ملوحة الكاريبي.. تؤثر في مناخ أوروبا وأميركا الشمالية
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
يلعب توزيع الملح وحركته عن طريق تيارات المحيطات دورا حاسما في تنظيم المناخ العالمي. هذا ما توصل إليه فريق دولي من الباحثين بقيادة مركز جيومار هيلمهولتز لأبحاث المحيطات في كيل بألمانيا، في دراسة جديدة نشرت في دورية "ساينس أدفانسز".
العصر الجليدي الصغيرللوصول إلى تلك النتيجة، درس الفريق شذوذات المناخ الطبيعي، بما في ذلك ما يسمى بالعصر الجليدي الصغير، وهي الفترة الباردة من القرن الـ15 وحتى منتصف القرن الـ19 التي أدت إلى ضعف إنتاج المحاصيل والمجاعة والأمراض في أوروبا.
تقول الدكتورة أناستاسيا جورافليفا المؤلفة الرئيسية للدراسة: "النظر في الشذوذات المناخية الطبيعية الأخيرة يساعدنا على فهم العمليات والآليات التي قد يؤدي إليها الاحتباس الحراري الذي يتسبب فيه الإنسان".
وتضيف أنه غالبا ما يرى الباحثون أن زيادة حجم الجليد البحري وانخفاض ملوحة المياه في منطقة القطب الشمالي شمال المحيط الأطلسي كانت هي محفزات حدوث الفترات الباردة السابقة، ولكن يبدو أن العمليات في المحيط الأطلسي الاستوائي لها القدر نفسه من الأهمية"، وهو ما دعا الفريق إلى تركيز بحثهم في تلك المنطقة.
تتأثر تيارات المحيط الأطلسي التي توزع الحرارة بتغير الملوحة في الأجزاء الاستوائية وشبه الاستوائية منه (جيومار) المحيط الأطلسي الاستوائيإذاً، ما الذي حدث في المحيط الأطلسي الاستوائي خلال الظواهر المناخية التاريخية، وكيف يمكن للتغيرات المحتملة أن تؤثر في تيارات المحيط الأطلسي والمناخ في الشمال؟
وللإجابة على هذه الأسئلة، درس الفريق الرواسب في جنوب البحر الكاريبي وأعادوا بناء تصورهم عن ملوحة ودرجة حرارة المياه السطحية على مدى 1700 سنة مضت.
وأظهرت النتائج حدوث تبريد بنحو درجة مئوية واحدة خلال العصر الجليدي الصغير. وأدت درجات الحرارة الباردة في المحيط الاستوائي الدافئ إلى انخفاض هطول الأمطار على المستوى الإقليمي، الذي تزامن مع الجفاف الشديد في شبه جزيرة يوكاتان وتراجع ثقافة المايا الكلاسيكية.
بالإضافة إلى ذلك، وجد الباحثون أن شذوذات المناخ البارد في المنطقة شبه القطبية شمال المحيط الأطلسي وأوروبا كانت مصحوبة بضعف دوران المحيطات وزيادة الملوحة في منطقة البحر الكاريبي.
حركة الملح الاستوائيوكما يقول الباحثون في البيان الصحفي المنشور على موقع مركز جيومار فإن "التأفق، أو حركة الملح الاستوائي، إلى خطوط العرض الشمالية المرتفعة، أمر ضروري للحفاظ على كثافات سطحية عالية في شمال المحيط الأطلسي شبه القطبي، وهذا شرط أساسي للاستقرار العام لحركة المحيطات على نطاق واسع، بما في ذلك نقل تيار الخليج الدافئ.
لب عينة من رواسب البحر الكاريبي التي درس الفريق البحثي تغيرات الملوحة فيها (جيومار)وتقدم الدراسة الجديدة دليلا على أن انخفاض حركة الملح إلى خطوط العرض الشمالية العليا سيؤدي إلى تضخيم هذه الأحداث المناخية وإطالة أمدها.
وعلى العكس من ذلك، فإن الحركة البطيئة لشذوذات الملوحة الإيجابية من المناطق الاستوائية ستؤدي في النهاية إلى زيادة الكثافة على سطح شمال المحيط الأطلسي شبه القطبي. وقد يؤدي هذا إلى انتقال الحرارة شمالا عن طريق تيارات المحيط، مما يؤدي إلى درجات حرارة أكثر اعتدالا فوق أوروبا وأميركا الشمالية.
وأخيرا فإن هناك من الأدلة ما يشير إلى أن تيار الخليج يضعف حاليا، وأن الاحتباس الحراري الناجم عن أنشطة بشرية هو السبب المحتمل، والأمر المؤكد هو أن عواقب هذا التغيير ستكون عالمية.
وتؤكد هذه الدراسة على مدى تفاعل آليات المناخ المختلفة وعلى أن انتقال الملح من الجنوب إلى الشمال -كأحد تلك الآليات- هو عامل رئيسي في تأثيرات تغير المناخ.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: شمال المحیط الأطلسی
إقرأ أيضاً:
أوروبا لم تتقبل بعد حقائق الطقس الجديدة
عند كتابة هذه السطور، ارتفع عدد القتلى إلى 214. وتكدست السيارات المحطمة والحطام في الشوارع، وظلت مساحات شاسعة من فالنسيا تحت الماء، وأسبانيا في حالة حداد. وفي يوم الأحد، اندلعت موجة من الغضب عندما رشق المحتجون ملك أسبانيا والملكة بالطين وغيره من الأشياء. لماذا فقدنا الكثير من الأرواح في فيضان كان من المتوقع حدوثه في بلد غني؟ من منظور الشمال العالمي، لطالما كان يُنظَر إلى أزمة المناخ، الناجمة عن حرق الفحم والنفط والغاز، باعتبارها تهديدًا بعيدًا يؤثر على الفقراء في الجنوب العالمي. وقد أدى هذا المفهوم الخاطئ إلى ترسيخ شعور زائف بالأمن. لقد أدرك العلماء منذ فترة طويلة أن ارتفاع درجة حرارة المناخ بسبب انبعاثات الوقود الأحفوري من شأنه أن يؤدي إلى تكثيف الفيضانات والعواصف وموجات الحر والجفاف وحرائق الغابات. ومع ذلك، لم يربط حدث مناخي، وهو موجة الحر المدمرة في أوروبا عام 2003، رسميًا بتغير مناخنا إلا في عام 2004. وعلى الرغم من الأدلة، كان الناس مترددين في ربط الطقس المتطرف بأزمة المناخ. أسست مؤسسة (وورلد ويذَر أتريبيوشن) في عام 2014 بهدف تغيير مسار الحوار. تُجرى دراسات الإسناد لدينا بسرعة، على مدار أيام أو أسابيع، في أعقاب الكوارث المناخية مباشرة لإعلام الناس في الوقت الفعلي بدور أزمة المناخ. أظهر تحليل سريع للفيضانات في إسبانيا أن حالة الطوارئ المناخية جعلت هطول الأمطار الغزيرة أكثر كثافة بنحو 12% وهناك احتمالية لتضاعفه. وعلى الرغم من ذلك، قال عمدة بايبورتا، حيث توفي ما لا يقل عن 62 شخصًا، إن الفيضانات ليست شائعة وأن «الناس ليسوا خائفين». لكن تغير المناخ يجعل الأحداث النادرة أكثر شيوعًا. إن الأحداث القياسية مثل هذه تزيد من تعقيد إجراءات الاستعداد للحالات المناخية، فكيف يمكنك توصيل فكرة شدة خطر شيء ما لم يجربه شخص ما من قبل؟ لقد شهدنا هذا الأمر مؤخراً بعد أن ضرب إعصار هيلين اليابسة. فقد لقي أكثر من 200 شخص حتفهم في الفيضانات التي ضربت منطقة جبال الأبالاش الجنوبية الداخلية في الولايات المتحدة. وعلى الرغم من التحذيرات من الفيضانات «الكارثية التي تهدد الحياة» قبل وقوع الكارثة، إلا أن الناس كانوا عالقين عندما وقعت الكارثة، ولم يتمكن كثيرون من تقدير مدى شدة الأمطار الغزيرة التي كانت ستهطل. ولكن في إسبانيا لم يتلق الناس تحذيرات إلا أثناء وقوع الفيضانات. ولم ترسل التحذيرات إلا بعد أن حوصر العديد من الناس في المنازل المغمورة بالمياه أو في مواقف السيارات تحت الأرض، وهم يحاولون نقل سياراتهم إلى أرض مرتفعة. لقد حدث نفس الشيء في ألمانيا في عام 2021. لم تُقدّم أيةُ معلومات حول كيفية التصرف في مثل تلك الحالات المناخية، والأهم من ذلك، لم يـُقدّم أيُّ دعم لأولئك الذين لم يتمكنوا من مساعدة أنفسهم. في مدينة سينزيج الألمانية، غرق 12 من نزلاء دار رعاية للمعاقين. وفي إسبانيا، أبلغ بالفعل عن وفاة سكان أحد دور الرعاية، وأخشى أن تظهر المزيد من القصص المرعبة مثل هذه في الأسابيع المقبلة. لقد قامت مؤسسة (وورلد ويذَر أتريبيوشن) بدراسة 30 فيضاناً مدمراً. وفي كل الحالات تقريباً، بما في ذلك في البلدان النامية، وجدنا أن هطول الأمطار كان متوقعاً بشكل جيد. ولكن كما رأينا في إسبانيا، فإن التنبؤ بالطقس ليس كافياً. فالتحذيرات، عندما وصلت أخيراً، لم تتضمن معلومات حيوية حول الأماكن التي يجب الإخلاء إليها وعن كيفية الإخلاء. إن الحكومات المحلية وخدمات الطوارئ تشكل الوسيط الأساسي بين خدمات الأرصاد الجوية والأشخاص المتضررين. ولابد من تعزيزها وليس تفكيكها، كما حدث مع وحدة الطوارئ في فالنسيا. من الواضح أن أنظمة الكوارث في إسبانيا تحتاج إلى التطوير. وعلى نطاق أوسع، يتعين علينا أن نطرح بعض الأسئلة الصعبة حول صناديق الكوارث الدولية. هل ينبغي للاتحاد الأوروبي أن يخصص أموالاً للوقاية، بدلاً من تنظيف الفوضى بعد وقوع الكارثة؟ وفي رأيي، يتعين عليه بكل تأكيد أن يزيد من ضخ الأموال في هذا المجال، وأن يضع خططاً منسقة. وسوف نشهد المزيد من الظواهر الجوية المتطرفة ما دمنا نحرق الوقود الأحفوري. واليوم، نشهد ارتفاعاً في درجات الحرارة بمقدار 1.3 درجة مئوية، ولكننا للأسف نسير على الطريق نفسه إلى أن نشهد ارتفاعاً يصل إلى 3 درجات مئوية بحلول عام 2100، وهو ما يعني زيادة وتيرة وشدة الفيضانات المماثلة في إسبانيا. وبدون وضع خطة عمل ومعرفة كيفية تنفيذها على وجه التحديد، كما هو متبع في تدريبات الطوارئ العملية، فإن أعداد القتلى سوف تظل مرتفعة دائماً عندما يكسر رقم قياسي في درجات الحرارة، أو عندما تشهد منطقة جديدة أمطاراً بحجم الأعاصير، كما حدث في إسبانيا. إن الاستثمار في الناس وخدمات الطوارئ من شأنه أن ينقذ الأرواح. ولكن الحكومات لا تستطيع أيضاً إعادة بناء المدن بالطريقة نفسها. ففي كل مكان تقريباً في أوروبا حيث يعيش الناس، تُشقُّ قنوات الأنهار، وتغلقُ جميع الأسطح بالخرسانة والإسفلت لإنشاء مدينة مريحة للسيارات. وإذا أردنا أن نبدأ في الاهتمام بالناس بدلاً من ذلك، فنحن بحاجة إلى إعطاء الأنهار مساحة كافية مرة أخرى، حتى يكون لديها مجرى آخر تذهب إليه بدلاً من منازل الناس. إن التوسع الحضري في جميع أنحاء أوروبا يُوجِدُ المزيد من الأسطح المغلقة، ويُعرِّضُ عدداً متزايداً من الناس للفيضانات المدمرة. إننا نحن الأوروبيين في حاجة إلى التعلم وإعادة البناء من أجل مستقبل لا يزال في بداياته. ولكن الأمر الأكثر إلحاحاً هو أن نطور مهاراتنا لنضمن العيش والبقاء في عالم متغير المناخ. |