عربي21:
2025-05-01@16:37:14 GMT

حرب غزة توازي أحداثاً هزّت العالم

تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT

أعلنت وزارة المالية الإسرائيلية في الأول من نوفمبر (تشرين الثاني) الحالي أن تكلفة حرب غزة المالية على الخزانة الإسرائيلية تقدر بحوالي مليار شيقل يومياً، أو ما يعادل 250 مليون دولار يومياً.

وحسب البيان الوزاري، لا تشمل هذه النفقات المصاريف المباشرة الناتجة عن غياب مئات الآلاف من جنود الاحتياط عن وظائفهم لاستدعائهم للخدمة العسكرية، بالإضافة إلى النفقات المترتبة عن نزوح أكثر من 130 ألف شخص، حسب المصادر الإسرائيلية، خلال الأسابيع الأربعة الماضية بسبب القصف على المدن.



هذا، وتوقعت وكالة «ستاندرد آند بورز» عجزاً مالياً كبيراً مما دعاها إلى تغيير الوضع المالي لإسرائيل من «مستقر» إلى «سلبي». كما لم تتوقع الوكالة إمكانية عودة مستوى الاقتصاد الإسرائيلي إلى ما كان عليه قبل الحرب حتى نهاية العام المقبل. وعلى ضوء التوقعات السلبية للدولة، خفضت «ستاندرد آند بورز» تقييمها المالي أيضاً لكل من حقل لفيثان وحقل كاريش الغازيين و«شركة كهرباء إسرائيل»، مما سيزيد من تكلفة ديون الشركات المعنية.

نظراً لتأييده لإسرائيل، وعد الرئيس الأميركي جو بايدن بتقديم 14 مليار دولار مساعدات لإسرائيل، وقدم مشروع قرار للكونغرس للموافقة على المبلغ، بالإضافة إلى مساعدات أخرى بقيمة نحو 100 مليار دولار تشمل أيضاً مساعدات لأوكرانيا وتايوان ودعم الجدار الفاصل بين الولايات المتحدة والمكسيك لردع الهجرة إلى الولايات المتحدة.

أدت حملة «طوفان الأقصى» إلى توجيه صفعة عسكرية - سياسية لإسرائيل ستظل مهيمنة على الساحة السياسية المحلية لفترة طويلة، وكذلك إلى استشهاد آلاف الفلسطينيين لاحقاً في «معركة غزة» التي لا تزال مشتعلة. وهناك مؤشرات تدل على إمكانية توسع ساحة الحرب حال استمرارها.

تعدُّ هذه الحرب واحدة من الأحداث العالمية الكبرى التي هزت العالم خلال السنوات الأربعة الماضية: الالتهابات والأمراض التي انتشرت إثر وباء «كورونا»، والغزو الروسي لأوكرانيا وتوسع الحرب الدائرة بين الدولتين إلى حرب باردة ثانية بين الولايات المتحدة وروسيا، والآن حرب غزة التي من الممكن أن تتحول بدورها إلى حرب شرق أوسطية مع إمكانية تدخل الدول الكبرى، كما تشير إلى ذلك الحشود العسكرية في المنطقة وردود الفعل على بعض العمليات العسكرية، ناهيك عن بروز الدور الإيراني في الحرب.

وفي حرب ضروس وفي الشرق الأوسط بالذات، فالأمر لا يقتصر فقط على الخسائر المالية المحلية فقط. حيث إن دراسة صدرت في العدد الأخير لدورية «آفاق أسواق السلع» الصادرة عن البنك الدولي، في استعراضها لـ«النتائج القصيرة المدى المترتبة على النزاع في الشرق الأوسط»، تذكر أن عدد سكان العالم الذين يتعرضون لمخاطر الأمن الغذائي الحاد قد ازداد عددهم حوالي 200 مليون نسمة ما بين الأعوام 2019 - 2021. وتضيف الدراسة أن الأوضاع قد تشتد سوءاً إثر حرب أوكرانيا، لكن الأرقام غير متوفرة لحد الآن. لكن، تشير الدراسة، إلى أن ما هو واضح هو أن أسعار السلع الغذائية قد ارتفعت، بالإضافة إلى ازدياد أسعار الطاقة. من ثم، فإن احتمال نشوب حرب شرق أوسطية قد تؤدي بدورها إلى ازدياد أكثر في أسعار السلعتين.

ما هي الانعكاسات المترتبة على هذه الحرب؟

تذكر صحيفة «الفايننشال تايمز» أن الجواب على المنحى الاقتصادي المستقبلي يعتمد على سؤالين مستقبليين: ما هي آثار الخراب وإلى أي مدى تتوسع رقعة الحرب من جهة؟ وما هي الآثار المترتبة على الاقتصاد العالمي من جهة أخرى؟

كما تشير «الفايننشال تايمز»، في مقال آخر، إلى سوابق تاريخية أدت في حينها إلى توسع رقعة الحرب ما بين طرفين إلى التطور لحرب عالمية، كما حدث في الحرب ما بين النمسا وصربيا في أوائل القرن العشرين التي تحولت إلى الحرب العالمية الأولى. أو حرب مصر وسوريا مع إسرائيل في أكتوبر (تشرين الأول) 1973 التي توسعت لتشمل الحصار النفطي العربي عام 1973، مما أدى إلى ردود فعل بعيدة المدى على أسواق النفط والاقتصادات العالمية.

وأضاف البنك الدولي أن غزو العراق للكويت صيف عام 1990 أدى إلى زيادة أسعار النفط خلال الأشهر الثلاثة بعد الحرب حوالي 105 في المائة، وأن الحصار النفطي العربي لعام 1973 أدى إلى زيادة أسعار النفط 52 في المائة، وقد أدى اندلاع الثورة الإيرانية إلى زيادة أسعار النفط أكثر من 48 في المائة.

من الجدير بالذكر أن أسعار النفط منذ اندلاع «طوفان الأقصى» لا تزال مستقرة. وبالفعل، لم تشهد الأسواق آثاراً ملحوظة للحرب على أسواق النفط، حتى الآن.

عربياً، هناك مخاطر اقتصادية جمة على الاقتصاد اللبناني. فبعد الحرب الأهلية لمدة 15 سنة، والانهيار الاقتصادي الذي أصاب لبنان خلال السنوات الماضية، ولا يزال مستمراً؛ حيث لا تتوفر الأموال الوافية للتعليم والصحة والوقود أو لتمويل برامج الطوارئ في حال نشوب الحرب، وحيث تمتنع جميع الأطراف المانحة من دول عربية وأخرى عالمية والمؤسسات المانحة الدولية عن تقديم المساعدات أو القروض للبنان، في ضوء الفساد المستشري في أجهزة الدولة وعدم تبني المؤسسات الرسمية برامج إصلاحية شفافة. وقد عمت البلاد موجة واسعة على مختلف الصعد تدعو إلى تجنب البلاد حرباً أخرى في ظل الأوضاع الاقتصادية المتردية دون أفق لتصليحها، ناهيك عن الفراغ الذي يعم مؤسسات الدولة.

الشرق الأوسط

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة احتلال غزة طوفان الاقصي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة أسعار النفط

إقرأ أيضاً:

المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا

في ظهيرة يوم شديد الصعوبة من أبريل/ نيسان عام 1975، بثت إذاعة الجيش الأميركي خبراً مفاده أن "درجة الحرارة في سايغون تبلغ 105 درجات وترتفع"، كانت تلك رسالة مشفرة تعني أن الوضع قد وصل إلى حد الانفلات التام في أعقاب هجوم واسع لقوات حكومة فيتنام الشمالية، وأنه قد بدأ الإجلاء الفوري لجميع الأميركيين المتبقين في فيتنام، بعدما كانت الولايات المتحدة قد سحبت قواتها القتالية من فيتنام وفقا للاتفاقية الموقعة في باريس عام 1973، تاركة نحو 5000 أميركي في مهام دبلوماسية واستخباراتية.

وخلال ساعات؛ وثقت الكاميرات مشهد عشرات الأميركيين والجنود الفيتناميين الجنوبيين واقفين على سطح مبنى في سايغون (عاصمة فيتنام الجنوبية)، أعينهم معلقة بطائرة هليكوبتر أميركية تهبط على عجل. رجال ونساء وأطفال يصطفون على درج معدني ضيق، يتدافعون بحذر وخوف نحو الطائرة التي لا تسع إلا عدداً قليلاً.

اقرأ أيضا list of 2 itemslist 1 of 2نصف مليون جندي و8 ملايين طن من القنابل.. لماذا هُزمت أميركا في فيتنام؟list 2 of 2في حال وقع المحظور النووي هل ستنحاز أميركا للهند أم باكستان؟end of list

كان ذلك المشهد ذروة عملية الإجلاء السريع التي عُرفت باسم "عملية الريح المتكررة" (Operation Frequent Wind)، وأصبحت رمزًا مريرًا لنهاية أطول حرب خاضتها الولايات المتحدة في القرن العشرين.


لكن كيف وصلت فييتنام إلى هذه اللحظة؟ وكيف تحوّل بلد زراعي صغير على هامش خريطة آسيا إلى ساحة صراعٍ دوليّ دمويّ، وإلى اختبارٍ عسير لطموحات القوى الكبرى ومرآة لانكساراتها؟ ولفهم هذه التحولات التي باتت تمثل واحدة من أهم المعارك العسكرية في القرن العشرين؛ لا بد من العودة إلى البدايات؛ إلى الحسابات الجيوسياسية لحقبة ما بعد الحرب العالمية الثانية وماقبل ذلك في زمن الاستعمار القديم، تلك الحسابات التي تجاوزت حدود فيتنام الضيقة وجعلت منها ساحةً لصراع استمر أكثر من عقدين من الزمن.

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية (الفرنسية) المحطة الأولى: فيتنام تحت الظل الاستعماري

منذ القرن التاسع عشر؛ كانت فيتنام جزءًا من المستعمرات الفرنسية، إلى جانب لاوس وكمبوديا (كانت الدول الثلاث تعرف باسم الهند الصينية). وكانت البلاد أشبه بساحة خلفية للإمبراطورية الفرنسية، حيث نُهبت ثرواتها الطبيعية، وقُمعت حركاتها الشعبية، وزُرعت فيها بذور الانقسام الطبقي والثقافي.

إعلان

لم تكن فيتنام تحديدا مجرد مستعمرة بعيدة، بل كانت عقدة حيوية في خريطة النفوذ الفرنسي في آسيا. ميناء "هايفونغ" التجاري الأهم في فيتنام، والمزارع التي كانت تنتج الأرز والمطاط، وخطوط السكك الحديدية التي تربط الهضاب بالمرافئ، كلها كانت تُدار لخدمة باريس، وليس لخدمة هانوي.

المحطة الثانية: فرصة خاطفة للاستقلال

في منتصف القرن العشرين، ومع اندلاع الحرب العالمية الثانية؛ بدأ التوازن الاستعماري القديم يتصدع. اجتاحت اليابان الهند الصينية عام 1940، تاركة الإدارة الاسمية لفرنسا الفيشية، لكنها عمليًا أضعفت القبضة الفرنسية وأفسحت المجال لنمو تيارات المقاومة المحلية. من بين هذه التيارات، برزت شخصية استثنائية ستغيّر وجه آسيا، ويحمل الفيتناميون صورته اليوم وهم يحتفلون بالذكرى الخمسين لتوحيد بلادهم: هو تشي منه.

أسّس هو تشي منه "رابطة استقلال فييتنام" أو "الفييت مينه"، وهي حركة قومية شيوعية، مزجت بين الكفاح المسلح والتحريض الشعبي. وعندما انتهت الحرب العالمية الثانية عام 1945، وإعلان استسلام اليابان، كانت الفرصة سانحة أمام هو تشي منه، فأعلن استقلال فيتنام عن الامبراطورية اليابانية في ساحة "با دينه" بهانوي.

جنود فيتناميين خلال حرب الهند الصينية الأولى (غيتي) المحطة الثالثة: عودة الاحتلال الفرنسي

لم يعمر حلم الاستقلال طويلًا. فرنسا، التي خرجت مدمّرة من الحرب العالمية الثانية، أرادت استعادة "هيبتها" من خلال إعادة بسط نفوذها على مستعمراتها القديمة. تجاهلت إعلان الاستقلال في هانوي، ونزلت قواتها مجددًا إلى الأراضي الفيتنامية، لتبدأ بذلك حربًا دموية جديدة. وبذلك؛ وُلدت حرب الهند الصينية الأولى، والتي ستُشكّل الأساس لحرب فيتنام القادمة.

لم يكن الاستعمار هذه المرة مثل الاستعمار القديم منحصرا فقط في استغلال الموارد؛ بل برز في قلبه صراع أيديولوجي ناشئ حول رؤيتين للعالم: فرنسا التي تمثّل الغرب الرأسمالي الإمبريالي، وفيتنام التي بدأت تتجه نحو الفكر الشيوعي، مدفوعة بإرث الاحتلال، وبحلم العدالة الاجتماعية.

إعلان

كانت التربة الفيتنامية قد تشبعت بما يكفي من الغضب، وكان المشهد الإقليمي والعالمي مهيأً لانفجار طويل الأمد، لن ينتهي إلا بعد ثلاثة عقود من الدم والنار.

المحطة الرابعة: "ديان بيان فو" حيث دفنت فرنسا رايتها وورثت أمريكا عبء الإمبراطورية

في وادٍ بعيد تحيط به التلال شمالي غرب فيتنام، خسرت فرنسا آخر رهاناتها الاستعمارية الكبرى. بدأت المعركة في مارس 1954، واستمرت 57 يومًا من القصف والحصار والنار. حاصرت المقاومة الفيتنامية بقيادة  فو نغوين جياب الجنود الفرنسيين. واعتبرت المعركة لاحقا  أحد الدروس التاريخية المذهلة في فنون وتكتيكات حرب العصابات وقدرتها على التفوق على الجيوش النظامية.

وفي السابع من مايو 1954، استسلمت القوات الفرنسية في ديان بيان فو، بينما كانت قادة فرنسا يبحثون في جنيف عن مخرج مشرّف. وفي يوليو 1954، اجتمع القوى الكبرى في العالم في مؤتمر جنيف، حيث تقرر تقسيم فييتنام مؤقتًا على طول خط العرض 17، الشمال بقيادة هو تشي منه الشيوعي، عاصمته هانوي. والجنوب بقيادة نظام مدعوم من الغرب، برئاسة إمبراطور صوري ثم رئيس فعلي هو نغو دينه ديم. لكن الاتفاق نص أيضًا على إجراء انتخابات وطنية موحدة عام 1956، لكنها لم تحدث، لأن الولايات المتحدة خشيت من فوز الشيوعيين.

من هنا، بدأت واشنطن تتدخل في فييتنام. لم يكن هناك إنزال عسكري بعد، وكانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو": إذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا! وهكذا، تحوّلت فييتنام من ساحة استعمار قديم إلى مسرح للصراع الأيديولوجي العالمي الذي تصاعد بعد الحرب الباردة.

كانت الولايات المتحدة آنذاك تخشى من ما يسمى "تأثير الدومينو"، فإذا سقطت فييتنام في يد الشيوعية، ستتبعها لاوس وكمبوديا وتايلاند، وربما تصل العدوى إلى أستراليا (غيتي) المحطة الخامسة: تقسيم البلاد وصعود ديان دينه ديم

انتهى الوجود الفرنسي رسميًا في جنوب فييتنام في أبريل 1956، وبقيت البلاد منقسمة بحكم الواقع بين حكومة “جمهورية فييتنام” في الجنوب، وحكومة “جمهورية فييتنام الديمقراطية” بقيادة هو تشي منه في الشمال.

إعلان

دشن ديان دينه ديم (حليف أمريكي) سياسة أيديولوجية قومية وعنيفة ضد المعارضين داخليًا، معطياً امتيازات واسعة للكاثوليك وهو ما أشعل اضطرابات اجتماعية وانتفاضات بوذية ضد حكمه. عام 1960 تأسست «جبهة التحرير الوطني» المعروفة بـ"الفيت كونغ" لإعادة توحيد كل قوى المعارضة في الجنوب تحت قيادة الشمال​. اعتمدت الفيت كونغ على تكتيكات حرب العصابات وبنية تحتية سرية في الدول المجاورة من الهند الصينية لتأمين الإمداد اللوجيستي.

المحطة السادسة: خليج تونكين؛ الذريعة التي فتحت أبواب الجحيم

في أغسطس من عام 1964، زعمت البحرية الأمريكية أن مدمّرتها يو إس إس مادوكس تعرّضت لهجوم من زوارق طوربيد فيتنامية شمالية في خليج تونكين. لم تكن التفاصيل واضحة، والصور غير حاسمة، لكن الرئيس ليندون جونسون لم يحتج لأكثر من هذه الشرارة لطلب تفويض مطلق من الكونغرس لاستخدام القوة في فييتنام. وهكذا، صدر قرار خليج تونكين، الذي منح البيت الأبيض يدًا طليقة لشن الحرب دون إعلان رسمي.

كانت الحادثة التي لا يزال الجدل قائمًا حول صحتها الكاملة نقطة تحوّل فاصلة، إذ انتقلت أمريكا من دور المستشار والراعي في الظل إلى قوة محتلة، تمطر الأدغال الفيتنامية بعشرات الآلاف من الجنود والقنابل.

وبحلول عام 1965، بدأ التصعيد العسكري الكبير: إرسال أولى وحدات القتال، ثم القصف الجوي المكثف على شمال فييتنام في حملة سُمّيت "رعد متواصل" (Operation Rolling Thunder).

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب (أسوشيتد برس) المحطة السابعة: أميركا ضد نفسها

مع تصاعد عدد القتلى، وغياب أفق النصر، بدأ الرأي العام الأميركي ينقلب تدريجيًا على الحرب. اللحظة المفصلية جاءت عام 1968، بعد هجوم مفاجئ شنّه الفيتكونغ في رأس السنة القمرية (هجوم تيت) على عشرات المدن في الجنوب، بما فيها سايغون نفسها. ورغم أن الهجوم ألحق خسائر هائلة بالمقاومين الفيتناميين وربما يعتبر خسارة عسكرية، إلا أنه زلزل ثقة الأمريكيين بقدرتهم علي تحقيق النصر. فقد بدا لهم كأن العدو "المنهك" لا يزال قادرًا على الضرب بقوة في عمق المناطق الآمنة، سيظل كذلك.
المحطة الثامنة: "فتنمة الحرب".

إعلان

حين تولّى ريتشارد نيكسون الرئاسة في الولايات المتحدة عام 1969، كانت فييتنام قد أصبحت كابوسًا سياسيًا وعسكريًا. أدرك نيكسون أن النصر الكامل مستحيل، لكنه لم يشأ الانسحاب فجأة. فطرح استراتيجية سمّاها: "فتنمة الحرب" (Vietnamization)، أي تحويل عبء القتال إلى الجيش الفيتنامي الجنوبي، بينما تبدأ القوات الأمريكية بالانسحاب التدريجي.

المرحلة التاسعة: رحيل آخر الجنود المقاتلين

لم تكن "فتنمة الحرب" أكثر من محاولة لتأجيل الهزيمة، لا تجنّبها. فالجيش الجنوبي كان ضعيف التدريب، ويفتقر للحافز القتالي، في حين كان الشمال يزداد صلابة. في الوقت نفسه، وسّع نيكسون الحرب عبر قصف كمبوديا ولاوس بحجة ضرب خطوط الإمداد الفيتنامية (طريق هو تشي منه)، ما أدى إلى توسيع رقعة الصراع، وخلق المزيد من الفوضى في المنطقة، وأشعل المعارضة داخل الولايات المتحدة.

لم يستجب الفيتناميون لرغبة الأمريكان في التفاوض مباشرة، واستمروا في إلحاق الخسائر بهم، حتى عام 1973 حين وقّعت أميركا اتفاقية باريس للسلام مع حكومة فيتنام الشمالية، معلنة انسحابها الرسمي من الحرب، بعد أن خسرت أكثر من 58 ألف جندي، وأبقت على نحو 5000 آلاف جندي فقط في مهام غير قتالية.

 

المحطة العاشرة: سقوط سايجون

في ربيع عام 1975، بدأ الجيش الشمالي الزحف النهائي نحو العاصمة الجنوبية سايغون. كانت القوات الفيتنامية الشمالية مدعومة بخبرة طويلة، وعقيدة قتالية متماسكة، بينما كان الجنوب، رغم الأسلحة الأمريكية المتروكة، منهارًا معنويًا. سقطت المدن الواحدة تلو الأخرى، بلا مقاومة تُذكر. أما واشنطن، فقد اكتفت بالمراقبة، بعد أن قطعت المساعدات العسكرية.

في 30 أبريل 1975، دخلت دبابات الشمال سايغون. لم تكن هناك معركة حقيقية. رفع الجنود علمهم الأحمر بنجمة صفراء فوق القصر الرئاسي، وانتهت الجمهورية الفيتنامية الجنوبية إلى الأبد. لم يُعلن عن هزيمة أمريكية رسميًا، لكنها بقيت محفورة ومستقرة في التاريخ العسكري والاستراتيجي: أن الفيتناميين هزموا الولايات المتحدة.

إعلان

 

مقالات مشابهة

  • هل معادن أوكرانيا النادرة التي أشعلت الحرب ستوقفها؟
  • المراحل العشر التي قادت فيتنام إلى عملية الريح المتكررة ضد أميركا
  • الحرب التجارية تدفع أسعار النفط نحو أكبر تراجع شهري منذ 2021
  • انخفاض أسعار خامي البصرة وسط تراجع النفط بالأسواق العالمية
  • 50 عاما على نهاية حرب فيتنام التي غيّرت أميركا والعالم
  • انخفاض أسعار النفط مع تباطؤ توقعات الطلب بسبب مخاوف الحرب التجارية
  • النفط: يهبط مع تأثر توقعات الحرب التجارية
  • تقلبات أسعار النفط في 2025.. تراجع مستمر نتيجة لتأثير الحرب التجارية
  • انخفاض أسعار خامي البصرة بالتزامن مع تراجع النفط عالمياً
  • تباطؤ اقتصادي حاد في روسيا مع تراجع أسعار النفط