الحرب الإسرائيلية على مدينة غزة: أهدافها ونتائجها المتوقعة (تقدير موقف)
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
فيما يلي النص الكامل لتقدير موقف صادر عن المركز العربي للأبحاث، حول “الحرب الإسرائيلية على مدينة غزة: أهدافها ونتائجها المتوقعة”.
بعد حملة قصف جوي غير مسبوق، استغرقت أكثر من 20 يومًا على قطاع غزة، وأسفرت عن سقوط نحو 9 آلاف من المدنيين الفلسطينيين، غالبيتهم من الأطفال والنساء، وجرح نحو 20 ألفًا، وتدمير آلاف المنازل، واستهداف المستشفيات والمساجد والكنائس، وتهجير نحو مليون فلسطيني إلى جنوب القطاع، بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البري في 27 تشرين الأول/ أكتوبر 2023 بقصف جوي وبري وبحري تركّز خصوصًا في شمال القطاع.
أهداف الحرب الإسرائيلية على غزة
بعد عملية “طوفان الأقصى” التي نفّذتها حركة المقاومة الإسلامية “حماس” في 7 تشرين الأول/ أكتوبر 2023، والتي تمكّنت خلالها من اقتحام عشرات المواقع والمستوطنات الإسرائيلية في محيط قطاع غزة، مُوقعة خسائر كبيرة في الجانب الإسرائيلي، حددت القيادات العسكرية والمدنية الإسرائيلية هدفها من الحرب على قطاع غزة بالقضاء على حركة حماس وحكمها فيه. وقد دار نقاش طويل بين قيادات الجيش الإسرائيلي بشأن كيفية تحقيق هذا الهدف الذي لا يمكن تحقيقه من دون هجوم برّي واسع النطاق. وتمحور النقاش حول اتباع هذه الاستراتيجية، أم القيام بعمليات عسكرية محدودة مصحوبة بالقصف الجوي من أجل تحقيق الهدف.
وقد ازدادت المعضلة لدى قيادة الجيش الإسرائيلي في ضوء عدم جاهزية الجيش بما في الكفاية لشنّ هجوم برّي، وعدم جاهزيته للحرب في داخل المدن؛ ذلك أنه استثمر في العقود الماضية في بناء قوته الجوية والتكنولوجية و”السايبر” والمخابرات، خصوصًا في شن ما يسمى “المعركة بين الحروب” ضد أهداف في سورية، على حساب قواته البرية التي تراجعت جاهزيتها القتالية. إلى جانب ذلك، اهتمت قيادة الجيش بتحسين شروط الخدمة العسكرية لضباط الجيش وسلاح الجو والاستخبارات و”السايبر”، في حين ازداد الفساد الإداري في الجيش وتقلصت تدريبات قوات الاحتياط.
لم تكن حالة الجيش الإسرائيلي، لا سيما عدم جاهزية قواته البرية للحرب بما فيه الكفاية وعدم خبرته في حرب المدن، غائبة عن الإدارة الأميركية. وقد أثّر موقف الإدارة الأميركية في مناقشات “كابينت” الحرب الإسرائيلي في هذا الشأن. وأرسلت وزارة الدفاع الأميركية الجنرال جيمس جلين والعديد من الجنرالات الأميركيين ذوي التجربة في حرب المدن في العراق، إلى تل أبيب لتقديم الاستشارة العسكرية لقيادة الجيش الإسرائيلي بشأن الهجوم البري على غزة وكيفية تنظيمه وإدارة حرب المدن. وفي ضوء المشاورات مع الجانب الأميركي، قرر كابينت الحرب أن يكون هجوم الجيش الإسرائيلي البري على قطاع غزة تدريجيًا، وأن يسير بحذر شديد وببطء لتقليل الخسائر.
تحديات الهجوم البري على مدينة غزة
أعلن رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، عن انطلاق المرحلة الثانية من الحرب على قطاع غزة، يوم 28 تشرين الأول/ أكتوبر، ليبدأ الجيش الإسرائيلي في إثر ذلك توغلاته ابتداءً من شمال القطاع. وبدأ التحرك في الأيام الأولى للعملية العسكرية البرية في الأراضي الزراعية المفتوحة شمال القطاع، بحذر وبطء شديدين. وسار أمام القوات المهاجمة سلاح الهندسة تتقدّمه الجرافات لتشق الطرق أمام الدبابات والمجنزرات والآليات العسكرية المدعومة بالقوات الجوية، التي تشمل الطائرات المسيّرة وطائرات الهليكوبتر والطائرات الحربية. وبعد يومين، أصدر نتنياهو بيانًا بعد اجتماع لكابينت الحرب، جاء فيه: “لقد اكتملت المرحلة الأولى، والمرحلة الثانية من الحرب، وحان الوقت لدخول المرحلة الثالثة، من خلال توسيع الغزو البري لقطاع غزة”.
يتمثل الهدف الرئيس للتحرك العسكري الإسرائيلي الراهن في تطويق مدينة غزة من مختلف الجهات، وعزلها بالكامل عن جنوب قطاع غزة، ثم محاولة الاستمرار في التقدم من مختلف الجهات إلى مركز مدينة غزة ومحاولة احتلالها تدريجيًا منطقةً تلو الأخرى. ومن المرجح أن تكون محاولة احتلال مدينة غزة بالغة الصعوبة وأن تُوقع خسائر كبيرة في الجيش الإسرائيلي، بسبب المقاومة الشديدة التي تبديها المقاومة الفلسطينية والمهارات العالية التي تملكها في حرب المدن، فضلًا عن معرفتها بالأرض ووجود شبكة واسعة من الأنفاق. ورغم تفوق إسرائيل النوعي في السلاح، والتغطية الجوية والتفوق العددي لجيشها، فإن القيادات العسكرية الإسرائيلية تتوجس من الخسائر الكبيرة المتوقعة في صفوفها، خاصة عند توغلها إلى داخل المدينة وشوارعها وأزقتها، حيث يصعب على الدبابات والمجنزرات والآليات العسكرية المناورة والحركة، وتقلّ فاعلية الغطاء الجوي، وهو ما يعرّضها لهجمات المقاتلين الفلسطينيين.
وفي محاولة لتقليل الخسائر في صفوف القوات البرية، تعطي قيادة الجيش الإسرائيلي في المعارك دورًا مهمًا للطائرات، بأنواعها المختلفة، التي ترافق هذه القوات. ويستخدم الجيش الإسرائيلي كذلك القنابل الفوسفورية والدخانية لإرباك المقاومة الفلسطينية في مواجهته. وقام الجيش كذلك، وفي إثر الدروس التي استخلصها من هجوم المقاومة الفلسطينية على قواعده العسكرية في السابع من تشرين الأول/ أكتوبر، بتركيب شبكات حديدية لتعزيز قدرة الدبابات والمجنزرات والجرافات على مقاومة النيران، بما في ذلك هجمات المسيّرات الانتحارية.
ورغم محاولات الجيش الاسرائيلي للتقليل من خسائره في الأرواح، فقد اعترف بسقوط 15 قتيلًا بين عناصره في اليوم الثاني من الهجوم على غزة، وهو لمّا يصل إلى المناطق الحضرية، حيث يتوقع أن تكون المقاومة فيها أكثر قوة. ويذهب أغلب المحللين الإسرائيليين إلى أن محاولة احتلال مدينة غزة الكبرى ستكون صعبة وخطرة جدًا، وقد توقع خسائر كبيرة في صفوف الجيش الإسرائيلي، قد لا يكون المجتمع الإسرائيلي مستعدًا لتحمّلها، حال الدخول في حرب استنزاف طويلة مع المقاومة الفلسطينية.
حشد الرأي العام وراء الحرب
بخلاف حروب الجيش الإسرائيلي السابقة على قطاع غزة، تخوض إسرائيل هذه الحرب بوجود إجماع على الحرب، ولكن من دون توافر ثقة المجتمع الإسرائيلي بقيادتيه العسكرية والسياسية. فنصف المجتمع الإسرائيلي فقط يثق بقيادة الجيش الإسرائيلي في هذه الحرب، بحسب استطلاع للرأي العام نشرته صحيفة يديعوت أحرونوت في الأول من تشرين الثاني/ نوفمبر الجاري، في حين يثق 7 في المئة فقط بقدرة نتنياهو على قيادة الحرب على غزة.
لقد تمكنت القيادات العسكرية والسياسية، عبر وسائل الإعلام الإسرائيلية، من حشد المجتمع الإسرائيلي في تأييد الحرب على غزة على نحو واسع، مستغلةً روح الانتقام التي سادت في إثر عملية طوفان الأقصى. ويعود تأخر إطلاق العملية البرية ضد قطاع غزة في جزء منه إلى القلق على مصير الأسرى الإسرائيليين والخشية على فرص إنقاذهم في حال بدأ الجيش الإسرائيلي هجومه البري على غزة. وبناء عليه، ظهر تأييد واسع في صفوف المجتمع الإسرائيلي لعقد صفقة شاملة مع حركة “حماس” يجري فيها إطلاق سراح جميع الأسرى الفلسطينيين في السجون الإسرائيلية مقابل إطلاق سراح الأسرى الإسرائيليين. وسواء جرى عقد صفقة لتبادل الأسرى في الأسابيع القادمة أو لا، فإنه من المتوقع أن ينخفض تأييد المجتمع الإسرائيلي للحرب تدريجيًا، فكلما طالت الحرب وازداد سقوط القتلى في صفوف الجيش الإسرائيلي قل الدعم لها، إضافة إلى أن استمرار الحرب شهورًا طويلة يتناقض مع أسس العقيدة العسكرية الإسرائيلية التي تدعو إلى حسم الحرب في أسرع وقت ممكن، لأن الجيش الإسرائيلي يعتمد في حربه على قوات جيش الاحتياط. فقد استدعى وزير الأمن الإسرائيلي يوآف غالانت منذ بداية الحرب نحو 360 ألفًا من قوات الاحتياط، حيث بات تعداد الجيش يزيد على 520 ألفًا. وثمة صعوبة كبيرة في الاحتفاظ بقوات الاحتياط في الخدمة في الجيش شهورًا طويلة، وفي المقابل ثمة صعوبة أيضًا في تسريح قوات الاحتياط كلها أو جزء منها ما دامت حرب إسرائيل على غزة مستمرة، وما دامت ثمة إمكانية أن يدخل حزب الله حربًا شاملة ضد إسرائيل. علاوة على ذلك، تعاني إسرائيل، منذ بدء الحرب على غزة، مشاكل مهمة أخرى تترك وطأتها على المجتمع والاقتصاد الإسرائيليين، ومن ضمنها مسألة نقل أكثر من 130 ألف إسرائيلي على الأقل من الحدود المحاذية لقطاع غزة في الجنوب، ولبنان في الشمال، إلى داخل إسرائيل، الأمر الذي يترك آثارًا سلبية في الاقتصاد والمجتمع الإسرائيليين.
خاتمة
لا يستطيع الجيش الإسرائيلي تحديد المدة التي ستتطلبها الحرب التي يشنّها على مدينة غزة من أجل احتلالها ومحاولة القضاء على المقاومة الفلسطينية فيها، ولا الأثمان التي تترتب عليها. في جميع الأحوال، ستتأثر مجريات الحرب ونتيجتها بعدة متغيرات يأتي في مقدّمها قدرة المقاومة الفلسطينية على الصمود والدفاع عن المدينة، وقدرتها على تكبيد الجيش الإسرائيلي خسائر قد تُرغمه على القبول بوقف لإطلاق النار، وكذلك مدى تعرض إسرائيل لضغط إقليمي ودولي من أجل وقف عدوانها على غزة، وأيضًا إمكانية الضغط على إسرائيل عسكريًا في جبهتها الشمالية مع لبنان.
المصدر: اليوم 24
كلمات دلالية: إسرائيل الحرب على غزة قیادة الجیش الإسرائیلی المقاومة الفلسطینیة الجیش الإسرائیلی فی المجتمع الإسرائیلی الحرب الإسرائیلی قوات الاحتیاط على مدینة غزة الحرب على غزة على قطاع غزة تشرین الأول البری على حرب المدن کبیرة فی فی صفوف فی حرب
إقرأ أيضاً:
التحقيقات الإسرائيلية تكشف.. كيف خدعت حماس الجيش والشاباك في 7 أكتوبر؟
القدس المحتلة - الوكالات
سيطر على الإسرائيليين منذ صباح 7 أكتوبر 2023 وحتى اليوم سعي لمعرفة ليس فقط ما جرى وإنما أيضا لماذا جرى، وبالتالي أين كان الجيش الإسرائيلي.
وحسب افتتاحية "هآرتس" فإن تحقيقات الجيش بينت أن السبب الأساس "لتغيب الجيش الإسرائيلي في 7 أكتوبر في غلاف غزة هو أن أسرة الاستخبارات -والجيش والشاباك على رأسها- لم تصدق أن بوسع حماس تنفيذ هجوم منسق لآلاف المخربين في أكثر من 100 نقطة اقتحام، وأن تنجح في كسر فرقة غزة والسيطرة على جزء كبير من المنطقة التي في مسؤوليتها".
وأشارت إلى أن 7 أكتوبر/تشرين الأول هو نتاج مفهوم سياسي مشوش يمكن وفقه "إدارة النزاع" وأن "حماس هي ذخر"، الى جانب خطأ استخباري بموجبه حماس لا تريد ولا تستطيع أن تنفذ هجوما بحجم كهذا، واستعداد دفاعي مشوش، والصلات الظرفية العميقة بين هذه الأضلاع الثلاثة لا يمكن البدء بحل لغزها من دون لجنة تحقيق رسمية.
وشكّل المفهوم السياسي المشوش ما اعتبر أهم الأسباب في بلورة ما عرف بالفشل المفهوماتي، والذي قاد إلى الاستخفاف بحماس من جهة وتفسير سلوكياتها ومواقفها بشكل خاطئ.
واعتبرت التحقيقات أن نقطة التحول الجوهرية كانت في إغفال المعاني الفعلية لانتخاب قيادة حماس في 2016، والتي فاز فيها يحيى السنوار بالمكانة القيادية العليا في غزة حين بدأ تنفيذ خطة الحرب ضد إسرائيل عمليا بهدف تدميرها أو على الأقل إلحاق أذى بليغ بها.
تحرك السنوار
"وجاء في تحقيقات الجيش أن "عملية الجرف الصامد انتهت بفهم السنوار أن خطة الهجوم لن تنجح إلا إذا بدأت بمفاجأة كاملة، وأن سيطرته وجماعته على غزة في أوائل عام 2017 تعزز هذا".
وأشار التحقيق أيضا إلى أنه "في عام 2017 بدأت احتجاجات جدية ضد حماس داخل غزة، وبالتالي تحرك السنوار نيابة عن المدنيين، وفي الوقت نفسه بدأت مظاهرات السياج ضد إسرائيل، والتي انتهت بالتوصل إلى تسوية، ولم تفهم المخابرات أن حماس بهذه الطريقة كانت تعوّد إسرائيل على تصور أنها تتجه نحو التسوية، في حين كانت خطة كسر الطوق في غزة تتشكل".
وكانت حماس أنشأت بعد عملية الجرف الصامد في العام 2014 -ولأول مرة- قيادة عامة تضم قادة ألوية بقيادة محمد الضيف.
وفي الواقع، كان رئيس قسم العمليات الأول في حماس رائد سعد هو من وضع خطة الغزو البري من دون أي أنفاق على الإطلاق، بسبب بناء إسرائيل الجدار تحت الأرض.
وبعد عامين فقط وصلت هذه الخطة (سور أريحا) إلى انتباه شعبة الاستخبارات، ولكن تم التعامل معها على أنها مجرد فكرة بعيدة عن الواقع.
وبحسب هذه الخطة، جرى العمل على تشكيل كتائب النخبة، على أن يتم الانتهاء من تشكيل احتياطي لكل كتيبة في عام 2019.
وكشفت المعلومات الاستخباراتية التي خرجت من غزة خلال مناورات العام الماضي عن حجم الفشل الاستخباراتي، فمنذ عام 2017 تضمنت خطة الغزو الكيبوتسات والمستوطنات التي سيتم احتلالها، والخداع والاستيلاء على رموز القوة الإستراتيجية في الجنوب، مثل محطات الطاقة ومراكز الشرطة، والوصول إلى مدن مثل بئر السبع وأسدود والمجدل.
تقليص التدريبات
وبسبب تفشي كورونا قررت حماس تحويل الموارد من تدريبات النخبة إلى مكافحة الوباء، وخلال هذه الفترة زاد تقليص التدريبات تهدئة إسرائيل.
وكشفت المواد الاستخباراتية التي تم جمعها من غزة خلال العمليات ضد حماس خلال العام الماضي أن خطة "سور أريحا" شملت منذ عام 2016 آلاف المقاتلين في 6 كتائب لغزو إسرائيل.
وكشفت التحقيقات أن "هذه الخطة تم تجاهلها في عام 2019 في أحد تقييمات الوضع الاستخباراتي تحت إدراك أنها غير محتملة"
كما كشفت التحقيقات أن الخداع الإستراتيجي لحماس تكثف في العامين السابقين للحرب عندما عضت المنظمة الإرهابية شفتيها في جولات التصعيد مع إسرائيل وتركت "الجهاد الإسلامي" وحيدة في الميدان.
وفي غزة، اعتقدوا في مايو/أيار 2022 أن هذا هو الوقت المناسب لإطلاق خطة الهجوم، وبالتالي ينبغي لحماس أن تبادر إلى التحرك لتحقيق أحد 3 أهداف، من الصغير إلى الكبير على الأقل: تغيير ميزان الردع مع إسرائيل، وتحرير الضفة الغربية، وتدمير إسرائيل كدولة إذا انضم الحلفاء بقيادة حزب الله إلى الهجوم.
وعموما، كل تصرفات حماس لم تثر شكوكا جدية لدى شعبة الاستخبارات ووحدة الأبحاث، ولم تنشأ في الإطار الاستخباري حالة تحاول التناقض مع التصورات القائمة.
وهذا ما خلق وهم اليقين وإدراكا زائفا للتفوق الاستخباراتي كجزء من الفهم في إسرائيل بأن أعداءنا أدنى، وأن وفرة المعلومات تجعل العدو "شفافا" أمامنا بالفعل، وهو ما خلق حقا شعورا بالزيف.
وبحسب التحقيقات، فإن سياسة إسرائيل في التفريق بين السلطة الفلسطينية وحركة حماس أدت إلى تقوية الحركة على مر السنين، بما في ذلك عبر تدفق الأموال القطرية إلى غزة والمساعدات الإنسانية.
وقد اختارت إسرائيل سياسة "إدارة الصراع" التي تهدف إلى الحفاظ على الواقع القائم، وبعبارة أخرى يمكن إيجاد فترات هدوء في ضوء الفهم بأن حماس ليست معنية بحرب واسعة النطاق ولا تستعد لها.
وتظهر التحقيقات العسكرية التي نشرت تحت عنوان "تصورات إسرائيل لقطاع غزة" أن المستوى السياسي أراد أن تبقى حماس عنوانا، وأن الجيش لم يبدِ في أي وقت اعتراضا على هذه السياسة.
ورأت أن هذا المفهوم إلى جانب مفهومي "إدارة الصراع" و"ردع حماس" ساهمت بشكل حاسم في النتائج القاتلة التي أسفر عنها هجوم 7 أكتوبر/تشرين الأول، وأن هذه المفاهيم السياسية والعسكرية التي ترسخت على مدى سنوات تبين أنها كارثية.
وفي نظر التحقيقات بدأت هذه التصورات تتشكل في بداية العقد الماضي، واشتدت حتى انفجرت صباح 7 أكتوبر/تشرين الأول 2023.
وكان المفترق المركزي والمصيري -وفقا أيضا لتحقيقات أخرى أجريت في جيش الدفاع الإسرائيلي- هو عملية حارس الأسوار في مايو/أيار 2021، وعند هذه النقطة تباعدت الطرق التي رأى بها الجانبان الصراع: في إسرائيل كانوا مقتنعين بأن حماس تعرضت لضربة قاتلة، بما في ذلك أنفاقها القتالية (عملية الخداع الفاشلة للقيادة الجنوبية)، وكدليل على ذلك استنتجوا خطأ أنها رُدعت عن الانضمام إلى جولتي القتال اللتين دارتا بعد ذلك "الفجر" و"الدرع والسهم"، تاركة "الجهاد الإسلامي" وحيدة.
ولم تعترف إسرائيل بأن "حارس الأسوار" كانت بالنسبة لحماس المحرض الرئيسي لشن "حرب التحرير" من خلال جعل خطة الغزو -التي أطلق عليها الجيش الإسرائيلي اسم "سور أريحا"- قابلة للتنفيذ.
وفي الخلفية، كان زعيم حماس يحيى السنوار متحمسا عندما رأى أنه نجح في توحيد الساحات حول قضية الحرم القدسي خلال مايو/أيار 2021، لم يقاتل سكان غزة فحسب، بل انتفض أيضا مواطنو إسرائيل العرب في العنف، كما اكتسبت قضية القوة العسكرية زخما في الدول العربية بالمنطقة.
لكن جذور الفشل -وفقا لتحقيقات الجيش- تكمن في النهج الإسرائيلي الذي اتبعته الحكومة منذ بداية العقد الماضي، والذي تجاوز رؤساء الأركان وحصل على دعمهم أيضا.
وقد تجلى هذا التوجه لأول مرة في عملية "عمود السحاب" في نوفمبر/تشرين الثاني 2012، وبلغ ذروته في الفرصة الأخيرة لهزيمة حماس في المناورة البرية بعملية الجرف الصامد في صيف عام 2014.
وكان القرار الإستراتيجي الذي وصل إلى الجيش من المستوى السياسي هو أن سحق حماس ليس الهدف، ويجب ردعها قدر الإمكان.
أنفاق التسلل
ويقول مصدر في الجيش الإسرائيلي "كانت عملية الجرف الصامد هي اللحظة التي أثير فيها السؤال لأول مرة بشأن ما إذا كان ينبغي هزيمة حماس، "وبعد ذلك صدرت التعليمات إلى الجيش الإسرائيلي بالتركيز فقط على إزالة التهديد المتمثل في أنفاق التسلل وإبقاء حماس في السلطة في غزة، وكان نجاح هذه العملية يقاس بمقدار الهدوء الذي جلبته حتى التصعيد التالي".
وأدى ذلك على مر السنين إلى انتشار هذا النمط من الوعي والتغلغل، من أول ضباط البحث وجمع المعلومات في وحدة 8200 في إدارة المخابرات إلى آخر رجال الجيش النظاميين على حدود غزة.
وكل التوصيات الاستخباراتية والتفسيرات البديلة للعلامات التي تشير إلى الليلة بين 6 و7 أكتوبر/تشرين الأول 2023 اعتمدت على المفهوم نفسه.
وعلى الأرض -وبحسب تحقيقات الجيش- تدهورت على مر السنين الطريقة التي تدافع بها القوات عن الحدود، إذ لم يشمل نظام الإنذار عند الفجر الذي يتم بموجبه رفع مستوى التأهب كل صباح جميع المقاتلين في المواقع كما كان الحال في الماضي.
وبالإضافة إلى ذلك، كان اعتماد القوات على العائق الجديد على الحدود وعلى المراقبة وعلى التكنولوجيا ضارا بها.
وكذلك الحال مع التسهيلات في الإجازات، ففي عطلات نهاية الأسبوع كان يتم تقليص القوات في القطاع حتى يتمكن المزيد من المقاتلين من الاستمتاع بالإجازة في منازلهم وكأن موقع ناحال عوز هو قاعدة كرياه في تل أبيب.
وعلى أي حال، فإن فكرة ردع حماس أدت إلى تقليص حجم الجيش على مدى العقد الماضي وتقليص مستمر في تدريب قوات الاحتياط على الأرض.
ويقول مصدر في جيش الدفاع الإسرائيلي "هذا فشل أكبر من حرب يوم الغفران، لأنه في تلك الحرب كان هناك إنذار مسبق، وكان هناك نقاش بشأن ما إذا كان ينبغي تعبئة قوات الاحتياط أم لا".
ولم يعترض أحد في الجيش على هذا، كما يؤكد التحقيق أن هذا المفهوم كان يجري في دم كل ضابط كبير أو مسؤول بالجيش.
ويشير التحقيق إلى أن "النهج القيادي من القمة حتى طوال الأشهر التي سبقت الحرب كان التركيز على إيران، وتوسيع اتفاقيات أبراهام والحفاظ على دور السلطة الفلسطينية".
ولخص التحقيق التوجه الإسرائيلي المتبع: من الجيد أن تبقى حماس عنوانا في غزة جزئيا لصعوبة إيجاد بديل لها، خاصة أن التهديدات من الضفة الغربية أكثر خطورة من تلك الموجودة في قطاع غزة.
وأضاف التحقيق "لم يكن هناك أي نقاش على الإطلاق بشأن إمكانية إنهاء الصراع أو استعادة السيطرة الإسرائيلية على قطاع غزة".
ونتيجة لهذا المفهوم لم يزد حجم القوات في فرقة غزة إلا بالكاد طوال عقد من الزمن، باستثناء قوة إضافية لتأمين أعمال بناء الجدار، وبلغ عدد السرايا التي تحرس 65 كيلومترا من الحدود مع قطاع غزة 14 سرية.
المصدر / الجزيرة نت