هل يمكن أن يساعد الذكاء الاصطناعي في حماية الأنواع المهددة بالانقراض؟
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
يتجه عدد متزايد من الباحثين إلى تقنيات الذكاء الاصطناعي لمراقبة التنوع البيولوجي وتعزيز جهود حماية الأنواع الحية المهددة بالانقراض. وبعكس الوسائل التقليدية التي قد تعرقل عمل الأنظمة البيئية أو تتطلب قدراً كبيراً من الوقت والجهد والموارد، يستطيع الذكاء الاصطناعي تحليل كميات ضخمة من البيانات اللازمة في مجالات حماية البيئة مع تحقيق عنصري السرعة والكفاءة.
مليون فصيلة حية على حافة الانقراض
سرعة الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات تسمح بحماية الأنواع المهددة بالانقراض
ويقول كال تشالمرز الباحث في مجال التعلم الاصطناعي في مؤسسة Conservation AI وهي منظمة غير ربحية معنية بحماية البيئة عبر تقنيات الذكاء الاصطناعي، ومقرها في مدينة ليفربول البريطانية إنه "بدون الذكاء الاصطناعي، لن نستطيع مطلقاً تحقيق أهداف الأمم المتحدة فيما يخص حماية الأنواع المهددة بالانقراض".
انقراض الأنواع الحية بوتيرة أسرعوفي الوقت الحالي، أصبحت الأنواع الحية تنقرض بوتيرة أسرع بمئات بل بآلاف المرات عما كان عليه الوضع قبل ملايين السنين، حيث يوجد الآن قرابة مليون فصيلة حية على حافة الانقراض. ومن جانبها، حددت الأمم المتحدة في عام 2020 هدفا لحماية 30% من مساحات اليابسة والمحيطات على كوكب الأرض من خطر الانقراض بحلول نهاية العقد الحالي.
ويقول نيكولاس مايلي من مؤسسة Future Society، وهي منظمة دولية غير ربحية مقرها باريس تهدف إلى حوكمة تقنيات الذكاء الاصطناعي إنه بالرغم من أن هذه التقنيات "ليست مثالية"، فإنها يمكن أن تسرع وتيرة الاكتشافات المهمة. وأضاف في تصريحات للموقع الإلكتروني American Scientific المعني بالأبحاث العلمية: "نحن بحاجة بالغة لمتخصصين من البشر من أجل تصميم النماذج الحوسبية وجمع البيانات وتحليلها وتفسيرها".
ونجح يورج مولر، أخصائي البيئة من جامعة فورتسبرغ الألمانية وزملاؤه في توظيف تقنيات الذكاء الاصطناعي لإجراء دراسات كمية لقياس التنوع البيولوجي في الغابات الاستوائية عن طريق تحديد الأنواع الحيوانية من خلال التسجيلات الصوتية.
وفي إطار دراسة نشرتها الدورية العلمية Nature Communication، استخدم الباحثون الذكاء الاصطناعي في تحليل "المشهد الصوتي" في غابات تشوكو بالاكوادور التي تشتهر بتنوع الأنواع الحية التي تعيش فيها.
ووضع الباحثون أجهزة تسجيل في 43 بقعة في مناطق تمثل مختلف مراحل التعافي البيئي، بدءاً من غابات بكر لم تتعرض لأنشطة القطع الجائر للأشجار، مروراً بمناطق تم إزالة الكساء الشجري فيها بالكامل ثم أعيد تشجيرها، وأخيراً مناطق تم اجتثاث الأشجار منها بالكامل ثم تحويلها إلى مساحات لزراعة أشجار الكاكاو أو أراضي للرعي. واستطاع الفريق البحثي التعرف على 183 من الطيور و41 من الزواحف وثلاث فصائل حيوانية من خلال التسجيلات الصوتية.
الشبكة العصبية الاصطناعية لأصوات الطيوروقام الباحثون بتغذية التسجيلات الصوتية في نموذج للذكاء الاصطناعي يطلق عليه إسم "الشبكة العصبية الاصطناعية"، وكان قد تم تطويره في وقت سابق للتعرف على أصوات الطيور. واستطاع هذا النموذج التعرف على 75 من أصوات الطيور، علماً بأنه لم يكن يحتوي في ذاكرته سوى على 77 تسجيلاً صوتياً للطيور التي ربما تعيش في هذه المنطقة.
ويقول مولر إن "هذه النتائج تظهر أن الذكاء الاصطناعي مستعد للمزيد من أنشطة التعرف على الأنواع الطبيعية في المناطق الاستوائية من خلال أصواتها، وكل ما نحتاجه الآن هو توفير المزيد من البيانات التي يجمعها البشر لتغذية النماذج الحوسبية".
ويؤكد الفريق البحثي أن استخدام الذكاء الاصطناعي لقياس التنوع البيولوجي في الغابات التي أعيد تشجيرها ربما يلعب دوراً مهماً في تقييم مشروعات الحفاظ على البيئة، التي لابد أن تحقق نجاحاً من أجل ضمان استمرار تمويلها.
ومن جهة أخرى، نجح الباحثون في منظمة Conservation AI في تطوير نماذج للذكاء الاصطناعي يمكنها تحليل الصور ومقاطع الفيديو التي يتم التقاطها بواسطة المسيرات أو الكاميرات التي توضع في الحياة البرية من أجل التعرف على الأنواع المهددة بالانقراض وتتبع حركتها.
وأقام الباحثون منصة مجانية على شبكة الانترنت تستخدم تكنولوجيا الذكاء الاصطناعي في تحليل الصور ومقاطع الفيديو والتسجيلات الصوتية، بما في ذلك مقاطع حية يتم تسجيلها بواسطة كاميرات أو وحدات استشعار، بحيث يقوم المستخدم بتحميلها مباشرة على المنصة، مع إتاحة خيار للمستخدم أن يقوم بإرسال رسالة إلكترونية في حالة رصد فصيلة مهددة بالانقراض مع تحميل مقطع مصور خاص بها مع هذه الرسالة.
وحتى الآن، قامت المنظمة بمعالجة أكثر من 12.5 مليون صورة، ورصدت أكثر من أربعة ملايين حيوان من 68 فصيلة حية، بما في ذلك غوريلات في الجابون، وقردة انسان الغاب في ماليزيا، وحيوان آكل النمل في أوغندا، وكلها أنواع مهددة بالانقراض.
ويقول بول فيرجوس، وهو من كبار الباحثين في المنظمة إن "السرعة التي يحققها الذكاء الاصطناعي في تحليل البيانات تسمح لخبراء البيئة بحماية الأنواع المهددة بالانقراض من حالات الخطر المفاجئ، مثل الصيد الجائر أو حرائق الغابات"، ويشير على سبيل المثال إلى أن الذكاء الاصطناعي نجح في ضبط أحد صيادي آكل النمل عن طريق مقطع فيديو حي.
ويرى الباحثون أيضا أنه من الممكن استخدام تقنيات الذكاء الاصطناعي في دراسة تأثير الأنشطة البشرية على الأنظمة البيئة مع إعداد هياكل لعمل تسلسل زمني للتغيرات التي تطرأ على البيئات المختلفة، حيث نجحت فرق بحثية في اكتشاف حجم التدهور البيئي الذي حدث على مدار قرن من الزمان على أنظمة المياه العذبة، مما أدى إلى تدهور التنوع البيولوجي في هذه الانظمة.
وفي إطار دراسة نشرتها الدورية العلمية eLife هذا العام، طور فريق بحثي من جامعة برمينجهام البريطانية نموذجاً للذكاء الاصطناعي يربط التنوع البيولوجي بالتغيرات البيئية خلال فترات زمنية سابقة. واعتمد الباحثون على عينات جينية من نباتات وحيوانات وبكتيريا عاشت في القرن الماضي داخل ترسيبات مائية. واستخدموا الذكاء الاصطناعي لتصنيف الأنواع الحية وتحليلها للتوصل إلى نتائج وبيانات تدعم جهود حماية البيئة.
وأعرب الباحث نيكولاس مايلي من منظمة Future Societyعن أمله أن يتم توظيف تطبيقات الذكاء الاصطناعي بشكل منتظم في جهود حماية البيئة في المستقبل. وأضاف في تصريحات لموقع Scientific American : "هذا بالقطع هو الطريق للمضي قدماً".
المصدر: موقع 24
كلمات دلالية: التغير المناخي محاكمة ترامب أحداث السودان سلطان النيادي مانشستر سيتي غزة وإسرائيل الحرب الأوكرانية عام الاستدامة الذكاء الاصطناعي تقنیات الذکاء الاصطناعی التسجیلات الصوتیة التنوع البیولوجی حمایة البیئة التعرف على
إقرأ أيضاً:
يساعدك في اتخاذ القرار.. كيف يغيّر الذكاء الاصطناعي صورة الإنسان عن نفسه؟
يشهد العالم المعاصر تحوّلًا غير مسبوق في تاريخ الوجود البشري، تقوده التكنولوجيا بصفتها القوة الأكثر تأثيرًا في تشكيل ملامح الحياة الحديثة.
لم تعد التكنولوجيا مجرد أدوات أو منصات مساعدة، بل أصبحت بحد ذاتها بيئةً كلية نعيش فيها، وعاملًا حيويًا يُعيد صياغة مفاهيم الإنسان عن ذاته، وعن العالم، وعن الآخرين من حوله. وفي قلب هذا التحول تقف الأجيال الجديدة لا كمتلقٍّ سلبي، بل كنتاجٍ حيّ لهذا العصر الرقمي بكل تعقيداته وتناقضاته.
نتحدث هنا تحديدًا عن جيل Z (المولود بين 1997 و2012)، وجيل ألفا (المولود بعد 2013)، وهما جيلان نشآ في ظل تحوّل تكنولوجي عميق بدأ مع الثورة الرقمية في نهاية القرن العشرين، وتفاقم مع دخول الذكاء الاصطناعي والواقع المعزز والميتافيرس والبيانات الضخمة إلى صلب الحياة اليومية.
جيل Z يمثل الجسر بين عالمين: عالم ما قبل الثورة الرقمية، وعالم أصبحت فيه الخوارزميات هي "العقل الجمعي" الجديد.
لقد عاش هذا الجيل مراحل الانتقال الكبرى: من الكتب الورقية إلى الشاشات، من الاتصالات الهاتفية إلى الرسائل الفورية، من الصفوف المدرسية إلى التعليم عن بُعد. أما جيل ألفا، فهو الجيل الذي لم يعرف سوى الرقمية منذ لحظة الميلاد، إذ تفتحت حواسه الأولى على شاشة، وتكوّنت مهاراته اللغوية من خلال مساعد صوتي، وتعلّم المفاهيم الأولى عن طريق تطبيقات ذكية وخوارزميات دقيقة تستجيب لسلوك المستخدم لحظيًا.
إعلانإننا لا نتحدث عن تغيّر في أنماط الحياة فقط، بل عن إعادة تشكيل حقيقية للذات الإنسانية. ففي السابق، كانت الهوية تُبنى عبر التفاعل مع الأسرة، والمدرسة، والثقافة المحلية، وكانت تنشأ ضمن سياق اجتماعي واضح المعالم.
أما اليوم، فالأجيال الرقمية تبني صورها الذاتية في فضاءات افتراضية عالمية، تتخطى الحواجز اللغوية والثقافية والجغرافية. إنها هوية "مُفلترة"، تُنتجها الصور والمنشورات والتفاعلات المرسومة وفق خوارزميات منصات التواصل الاجتماعي، وتُقاس بكمية "الإعجابات" والمشاهدات، لا بتجربة الذات العميقة.
هذا التحول لا يخلو من مفارقات. فعلى الرغم من الكمّ الهائل من التواصل الرقمي، تشير دراسات عديدة إلى تصاعد مشاعر الوحدة والعزلة، خصوصًا بين المراهقين والشباب.
وقد ربطت تقارير صحية بين الإفراط في استخدام التكنولوجيا وبين ارتفاع معدلات القلق، واضطرابات النوم، وضعف التركيز، وتراجع المهارات الاجتماعية.
جيل Z، برغم إتقانه المذهل للتكنولوجيا، يواجه صعوبة متزايدة في بناء علاقات واقعية مستقرة. أما جيل ألفا، فيُظهر مبكرًا قدرة رقمية خارقة، لكنها تقترن أحيانًا بضعف في التطور اللغوي والعاطفي، وكأن المهارات الإنسانية الكلاسيكية باتت تُستبدل تدريجيًا بكفاءات رقمية جديدة.
هذا لا يعني أن الأجيال الرقمية "أقل إنسانية"، بل إنها مختلفة في تركيبها المعرفي والعاطفي والاجتماعي. إنها أجيال تعيش فيما يمكن تسميته "الواقع الموسّع"، حيث تتداخل فيه الذات البيولوجية بالذات الرقمية، ويذوب فيه الخط الفاصل بين ما هو واقعي وما هو افتراضي.
وهذه الحالة تطرح سؤالًا وجوديًا جوهريًا: من أنا في عالم يُعاد فيه تشكيل الذات بواسطة أدوات لا أتحكم بها بالكامل؟ من يوجّهني فعلًا: أنا، أم البرمجية التي تختار لي ما أقرأ وأشاهد وأرغب؟
في هذا السياق، تتزايد الحاجة إلى تفكيك العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا من جديد. فنحن لم نعد فقط نستخدم التكنولوجيا، بل يُعاد تشكيلنا من خلالها، وقد أصبح الذكاء الاصطناعي شريكًا خفيًا في اتخاذ القرارات، وتوجيه السلوك، وحتى في تكوين القيم وتصورات العالم. منصات مثل تيك توك ويوتيوب وإنستغرام لم تعد وسائط ترفيهية فحسب، بل منصات لإنتاج الثقافة والهوية والسلوك الاستهلاكي.
إعلانولعل المفارقة الكبرى تكمن في أن هذه التكنولوجيا التي وُعدنا بها كوسيلة لتحرير الإنسان، باتت تخلق أشكالًا جديدة من التبعية. فمن جهة، تسهّل الحياة وتختصر الوقت، لكنها من جهة أخرى تُعيد تشكي إدراكنا بطريقة غير مرئية. إنها "القوة الناعمة" الأشد تأثيرًا في تاريخ البشرية.
في ظل هذا الواقع، لا يكفي أن نُحمّل الأفراد مسؤولية التكيف. المطلوب هو تفكير جماعي لإعادة توجيه العلاقة بين الإنسان والتكنولوجيا. المؤسسات التعليمية مطالبة بأن تراجع مناهجها، لا فقط لتُدخل التقنية، بل لتُعيد التوازن بين ما هو رقمي وما هو إنساني.
الأسرة، بدورها، لم تعد فقط مصدرًا للقيم، بل أصبحت "ساحة مقاومة" للحفاظ على الحميمية في وجه التمدد الرقمي. أما صانعو السياسات، فعليهم مسؤولية أخلاقية وتشريعية للحدّ من تغوّل التكنولوجيا في تفاصيل الحياة اليومية، ووضع ضوابط تحمي الأجيال من فقدان الجوهر الإنساني.
ينبغي ألا يكون السؤال: كيف نُقلل من استخدام التكنولوجيا؟ بل: كيف نستخدمها بطريقة تحافظ على إنسانيتنا؟ كيف نُدرّب أبناءنا على التفكير النقدي، والقدرة على التأمل، والانفتاح العاطفي، لا فقط على البرمجة والتصميم؟
نحن نعيش لحظة مفصلية، لحظة يُعاد فيها تعريف الإنسان، لا بالمعنى البيولوجي، بل بالمعنى الوجودي. وإذا لم نُحسن إدارة هذا التحوّل، فإننا قد نخسر القدرة على أن نكون ذاتًا فاعلة حرة في عالم تتزايد فيه السيطرة غير المرئية للأنظمة الذكية.
المستقبل لا تصنعه الآلات، بل الإنسان الذي يعرف كيف يتعامل معها. ولهذا، فإن المعركة الأهم ليست بين الأجيال والتكنولوجيا، بل بين الإنسان وإنسانيته.
الآراء الواردة في المقال لا تعكس بالضرورة الموقف التحريري لشبكة الجزيرة.
aj-logoaj-logoaj-logo إعلان من نحناعرض المزيدمن نحنالأحكام والشروطسياسة الخصوصيةسياسة ملفات تعريف الارتباطتفضيلات ملفات تعريف الارتباطخريطة الموقعتواصل معنااعرض المزيدتواصل معنااحصل على المساعدةأعلن معناابق على اتصالالنشرات البريديةرابط بديلترددات البثبيانات صحفيةشبكتنااعرض المزيدمركز الجزيرة للدراساتمعهد الجزيرة للإعلامتعلم العربيةمركز الجزيرة للحريات العامة وحقوق الإنسانقنواتنااعرض المزيدالجزيرة الإخباريةالجزيرة الإنجليزيالجزيرة مباشرالجزيرة الوثائقيةالجزيرة البلقانعربي AJ+تابع الجزيرة نت على:
facebooktwitteryoutubeinstagram-colored-outlinersswhatsapptelegramtiktok-colored-outline