفتح ممرات آمنة لإيصال الاغاثة”.
في الجهة المقابلة، شارك نحو 100 شخص من لجان مقاومة وتحالفات سياسية، دينية، وحركات مسلحة، ونقابات ومجموعات نسوية، وشخصيات قومية وغيرهم من قوى ثورة ديسمبر، في اجتماعات باديس ابابا في الفترة من 23 الى 26 اكتوبر، بهدف توحيد القوي المطالبة بالانتقال الديمقراطي ووقف الحرب.
وكلف رئيس الوزراء السابق حمدوك، برئاسة الجبهة المدنية، التي عرفت بـ “تقدم” وقرر الاجتماع تنظيم ورش لتقديم توصيات مفصلة في قضايا، الموقف التفاوضي، الإصلاح الأمني و العسكري، العدالة الانتقالية، إعادة البناء المؤسسي لأجهزة الدولة الى جانب، السلام و محاربة خطاب الكراهية، صناعة الدستور الدائم ، البرنامج الاقتصادي، الولايات و الحكم المحلي.
وساندت “تقدم” جهود وقف الحرب وقيام عملية سياسية تفاوضية لا تستثني سوى المؤتمر الوطني والحركة الاسلامية وواجهاتها، وخروج الجيش والامن والشرطة والدعم السريع من النشاط السياسي والاقتصادي، والعدالة الانتقالية والعلاقات الخارجية المتوازنة شرط اساسي من شروط الانتقال التأسيسي.
واتفقت مخرجات اديس ابابا مع مطالب اعلان اسمرا، بالتصدي للكارثة الانسانية المترتبة على الحرب والاتفاق على وقف اطلاق النار وفتح الممرات الامنة للاغاثة برقابة دولية لدخول المعونات وايصالها لمستحقيها.
وفي خضم تلك المنافسة انطلق اجتماع تشاوري آخر في جوبا في اثناء انعقاد اجتماعات الجبهة المدنية باديس ابابا، بين حكومة جنوب السودان وقادة الحركات الموقعة على اتفاق جوبا للسلام، ناقش كيفية ايقاف الحرب واكد البيان الختامي ان أطراف السلام اتفقت على في اجتماع مع الرئيس سلفا كير ميارديت، لتقديم دعوة لكل القوى السياسية المدنية لمفاوضات سلام تسهم في ايقاف الحرب في البلاد خلال الفترة القادمة واوضح البيان أن الحركات المسلحة توافقت على دعم منبر جدة للتوصل لوقف إطلاق النار.
رد فعل
المحلل السياسي ورئيس تحرير صحيفة ايلاف الاقتصادية، خالد التجاني، يرى أنه من المهم الاتفاق على توصيف وتعريف ما يجري، واعتبر أن هذه التحركات رد فعل للقتال الذي اندلع في 15 ابريل والذي كان يتم توصيفه على انه صراع بين الحيش والدعم السريع، وفي تقديره أن ذلك واحدة من ابرز الاشكالات، لأن محاولة تفسير هذه الحرب بالقرائن الظرفية التي صاحبتها فيه خلل كبير.
وانتقد النجاني التحالفات القائمة وقال انها حاولت أن تعطي شكلا جديدا لكنه في الواقع لا يختلف جوهريا عما كان موجودا قبل منتصف ابريل فهي لا تحمل جديدا على صعيد المعني السياسي الذي يفيد بأن هناك عظة واعتبار من هذه الحرب.
وذكر ان السمة الاساسية بين هذه الاطراف المختلفة، استمرار عقلية الإقصاء المتبادل وتحميل الطرف الاخر المسئولية واعتبر ان عقدة التلاوم انتجت في النهاية هذه الحرب، ورأى انه لا وجود لحراك سياسي وانما هو إعادة عملية تموضع وكل طرف يريد أن يعيد ترتيب اوراقه والاصطفاف بنفس الحواضن السياسية التي كانت قبل الحرب حتى يتسنى له حجز مقعد في لعبة السلطة القادمة بدون تقديم افكارجديدة.
وحمل التجاني الأطراف السودانية المختلفة ” قسطاً” من المسئولية لوصول الأمور إلى هذه المرحلة.
تباعد مواقف
المتابعون للوضع السياسي في البلاد، رغم السمات المشتركة والاتفاق على بعض النقاط فى حراك الفرقاء السودانيين، الا انهم أكدوا على وجود اختلافات جلية وتباعد في المواقف.
ويري المتخصص في العلاقات السياسية كباشي البكري ان حراك القوى السياسية وقوى المجتمع المدني يعد تطورا إيجابيا في اتجاه وقف الحرب، واعتبر ما جرى في أديس ابابا خطوة أولية لتجميع القوى المدنية التي كانت تناهض انقلاب 25 أكتوبر في ظل تحول الأولويات والتي يقف في مقدمتها وقف اعلان الحرب باستمرارية التواصل مع طرفي النزاع بالإضافة الى وضع قواعد ورؤية لتطوير هذا التحالف الجديد.
وما يتعلق بقوى سلام جوبا، اشار الى أنها تعيش تحولات في المواقف وتسعى لمواكبة المتغيرات التي تشهدها الساحة فمن داعم للانقلاب الى تصدعات داخلية ومن ثم اتخاذ موقف الحياد وأخيرا محاولة لعب أدوار في عملية وقف الحرب.
ووفقا لكباشي، فان تحالف الكتلة الديمقراطية، يشكل عبئا آخر على قوى سلام جوبا حيث أصبحت هناك حالة من ازدواجية المواقف تعاني منها كتلة سلام جوبا فحتى اجتماعات أسمرا لم تأت بجديد، وخلص في حديثه الى ان الحرب خلقت واقعا جديدا سيحدث تحولات بنيوية متعددة تطال التحالفات المدنية الجديدة وربما يفضي الي ظهور قوى عابرة لهذه التحالفات.
إعادة المؤتمر الوطني
ويلخص دكتور صلاح الدومة، أوجه الاختلاف في ان تجمع اديس ابابا يبحث عن حل وفق وجهة نظر قوى الحرية والتغيير، التي تمثل غالبية الشعب السوداني بينما، مؤتمر جوبا، ببحث عن مخرج يعيد المؤتمر الوطني، الى السلطة بأي شكل من الأشكال أو يخلط الأوراق، واشار الى التباين الواضح بين الرؤيتين، رغم أن تجمع جوبا، طالب بإيقاف الحرب اخيرا.
واتهم المخابرات المصرية، بمنع وصول حمدوك إلى السلطة، لانه ينتهج سياسات مخالفة لسياسات الانبطاح التي يمارسها مسؤولو السلطة مع القاهرة على حد تعبيره واعتبر إعلان أسمرا محاولة لإحياء الكتلة الميتة للفلول والدولة العميقة والمؤتمر الوطني بتوجيه من البرهان ومن شايعوه من اهل الشرق، مشددا على ضرورة تجاوز الخلافات والتمسك بمنبر اديس و جدة والذهاب في اتجاه الحل السلمي، او البديل تفعيل البند السابع.
أستاذ العلوم السياسية البروفيسور صلاح الدومة قفزة في الظلام
رئيس صحيفة ايلاف طرح تساؤلا عن السبب الملح وراء الاحتماع التحضيري لوحدة القوي المدنية فى اديس، بينما كانت اصلا قوة موحدة وكانت تحالف الحرية بمثابة مظلة أكبر لكنه سرعان ما تضعضع، وقال ان اي محاولة لإعادة توحيد تلك القوي أو إعادة انتاجها دون الاجابة على ذلك السؤال، يكون قفزة في الظلام أو محاولة ترقيعية، ولابد من الوضع في الاعتبار الأسباب الموضوعية التي أدت الى ان يكون هناك صراع وتبديد للفرصة التي جاءت بعد التغيير في 2019.
واشار الى ان على قوى جوبا كذلك قبل أن تحاول إنقاذ ما يمكن انقاذه قي هذا الاتفاق ان تسأل نفسها ما الذي فعلته منذ توقيع الاتفاق لصالح مواطن دارفور، وبالتالي فان ما يجري إعادة نفس العقلية القديمة لاقتسام السلطة والثروة.
وواصل التجاني انتقاداته تجاه قوي الحراك، واوضح ان اجتماع اسمرا يحاول تأسيس ما يعرف بالجبهة الوطنية وهي لا تحمل اي ملامح جديدة يمكن أن تساعد في الخروج من الوضع الراهن، لافتا الى ان العواصم الخارجية التي تمت فيها تلك اللقاءات يدل على ان النخبة لا تزال بشقيها المدني والعسكري تبحث عن حلول لمشاكل السودان من خارجه وخلص في نهاية حديثه الى ان جوهر الصراع الذي حصل في ابريل هو نفس ما ظل يحدث في تاريخ السودان سابقا وان القوي المدنية لا تصبر على المدافعة المدنية في صراعها وكل طرف يحاول الاستقواء ببندقية من القوات المسلحة والدعم السريع، وبالتالي هذا الاختباء للقوى المدنية وراء القوى المسلحة لحسم الصراع على السلطة وهو ما أدى إلى هذه الحرب.
واعتبر أن القوى السياسية بكافة اشكالها يمينا ووسطا ويسارا لا تزال غير واعية وغير قادرة على التعايش وان عمليات الاقصاء هي السائدة وان اي حديث في ظل هذه العقلية الاستقصائية مجرد نيات طيبة وشعارات مرفوعة، واوضح ان الطريق الوحيد ان تعيد هذه القوى قراءة المشهد بصورة جديدة.
خالد التجاني
المصدر: صحيفة التغيير السودانية
كلمات دلالية: القوى السیاسیة ادیس ابابا وقف الحرب هذه الحرب الى ان
إقرأ أيضاً:
خبير عسكري: قمة الثمانية هدفها الأساسي الحوار بدلا من الحرب
قال بهاء حلال، الخبير العسكري والاستراتيجي، إنّ قمة الدول الثماني النامية لها أهداف أساسها الحوار بدلا من الحرب، والسلام بدلا من العدوان، والعدالة عوضا عن المعايير المزدوجة، مواصلا: «هذه القمة تعطينا مشهدا لتركيا بعدما اقتنصت لحظة حساسة بشكل ذكي بعد اختلال توازن القوى في منطقة الشرق الأوسط، واستطاعت أخذ الدور من إيران في سوريا، وبالتالي، في التأثيرات التي ستكون في محيط سوريا، بلبنان أو العراق أو الأردن والشرق الأوسط بشكل عام».
هناك اختلال في موازين القوى أدى إلى تراجع دور إيرانوأضاف خلال خلال تصريحات عبر قناة «القاهرة الإخبارية»، أنّ هناك اختلال في موازين القوى أدى إلى تراجع دور إيران، ما أفضى إلى عدم قدرتها على الحفاظ على نظام الأسد في سوريا، وبالتالي، فإن إسرائيل تفعل ما تفعله في سوريا دون رادع.
الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الأراضي في سورياوتابع الخبير العسكري والاستراتيجي: «عوضا عن مشهد فوز تركيا أو هزيمة إيران، فإن الاحتلال الإسرائيلي يسيطر على الأراضي في سوريا، ولكن هناك شعبا مظلوما ويُباد من الأرض، وأعتقد أن العدالة الدولية لم تعطِ هذا الشعب أي حق من حقوقه، ورغم إصدار قرارات وأحكام ضد بنيامين نتنياهو وجالانت وغيرهما في الحكومة الإسرائيلية اليمينية، ولكن لا توجد آلية تنفيذ ما يدل على انتهاء مدة صلاحية مجلس الأمن والأمم المتحدة».