لديها قنابل وليس قنبلة واحدة..خبير يوضح طرق محاكمة إسرائيل دوليا على جرائم غزة
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
تقوم قوات الاحتلال الإسرائيلي بجرائم إرهابية ضد المدنيين في قطاع غزة حيث تمارس سلوك النازية والفاشية في جرائمها ضد المدنيين العزل ولا تلتفت للقوانين الدولية أو الإنسانية.
وفي إطار التحرك الإسرائيلي الذي يهدف للقضاء على الفلسطينيين وتهجير ما تبقى منهم خارج الأراضي الفلسطينية، قال وزير التراث الإسرائيلي، عميحاي إلياهو، الأحد، إن أحد خيارات إسرائيل في الحرب على غزة، هو "إسقاط قنبلة نووية" على قطاع غزة الفلسطيني.
وأكد الوزير اليميني المتطرف، في مقابلة إذاعية، أنه "لا يوجد غير مقاتلين في غزة"، مضيفاً أن تقديم المساعدات الإنسانية للقطاع سيشكل "فشلاً"، معتبراً أن الهجوم النووي على قطاع غزة "خيار محتمل".
وقالت وزارة الخارجية الروسية، الثلاثاء، إن التصريح الإسرائيلي بشأن الأسلحة النووية يثير العديد من الأسئلة، منها أسئلة حول وجودها في البلاد.
وأثارت تصريحات وزير إسرائيلي حول إلقاء قنبلة ذرية على غزة إدانة سريعة من أنحاء العالم العربي، وأثارت فضيحة لمحطات البث الإسرائيلية الرئيسية، وعدها مسؤول أمريكي "مرفوضة".
وأعلنت المتحدثة الرسمية باسم وزارة الخارجية الروسية، ماريا زاخاروفا، اليوم الثلاثاء، أن تصريح وزير التراث الإسرائيلي حول إمكانية شن ضربة نووية على قطاع غزة يثير عدداً كبيراً من الأسئلة، بما في ذلك وجود أسلحة نووية لدى إسرائيل.
وقالت زاخاروفا في مقابلة على قناة "سولوفيوف لايف"،إن هذه التصريحات تسببت في رد فعل عنيف في جميع أنحاء العالم، موضحة أن "هذا أثار عدداً كبيراً من الأسئلة، والسؤال رقم واحد، اتضح أننا سمعنا تصريحات رسمية حول وجود أسلحة نووية لدى إسرائيل والأسئلة التالية التي ظهرت لدى الجميع: أين هي المنظمات الدولية أين هي الوكالة الدولية للطاقة الذرية أين المفتشون؟".
ونددت الولايات المتحدة بتصريحات "غير المقبولة على الإطلاق" التي أدلى بها وزير إسرائيلي بدا وكأنه يعبر عن قبوله لفكرة قيام إسرائيل بتنفيذ ضربة نووية على غزة.
وكانت تصريحات وزير التراث الإسرائيلي عميحاي إلياهو، أثارت موجة استنكار دولية وعربية، ما دفع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو إلى تعليق حضوره جلسات الحكومة.
فيما أوضح لاحقا الوزير المتطرف التابع لحزب "عوتسما يهوديت" اليميني المتشدد، أن كلامه كان "مجرد تشبيه مجازي".
وقال: "من الواضح للجميع أن كلامي عن القنبلة النووية كان مجرد تشبيه مجازي"، لكنه أكد في الوقت عينه ضرورة أن ترد إسرائيل "رداً قوياً وغير متناسب على الإرهاب، من أجل إرسال رسالة واضحة للإرهابيين مفادها أن الإرهاب غير مقبول".
وفي هذا الصدد، قال الدكتور أيمن سلامة، أستاذ القانون الدولي العام، وعضو المجلس المصري للشؤون الخارجية، إن القاصي والداني منذ سنوات يعلم أن لدى إسرائيل قنابل وليس قنبلة نووية.
وأوضح سلامة ـ في تصريحات خاصة لـ "صدى البلد"، أن التصريح التحريضي لوزير الإسرائيلي مؤخرا بضرورة قصف غزة بالقنبلة النووية لم يضف شيئا، معقبا: كل المتابعين من المتخصصين والخبراء يعلمون بامتلاك إسرائيل لقنابل وليس قنبلة نووية واحدة،وقد صدرت العديد من التصريحات الرسمية عن مسؤولين إسرائيليين وليس عن وسائل اعلام بامتلاك إسرائيل الأسلحة النووية.
وتابع: إسرائيل هددت بقصف الجيش المصري البطل في حرب أكتوبر 1973 بالقنبلة النووية التكتيكية الإسرائيلية، حين قامت بتصفية الثغرة الإسرائيلية في الدفرسوار غرب القناة عام 1973 اثناء حرب أكتوبر.
وواصل: الأهم من التحرك لدى الأمم المتحدة بشأن تصريحات الوزير الإسرائيلي الاخرق التحريضي على ارتكاب جريمة الإبادة الجماعية ،هو التحرك نحو "المحكمة الجنائية الدولية" لأن المحكمة الجنائية الدولية في لاهاي بدأت بالفعل تحقيقات بحق الإسرائيليين المتهمين بارتكاب جرائم حرب في قطاع غزة والضفة الغربية اعتبارا من عام 2021.
وأضاف أنه يمكن لفلسطين الدولة العضو في المحكمة الجنائية الدولية أن تطلب من المدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية ،ضم تصريح الوزير الإسرائيلي الاخرق المحرض على استخدام القنبلة النووية بوصفه قرينة مهمة يضمها إلى التحقيقات الجنائية التي بدأها في عام 2021، خاصة تلك التحقيقات المتعلقة بجرائم الحرب الإسرائيلية المرتكبة من قبل الجيش الإسرائيلي عام 2014 في قطاع غزة أثناء الحملة الإسرائيلية العسكرية الغاصبة العدوانية "حملة الجرف الصامد" عام 2014.
ولفت: في ذات الوقت إذا تقدمت فلسطين بدعوى جديدة وليس الضحايا وليس المنظمات غير الحكومية أو حتى المنظمات الحكومية، ففلسطين الدولة العضو في نظام المحكمة الجنائية منذ عام 2015 تستطيع أن تتقدم بدعوى جديدة للمدعي العام للمحكمة الجنائية الدولية؛ ليقوم بالتحقيق بجرائم الحرب والجرائم ضد الإنسانية أيضا التي ترتكبها القوات الإسرائيلية اعتبارا من يوم 7 أكتوبر 2023.
تحريك الدعوى بواسطة الدولة الفلسطينيةوأكد سلامة أن الأهم في هذا الصدد هو توثيق جرائم الحرب الإسرائيلية في قطاع غزة منذ 7 أكتوبر وتتمثل أبرز هذه الجرائم في الرفض التعسفي لإقامة مناطق أمنة في جنوب غزة للمدنيين الفلسطينيين لاستلام المساعدات الإنسانية وكذلك الرفض التعسفي لإنشاء ممرات إنسانية آمنة سواء لتأمين توصيل المساعدات الإنسانية من مصر إلى قطاع غزة أو لتأمين خروج المصابين والجرحى من غزة إلى مصر للعلاج، بجانب قتل للمدنيين والحصار الجماعي الجائر وجريمة حرب على العقاب الجماعي للفلسطينيين في غزة،والقصف العشوائي غير المميز للمدنيين الفلسطينيين والقصف العشوائي للأهداف المحمية في قطاع غزة مثل البنايات السكنية والمستشفيات والمدارس ومقار الأونروا والمساجد والكنائس وغيرها من أهداف محمية بموجب القانون الدولي الإنساني، وأيضا استخدام الفسفور الأبيض.
وشدد سلامة على أن تحريك الدعوى لا يكون من قبل الضحايا والأفراد والهيئات أو الشركات أو وسائل الإعلام ولكن تحريك الدعوة ضد الإسرائيليين المسؤولين عن ارتكاب جرائم حرب أو جرائم ضد الإنسانية يكون بواسطة دولة فلسطين وليس حماس باعتبار دولة فلسطين دولة عضو في نظام المحكمة الجنائية الدولية منذ عام 2015.
قال عمرو موسى، الأمين العام السابق لجامعة الدول العربية: إن ما صرح به أحد وزراء الحكومة الإسرائيلية من الدعوة إلى استخدام السلاح النووي لإخضاع غزة وحماس، هو أول اعتراف لأحد كبار المسئولين بإسرائيل بامتلاك إسرائيل للسلاح النووي.
وأضاف موسى، خلال منشور قام بنشره على صفحته الرسمية على موقع التواصل الاجتماعي “الفيسبوك”، أن تصريح الوزير الإسرائيلي، يطرح إمكانية التهديد بالسلاح النووي، بل يقترح على الحكومة المتطرفة القائمة استخدامه.
ودعا موسى، الجامعة العربية لتسجيل التصريح وإبلاغه حرفيًا ورسميًا إلى أمين عام الأمم المتحدة وإلى رئيس مجلس الأمن، تمهيدًا لاتخاذ الإجراءات اللازمة إزاء هذا التطور الخطير لدى الأجهزة المختصة بمنع الانتشار النووي ونزع السلاح، وفي مواجهة احتمالات تفجر نووي تقدم عليه حكومة إسرائيل المتطرفة.
وأعلنت وزارة الصحة الفلسطينية أن عدد الفلسطينيين الذين قتلوا برصاص الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية المحتلة والذين سقطوا جراء القصف العنيف والمكثف على قطاع غزة ارتفع إلى أكثر من 10 ألف قتيل.
وقالت وزارة الصحة الفلسطينية: ارتفعت حصيلة الشهداء والجرحى من أبناء شعبنا نتيجة العدوان المتواصل على قطاع غزة والضفة الغربية، إلى 10165 شهيدا، ونحو 27 ألف جريح.
وأوضحت الوزارة في تقريرها اليومي حول العدوان الإسرائيلي، أمس الاثنين، أن 10010 قتلوا في قطاع غزة، وأصيب أكثر من 25 ألفا، وفي الضفة الغربية ارتفع عدد القتلى إلى 155، والجرحى إلى نحو 2250، وذلك منذ السابع من أكتوبر الماضي.
وأشارت الوزارة إلى أن أكثر من 70% من القتلى الذين سقطوا في الضفة والقطاع هم من الأطفال والنساء والمسنين.
المصدر: صدى البلد
كلمات دلالية: غزة إسقاط قنبلة نووية إسرائيل جيش الاحتلال الإسرائيلي الصحة الفلسطينية المحکمة الجنائیة الدولیة على قطاع غزة قنبلة نوویة لدى إسرائیل فی قطاع غزة على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
بعد قرار الجنائية الدولية.. هل اقترب عقاب نتنياهو على جرائمه؟
في 24 أبريل/ نيسان 2025، أصدرت دائرة الاستئناف في المحكمة الجنائية الدولية قرارَين متزامنين شكّلا محطة محورية في مسار المساءلة الدولية عن الجرائم المرتكبة في الأراضي الفلسطينية المحتلة.
فقد قضى القرار الأول برفض طلب تعليق تنفيذ مذكرتَي التوقيف الصادرتَين بحق رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، ووزير الدفاع السابق يوآف غالانت، فيما أعاد القرار الثاني ملف اختصاص المحكمة إلى الدائرة التمهيدية؛ لإعادة النظر فيه على ضوء معايير قانونية أدق.
وقد أثار هذا التطور تساؤلات كثيرة لا بدّ من التوقف عندها: ما الذي دفع المحكمة إلى إصدار هذين القرارين في هذا التوقيت بالذات؟ وما الذي شكّل خلفية هذا الحسم القضائي غير المسبوق؟ ولماذا قررت المحكمة أن تواصل السير في الإجراءات رغم حملات الطعن والضغط السياسي التي قادتها إسرائيل؟
وكيف يمكن تفسير أن دولة مثل إسرائيل، التي طالما أنكرت اختصاص المحكمة، أن تبادر إلى تشكيل فريق دفاع قانوني وطعنت رسميًا أمامها؟ وهل انطوى هذا السلوك على اعتراف ضمني بشرعية المحكمة رغم خطابها العلني الرافض لها؟
في المقابل، على ماذا استندت إسرائيل في دفوعها؟ وهل أقنعت حججها- بشأن غياب صفة الدولة عن فلسطين، أو الحصانة الوظيفية للمسؤولين- أي جهة قانونية محايدة؟ ثم كيف ردّت المحكمة؟ وما هي النصوص القانونية التي استندت إليها في تثبيت اختصاصها وتأكيد سريان مذكرات التوقيف؟ وهل نجحت المحكمة في فرض منطق القانون على منطق القوة السياسية والدبلوماسية؟
إعلانوأمام هذا الموقف، كيف كان على الدّول الأطراف في نظام روما أن تتصرّف؟ وهل التزمت بواجبها القانوني الواضح، أم اختارت المراوغة والصمت؟ وهل شكّل هذا القرار بالفعل نقطة تحوّل نوعية في مسار المحكمة تجاه المساءلة في فلسطين؟ أم إنه بقي في دائرة الرمزية القانونية، في ظل غياب إرادة دولية جدية لتنفيذه؟
ورغم ما دوّناه سابقًا من ملاحظات تقنية ومبدئية على أداء المحكمة، لا سيما في بعض الملفات ذات الطابع السياسي، فإننا هنا نقف بوضوح إلى جانب هذا القرار، دفاعًا عن استقلال القضاء الدولي، واحترامًا لحق الضحايا في العدالة، وإيمانًا بأن العدالة لا تُستجدى، بل تُنتزع، وأن مَن يحاول منعها هو الذي ينبغي أن يُدان، لا من يسعى إليها.
مبررات إسرائيل لرفض اختصاص المحكمة وطلب تعليق مذكّرات التوقيفقدّمت إسرائيل دفوعًا متعدّدة أمام المحكمة الجنائية الدولية للطعن في اختصاصها وطلب تعليق تنفيذ مذكرتَي التوقيف الصادرتَين بحق كلٍّ من بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت.
تمثلت هذه الدفوع أولًا في الادعاء بأن فلسطين ليست دولة ذات سيادة بالمعنى المقصود في المادة 2 (1) (أ) من اتفاقية فيينا لقانون المعاهدات لعام 1969، ما يجعل من انضمامها إلى نظام روما الأساسي باطلًا، أو على الأقل موضعَ نزاع قانوني.
كما دفعت إسرائيل بأن المادة 12 من النظام الأساسي تشترط وجود ولاية إقليمية تمارسها دولة طرف، وهو ما لا ينطبق على الأراضي الفلسطينية، التي تعتبرها إسرائيل "أراضي متنازعًا عليها".
إلى جانب ذلك، تمسّكت إسرائيل بما يُعرف بـالحصانة الوظيفية للمسؤولين الرسميين، المستندة إلى قواعد العرف الدولي، والتي تمنع توقيف وملاحقة رؤساء الحكومات ووزراء الدفاع أثناء تولّيهم مناصبهم، في غياب تفويض من مجلس الأمن بموجب الفصل السابع.
كما رأت أنَّ إصدار المذكّرات في هذا التوقيت، في ظلّ نزاع مسلّح نشط، يُهدد الاستقرار الإقليميّ، ويُقوّض الجهود الدبلوماسيّة المبذولة للتهدئة.
إعلان ردّ المحكمة على دفوع إسرائيل: التّكييف القانوني والتحليل الحقوقي والإجرائيجاء ردّ المحكمة الجنائية الدولية على دفوع إسرائيل متماسكًا من الناحية القانونية، وراسخًا في بنيته الحقوقية والإجرائية. فقد رفضت المحكمة هذه الدفوع بشكل منهجي، مستندة إلى أحكام واضحة في نظام روما الأساسي، وعلى رأسها المادة 12 (2) (أ)، التي تتيح للمحكمة ممارسة اختصاصها على الجرائم المرتكبة في إقليم أيّ دولة طرف.
وبما أن فلسطين انضمت رسميًا إلى النظام الأساسي في 1 أبريل/ نيسان 2015، وتم قبول صك انضمامها من قبل الأمين العام للأمم المتحدة، فإنها تُعدّ دولةً طرفًا لأغراض هذا النظام، بصرف النظر عن مدى تحقق سيادتها وفقًا لمعايير القانون الدولي العام.
وقد دعّمت المحكمة هذا الموقف بإشارة إجرائية دقيقة، إلى المادة 125 التي تنظّم آلية الانضمام، مؤكدة أن انضمام فلسطين تمّ بصورة قانونية سليمة وكاملة.
أمّا فيما يتعلق بمسألة الحصانات السيادية، فقد استندت المحكمة إلى المادة 27 من النظام الأساسي، التي تنصّ بوضوح على أن "المركز الرسمي لأي شخص، سواء بصفته رئيسًا لدولة أو حكومة، أو عضوًا في حكومة أو برلمان، لا يعفيه من المسؤولية الجنائية"، ولا يشكّل سببًا لتخفيف العقوبة.
وهذه المادة تُعدّ قاعدة آمرة ضمن النظام القانوني للمحكمة، وتعلو على الأعراف التقليدية المتعلّقة بالحصانات، خصوصًا عند النظر في جرائم خطيرة كجرائم الحرب، والجرائم ضد الإنسانية.
على المستوى الحقوقي، شكّل القرار إعادة اعتبار جوهرية لمفهوم العدالة الدوليّة، عبر تأكيد المحكمة أنّ الصفة الرسمية لا تحجب المسؤولية الفردية، وأن مبدأ المساءلة يجب أن يُطبّق على الجميع دون استثناء، بمن في ذلك قادة الدول.
وهذا يعيد التوازن لحقوق الضحايا، لا سيّما المدنيين في غزة، الذين لا يجوز حرمانهم من حقهم في الوصول إلى العدالة بحجة المناصب الرسمية للمتّهمين.
أما إجرائيًا، فقد عكست المحكمة استقلالًا قضائيًا حقيقيًا في وجه ضغوط سياسية وأمنية حاولت تقويض صلاحياتها. وأكدت أنّ إجراءاتها القضائية لا تخضع لمعادلات التفاوض أو التهدئة السياسية، بل تستند حصرًا إلى معايير قانونية.
إعلانووفقًا للمادة 58، فإن إصدار مذكرات التوقيف تمّ استنادًا إلى اقتناع الدائرة التمهيدية بوجود أسباب معقولة للاعتقاد بارتكاب الجرائم، ما يعني أن المحكمة لم تتجاوز صلاحياتها، بل مارستها بموجب التفويض المنصوص عليه.
وفي المحصّلة، يكرّس ردّ المحكمة مبدأ عدم الإفلات من العقاب، ويثبت أن العدالة الجنائيّة الدولية، رغم هشاشتها أمام السياسة، ما تزال قادرة على الصمود متى توفّرت الإرادة القضائية والانضباط الإجرائي.
ازدواجية إسرائيل في التعامل مع المحكمة: طعنٌ في الاختصاص، وتفاعل فعلي مع آلياتها – كيف نفهم ذلك؟
رغم أن إسرائيل ليست دولةً طرفًا في نظام روما الأساسي، ورغم مواقفها السياسية المتكررة التي تشكك في شرعية المحكمة واختصاصها، فإنها انخرطت بشكل فعّال ومباشر في المسار القضائي عند صدور مذكرتَي التوقيف بحقّ كبار مسؤوليها.
فقد سارعت إلى تشكيل فريق قانوني دولي رفيع، وقدّمت دفوعًا تفصيلية أمام دائرة الاستئناف، وطعنت في الاختصاص، وطلبت تعليق الإجراءات. وهذا السلوك، رغم ظاهره المناقض، يحمل دلالات إيجابية جوهرية يمكن قراءتها كالتالي:
أولًا: اعتراف عملي بشرعية المحكمةحتى وإن لم تعترف إسرائيل بالمحكمة من الناحية النظرية، فإن انخراطها في المسار القضائي يشكّل اعترافًا فعليًا بسلطة المحكمة ومكانتها.
إذ لو كانت المحكمة "فاقدة للشرعية"- كما تدّعي إسرائيل- لما أجهدت نفسها بتقديم دفوع رسمية أمامها. هذا يكشف عن قوة الموقف القانوني للمحكمة، وعمق تأثيرها حتى على الجهات التي تعارضها سياسيًا.
ثانيًا: تعزيز شرعية المحكمة على المستوى الدوليالسلوك الإسرائيلي، رغم طابعه الدفاعي، يصبّ في خانة تعزيز موقع المحكمة في النظام القانوني الدولي. فحين تكون دولة كإسرائيل – مدعومة من قوى عظمى – مضطرة لأن تخوض جدالًا قانونيًا أمام المحكمة، فهذا يبعث برسالة للعالم مفادها أن المحكمة لا يمكن تجاوزها، حتى من قبل المعترضين عليها.
ثالثًا: انتصار مبدأ المساءلة، حتى من خارج نظام رومايُظهر هذا التفاعل أن مبدأ المساءلة الدولية بات عابرًا للعضوية الرسمية، وأن مجرد وجود آلية قضائية مستقلة قد يجبر حتى غير الأعضاء على التعامل معها، وهو ما يُعطي الأمل بتوسيع أثر المحكمة ليطال أنظمة أخرى معادية للعدالة.
إعلاناحترام الالتزامات القانونية وتنفيذ قرارات المحكمة: مسؤولية الدول الأطراف
بعد أن أصدرت المحكمة الجنائية الدولية مذكرتَي توقيف بحق بنيامين نتنياهو ويوآف غالانت، وأكدت دائرة الاستئناف قانونية هذه الخطوة ورفضت تعليقها، لم يعد من المقبول أن تقف الدول الأطراف في نظام روما الأساسي موقف المتفرّج أو المتردّد. فبموجب المادتَين: 86 و89 من النظام، تلتزم الدول الأطراف بالتّعاون الكامل مع المحكمة، لا سيما في تنفيذ أوامر التوقيف الصادرة عنها.
إنّ أي تهاون في تنفيذ هاتين المذكرتَين لا يمثّل فقط إخلالًا قانونيًا فادحًا، بل يُسهم في تقويض مصداقية النظام القضائي الدولي، ويمنح الحصانة السياسية مجالًا لتتفوق على العدالة.
فالدول الأطراف، لا سيما في أوروبا وأميركا اللاتينية وأفريقيا، مطالَبة الآن أكثر من أي وقت مضى باتخاذ موقف قانوني واضح يحترم قرارات المحكمة، ويترجم مبادئ المساءلة إلى إجراءات تنفيذية ملموسة.
فمن غير المنطقي – واللاأخلاقي – أن تُنفق الدول على دعم المحكمة، وتُشيد بدورها في النزاعات الأخرى، ثم تتلكأ في تنفيذ مذكرات توقيف عندما تطال مسؤولين من دول مدعومة سياسيًا. العدالة ليست انتقائية، ولا مشروطة بموازين القوة.
إن تنفيذ قرارات المحكمة الجنائية الدولية ليس شأنًا إجرائيًا فقط، بل هو مؤشر على التزام الدول بمنظومة القانون الدولي الإنساني وحقوق الإنسان.
اليوم -مع صدور قرار المحكمة- برفض تعليق مذكرات التوقيف، بات نتنياهو رسميًا في موقع الملاحق دوليًا بجرائم خطيرة تشمل استخدام التجويع كسلاح حرب وارتكاب جرائم ضد الإنسانية. وبموجب النظام الأساسي للمحكمة الجنائية الدولية، يصبح أي سفر له إلى الدول الأطراف محفوفًا بمخاطر الاعتقال. ورغم أن التنفيذ الفعلي للمذكرة لا يزال مرتبطًا بإرادة الدول الأطراف، فإن المكانة السياسية لنتنياهو قد تلقت ضربة قاسية، وأصبح شبح الملاحقة القضائية يلاحقه، مما يضع قيودًا جدية على حركته الخارجية ويُضعف قدرته على المناورة الدبلوماسية. وهكذا، يبدو أن عقاب نتنياهو، الذي طالما تهرب منه عبر الدعم الدولي، قد بدأ يلوح كاحتمال جادٍّ في الأفق القانوني.
إعلانالدول الأطراف مدعوّة اليوم إلى أن تثبت أن عضويتها في المحكمة ليست رمزية، بل تستند إلى قناعة حقيقية بأن العدالة لا يمكن أن تُجزأ، وأن الجرائم ضد المدنيين، أيًا كان مرتكبوها، يجب أن تُقابل بالمحاسبة، لا بالصمت أو الحماية.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline