يقول الكاتب الأميركي توماس فريدمان عما جرى في روسيا من تمرد إن رد فعله الأول هو التساؤل: هل كان هذا كله حقيقيا؟ واصفا إياه بمقطع دعائي لفيلم من أفلام جيمس بوند، فقد أصبح يفغيني بريغوجين رئيس الطهاة السابق للرئيس الروسي فلاديمير بوتين، شريرا.

وعن الذي يحدث لبوتين حاليا، قال فريدمان في مقال له بصحيفة نيويورك تايمز (The New York Times) إنه لا يدري على وجه الدقة ما يحدث لبوتين اليوم، لكن كل ما يمكن فعله هو محاولة حساب موازين القوى المختلفة التي تشكل هذه الأحداث ومعرفة من يمكنه أن يكون المؤثر في الأشهر المقبلة.

بريغوجين أكمل ما فعله بايدن ببوتين

واستهل فريدمان تحليله بالقول إن أكبر توازن للقوى الذي يجب ألا يغيب عن البال هو التحالف الواسع والمستدام الذي حشده الرئيس الأميركي جو بايدن لمواجهة بوتين في أوكرانيا، لأنه هو الذي مزق الواجهة التي كانت تزين وجه السلطة في موسكو.

وأضاف أن بايدن فهم منذ البداية أن بوتين هو مركز كوكبة فاشية مناهضة لأميركا ومعادية للديمقراطية ويجب هزيمتها، وليس التفاوض معها، وأن تمرد بريغوجين فعل بشكل أساسي ما كان يفعله بايدن على مدار الأشهر الـ18 الماضية، إذ كشف نقاط ضعف بوتين، وثقب قشرة عبقريته الإستراتيجية المفترضة وهالته التي يبدو أنها لا تقهر.

يمكنهم تحديه قريبا

وقال إن بوتين حكم طويلا بالخوف والمال وغطى وجهه الحقيقي بنقاب القومية. لقد اشترى من يستطيع أن يشتريه، وسجن أو قتل من لم يستطع. لكن الخوف قد غادر موسكو مع تعرض الهالة التي لا تُقهر للضرب، لذلك يمكن للآخرين تحديه قريبا، "وسوف نرى".


وأضاف أنه لا ينبغي أبدا التقليل من المخاوف العميقة للروس بشأن أي عودة إلى فوضى أوائل التسعينيات بعد سقوط الاتحاد السوفياتي، والتقليل من امتنان الكثيرين للنظام الذي أعاده بوتين، مشيرا إلى أن الأمور تتعقد مع ميزان قوة بوتين مع بقية العالم، وأن الغرب لديه الكثير ليخافه من ضعف بوتين ومع قوته.

واستمر يقول إنه لا يوجد حتى الآن ما يشير إلى أن تمرد بريغوجين، أو الهجوم المضاد الأوكراني، قد أدى إلى أي انهيار كبير للقوات الروسية في أوكرانيا، ولكن من السابق لأوانه استخلاص أي استنتاجات نهائية.

في انتظار ترامب

وعن أوكرانيا، قال الكاتب إن إستراتيجية بوتين تتمثل في جعل الجيش الأوكراني يستنفد العناصر الأساسية لقواته البرية، فضلا عن صواريخه الاعتراضية المضادة للطائرات، حتى تصبح قواته البرية عارية أمام سلاح الجو الروسي ثم تحاول الانتحار، مما يمكنه من انتظار إعادة انتخاب دونالد ترامب المحتملة للحصول على صفقة قذرة يحفظ بها ماء الوجه في أوكرانيا.

وأشار إلى أن القوات الروسية حفرت خنادق وزرعت ألغاما عبر خطوط دفاعها، وهذا هو السبب في أن الهجوم المضاد الأوكراني بدأ بطيئا، قائلا إن الروس يعانون لكنهم يتعلمون.

قلق من هزيمة بوتين ومن انتصاره

ورغم كل ذلك، قال فريدمان إن الغرب عليه أن يقلق من احتمال هزيمة بوتين بقدر قلقه من أي نصر. وتساءل ماذا لو أطيح به؟ ليجيب بأن هذه الأيام ليست مثل الأيام الأخيرة للاتحاد السوفياتي، إذ لا توجد شخصية لطيفة ولائقة مثل يلتسين أو مثل غورباتشوف تتمتع بالسلطة والمكانة التي تمكنها من تولي زمام الأمور على الفور.

وإذا أُطيح ببوتين، فقد ينتهي الأمر بشخص أسوأ. وتساءل: ما رأيكم إذا وجدتم بريغوجين في الكرملين هذا الصباح، يقود الترسانة النووية الروسية؟

واستمر في توقعاته لمآلات الوضع في روسيا، قائلا إنه من المحتمل أن تحصل فوضى أو حرب أهلية وانقسام، محذرا من أن الفوضى أسوأ من بوتين، لأنه عندما تتفكك دولة كبيرة، من الصعب للغاية إعادتها إلى وضعها الطبيعي، موضحا أن الأسلحة النووية والإجرام الذي يمكن أن ينتشر من روسيا المفككة سيغير العالم، "لقد أخذ بوتين العالم كله رهينة"، وإذا فاز، فإن الشعب الروسي يخسر، وإذا خسر وخلفته الفوضى، فإن العالم كله يخسر.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية

يأخذك الحديث وأنت تتأمل فيلم غيوم لمُزنة المسافر إلى التطور الفني والموضوعي في تجربتها، موضوعا التعددية الثقافية والعرقية في المجتمع العماني كمصدر ثراء غني، تتجه إليه مزنة في استقصائها الطويل، مزيلة وهم ما يفصل بيننا، عبر البحث عن ما يجمع بيننا ويأتلف في نسيج اجتماعي واحد. عبر هذا الثراء العرقي واللغوي نخلق تجانسنا الحقيقي، التجانس المميز لمجتمعنا منذ جذوره التاريخية البعيدة. فنيا يشكل فيلم غيوم تحولا نوعيا تخرج به مزنة عن الطرح الأفقي للتجربة، عن أحكام البداية فتتسلسل الأحداث وصولا إلى نهايتها. فيلم غيوم يخرج عن القوالب التقليدية في السينما منحازا إلى شاعريتها، الغائب والماضي والمفقود هم من يشكل وهج الأحداث، ويدفع بشخوصه إلى المحبة والأسى والفراق والندم، محكومة بالماضي الذي تسدل ظلال أحداثه على الحاضر والمستقبل معا. فنيا ينحاز السيناريو إلى الصورة السينمائية عنه إلى الحوار، الصورة خاصة في تجسيدها المباشر لملامح شخوص الفيلم، قادرة حقا على نقل عواطفهم واختلاجات قلوبهم، سينمائيا تضفي هذه اللغة الجمال السينمائي، الذي تريد مزنة إيصاله إلينا، ما لا يستطيع الحوار نقله عبر السينما.

اختيار مُزنة لطرح تجربتها جبال ظفار، عائدة بنا إلى عام ١٩٧٨م، أي بعد ثلاثة أعوام من نهاية حرب الجبل بعد حرب طويلة استمرّت عشرة أعوام. هذه الحرب هي الماضي الذي يثقل أرواح رعاة الجبل، الماضي الذي يسدل على الحياة مشاعر الفقدان والخوف من عودة الحرب ثانية. الحرب التي تركت في كل منزل قتيلًا، أو قريبًا لقتيل، أحرقت المراعي وفتكت بالإبل مصدر حياة سكانه، والأثقل أنها تركت روح الفرقة بين أبناء الجبل، نظرا لتغير مواقفهم من موقع إلى آخر، ذلك ما نقرأ ثقله في حياة بطل الفيلم دبلان الذي يتحول بعد الحرب إلى رجل منطو على نفسه، يرفض مشاركة الناس أفراحهم وأحزانهم ويقضي معظم وقته في العناية ببندقيته، وملئها بالرصاص حتى تكون جاهزة للقضاء على النمر في أي وقت تتكرر عودة الحرب ثانية إلى جبال ظفار.

مزنة في هذا الفيلم العميق والشاعري في آن تبتعد عن تقديم الرصاص والقصف والقتلى، كما أن المرأة القتيلة لم تظهر في الفيلم أبدا، رغم ظهور ذكراها المتواصل، كهاجس يومي يلازم حياة الأب وابنه عمر وابنته سلمى، المرأة ومقتلها الغامض هي السر المكتوم في الفيلم، ابنها عمر كل ليلة ينام في حضن أخته الكبرى، متخيلا والدته تنام على سحابة بعيدة في السماء، يراقب أباه يوميا أثناء تنظيف وتعمير بندقيته، محاولا أكثر من مرة خطفها منه، دون أن يتبين لنا السبب المباشر لذلك، حتى نجاح اختطافه البندقية في مشهد سينمائي أخاذ، يوجّه فيه عمر البندقية إلى صدر أبيه طالبا منه فك لغز اختفاء أمه، تكون الفرصة مؤاتية آنذاك للأب للاعتراف لابنه وابنته أن الأم قد توفيت برصاصة طائشة أثناء معارك الجبل، دون أن يحدد من أي طرف جاءت الرصاصة، ذكاء مزنة يوقف التجربة برمتها أمام تقييم جديد يكشفه التاريخ في مستقبل الأيام، والوقت ما زال باكرا لإدانة طرف ضد آخر، فقط الخوف من عودة الحرب ثانية، هي النمر الذي يستعد دبلان يوميا لمواجهته. وأخيرا لتعليم ابنه طريقة استخدام البندقية لقتل النمر وحش الحرب قبل وصوله إلى الجبال.

مصدر إيحاء غيوم هي مجموعة من الصور الوثائقية التقطها والدها الفنان موسى المسافر، الذي دون شك عاصر مرارة تلك الأحداث، تكشف لنا جانبا مهما من حياة أبناء الجبل في ظفار أثناء الحرب وبعد انتهائها. من تلك الصور الوثائقية استمدت مزنة هذا الإلهام المتدفق، وصاغت سيناريو فيلم غيوم، الذي يأتي ليس لإدانة طرف دون آخر، بل لإدانة الحروب البشرية برمتها، ذلك لأنها نظرت لنتائجها الوخيمة في عيني دبلان رب العائلة الذي مع خروجه حيا منها إلا أنه خرج مهزوما فاقد القدرة على الحياة، معذبا بالماضي الذي قدمته مزنة كنمر يفترس كل ما أمامه دون تمييز ورحمة.

مزنة تعي جيدا آثار الحروب على تغيير العلاقات الاجتماعية بين البشر، العلاقة بين دبلان وشيخ القبيلة بعد الحرب، ليست هي العلاقة إياها قبل الحرب، يتقدم شيخ القبيلة المتقدم في العمر لخطبة سلمى صبية دبلان، المرتبطة بعلاقة عاطفية مع سالم الصبي الجبلي من جيلها. يقف دبلان وهو راعي الإبل الجبلي موقفا متقدما عندما يرفض تزويج ابنته شيخ القبيلة الثري، مزوجا إياها الصبي الفقير مع مباركة الأب له بحبات من شجرة اللبان الأسطورية والتي تصل محبة أبناء الجبل لها إلى درجة التقديس، نظرا لارتباط استخدامها بطقوس دينية في معابد الأديان الهندية بل وفي معابد الأديان السماوية قديما.

الفيلم ناطق بالشحرية لغة رعاة الجبال بظفار، كان ذلك ضروريا، هذا ما أدركته مزنة، منذ بداية اشتغالها على المشهد السينمائي العماني، بما يحمله من تنوع عرقي وثقافي أخاذ منذ قديم الزمان. قبلها قدمت فيلم شولو الناطق بالسواحيلية وفيلم بشك الوثائقي الناطق بالبلوشية. هي السينمائية التي لا تعترف بفوارق وهمية بين أبناء الوطن الواحد، القادرة على اكتشاف النسيج الاجتماعي المخفي، الرابط أبناءه روحيا على أرض واحدة، وتحت سماء واحدة.

فيلم تشولو، تناقش مُزنة فيه تجربة الانتماء الوطني والحنين إلى الجذور البعيدة خلف البحار، تدور أحداثه في زنجبار، موطن أساسي لهجرة العمانيين عبر التاريخ لقرون مضت، يستقبل تشولو الصبي أخاه عبدالله القادم من عُمان، يعيشان معا توافق البحث عن جذورهم المشتركة، يتعرضان للاعتداء من رجال أفارقة بسبب انتماء عبدالله العربي الواضح في لونه، تتراءى عمان وطنا بعيدا مجهولا لتشولو، أرضا سحرية لن يعود إليها أبدا، يعود عبدالله مع أبيه ويظل تشولو ينظر إلى البحر، إلى السفن وهي تبحر عائدة إلى عمان التي لن يراها أبدا، هكذا تتكرر تجربة الماضي الساكن كقيد يرتبط به المرؤ. ولكن بشكل إيجابي في تشولو عنه في غيوم، مزنة تتجاوز تجربة الحنين النوستالجي إلى الماضي، في الفيلمين تنظر إلى الماضي كقيد يجب علينا كسره والانطلاق إلى المستقبل دون الالتفات إليه. خاصة في مرارة أحداثه كما هو في فيلم غيوم، حيث يبقى الدم الأفريقي العماني المشترك، تجربة حضارة مشتركة أيضا، تغذي النسيج الاجتماعي العماني بخصوبة العطاء في فيلم تشولو، أي أنها تنطلق من الإيجابي في ثراء الوجود العماني بشرق إفريقيا، الثراء الذي دفع بالأفارقة إلى ما هو مثمر، حيث حمل العمانيون معهم الأساليب الحديثة في الزراعة، وارتياد آفاق العمل التجاري، ونشر الدين الإسلامي وغيرها من الدلائل الحضارية المهمة، التي تؤكد إيجابية وجودهم المبكر في شرق إفريقيا. وحش الماضي الذي يصوب له دبلان وابنه عمر البندقية لمواجهته، يحتفظ له تشولو وأخيه عبدالله بمئة قطعة من المندازي الذي خبزته لهما جدتهم الإفريقية، يحشوان فم النمر المفترس بها حتى لا يكون قادرا على افتراسهما معا. ذلك دون شك مشهد طفولي ساحر يؤكد وحدة الأخوين ضد وحش الحرب المأساوية بين العمانيين والأفارقة، أي من المحبة المشتركة بينهما نخلق إمكانية التعايش المشترك والوحش الذي يطعمه الطفلان العماني والأفريقي المندازي، هي الحرب التي خلقت روح الكراهية بينهما، وآن لنا جميعا طي صفحاتها الدموية، نحو خلق عالم أجمل لأجيالنا القادمة.

مُزنة التي جاءت بعد ستين عاما على مأساة خروج العمانيين من شرق إفريقيا بطريقة مأساوية فقد فيها العمانيون الآلاف من أبنائهم ثم أنها جاءت بعد خمسين عاما أيضا بعد نهاية حرب الجبل بظفار، تنصت إلى أوراق التاريخ التي تحفظ لنا ما فقد وتم نسيانه، مؤهلة حقا للذهاب أبعد مستقبلا، نحو تقديم تجارب العطاء العماني المتدفق عبر التاريخ، ورفد السينما العمانية الناشئة بلغة شاعرية متميزة، ذلك حقا جوهر الفن الطليعي الجاد، يضيء كالنجوم ترشد المسافرين في ليل البحار إلى المجهول.

فيلم غيوم /روائي قصير /ناطق بالشحرية/ جائزة أفضل فيلم روائي قصير /المهرجان السينمائي الخليجي ٢٠٢٤م. إخراج مزنة المسافر.

فيلم تشولو/ روائي قصير/ ناطق بالسواحيلية /جائزة أفضل سيناريو /مهرجان أبوظبي السينمائي ٢٠١٤ م. إخراج مزنة المسافر.

سماء عيسى شاعر عُماني

مقالات مشابهة

  • ترامب: بوتين كان سيرغب بالسيطرة على أوكرانيا بالكامل لولا وجودي
  • ترامب: بوتين كان سيرغب بالسيطرة على أوكرانيا بالكامل لو لا وجودي
  • المجد للبندقية التي حرست المواطن ليعود الى بيته الذي كانت قحت تبرر للجنجويد احتلاله
  • ترامب: بوتين كان يحلم السيطرة على أوكرانيا بأكملها.. ولن يفعل ذلك بسببي
  • أوكرانيا ترفض هدنة بوتين وتتهم موسكو بالتمويه العسكري
  • البيت الأبيض: ترامب يركز على تراجع معدلات التضخم التي خلفتها إدارة بايدن
  • الكرملين: موسكو لم ترد علي أوكرانيا بشأن المفاوضات المباشرة مع روسيا
  • الماضي الذي يأسرنا والبحار التي فرقتنا تجربة مُزنة المسافر السينمائية
  • محاولة تلاعب.. زيلينسكي يرد على إعلان بوتين هدنة في حرب أوكرانيا
  • بوتين يعلن عن هدنة مفاجئة في أوكرانيا لثلاثة أيام