توغلت إسرائيل بشكل أكبر في مدينة غزة، دافعة قواتها إلى المعقل الحضري لحركة حماس الذي لا يزال مكتظا بالمدنيين بعد واحدة من أعنف عمليات القصف في الحرب المستمرة منذ شهر، بحسب صحيفة "وول ستريت جورنال".

وانخراط الجيش الإسرائيلي في قتال مباشر "وجها لوجه" مع مسلحي حركة حماس على أطراف مدينة غزة في مواجهة عنيفة للغاية، ترى "فرانس برس" أنه يشير إلى مرحلة قتال حضري شديد الخطورة بالنسبة إلى الجانبين، بحسب ما نقلت الوكالة عن الجيش الإسرائيلي وخبراء.

انتشار القوات الإسرائيلية على الحدود مع غزة في جنوب إسرائيل وسط المعارك المستمرة بين إسرائيل وحركة حماسزيادة التوغل البري لإسرائيل في غزة

واعتبر المتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، دانيال هاغاري، أن "المواجهة وجها لوجه" بدأت بالفعل، في الجزء الشمالي من مدينة غزة التي تمكن الجيش من تطويقها، بحسب قوله.

وأكد هاغاري للصحفيين قوله "نحن نتحدث عن معارك نرى فيها بعضنا البعض من مبنى إلى آخر".

ووفقا للصور التي نشرتها إسرائيل، تحول شمال مدينة غزة إلى أكوام من الركام على الأرض مع تدمير المباني الشاهقة، وتدمير الطرق التي مرت بها الجرافات العسكرية التي جرفت كل شيء.

ويحتمي المشاة خلف مدرعات متمركزة، ليقوموا بتنفيذ عمليات توغل بشكل ممنهج. ويحظى المشاة بدعم أيضا من قوات المدفعية والقوات الجوية وأجهزة المخابرات.

ويبدو الدعم القتالي في صلب التكتيك العسكري الذي اختارته إسرائيل للعملية، التي تعد الخامسة ضد حركة حماس منذ سيطرتها على قطاع غزة.

خريطة للمعارك بين إسرائيل وحماس

ويرافق كل وحدة برية على الأرض ضابط من سلاح الجو "ليتحدث اللغة نفسها" مع قيادة العمليات الجوية، لتحقيق أكبر قدر من فعالية الدعم العملياتي، حسبما علمت وكالة "فرانس برس" من ضابط في سلاح الجو الإسرائيلي.

وعلى الأرض، تحدث صحفي التلفزيون الإسرائيلي، روي شارون، الذي سمح له بمرافقة القوات الإسرائيلية عن "شعور بالخطر على نطاق 360 درجة"، متحدثا عن "تقدم بطيء للغاية وعدواني جدا مع قدر كبير من السيطرة على البيئة" خلافا للحرب ضد حزب الله في لبنان عام 2006.

ويقول الصحفي المحلل الأمني الإسرائيلي، آفي أيسخاروف، الذي خدم سابقا في وحدة "دوفدوفان" العسكرية التي تعد من النخبة، لوكالة "فرانس برس" "هذا الوضع القتالي يعد الأكثر تطرفا، يمكن أن يصدر التهديد من كل نافذة، وباب ونفق، وكل مكان".

ويتدرب جميع جنود الوحدات الإسرائيلية الخاصة والمشاة بشكل منتظم في قاعدة "تسيليم" العسكرية في النقب التي تم فيها بناء نموذج مشابه للأحياء في غزة من المنازل إلى المآذن، وتعرف باسم "بلدية".

خريطة للتوغل البري لإسرائيل في غزة لاستهداف عناصر حماس

وبالنسبة للمشاة، فإن جنود لواء "جفعاتي" في الخط الأول، ويقود اللواء الفرق المشاركة في القتال، وهو "الذي يعرف غزة كما لا يعرفها أحد"، بحسب المراسل العسكري لصحيفة "يديعوت أحرونوت".

ولم يتم الإعلان عن قواعد الاشتباك الخاصة بالجيش الإسرائيلي، في ما يتعلق بالمدنيين، بينما تقدر الأمم المتحدة أنه لا يزال هناك بين 300 ألف إلى 400 ألف شخص في شمال قطاع غزة.

وتزامنت الحملة الأخيرة مع انقطاع كبير ثالث للاتصالات في القطاع، مع قطع خدمات الهاتف والإنترنت عن الجانب الإسرائيلي، الأحد، واستعادتها تدريجيا، الاثنين، وفقا لما نقتله "وول ستريت جورنال" عن شركة بالتل، شركة الاتصالات التي تخدم غزة.

ولم يستجب المسؤولون الإسرائيليون لطلب وول ستريت جورنال للتعليق على انقطاع الاتصالات، وفقا للصحيفة. وتقول وكالات الإغاثة إن انقطاع التيار الكهربائي هذا يعطل خدمات الطوارئ، بما في ذلك استدعاء سيارات الإسعاف، ويمنع سكان غزة من التحقق من أفراد عائلاتهم وسط القصف.

تضاريس خطرة

ولم تبدأ حتى الآن المعارك الحضرية الصعبة وجها لوجه بالأسلحة النارية، بينما يحذر المحللون بالفعل من خطورة التضاريس في غزة المكتظة بالسكان.

وكانت إسرائيل قامت بتوغل بري في حرب عام 2014، لمدة أسبوعين. واقتصر في حينه على القتال على مشارف المدينة.

خريطة للتوغل البري لإسرائيل في غزة لاستهداف عناصر حماس

وقال المتخصص في الإستراتيجية العسكرية في معهد واشنطن للأبحاث، مايكل نايتس، لـ"فرانس برس" إن حركة حماس "كان لديها 15 عاما لإعداد دفاع معمق يشمل تحصينات تحت الأرض، وأنفاق اتصالات ومواقع قتالية، بالإضافة إلى حقول ألغام محتملة وعبوات ناسفة وعبوات مضادة للدروع ومبان مفخخة".

وفي قطاع غزة، عند حماس، برز أسلوبان قتاليان، أولهما، استخدام متكرر لنوع جديد من الصواريخ المضادة للدروع، سميت "ياسين 105"، نسبة للشيخ أحمد ياسين مؤسس الحركة، بالإضافة إلى استخدام طائرات مسيرة هجومية محلية الصنع، مثل تلك المستخدمة في أوكرانيا، بحسب مقاطع فيديو نشرها الجناح العسكري للحركة.

انخراط الجيش الإسرائيلي في قتال مباشر "وجها لوجه" مع مقاتلي حركة حماس على أطراف مدينة غزة

وفي شريط مصور، يظهر مقاتل فلسطيني يرتدي قميصا وسروال جينز، يخرج من حفرة في الأرض متسللا عبر الأشجار، ثم يرفع قاذفة الصواريخ على كتفه، ويطلق قذيفة "ياسين 105" على دبابة ميركافا على بعد عشرات الأمتار.

ويؤكد الرائد الأميركي المتقاعد، جون سبنسر، المتخصص في القتال الحضري، لوكالة "فرانس برس"، "يمكننا الثقة بالقدرات القتالية في المناطق الحضرية" للجيش الإسرائيلي.

وأضاف "نرى تقنيات حرب الشوارع لحماس تظهر هنا وهناك، لكن سأكون قلقا أكثر بشأن شبكة الأنفاق" الممتدة هناك.

ومنذ الهجوم غير المسبوق لحركة حماس على إسرائيل في السابع من أكتوبر، وضعت إسرائيل لحربها على غزة هدفاً هو "القضاء" على الفصيل الفلسطيني الذي يسيطر على القطاع المحاصر منذ العام 2007 بعد طرد السلطة الفلسطينية منه.

حماس والدروس الجديدة من الحرب غير النظامية

لكن مجلة "فورين بوليسي" ترى أن الاستراتيجيات العسكرية لإسرائيل تحتاج إلى مراجعات عاجلة لمواجهة التهديدات غير النظامية سريعة التطور التي تتبعها حماس والتعلم منها.

وبلغت حصيلة قتلى القصف الإسرائيلي على قطاع غزة منذ السابع من أكتوبر أكثر من 10 آلاف قتيل بينهم نحو 4 آلاف طفل، وغالبية القتلى منذ بداية الحرب هم من المدنيين، وفقا لوزارة الصحة في القطاع.

وفي إسرائيل، قتل 1400 شخص غالبيتهم من المدنيين منذ بدء الهجوم غير المسبوق الذي شنته حماس في السابع من أكتوبر، بحسب السلطات الإسرائيلية.

انخراط الجيش الإسرائيلي في قتال مباشر "وجها لوجه" مع مقاتلي حركة حماس على أطراف مدينة غزة

وذكرت المجلة أن الهجوم الذي شنته حماس يبرهن بقوة على تأثير وأهمية الحرب غير النظامية. واستنادا إلى نجاح الجماعة في نزيف إسرائيل حاليا، يسلط الصراع الضوء على العديد من الدروس الرئيسية حول هذا النوع من الحروب وكيفية مواجهتها.

وترى "فورين بوليسي" أن الحرب غير النظامية، مثل الحرب الهجينة، والمنافسة في المنطقة الرمادية، وغيرها من المفاهيم الغامضة، لها تعريف ضبابي. ومع ذلك، فإن خصائص الحرب غير النظامية واضحة إلى حد ما، وتتمثل في استخدام وسائل غير متماثلة ومتعددة الأبعاد وغير مباشرة لتحقيق النتيجة المرجوة، عادة من قبل دولة أو قوة تفتقر إلى الوسائل اللازمة للنجاح في صراع عسكري تقليدي.

ووفقا للمجلة، فإن الوسائل غير المتماثلة هي تكتيكات غير تقليدية تسعى إلى سد الفجوة بين القدرات، ويشير لفظ متعدد الأبعاد إلى الأنشطة المتزامنة في المجالات العسكرية والسياسية والإعلامية وغيرها، أما وصف غير مباشر فيتعلق بالتكتيكات التي تسعى إلى تجنب الصدام العسكري التقليدي وجهاً لوجه. ووفقاً لهذه المعايير، فإن الهجوم الذي تشنه حماس ضد إسرائيل يشكل سيناريو كلاسيكياً للحرب غير النظامية.

وبدأت الحرب غير النظامية من قبل حماس، بحسب المجلة، عندما هاجم مسلحوها قواعد الجيش الإسرائيلي ثم توجهوا إلى البلدات الإسرائيلية، مستخدمين العنف الشديد لإحداث تأثير الصدمة والرعب الذي كان له النتيجة الثانوية المقصودة المتمثلة في دفع إسرائيل إلى رد عسكري ثقيل.

انخراط الجيش الإسرائيلي في قتال مباشر "وجها لوجه" مع مقاتلي حركة حماس على أطراف مدينة غزة

ولتحقيق هذه الغاية، ترى المجلة أن حماس قتلت عددا من المدنيين بشكل عشوائي معلنة عن موجة القتل التي ترتكبها من خلال نشر مقاطع فيديو وفيرة بسرعة.

ووفقا للمجلة، تم اختطاف إسرائيليين آخرين وإعادتهم إلى غزة كرهائن، لاستخدامهم كدروع بشرية، وهو تكتيك غير نظامي آخر تفضله حماس منذ فترة طويلة.

وبينما تحاول الغارات الجوية الإسرائيلية القضاء على المسلحين، تخوض حماس حربا في مجال آخر وهو الروايات والمعلومات، حيث تستغل حماس صور الضحايا المدنيين الفلسطينيين لإبراز عنف إسرائيل ما يسمح للجماعة بالاستفادة من الدعم الدولي لإسرائيل لصالحها، وفقا للمجلة.

وفي الوقت نفسه، تستنزف حماس إسرائيل في حرب عسكرية برية، حيث اليد العليا لحماس التي  ينزل عناصرها ببساطة تحت الأرض إلى شبكة أنفاق غزة للتحرك وتنفيذ الهجمات، ما يدل على التقدم الذي أحرزته المجموعة في مجال الخدمات اللوجستية السرية.

انخراط الجيش الإسرائيلي في قتال مباشر "وجها لوجه" مع مقاتلي حركة حماس على أطراف مدينة غزة

وترى المجلة أن سنوات التخطيط والحرفية والتدريب والتنسيق التي سبقت هجوم حماس تحت عيون جهاز الموساد الإسرائيلي ووكالات الاستخبارات الشاباك، تشير إلى أنه من من المؤكد أن المجموعة قامت بتدريبات حربية على رد فعل إسرائيل، واعتبرت أن الهجوم المضاد الحتمي لإسرائيل ضد غزة من شأنه أن يمنح حماس وداعمتها الخارجية، إيران، الجائزة الكبرى والتي تتمثل في وقف تطبيع العلاقات بين إسرائيل والسعودية.

جبهة أخرى مع لبنان

قال الجيش الإسرائيلي، الاثنين، إنه دمر منشأة لتخزين الأسلحة تابعة لحزب الله وقصف أهدافا أخرى في لبنان ردا على إطلاق الصواريخ، بحسب شبكة "سي أن أن".

وفي وقت سابق من الاثنين، أعلن الفرع اللبناني للجناح العسكري لحركة حماس مسؤوليته عن إطلاق 16 صاروخا باتجاه إسرائيل، وتحديدا في جنوب حيفا شمال فلسطين، قائلا إن ذلك كان ردا على الغارات الإسرائيلية على غزة، وفقا للشبكة.

وتعتبر هذه المرة الأولى التي تعلن فيها حركة حماس استهداف محيط حيفا انطلاقاً من جنوب لبنان، بحسب "فرانس برس".

وأعلن الجيش الإسرائيلي "خلال الساعة الماضية، تحديد نحو 30 عملية إطلاق من لبنان باتجاه شمال إسرائيل"، مشيراً إلى أن قواته ترد بقصف مدفعي "على مصادر" إطلاق النيران، وفقا لـ"سي أن أن".

وقال الجيش الإسرائيلي في بيان إن طائراته المقاتلة، بدعم من ضربات المدفعية، ضربت "عددا من المواقع التي تحتوي على أصول تكنولوجية تابعة لحزب الله، ومنشأة لتخزين الأسلحة، ومواقع إطلاق، وبنية تحتية إرهابية"

وتأتي هذه الأخبار في الوقت الذي أصبح فيه الوضع على الحدود الإسرائيلية اللبنانية أكثر نشاطًا في الأيام الأخيرة، حيث تبادلت القوات الإسرائيلية إطلاق النار مع حزب الله وجماعات مسلحة أخرى، بحسب "سي أن أن".

حطام مركبة قُتل فيها مدنيون خلال غارة إسرائيلية على جنوب لبنان بالقرب من الحدود مع إسرائيل،

وتشهد المنطقة الحدودية تبادلاً للقصف خصوصاً بين حزب الله وإسرائيل منذ أن هجوم السابع من أكتوبر الذي نفذته حماس. ويقصف حزب الله يومياً مواقع إسرائيلية حدودية، كما نفذت حركتا حماس والجهاد الإسلامي الفلسطينيتان عمليات تسلل وإطلاق صواريخ عدّة من لبنان. وترد اسرائيل بقصف على طول الشريط الحدودي.

وأسفر التصعيد عن مقتل 83 شخصاً في الجانب اللبناني، بينهم 11 مدنياً على الأقل، وفق حصيلة جمعتها وكالة "فرانس برس". وأعلن حزب الله مقتل اثنين من عناصره الاثنين، ليرتفع عدد القتلى في صفوف مقاتليه إلى 61. وأحصى الجيش الإسرائيلي مقتل ستة عسكريين على الأقل ومدني.

الحوثيون يعلنون شن هجوم جديد بمسيرات على إسرائيل

وأعلن المتمردون الحوثيون في اليمن، الاثنين، أنهم شنوا هجومًا جديدًا بطائرات مسيرة على أهداف إسرائيلية في إطار سلسلة من الهجمات منذ بداية الحرب بين إسرائيل وحماس.

وفي منشور على منصة "إكس"، قال الناطق العسكري باسم الحوثيين، العميد يحيى سريع، "أطلقت القوات المسلحة اليمنية دفعة من الطائرات المسيرة خلال الساعات الماضية على أهداف مختلفة وحساسة للعدو الإسرائيلي في الأراضي المحتلة".

وأضاف "كان من نتائج العملية توقف الحركة في القواعد والمطارات المستهدفة ولعدة ساعات".

مقاتلون حوثيون يتجمعون خلال مناورة عسكرية قرب صنعاء

ولم تؤكد السلطات الإسرائيلية على الفور الهجوم.

والأسبوع الماضي، أعلن الحوثيون في اليمن أنهم شنوا هجومًا بطائرات مسيرة على إسرائيل، وأشاروا إلى شنهم ثلاث عمليات سابقة بمسيرات وصواريخ بالستية منذ بدء الحرب.

وقال رئيس حكومة الحوثيين، عبدالعزيز بن حبتور، في تصريح لوكالة "فرانس برس"، الأسبوع الماضي، "إننا جزء من محور المقاومة" مضيفًا "نشارك بالقول وبالكلمة وبالمسيرات".

وقال سريع الاثنين إن"القوات المسلحة اليمنية مستمرة في تنفيذ مزيد من العمليات العسكرية النوعية دعماً ونصرةً لمظلومية الشعب الفلسطيني واستجابةً لنداءات شعبنا اليمني العظيم".

وهناك مخاوف كبيرة من توسع النزاع على المستوى الإقليمي، حيث أنه إلى جانب اليمن، هناك مقاتلون موالون لإيران في العراق وسوريا. ومنذ بدء الحرب في غزة، وقعت سلسلة من الهجمات على القوات الأميركية في العراق وسوريا، إضافة إلى تبادل القصف وإطلاق النار بشكل شبه يومي عبر الحدود الإسرائيلية اللبنانية بين حزب الله والجيش الإسرائيلي.

المصدر: الحرة

كلمات دلالية: السابع من أکتوبر بین إسرائیل إسرائیل فی وجها لوجه فرانس برس حزب الله قطاع غزة غزة من فی غزة هجوم ا

إقرأ أيضاً:

تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل

شكلت مواقف موريتانيا في تاريخها الحديث تجاه القضية الفلسطينية محورا أساسيا في سياستها الخارجية، وخاصة خلال فترة حكم الرئيس المختار ولد داداه، أول رئيس للبلاد والذي قادها منذ استقلالها سنة 1960 وحتى الإطاحة به في انقلاب عسكري عام 1978.

كانت مواقف داداه محورية في توجيه علاقات البلاد الدولية، مسلطا الضوء على دعمه الثابت للشعب الفلسطيني ونضاله من أجل التحرر.

وقبل أن نستعرض ما قام بها أول رئيس لموريتانيا من جهود كبيرة للوقوف في وجه التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، سنمر على مواقف الرجل عموما من القضية الفلسطينية وكيف كانت محددا رئيسا لبوصلة علاقات موريتانيا الخارجية في عهده، وكيف ساهم داداه في تقديم القضية للعالم، إضافة إلى ذكر نماذج من الدعم الذي قدمته موريتانيا للفلسطينيين خلال فترة حكمه.

حضور القضية

يقول أستاذ التاريخ المعاصر في جامعة نواكشوط الدكتور محمد المختار سيدي محمد الهادي في حديثه للجزيرة نت إن القضية الفلسطينية كانت حاضرة بقوة في تفكير النخبة الموريتانية حتى قبل حصول البلاد على استقلالها سنة 1960، فقد عارض ممثل مستعمرة موريتانيا أحمد ولد ببانه قرار التقسيم وصوت ضده في البرلمان الفرنسي صيف عام 1948.

إعلان

غير أن مواقف الرئيس المؤسس المختار ولد داداه الداعمة للقضية الفلسطينية كانت أكثر تأثيرا وأبلغ تعبيرا، فموريتانيا حينها كانت دولة ناشئة تتقاذفها أمواج الاستقطاب الإقليمي وإكراهات الاعتراف الدولي، مما يضفي بعدا قيميا ودلالة خاصة على مواقفها من قضايا الاستقلال والتحرر، ولا سيما القضية الفلسطينية.

ولعل هذا، بحسب محمد المختار، ما حدا برئيسة وزراء إسرائيل غولدا مائير للعب على هذا الوتر الحساس، حيث سعت عبر عدد من الوسطاء إلى التواصل مع الرئيس الموريتاني، لكن ولد داده رفض ذلك.

غولدا مائير تقف بجانب الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون (غيتي)

ويشير وزير الإعلام الموريتاني السابق محمد محمود ولد ودادي في حديث للجزيرة نت إلى أنه في الخمسينيات ومع بداية انتشار الوعي السياسي في موريتانيا، كان هناك تطلع إلى معرفة أوضاع العالم العربي وبدأ الناس يتداولون ما يصلهم من أخبار عن شعب فلسطين وتشريده.

ومباشرة بعد الاستقلال أعلن الرئيس المختار ولد داداه أن موريتانيا تقف إلى جانب الشعب الفلسطيني، منددا بتقسيم فلسطين ورافضا أي اعتراف بإسرائيل.

وهكذا يرى الوزير ودادي أن القضية الفلسطينية هي قضية موريتانيا الوحيدة التي يدافع عنها كل الموريتانيين من دون استثناء، ولم يكن غيرُها مطروحا إلا حماية استقلال موريتانيا نفسها.

ويقول الرئيس الراحل المختار ولد داداه في مذكراته التي صدرت عام 2006 تحت عنوان "موريتانيا على درب التحديات": "خلال حرب 1967 قطعنا علاقاتنا مع أميركا وطردنا الأميركيين من بلادنا بمن فيهم أعضاء هيئة السلام التي كانت تقدم مساعدات فنية لبلادنا، وذلك احتجاجا على دعم الولايات المتحدة بكل الوسائل للعدوان الإسرائيلي على الشعوب العربية الشقيقة، وكنا حينها لم ننضم للجامعة العربية".

ويضيف الرئيس "لقد دامت قطيعتنا مع أميركا عامين ونصف العام وانتهت في ديسمبر/كانون الأول 1969 إثر وساطة دول صديقة وبعد تشاور مع الجزائر ومصر.. ليستقبلني بعدها بود الرئيس الأميركي ريتشارد نيكسون في العام 1971 وكنت حينها رئيسا لمنظمة الوحدة الأفريقية".

إعلان

وفي ذات السياق، يقول ولد داداه: "في خضم حرب 1973 أرسل إلي نيكسون رسالة يلتمس فيها مساندتي لجهوده في حل الصراع في الشرق الأوسط، وجاء في الرسالة:" "إنني لا أزال أتذكر لقاءنا في سبتمبر (أيلول) 1971 وما جرى بيننا من تبادل صريح للآراء، وكل ثقة بأنكم ستساندون جهودي الرامية إلى إيجاد تسوية نهائية للنزاع تصون حقوق كل شعوب الشرق الأوسط".

ولد داداه: رفضت عرض السادات بإرسال جيش مصري لمساعدة موريتانيا إذ إن على مصر أن تكرس كل قدراتها للحرب مع إسرائيل (الصحافة المصرية)

وعلى ذكر حرب 73، يورد ولد داداه أن الرئيس المصري أنور السادات كان على اتصال مستمر معه بخصوص ملف الشرق الأوسط كما كان سلفه عبد الناصر، وكانا يهنئانه دائما على الدور الذي يقوم به على المستوى الأفريقي لصالح القضية الفلسطينية.

ويشير إلى أن السادات كشف له في سرية تامة في مايو/أيار 1973 عن نيته مهاجمة إسرائيل أي قبل شهور من الهجوم، وأكد له ذلك مرة أخرى خلال لقائهما في مؤتمر دول عدم الانحياز المنعقد بالجزائر في سبتمبر/أيلول الموالي.

"وبالطبع لم أبح بهذا السر قبل الآن"، يقول ولد داداه إن السادات أرسل إليه بعد ذلك مساعده الجنرال حسني مبارك وعرض عليه إرسال قوات من الجيش المصري لمساعدة موريتانيا في حربها ضد جبهة البوليساريو، لكن الرئيس الموريتاني رفض، واعتبر أن على مصر أن تكرس كل قدراتها العسكرية للحرب مع إسرائيل.

ولد داداه كان من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز (الفرنسية) إسماع صوت فلسطين

يوضح الباحث المختص في الشؤون الأفريقية إسماعيل الشيخ سيديا للجزيرة نت أن ما مكن المختار داداه من الدفاع عن القضية الفلسطينية أنه كان محاميا بارعا وأفريقيا تحرريا؛ وله صداقة قوية وعلاقات شخصية مع الزعماء الأفارقة الأوائل.

كما استطاع التحاور مع العواصم الغربية والشرقية الكبرى، وتمكن خلال رئاسته لمنظمة الوحدة الأفريقية (المنظمة الأم للاتحاد الأفريقي الحالي) من جمع مجلس الأمن الدولي لأول مرة في مقر المنظمة بأديس أبابا.

إعلان

وكان الرئيس المختار ولد داداه من القادة الفاعلين في منظمة دول عدم الانحياز، وفي هذا الصدد يورد في مذكراته أنه "بفضل الجمهورية الإسلامية الموريتانية أسمعت المقاومة الفلسطينية صوتها لأول مرة في قمة لدول عدم الانحياز عام 1970 في لوزاكا حيث انتخبت نائبا للرئيس وأتاحت لي رئاستي للجلسة الختامية أن أعطي الكلمة لممثل فلسطين رغم المعارضة الشديدة من عدد من أعضاء المنظمة".

يذكر الوزير ودادي أنه في عام 1969 وصل موريتانيا أول مبعوث رسمي لمنظمة التحرير الفلسطينية هو سعيد العباسي (أبو فهد) ففتح مكتبا للمنظمة في نواكشوط، بعد أن أمّنت له الحكومة مكتبا ومنزلا وسيارة، ومبلغا ماليا سنويا، ثم أصبح المكتب سفارة دولة فلسطين في نواكشوط.

وانطلق من إذاعة موريتانيا صوت الثورة الفلسطينية بالعربية والفرنسية، ليُسمع في أجزاء واسعة من القارة، حيث شكل هذا المكتب -حسب ودادي- مركز انطلاق النشاط الفلسطيني إلى أفريقيا جنوب الصحراء، وكان أبا لجميع المكاتب التي أنشئت بعد ذلك في عواصم القارة.

ويؤكد الشيخ سيديا أن الرئيس ولد داداه قام بعدة حملات شعبية كبرى للتبرع لصالح الفلسطينيين؛ وألغى عنهم تأشيرة دخول موريتانيا وسهل لهم الولوج للجنسية الموريتانية مع نيلهم حقوق المواطنين الموريتانيين بمجرد الوصول.

وبدوره، يؤكد الكاتب الصحفي رياض أحمد الهادي للجزيرة نت أن موريتانيا قدمت في عهد ولد داداه الدعم السياسي والاقتصادي للفلسطينيين، كما قام بتنظيم ورعاية مؤتمرات وندوات في موريتانيا ودول أفريقية لتسليط الضوء على معاناة الشعب الفلسطيني وتعزيز التضامن الأفريقي مع القضية الفلسطينية.

ولد داداه كتب في مذكراته أن بلاده لعبت دورا أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية علاقاتها مع إسرائيل (الفرنسية) مناهضة التطبيع في أفريقيا

يتحدث الرئيس الموريتاني عن الدور الذي لعبه في انحسار التغلغل الإسرائيلي في أفريقيا، إذ يقول في مذكراته: "لعبت الجمهورية الإسلامية الموريتانية عام 1973 دورا في المسار الذي أدى إلى قطع غالبية الدول الأفريقية لعلاقاتها مع إسرائيل".

إعلان

ويكمل ولد داداه: "لقد عملت بلا كلل طيلة 20 سنة لشرح القضية الفلسطينية لنظرائي الأفارقة وخصوصا الناطقين بالفرنسية وهي مهمة لم تكن سهلة مطلقا نظرا لقوة الدعاية الإسرائيلية، بيد أنهم جميعا قد تفهموا مع طول الوقت القضية الفلسطينية وقبلوا معطياتها المتمثلة في الظلم السافر المثير للسخط الذي يعاني منه الفلسطينيون الرازحون تحت نير احتلال لا يرحم".

ويعتبر الدكتور محمد المختار أن الرئيس ولد داده حشد التأييد للقضية الفلسطينية في القارة الأفريقية من خلال الدفاع المستميت عنها في كل المحافل والمؤتمرات الأفريقية.

ويوضح أن جهود الرئيس تلك كانت الدافع الرئيسي وراء قطع 20 دولة أفريقية علاقاتها مع إسرائيل، وهي: غينيا، تشاد، مالي، النيجر، الكونغو برازافيل، بوروندي، زائير، توغو، نيجيريا، الكاميرون، ساحل العاج، السنغال، أنغولا، موزمبيق، إثيوبيا، بنين، كينيا، رواندا، بوتسوانا، الرأس الأخضر. ولم يبقَ لإسرائيل يومها تمثيل دبلوماسي في أفريقيا إلا في 5 دول هي: جنوب أفريقيا التي يحكمها نظام التمييز العنصري، ودول صغيرة هي ليسوتو، مالاوي، سوازيلاند، وموريشيوس".

ولد داداه (يسار) يرحب به موديبو كيتا رئيس مالي عام 1963 (الفرنسية) دور منظمة الوحدة الأفريقية

يرى الوزير ودادي أن تأسيسَ منظمة الوحدة الأفريقية عام 1963، التي كان الرئيس المختار أحد مؤسسيها، سهّل مهمته في حشد الدعم للقضية الفلسطينية، حيث صارت القمم والمؤتمرات الأفريقية منابر رسمية تُطرح فيها جميع القضايا، ومناسباتٍ يحضرها الصحفيون والمثقفون وصناع الرأي.

فطُرحت علنا القضية الفلسطينية بأبعادها السياسية وجذورها التاريخية وطبيعةِ إسرائيل العدوانية، مما ساهم في إنارة الرأي العام الأفريقي تجاه القضية.

وتؤكد حادثة يرويها ولد داداه في مذكراته إيمانه الكبير بمنظمة الوحدة الأفريقية، وأنه ربما كان أيضا أفريقيا أكثر من الأفريقيين، فقد رفض عام 1970 حضور حفل عشاء كبير نظمه الرئيس الأميركي نيكسون على شرف رؤساء الدول، ومُنح خلاله الرئيس الموريتاني مقعدا إلى جانب رئيس الولايات المتحدة. لكنه رفض الحضور احتجاجا على رفض نيكسون مقابلة الرئيس الدوري يومها لمنظمة الوحدة الأفريقية، رئيس زامبيا كينيث كاوندا.

إعلان

ويورد الرئيس المختار أنه كان الوحيد أيضا في هذا الموقف رغم الجهود التي بُذلت لثنيه، سواء من الوفد الموريتاني أو الوفود الأفريقية أو ممثلية الولايات المتحدة في الأمم المتحدة، ويضيف: "قال لي بعضهم إن الجلوس إلى جانب الرئيس الأميركي قد ينال صاحبه وزنه من الدولارات، غير أني أعتبر أن الشرف والكرامة لا يُقدران بثمن".

ولد داداه يحضر قمة منظمة الوحدة الأفريقية في كمبالا في الثالث من أغسطس/آب 1975 (الفرنسية) تهاوي حجج إسرائيل في أفريقيا

يعتبر الوزير ودادي أن إسرائيل قدمت نفسها للدول الأفريقية في الستينيات، على أنها دولة صغيرة محاصرة من 100 مليون عربي، مما يجعلها جديرة بالعطف والتأييد، وفي الوقت نفسه دولة نموذجية للشجاعة والتنمية ينبغي لأفريقيا الاقتداء بها، خاصة في تقنياتها الزراعية واستخراج المعادن الثمينة، مع قدرتها على توفير الأمن للزعماء الأفارقة وامتلاكها أجهزة التجسس والتنصت المتطورة لحمايتهم.

لكن سنوات من الوجود الإسرائيلي المكثف -يضيف ودادي- أثبتت أن الخبراء الزراعيين الإسرائيليين في أفريقيا لم يفيدوا الزراع الأفارقة في شيء، بل تدهور الإنتاج في المناطق التي دخلوها، وتكشفت فضيحة سرقتهم للكثير من سلالات البذور الزراعية الأفريقية الشهيرة.

وحصل الأمر نفسه في مجال الثروة المعدنية، حيث تبين أنهم سرقوا الألماس وحولوه للصناعات الإسرائيلية التي أصبحت من أكثر مثيلاتها ازدهارا في العالم. أما الحراسات الشخصية فقد كانت غطاءً لإقامة شبكات تجسس، ولم تغنِ شيئا عن الانقلابات العسكرية، بل ساعدت في بعضها كما وقع في الكونغو وإثيوبيا وليبيريا".

مقالات مشابهة

  • صحيفة: الجيش الإسرائيلي تلقى تعليمات بعدم إدخال أي مساعدات من تركيا إلى غزة
  • تلفزيون : قطر تتحرك لاستئناف مفاوضات غزة وحماس تدرس تأخير تبادل الأسرى
  • ‏الجيش الإسرائيلي يعلن مقتل جنديين إسرائيليين من جراء سقوط رافعة في قطاع غزة
  • مراوغة إسرائيلية.. مفاوضات المرحلة الثانية من اتفاق غزة.. الاحتلال يماطل فى التنفيذ وحماس تحذر
  • تعرّف على الرئيس الذي ساهم بقطع علاقات 20 دولة أفريقية مع إسرائيل
  • الجيش السوداني يعلن عن تقدم كبير في مناطق وسط الخرطوم
  • صحيفة عبرية: الجيش الإسرائيلي “أخطأ” في إعلان اغتيال قادة “حماس” دون التأكد
  • أميركا تسعى لاحتلال قطاع غزة وحماس تصف ترامب بـ ''تاجر العقارات''
  • إنقاذ طفلين من تحت أنقاض منزل دمره الاحتلال الإسرائيلي في جنين
  • في رحيل الجنرال الذي أغتالته “إسرائيل” 100 مرة!!