أوروبا والفضاء العربي الإسلامي: لن يعود شيء كما كان
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
أوروبا والفضاء العربي الإسلامي: لن يعود شيء كما كان
تموضع بلدان أوروبا الحالي مع جبهة الحرب الإسرائيلية الأميركية ضد الشعب الفلسطيني هو منعطف تاريخي لا أقل، في ما يعني وفي ما سينجم عنه.
بعد معركة غزة، لن يبقى البحر المتوسط مجالاً للتواصل بين ضفّتَيه، بل بات حدّاً فاصلاً بين عالمَين متعادِيَين. لا خير يرجى غرباً.
التوجه شرقاً وجنوباً هو الحل!
المواقف والقرارات الأوروبية الرسمية حيال المواجهة الدائرة، تشي بأن مرحلة تاريخية كاملة في علاقة القارة العجوز بالفضاء العربي الإسلامي، انتهت تماماً.
مرحلة أخرى قد بدأت، سمتها الرئيسية ذوبانٌ كامل لأيّ «خصوصية أوروبية» بعد التحاق بلدان هذه القارة بمعسكر «الغرب الجماعي» بقيادة الولايات المتحدة.
* * *
تطوّران بارزان في الأيام الماضية أوضحا بجلاء أكبر الأبعاد الاستراتيجية المهمّة المرتبطة بالمواجهة الكبرى الدائرة في غزة بين الشعب الفلسطيني وقواه المقاومة من جهة، والكيان الصهيوني و«الغرب الجماعي» من جهة أخرى. عادةً ما يكشف استفحال الأزمات حقيقة سياسات أفرقائها وانحيازاتهم الفعلية، وثبات أو تحوّل مقارباتهم لقضايا العالم المختلفة.
ليس من المبالغة القول إن المواقف الرسمية، وكذلك القرارات، التي اتّخذتها أغلب الحكومات الأوروبية حيال المواجهة المذكورة، تشي بأن مرحلة تاريخية كاملة في علاقة القارة العجوز بالفضاء العربي الإسلامي، انتهت تماماً، وإن أخرى قد بدأت، سمتها الرئيسية ذوبانٌ كامل لأيّ «خصوصية أوروبية» بعد التحاق بلدان هذه القارة بمعسكر «الغرب الجماعي» بقيادة الولايات المتحدة.
لقد تأكد منذ زمن ليس بقريب، أن تحوّل الاتحاد الأوروبي إلى لاعب دولي موحّد ومستقل عن الولايات المتحدة هو ضرب من ضروب الأوهام، وفق ما أثبتته العديد من الوقائع والأزمات ذات الأبعاد الاستراتيجية في العقود الماضية، من حروب يوغوسلافيا السابقة إلى حرب أوكرانيا.
لكن تموضع بلدانه الحالي مع جبهة الحرب الإسرائيلية الأميركية ضد الشعب الفلسطيني هو منعطف تاريخي لا أقل، في ما يعني وفي ما سينجم عنه.
لم تكن أوروبا لاعباً استراتيجياً، لكنّها حرصت، أو حرص بعض بلدانها، على التمايز عن السياسات الأميركية بالنسبة إلى العديد من قضايا منطقتنا، وإن اقتصر هذا الأمر على إطلاق التصريحات وتدبيج البيانات لا أكثر.
التذكير بـ«حق الشعب الفلسطيني في تقرير المصير وإقامة دولة مستقلة»، وإدانة «الاستيطان وتغيير الوقائع بالقوة»، وكذلك «الاستخدام المفرط للقوة» ضدّ المدنيين، كانت لعقود من بين الثوابت المُعلنة لمواقف الدول الأوروبية التي سعت إلى الظهور بمظهر الطرف المتمسّك بالقيم الكونية وبالقانون الدولي وبقرارات الأمم المتحدة الخاصة بالصراع العربي الصهيوني. كل ذلك انتهى اليوم.
المشاركة السياسية الديبلوماسية الأمنية، وربما غداً العسكرية، في العدوان الإسرائيلي الأميركي ضد غزة، وهو في طابعه الرئيس حتى اللحظة، وقبل شروع قوات الاحتلال الصهيوني في الغزو البري، عبارة عن مذبحة ضدّ المدنيين، تجبّ ما قبلها.
المواقف الأوروبية، كما تجلّت للمثال لا الحصر خلال «قمة القاهرة» وفي خطاب الممثل الدائم لفرنسا في الأمم المتحدة، ترقى إلى مستوى المشاركة المباشرة في هذه المذبحة، عبر تأمين الغطاء السياسي لاستمرارها بذريعة ضرورات «مكافحة الإرهاب». انضمّت أوروبا علناً إلى معسكر أعداء الفلسطينيين والعرب والمسلمين.
لم يخفِ المسؤولون الإسرائيليون أهداف حربهم على غزة في مرحلتها الحالية. أكثرهم صراحة كان اللواء الاحتياطي، غيورا أيلاند، الذي اعتبر في مقال في صحيفة «يديعوت أحرونوت»، أن «الخيار الوحيد أمام إسرائيل هو تحويل غزة إلى مكان غير قابل للحياة مؤقتاً أو بشكل دائم.
التسبب بأزمة إنسانية حادّة هو وسيلة ضرورية لتحقيق غايات الحرب... ستصبح غزة مكاناً لا يستطيع أيّ كائن حي العيش فيه». اعترافٌ صريح وواضح من قائد إسرائيلي يرفع أدنى التباس عن حقيقة ما يجري.
لم يمنع هذا الأمر الدول الأوروبية المشاركة في «قمة القاهرة» التي عقدت منذ يومين من الحؤول دون إصدارها بياناً ختامياً نتيجة لرفضها الدعوة إلى وقف لإطلاق النار، رغم من إصرار الأطراف العربية في القمة على ذلك، وهي المُصنّفة تقليدياً «صديقة وشريكة» من قبل الأولى.
وأتت مقابلة ممثل فرنسا الدائم في الأمم المتحدة، نيكولا دو ريفيير، مع قناة «الجزيرة»، لتفصح عن مدى انجرار بلاده خلف الموقف الإسرائيلي عندما رأى أنه «يحق لإسرائيل قصف إرهابيي حماس».
لا طائل في مثل هذه الحالات من الإشارة إلى أن معظم من قتلتهم إسرائيل في غزة عمداً هم مدنيّون. الدول الاستعمارية، وإن كانت استعمارية سابقة كما هي حال «بلاد الأنوار وفولتير وموليير»، وانطلاقاً من تجربتها التاريخية، تعلم أن الحروب ضد حركات التحرر الوطني موجّهة أساساً ضد حاضنتها الاجتماعية، أي عموم السكان في البلد المستعمر.
فرنسا قتلت مليوناً ونصف مليون جزائري، جلّهم من المدنيين بالقصف التدميري الواسع النطاق، واستخدام النابالم، والتهجير والتجويع. هي وغيرها من البلدان الأوروبية، في حقبة ما بعد جلاء الاستعمار المباشر عن البلدان العربية والإسلامية، حاولت أن تنسي هذه البلدان سجلّها التاريخي المظلم والإجرامي عبر الحديث عن إعادة بناء العلاقات بين «ضفّتَي المتوسط» على قاعدة «الندّية والاحترام المتبادل والمصالح المشتركة»، والتمايز عن المواقف الأميركية الأكثر صلافة.
اندفاعها للإسهام في الحرب الإسرائيلية الأميركية سياسياً وإعلامياً وأمنياً وربما عسكرياً، أنعش ذاكرة شعوب الفضاء العربي الإسلامي بالنسبة إلى تاريخها والصلة بينه وبين حاضرها.
من لم يتذكّر، عندما رأى المقارنة الغربية بين «حماس» و«داعش»، مقارنة أخرى قام بها رئيس الوزراء الفرنسي خلال العدوان الثلاثي على مصر، غي موليه، بين الرئيس جمال عبد الناصر وأدولف هتلر. «هتلر بات على ضفاف النيل»، قال موليه.
خط بياني واحد يربط بين موليه وإيمانويل ماكرون وأولاف شولتز وجورجيا ميلوني. بعد معركة غزة، لن يبقى البحر المتوسط مجالاً للتواصل والتفاعل بين ضفّتَيه، بل بات حدّاً فاصلاً بين عالمَين متعادِيَين. لا خير يرجى غرباً. التوجه شرقاً وجنوباً هو الحل!
*وليد شرارة كاتب وباحث في العلاقات الدولية
المصدر | الأخبار
المصدر: الخليج الجديد
كلمات دلالية: فلسطين الغرب أوروبا الاستيطان البحر المتوسط الكيان الصهيوني الحرب الإسرائيلية الأميركية العربی الإسلامی الشعب الفلسطینی
إقرأ أيضاً:
ماذا ستفعل وزارة الخزانة الأميركية لتجنب تخلف الحكومة عن سداد ديونها؟
الاقتصاد نيوز - متابعة
حذر مكتب الميزانية في الكونغرس، من تجاوز الحكومة الأميركية مستويات الديون القياسية التي سُجلت بعد الحرب العالمية الثانية خلال 4 سنوات فقط، رغم تخفيض المكتب قليلاً لتقديراته بشأن العجز خلال العقد المقبل.
من جانبها، قالت وزيرة الخزانة الأميركية، جانيت يلين، الجمعة، إن وزارتها ستباشر إجراءات في الأسبوع المقبل لتجنّب تخلف الحكومة الأميركية عن سداد ديونها، وفق رويترز. ويبلغ الدين الفيدرالي نحو 36 تريليون دولار.
لا تتضمن التقديرات الجديدة لمكتب الميزانية خسائر الإيرادات الناتجة عن خطط الرئيس المنتخب دونالد ترامبلتمديد بنود التخفيضات الضريبية التي أقرها خلال 2017، وخطوات إضافية لخفض الضرائب.
جاءت تصريحات يلين بعد أن بلغت ديون الولايات المتحدة حدها الأقصى، وقد حذّرت الوزيرة في رسالة إلى الكونغرس من أن "الفترة الزمنية التي قد تستمر فيها الإجراءات الاستثنائية تخضع لقدر كبير من عدم اليقين".
في رسالتها إلى قادة الكونغرس، لفتت يلين إلى أن سقف الديون الذي يزيد بقليل حالياً على 36 تريليون دولار "لا يسمح بأي عمليات إنفاق جديدة".
وبالتالي سيتم اتخاذ "تدابير استثنائية" اعتباراً من 21 يناير، وهو اليوم التالي لتنصيب الرئيس المنتخب دونالد ترامب.
تتعلق هذه الإجراءات بالعديد من صناديق التقاعد والصحة لموظفي القطاع العام، وهي تعديلات فنية "ليست ضرورية على الفور لدفع الاستحقاقات".
و"لن يتأثر المتقاعدون وموظفو الخدمة العامة بهذه الإجراءات"، حسبما أكدت الرسالة.
هذا النوع من الإجراءات يتيح تجميد عدد من عمليات الإنفاق وتجنب التخلف عن دفع الفواتير. ولا يمكن لها إلا أن تكون مؤقتة، حتى يرفع الكونغرس سقف الديون أو يعلّقه.
في حال عدم التوصل إلى اتفاق، فقد تجد الولايات المتحدة نفسها في نهاية المطاف في حالة تخلف عن السداد. وأكدت يلين أن المدة الزمنية التي ستستمر فيها الإجراءات الاستثنائية "تخضع لكثير من عدم اليقين، ولا سيما بسبب صعوبة التنبؤ بعمليات الإنفاق وإيرادات الحكومة في الأشهر المقبلة".
وقبل تسليمها مهمات منصبها إلى خلفها، دعت الوزيرة الكونغرس "إلى التحرك سريعاً للحفاظ على الثقة الكاملة" للدائنين في الولايات المتحدة.
من جانبه قال خليفة يلين، سكوت بيسنت الذي اختاره ترامب لتولي منصب وزير الخزانة، أمام أعضاء مجلس الشيوخ، إن "الولايات المتحدة لن تتخلف عن سداد ديونها إذا تم تأكيد تعييني في هذا المنصب".
ومن أجل إعادة تحقيق التوازن في الحسابات العامة والاستمرار في الوقت نفسه في خفض الضرائب، يعد الرئيس المنتخب بخفض الإنفاق الحكومي الفيدرالي والاعتماد على الإيرادات من الرسوم الجمركية الإضافية التي يريد فرضها.
ليصلك المزيد من الأخبار اشترك بقناتنا على التيليكرام