كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلّاس: "تاريخية الموقف المسيحي الكياني من القدس لا تحجب شمسها ضبابية الالتباسات الراهنة، ولا تخفف من وَهْجها عتاقة الزمن الأغبر. فالمسيحيون هم أهل هذه الارض، مهداً وصلباً وقيامة، وإيماناً وحجاً وتاريخاً وحضوراً ومَقامَاتٍ قدسيةً ترتبط بها عقيدتهم من الشهادة الى الرجاء.  

ولا يحتاج تظهير موقف رؤساء ورعاة الكنائس الشرقية من القدس بخاصة وفلسطين كقضية محورية الى كبير عناء.

فالاعتراضات المسيحية على الاحتلالات الصهيونية المنظمة والمدعومة من الغرب لإقامة الكيان الاسرائيلي واضحة وصريحة، واتصفت بالجرأة الاعتراضية الرافضة للاحتلال والمانعة لإعادة تكوين جغرافية المنطقة بدءاً من فلسطين، التي شكَّل استهداف تركيبتها الديموغرافية وكيانيتها الديانية ومركزيتها القدسية، نقطة التحول الرئيسية لتغيير خرائط المنطقة واعادة ترسيم الحدود الوهمية والطبيعية وتلك التي رسمتها المعاهدات والاتفاقات الدولية بين الاستعمارات، خدمة لمشروع الاستعمار وتنفيذ قرار انشاء كيان احتلالي، كان المسيحيون ومقدساتهم أُولى ضحاياه .

في أزمة فلسطين الممتدة منذ سنة 1948 كانت مواقف الكنائس الشرقية ولمَّا تزل على صلابتها العقيدية من احتلال اسرائيل لفلسطين وهيمنتها على المقدسات المسيحية والإسلامية، بما يجعل القدس محتلة عسكرياً وروحياً. ولعلَّ الاحتلال الروحي للقدس لا يقلُّ إيلاماً عن احتلال الارض ومحاولة تزوير التاريخ ومحو الحقائق وتحوير المفاهيم وضرب سلامية الموروثات العقيدية الروحية للمسيحية والإسلام تمهيدا لإعلانات تاريخية أكثر تشابكاً وبيانات أعقدَ من ان تجد لها مبرراً .

مع تداعيات "طوفان الاقصى" وتصاعد الحديث عن استهدافات الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين بمساجدهم وكنائسهم ومشافيهم ومدارسهم، يحضر الكلام عن دور مطران العرب غريغوريوس حجار 1875-1940 الذي جلس على كرسي أسقفية عكا لأربعين سنة 1901-1940 ولقِّب بالخطيب الساحر لبلاغته وفصاحة كلامه الجاذب، وهو المنسلّ من بلدة روم من أعمال جزين، والمنتمي الى الرهبانية المخلصية، كأبرز مرجعية مسيحية ووطنية وعربية، ناصرَ الحقّ الفلسطيني وعارض المشاريع الاستيطانية لليهود وتهجير أهل الارض، ودافع عن الحق بالمقدسات والعيش السلامي الحر بعيدا من الوصايات وصيغة وضع اليد على مكونات الشعب الفلسطيني بطوائفه ومذاهبه وتوجهاته، وحذّر المسيحيين من اي تعاون مع الاسرائيليين أو التهاون معهم ببيع الارض، معتبرا ان ذلك "إثمٌ من الآثام"، فاعتبره سعد زغلول أبلغ خطيب عربي، وقال عنه الشريف حسين إنه مفخرة هذه الأمة وعلَم من أعلامها، ووصفه مستشرقون بأنه رمز مسيحيي الشرق. غير أن أحنَّ لقب اليه هو مطران العرب.

فالنضالية الاستبسالية التي اتصفت بها شخصيته، اعطت القضية الفلسطينية زخماً ملحوظاً، باعتبار انه الشخصية القيادية المسيحية التي عارضت وضع اليد على فلسطين وتهجير أهلها واحتلال ارضها، فرافع أمام اللجنة الملكية البريطانية مدافعاً عن العرب ضد اليهود (1936)، ونجح بالسعي للإفراج عن المجاهدين العرب المسجونين لدى البريطانيين وناضل في سبيل الحقّ الفلسطيني بالقدس ورفض تهويدها وإضاعة أصولها. ولشدة إيمانه بأحقية القضية واعتبارها مسألة حياة أو موت، دفع حياته ثمناً لمواقفه، فبعد أن توجه إلى المسجد للإبلاغ عن الإفراج عن الشباب الأسرى، صدمته سيارة فقُتل دهساً، وكان اول اسقف شهيد يفتدي فلسطين بروحه. كان غريغوريوس حجار ينسج علاقة متينة مع كلٍّ الطوائف في فلسطين، ويتقرب من الفلاحين ويحثّهم على التمسك بأرضهم ولا يبيعونها للسماسرة الذين اعتبر دورهم أخطر من اليهود. وأكمل مسيرته بأن قدّم أراضي الكنيسة لخدمة الأهالي وبقائهم فيها. وهو الذي طالما حذّر من تشرذم العرب وتفرّقهم، وجاهر مدافعاً عن القضية الفلسطينية في محافل اقليمية ودولية، لكن المؤامرة استعجلت موته قبل ثماني سنوات من إعلان الكيان الاسرائيلي."
 

المصدر: لبنان ٢٤

إقرأ أيضاً:

الأنبا توما يترأس مؤتمر اللجنة الأسقفية للشباب "نختار أو نحتار"

تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق

ترأس الأنبا توما حبيب، مطران إيبارشية سوهاج للأقباط الكاثوليك، ومسؤول اللجنة الأسقفية للشباب، بالكنيسة الكاثوليكية بمصر، فعاليات اليوم الثاني من مؤتمر اللجنة "نختار أو نحتار"، الذي تستمر فعالياته حتى التاسع عشر من الشهر الجاري، وذلك بسوسنة الوادي، بوادي النطرون.

بدأ اليوم بصلاة القداس الإلهي، التي ترأسها الخوري لويس متى، راعي كنيسة القديسة تريزا الطفل يسوع المارونية، بالإسكندرية، حسب الطقس الماروني، بمشاركة الآباء الكهنة، مسؤولي لجان الشباب بالإيبارشيات الكاثوليكية المختلفة.

وعقب ذلك، ألقى طوني جورج، محاضرة بعنوان "كيفية اختيار شريك الحياة"، ثم قدم الأب رمزي جريج، الرئيس الإقليمي للآباء اللعازريين بالشرق الأوسط محاضرة حول "مفهوم الزواج في الكنيسة  الكاثوليكية".

وشارك في اليوم الثاني من المؤتمر اللجنة الأسقفية للشباب الفنان سامح حسين، والمذيعة القديرة لقاء سويدان، اللذان أدارا مناقشة حول "الاختبار الصحيح"، كما تناقشا مع الحاضرين عن مسيرتهم الفنية، واختيارهما لها.

وتضمن اليوم الثاني حوار متبادل بين الأنبا توماس عدلي، مطران إيبارشية الجيزة والفيوم وبني سويف للأقباط الكاثوليك، وشباب المؤتمر، حيث قام المطران بالإجابة على أسئلة الشباب المختلفة، واختتمت الفقرات بفقرة الترانيم الروحية، بقيادة هايدي منتصر.

459656442_920418760106663_442220804742629355_n 459871614_920414436773762_3717033318063085168_n 459962939_920413516773854_3867452877130047268_n 460214620_920415100107029_2812682478022076284_n 460300722_920414820107057_8076412189168629539_n 460536585_920417323440140_571941322277693714_n

مقالات مشابهة

  • مصر ترحب بالقرار الأممي المطالب بإنهاء احتلال فلسطين
  • مصر ترحب بقرار الأمم المتحدة حول الرأي الاستشاري لمحكمة العدل الدولية بشأن فلسطين
  • بطريرك السريان الأرثوذكس يحتفل بالقداس الإلهي بمناسبة عيد مار متى الناسك
  • «الوطني الفلسطيني» يدعو المجتمع الدولي للتعامل بشكل عملي مع القرارات الأممية التي تدعم القضية الفلسطينية
  • الأردن يرحب باعتماد الأمم المتحدة مشروع قرار بشأن الآثار القانونية عن سياسات إسرائيل في فلسطين
  • شهيد في شعفاط شمال القدس.. واعتداءات للمستوطنين في رام الله (شاهد)
  • الأنبا توما يترأس مؤتمر اللجنة الأسقفية للشباب "نختار أو نحتار"
  • مقال بنيويورك تايمز: القضية التي أصبح فيها أقصى اليمين الإسرائيلي تيارا سائدا
  • دعاء زهران: القضية السكانية واحدة من أهم التحديات التنموية التي تواجه الدولة المصرية
  • عندما تجتمع الأحزاب المسيحية في مونتريال