غريغوريوس حجار مطران العرب اسقف شهيد افتدى فلسطين بروحه
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
كتب وزير الشباب والرياضة جورج كلّاس: "تاريخية الموقف المسيحي الكياني من القدس لا تحجب شمسها ضبابية الالتباسات الراهنة، ولا تخفف من وَهْجها عتاقة الزمن الأغبر. فالمسيحيون هم أهل هذه الارض، مهداً وصلباً وقيامة، وإيماناً وحجاً وتاريخاً وحضوراً ومَقامَاتٍ قدسيةً ترتبط بها عقيدتهم من الشهادة الى الرجاء.
ولا يحتاج تظهير موقف رؤساء ورعاة الكنائس الشرقية من القدس بخاصة وفلسطين كقضية محورية الى كبير عناء.
في أزمة فلسطين الممتدة منذ سنة 1948 كانت مواقف الكنائس الشرقية ولمَّا تزل على صلابتها العقيدية من احتلال اسرائيل لفلسطين وهيمنتها على المقدسات المسيحية والإسلامية، بما يجعل القدس محتلة عسكرياً وروحياً. ولعلَّ الاحتلال الروحي للقدس لا يقلُّ إيلاماً عن احتلال الارض ومحاولة تزوير التاريخ ومحو الحقائق وتحوير المفاهيم وضرب سلامية الموروثات العقيدية الروحية للمسيحية والإسلام تمهيدا لإعلانات تاريخية أكثر تشابكاً وبيانات أعقدَ من ان تجد لها مبرراً .
مع تداعيات "طوفان الاقصى" وتصاعد الحديث عن استهدافات الفلسطينيين مسيحيين ومسلمين بمساجدهم وكنائسهم ومشافيهم ومدارسهم، يحضر الكلام عن دور مطران العرب غريغوريوس حجار 1875-1940 الذي جلس على كرسي أسقفية عكا لأربعين سنة 1901-1940 ولقِّب بالخطيب الساحر لبلاغته وفصاحة كلامه الجاذب، وهو المنسلّ من بلدة روم من أعمال جزين، والمنتمي الى الرهبانية المخلصية، كأبرز مرجعية مسيحية ووطنية وعربية، ناصرَ الحقّ الفلسطيني وعارض المشاريع الاستيطانية لليهود وتهجير أهل الارض، ودافع عن الحق بالمقدسات والعيش السلامي الحر بعيدا من الوصايات وصيغة وضع اليد على مكونات الشعب الفلسطيني بطوائفه ومذاهبه وتوجهاته، وحذّر المسيحيين من اي تعاون مع الاسرائيليين أو التهاون معهم ببيع الارض، معتبرا ان ذلك "إثمٌ من الآثام"، فاعتبره سعد زغلول أبلغ خطيب عربي، وقال عنه الشريف حسين إنه مفخرة هذه الأمة وعلَم من أعلامها، ووصفه مستشرقون بأنه رمز مسيحيي الشرق. غير أن أحنَّ لقب اليه هو مطران العرب.
فالنضالية الاستبسالية التي اتصفت بها شخصيته، اعطت القضية الفلسطينية زخماً ملحوظاً، باعتبار انه الشخصية القيادية المسيحية التي عارضت وضع اليد على فلسطين وتهجير أهلها واحتلال ارضها، فرافع أمام اللجنة الملكية البريطانية مدافعاً عن العرب ضد اليهود (1936)، ونجح بالسعي للإفراج عن المجاهدين العرب المسجونين لدى البريطانيين وناضل في سبيل الحقّ الفلسطيني بالقدس ورفض تهويدها وإضاعة أصولها. ولشدة إيمانه بأحقية القضية واعتبارها مسألة حياة أو موت، دفع حياته ثمناً لمواقفه، فبعد أن توجه إلى المسجد للإبلاغ عن الإفراج عن الشباب الأسرى، صدمته سيارة فقُتل دهساً، وكان اول اسقف شهيد يفتدي فلسطين بروحه. كان غريغوريوس حجار ينسج علاقة متينة مع كلٍّ الطوائف في فلسطين، ويتقرب من الفلاحين ويحثّهم على التمسك بأرضهم ولا يبيعونها للسماسرة الذين اعتبر دورهم أخطر من اليهود. وأكمل مسيرته بأن قدّم أراضي الكنيسة لخدمة الأهالي وبقائهم فيها. وهو الذي طالما حذّر من تشرذم العرب وتفرّقهم، وجاهر مدافعاً عن القضية الفلسطينية في محافل اقليمية ودولية، لكن المؤامرة استعجلت موته قبل ثماني سنوات من إعلان الكيان الاسرائيلي."
المصدر: لبنان ٢٤
إقرأ أيضاً:
عدد جديد من «بانيبال» يسلط الضوء على «القضية الفلسطينية في قلب الأدب»
أصدرت مجلة بانيبال عددها الخامس عشر، لتواصل رحلتها فـي استكشاف الأدب العربي المعاصر وتسليط الضوء على قضايا إنسانية شديدة الارتباط بالواقع الراهن. فـي هذا العدد، تتصدر القضية الفلسطينية المشهد الأدبي، حيث تقدم المجلة أعمالًا لكُتّاب وشعراء فلسطينيين، جنبًا إلى جنب مع نصوص لكتّاب من دول عربية أخرى؛ لتخلق فسيفساء أدبية غنية تجمع بين الذاكرة والخيال والمقاومة.
وفـي هذا العدد، خصصت المجلة مساحة واسعة لتسليط الضوء على التجربة الفلسطينية من خلال أعمال مبدعين فلسطينيين، من أبرزهم سامر أبو هواش، الذي يُنشر ديوانه «من النهر إلى البحر» بالكامل، الديوان يعيد صياغة مآسي الشعب الفلسطيني، مستعينًا بالتناص مع أعمال شعرية عالمية، مثل «الأرض اليباب» لتوماس إليوت، ليحوّل الألم والاحتضار الجماعي إلى قصائد تحتفـي بالذاكرة والمقاومة.
كما تتضمن المجلة قصائد داليا طه التي تمزج بين الخيال الرمزي والواقع المرير، حيث تحول الألم الفلسطيني إلى رؤى شعرية تنطق بالمقاومة والجمال. وتشمل أيضًا أعمال رنا زيد وفرح حليمة هوب، التي تسرد قصصًا مؤثرة عن الشتات الفلسطيني، فـي استحضارٍ للألم الإنساني وتطلعات الحرية.
وعلى صعيد آخر، يبرز فـي العدد فصل من رواية الكاتبة العمانية هدى حمد، «لا يُذكرون فـي مجاز». بأسلوبها المتفرد، تخوض هدى فـي عوالم الشخصيات النسائية؛ لتكشف عن عمقها النفسي وعلاقتها بالمجتمع المحيط، تواصل هدى حمد من خلال هذا النص استكشاف الحدود بين الواقع والخيال، مكرسةً حضورها كواحدة من أبرز الكاتبات العمانيات فـي الساحة الأدبية العربية.
ولم تغفل المجلة فـي هذا العدد التنوع الثقافـي، حيث استضافت الشاعر الكولومبي الإسباني خوان بابلو روا، الذي يكتب عن الحياة اليومية بنبض إنساني عميق، كما تنشر فصلًا من رواية الكاتبة المصرية ريم بسيوني «الحلواني: ثلاثية الفاطميين»، وتحتفـي بأسلوبها فـي سرد التاريخ من خلال شخصيات نابضة بالحياة.
يؤكد العدد الجديد من «بانيبال» التزامه بنقل صوت المهمشين والمقهورين، حيث يركز على الأدب كوسيلة لرسم ملامح الذاكرة الجماعية وإحياء القضايا المنسية. من خلال نشر قصائد ونصوص تسرد آلام الفلسطينيين فـي غزة والمنفى، يتوجه هذا العدد إلى القارئ العالمي برسالة واضحة: الأدب لا ينفصل عن السياسة والإنسانية، بل يتقاطع معهما ليبني جسورًا بين الشعوب.