تحذيرات ونوايا خبيثة.. أبعاد تصاعد الهجمات ضد القوات الأميركية بالعراق
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
منذ السابع عشر من أكتوبر الماضي لم تهدأ هجمات الميليشيات المدعومة من إيران على مناطق انتشار القوات الأميركية، سواء في القواعد الموجودة بالعراق، أو في شمال وشرق سوريا، وتشير سلسلة تحذيرات وتقارير لوسائل إعلام عربية إلى أن المنحى التصاعدي "يهدد بحدوث مواجهة بين واشنطن وطهران".
ووفق مراقبين من مختلف الأطراف، تحدث إليهم موقع "الحرة"، لا تعتبر الهجمات التي وقعت خلال الأيام الماضية مؤشرا على قرب مواجهة عسكرية، بقدر ما يحاول القائمون عليها إيصال رسائل "سياسية" من جهة، و"تضامنية" للظهور بموقف يناصر السكان في قطاع غزة الفلسطيني، من جهة أخرى.
وبلغ عدد الهجمات على القواعد الأميركية في العراق وسوريا خلال 21 يوما 38 هجوما، تم تنفيذ القسم الأعظم منها باستخدام الطائرات المسيرة من دون طيار، والصواريخ ذات الاتجاه الواحد، وفق آخر بيان لوزارة الدفاع "البنتاغون".
ورغم أنها لم تسفر عن قتلى عسكريين، تشير تفاصيل حادثة تحدثت عنها صحيفة "وول ستريت جورنال"، الاثنين، إلى نوايا كادت أن تصل إلى حد القتل، عندما تم رصد طائرة مسيّرة محملة بالمتفجرات أواخر الشهر الماضي تحاول استهداف الطوابق العليا للثكنات الأميركية في العراق (قاعدة عين الأسد).
وتوضح الصحيفة أن "تصاعد الهجمات يزيد خطر وقوع حادث مميت، وهذا سيتطلب ردا من الجيش الأميركي، ويجعله أقرب إلى المواجهة المباشرة مع الجماعات المدعومة من إيران التي يشتبه في مسؤوليتها"، ونقلت عن مسؤول دفاعي أميركي قوله: "إنهم يهدفون إلى القتل.. لقد كنا محظوظين للتو".
"تحذير من وسط بغداد"وكان وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، أجرى زيارة غير معلنة إلى العاصمة العراقية بغداد، وحذّر في تصريحات من توسيع الصراع على خلفية الحرب الدائرة بين إسرائيل وحركة حماس في قطاع غزة.
وأشارت صحيفة "وول ستريت جورنال" إلى أن زيارة بلينكن لبغداد هدفها زيادة الدعم الأميركي للحكومة العراقية "مع تزايد المخاوف من أن الميليشيات المدعومة من إيران تتطلع إلى الاستفادة من التوترات المتزايدة في المنطقة".
وأضافت أن بلينكن، بعد اجتماعه برئيس الوزراء العراقي، طار بواسطة هليكوبتر إلى مجمع السفارة الأميركية، حيث تم تقليص عدد الموظفين بشكل كبير في الأسابيع الأخيرة بسبب تصاعد أعمال العنف.
ولم يلبث أن انتقل بلينكن من بغداد إلى العاصمة التركية أنقرة حتى أعلنت ما يسمى بـ"المقاومة الإسلامية في العراق" استهداف 4 قواعد للقوات الأميركية بستة هجمات.
واستهدفت 3 منها قاعدة "عين الأسد" غربي العراق، وكان للقاعدة قرب مطار أربيل شمالي العراق وقاعدتي "تل البيدر" شمال سوريا و"التنف" جنوب سوريا، ضربة لكل واحدة منذ فجر الاثنين، وفق ذات الجهة التي تضم عدة ميليشيات.
ويعتقد الباحث الأميركي في شؤون الشرق الأوسط، راين بوهل، أن "عتبة التصعيد بين الولايات المتحدة وإيران مرتفعة نسبيا وربما تتجاوز نطاق هذه الهجمات الحالية".
ويعتقد أيضا في حديثه لموقع "الحرة" أن "المسار القائم سيتغير إذا تسببت إيران أو أتباعها في إلحاق خسائر كبيرة بالولايات المتحدة".
وحتى الآن تعتبر هذه الهجمات "بمثابة مضايقات"، أكثر من كونها "هجمات تحاول تصعيد الوضع الإقليمي".
ويرى بوهل أن "الذين يقفون ورائها يحاولون زعزعة استقرار المواقع الاستراتيجية الأميركية في سوريا والعراق، وخلق حوافز لتلك القوات لتغيير سلوكها المحلي، أو للضغط على إسرائيل لكبح هجومها على غزة".
"رسائل سياسية"وعلى مدى السنوات الماضية، شنت جماعات مسلحة تدعمها إيران في العراق وسوريا هجمات متكررة على القوات الأميركية، لكن تلك الهجمات هدأت بموجب هدنة قائمة، منذ العام الماضي، في العراق، بينما استمرت بشكل متقطع شمالي وشرقي سوريا.
ولم تفصح إيران بشكل علني خلال الأيام الماضية عن علاقاتها مع وكلائها في المنطقة، وبينما دانت دعم الولايات المتحدة لإسرائيل، أكدت أن الجماعات في سوريا والعراق "تحظى بقرار مستقل".
ويوضح الباحث السياسي العراقي، مجاهد الطائي أن "الفصائل والميليشيات التي تدعمها إيران تنفذ التصعيد الحالي ضمن قواعد اشتباك محددة"، وأن "هدفها سياسي وليس عسكريا".
ويقول الطائي لموقع "الحرة": "الهدف السياسي يرتبط بمحاولتها إظهار نوع من التضامن مع غزة كجزء من محور المقاومة"، وفي ذات الوقت تسعى الميليشيات إلى إرسال "رسالة تحذيرية فيما لو امتد الصراع إلى إيران ومصالحها".
ولم تسفر الضربات التي استهدفت القواعد الأميركية في العراق وسوريا خلال الأيام الماضية عن أي إصابات، ولذلك يرى الطائي أن "القصد منها ليس إحداث ضرر مادي أو خسائر بشرية، بل إيصال رسالة سياسية محددة".
من جهته يقول عماد آبشناس، وهو كاتب صحفي وأكاديمي إيراني، إن "الهجمات ليست مرتبطة بالمجموعات الحليفة أو الصديقية في العراق، بل الكثير منها يأخذ طابعا ثأريا".
ويضيف الكاتب الإيراني لموقع "الحرة": "هناك مجموعات أخرى تريد أن تنتقم من الأميركيين، وأن تقوم بعملية ضد واشنطن في أي فرصة تسنح لها".
لكن الباحث الأميركي بوهل يرى المشهد مغايرا لذلك، ويؤكد على فكرة تطرق إليها الباحث الطائي بأن الهجمات تقف ورائها "رسائل سياسية" ومن أجل إظهار الميليشيات على أنها في صف "المقاومة في غزة".
"لا نية للمواجهة.. ولكن"وللحد من التهديد الذي تتعرض له القوات، أرسل البنتاغون الشهر الماضي عدة أنظمة دفاع جوي إلى المنطقة لحماية ما يقرب من 2500 جندي أمريكي في العراق، و900 جندي في سوريا.
ومنذ هجوم حماس، نشرت الولايات المتحدة مجموعتين من حاملات الطائرات، وما يقرب من 12 سفينة إجمالا وحوالي 1200 جندي إضافي، بالإضافة إلى أنظمة الدفاع الجوي.
وحذر القادة العسكريون الذين عملوا في المنطقة من أنه حتى مع تعزيز الولايات المتحدة لدفاعاتها، فإن هذا قد لا يكفي لمنع المزيد من الإصابات أو الوفيات بين القوات الأميركية.
وقال الجنرال البحري فرانك ماكنزي، الذي شغل منصب قائد القيادة المركزية الأميركية المسؤولة عن العمليات العسكرية في الشرق الأوسط لـ"وول ستريت": "عاجلا أم آجلا، سيحالف الحظ الأشرار"، مضيفا أن "إيران توفر أسلحة أكثر دقة لوكلائها، مما يزيد من خطر وقوع هجوم مميت".
ولا يسعى الجانب الإيراني "للدخول في حرب مع واشنطن، وكذلك الأمر بالنسبة للتصريحات الصادرة عن الولايات المتحدة"، كما يقول الكاتب الإيراني آبشناس، لكنه يشير إلى أن "معظم الحروب في التاريخ حدثت بسبب خطأ لم يكن محسوبا".
ويعتقد الكاتب الإيراني أن "إيران والولايات المتحدة لا تريدان الدخول في حرب مباشرة، وفي المقابل ربما تريد إسرائيل ذلك، وأيضا روسيا والصين".
"روسيا تريد حرف الأنظار من جبهتها الأوكرانية والصين كذلك الأمر من شرق آسيا وتسعى إلى تخفيف الضغط الأميركي"، ويتابع آبشناس: "واشنطن وطهران لا مصلحة لهما في الحرب... إلا إذا حصل خطأ غير محسوب".
ورغم أن "الخطأ والتصعيد" أمر وارد، يقول الباحث العراقي، الطائي إن "الرد والتصعيد المضاد سيكون بنفس الحجم".
ويضيف الطائي: "الكل يعرف قواعد الاشتباك وخطورة التصعيد في المنطقة والكل يدرك ماذا سيحصل إذا ما انضمت الأطراف الأخرى"، ويتابع أن "الميليشيات في العراق "تبحث عن عوائق لمنع الدخول في الصراع القائم. هذه هي السمة البارزة التي يتبعها حلفاء إيران في المنطقة".
المصدر: الحرة
كلمات دلالية: القوات الأمیرکیة الولایات المتحدة الأمیرکیة فی فی المنطقة فی العراق إلى أن
إقرأ أيضاً:
سوريا الجديدة ومعضلة الإرهاب والصهيونية
شكّل سقوط نظام آل الأسد الوحشي الطائفي في سوريا بعد عملية "ردع العدوان"، على يد فصائل المعارضة المسلحة بقيادة "هيئة تحرير الشام"، في الثامن من كانون الأول/ ديسمبر 2024، مفاجأة لمعظم الخبراء والمراقبين. فلم تكن القوى الدولية والإقليمية الفاعلة المناصرة أو المناهضة لنظام دمشق تريد إسقاطه، فقد كانت المقاربة الأمريكية والإسرائيلية المناهضة للنظام ولحلفائه من الإيرانيين والروس ترى في وحشية النظام وطائفيته ضمانة تحول دون سقوط سوريا في حالة من الفوضى، وحتمية خضوعه لحكم إسلامي ربما أكثر وحشية وطائفية، وهو ما يهدد الأمن والاستقرار في سوريا والشرق الأوسط. وهي ذات الرؤية الكارثية المرعبة التي استثمر في سرديتها نظام الأسد لفرض سيطرته وإدامة حكمه، فعندما اقتربت الثورة السورية من الإطاحة بنظام الأسد عام 2015 فضلت الولايات المتحدة وإسرائيل تدخل روسيا، وتسامحت مع تدخل إيران، فقد اعتبر المسؤولون الأمريكيون والإسرائيليون أن انتصار الثورة السورية (الإسلامية السنيّة) وهزيمة نظام الأسد (العلوي الطائفي) يعدان بمثابة معضلة استراتيجية ويجلبان "كارثة" أكيدة، ما يخل بحالة الاستقرار الهش في المنطقة بعودة جماعات الإرهاب الإسلامي، وتهدد الأمن الإسرائيلي.
عندما التقى القائد العام للإدارة السورية الجديدة، أحمد الشرع، بوفد دبلوماسي أمريكي رفيع المستوى في دمشق في 20 كانون الأول/ ديسمبر 2024، كانت متلازمة أمن إسرائيل وحرب الإرهاب هي جوهر البحث والمداولة، فقد قالت مساعدة وزيرة الخارجية الأمريكية لشؤون الشرق الأدنى باربرا ليف عقب اللقاء إن الشرع التزم خلال الاجتماع في دمشق بعدم السماح للجماعات الإرهابية بالعمل في سوريا وتهديد الولايات المتحدة والدول المجاورة (إسرائيل)، وقالت باربرا ليف، التي ترأست الوفد الأمريكي، بعد اللقاء بأحمد الشرع في دمشق: "بناء على محادثاتنا، أبلغته أننا لن نتابع تطبيق عرض برنامج مكافآت من أجل العدالة الذي كان ساريا منذ سنوات عدة". وأضافت ليف: "رحبنا بالرسائل الإيجابية للشرع، ونريد إحراز تقدم بالاستناد على هذه المبادئ، من خلال أفعال وليس فقط أقوال".
محاربة الإرهاب وضمان أمن إسرائيل هو المعيار الأمريكي المميز بين الإرهاب والاعتدال، أما الاحتلال الإسرائيلي وتوسيعه وممارسة الإبادة والتطهير فهي مسألة ثانوية تقع في سياق حق الدفاع عن النفس
وكانت الولايات المتحدة على مدى عقود، ترتكز في مقاربتها للمنطقة على ضرورة مكافحة الإرهاب (الإسلامي) وضمان أمن إسرائيل (الصهيوني)، وكانت قد صنفت "هيئة تحرير الشام" منظمة إرهابية، ووضعت وزارة الخارجية الأمريكية الجولاني على لوائح الإرهابي العالمي منذ أيار/ مايو 2013. وعرضت وزارة الخارجية من خلال برنامجها "مكافآت من أجل العدالة"، ما يصل إلى 10 ملايين دولار مقابل معلومات عن الشرع.
محاربة الإرهاب وضمان أمن إسرائيل هو المعيار الأمريكي المميز بين الإرهاب والاعتدال، أما الاحتلال الإسرائيلي وتوسيعه وممارسة الإبادة والتطهير فهي مسألة ثانوية تقع في سياق حق الدفاع عن النفس. فمنذ اليوم الأول لسقوط نظام الأسد، عززت إسرائيل من انتشارها في المنطقة العازلة التي تخضع لإشراف قوات من الأمم المتحدة، ثم توسعت إلى الجانب السوري من جبل الشيخ الاستراتيجي المطل على دمشق، وشن الطيران الإسرائيلي سلسلة هجمات على عشرات الأهداف الإستراتيجية في المناطق السورية. وقد بررت إسرائيل عدوانها بالسعي لاستهداف مخزونات الأسلحة الاستراتيجية والبنية التحتية العسكرية في سوريا لمنع المعارضة التي أطاحت الأسد من استخدامها.
وقد وافقت الحكومة الإسرائيلية بالإجماع على خطة نتنياهو بتوسيع المستوطنات في الجولان في "ضوء الحرب والجبهة الجديدة مع سوريا"، وسرعان ما دافع مستشار الأمن القومي الأمريكي جيك سوليفان عن العمليات التي تنفذها إسرائيل في سوريا منذ سقوط الرئيس بشار الأسد باعتبارها استراتيجية دفاعية استباقية، وقال: إن إسرائيل "تملك الحق في الدفاع عن نفسها في مواجهة المخاطر التي تهدد أمنها".
تمنح الولايات المتحدة المستعمرة الإسرائيلية بكل ما تحتاجه من دعم عسكري ومالي ودبلوماسي لتوسيع نفوذها وسيطرتها، فكلاهما يؤمن بمبدأ لا أخلاقي يستند إلى فرض "السلام بالقوة". فدون أي اكتراث للقانون الدولي أو الشعور الأخلاقي قرر الرئيس دونالد ترامب إبان رئاسته الأولى الاعتراف بالسيادة الإسرائيلية على مرتفعات الجولان في 25 آذار/ مارس 2019، فإسرائيل والولايات المتحدة قررتا وحدهما أن مرتفعات الجولان أراض إسرائيلية، وهما قد يفعلا ذلك قريبا حيال أجزاء شاسعة من الضفة الغربية أيضا. فقرار ضم الجولان بالقوة واحتلال المزيد من الأراضي السورية والعربية يقع في سياق الفكر الإمبريالي الأمريكي والاستعماري الصهيوني، وهي خطوات مستأنفة لخطوات سابقة بدأت منذ تأسيس الكيان الاستعماري الصهيوني، واستمر مع الاعتراف الأميركي بالسيادة الإسرائيلية على القدس الشرقية، مرورا بوقف تمويل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) التي تساعد اللاجئين الفلسطينيين، ثم الشروع بإلغائها، وصولا إلى إغلاق القنصلية العامة الأمريكية في القدس والمكتب التمثيلي لمنظمة التحرير الفلسطينية في واشنطن العاصمة.
لم تكتف المستعمرة الصهيونية بجهود الإمبريالية الأمريكية بفرض اندماج إسرائيل في منطقة الشرق الأوسط، وإخضاع دول عربية عدة لعملية تطبيع مذل، بل تبشر المستعمرة اليوم بالتوسع والانتقال إلى فرض نفسها القوة الوحيدة المهيمنة في المنطقة عن طريق القوة والبطش، وتتباهى بإعادة تشكيل الشرق الأوسط، وهو ما يمثل جوهر المدركات السياسية الصهيونية القائمة على فرض السلام بالقوة.
فمرتكزات الأمن الصهيوني منذ تأسيس دولة "إسرائيل" يقوم على نسخة مُحدثة من فكرة "الجدار الحديدي" التي وضعها الزعيم الصهيوني فلاديمير جابوتنسكي، مؤسس الحركة الصهيونية التصحيحية الذي جادل في أحد مقالاته عام 1923 بأن الاستيطان اليهودي لفلسطين يجب أن يمضي قدما خلف "جدار حديدي" من التفوّق العسكري الإسرائيلي الكاسح. فالجدار الحديدي يعني أن القوة الصلبة يحب أن لا تذعن إلى أي ضغط عربي، وحسب جابوتنسكي فإن "الوسيلة الوحيدة للوصول إلى أي اتفاقية في المستقبل، هي التخلي عن كل فكرة تسعى إلى إبرام اتفاقية في المرحلة الراهنة"، وهو ما تقوم به إسرائيل اليوم بتوسيع احتلالها للأراضي العربية وفرض وقائع جديدة على الأرض، ثم فرض الوقائع الجديدة من خلال استراتيجية "السلام بالقوة" على كافة دول المنطقة.
إن السيناريو المفضل للولايات المتحدة وكيان الاحتلال الصهيوني في المنطقة وسوريا هو التفتيت والتقسيم وخلق كيانات هشة ضعيفة على أسس عرقية ومذهبية، وهي الطريقة الوحيدة التي تجعل من إسرائيل دولة طبيعية في المنطقة من خلال كيانها اليهودي العنصري. ففي سوريا تتحقق رؤيتها من خلال تأسيس دويلات هشة وضعيفة على أسس عرقية إثنية ومذهبية دينية، وهي ذات الرؤية الاستعمارية التقليدية. وقد كشف الكاتب والمحلل السياسي الأبرز في صحيفة "يديعوت أحرونوت" ناحوم برنياع، أن أُمنية "إسرائيل" هي رؤية سوريا مقسمة إلى بضعة جيوب؛ الأكراد في الشمال الشرقي، والدروز في الجنوب، والعلويون في الشمال الغربي، ويعتقد برنياع أن "إسرائيل" راضية عن انهيار النظام في سوريا ومن تداعياته على لبنان وعلى المنطقة كلها، لكنها قلقة من تثبيت النظام الجديد. ويضيف: "مغازلات الجولاني، رئيس النظام الجديد، لحكومات غربية، وتصريحاته المعتدلة تجاه إسرائيل لا تهدئ روع أحد".
لم تكن الولايات المتحدة تكترث بحرب الإبادة والتطهير التي يشنها نظام الأسد وحلفائه ضد الشعب السوري المنتفض، فالنادي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إمبريالية لم يكن من أجندته يوما دعم ثورة سوريا بل إجهاضها، فالأهداف الإمبريالية الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة تقوم على حماية أمن واستقرار إسرائيل
وقد قالت نائبة وزير الخارجية الإسرائيلي شيرين هاسكيل في مقابلة مع قناة بلومبيرغ: إن قادة سوريا الجدد هم "ذئاب في ثياب حملان"، يحاولون إقناع العالم بأنهم ليسوا إسلاميين متطرفين، وأضافت: "نحن لا نخدع بالكثير من الأحاديث والمقابلات التي تقوم بها تلك الجماعات المتمردة، التي هي في الواقع مجموعات إرهابية".
لم تكن الولايات المتحدة تكترث بحرب الإبادة والتطهير التي يشنها نظام الأسد وحلفائه ضد الشعب السوري المنتفض، فالنادي الذي تقوده الولايات المتحدة الأمريكية كقوة إمبريالية لم يكن من أجندته يوما دعم ثورة سوريا بل إجهاضها، فالأهداف الإمبريالية الأمريكية الاستراتيجية في المنطقة تقوم على حماية أمن واستقرار إسرائيل، فالمستعمرة الإسرائيلية هي التي تحدد أولويات السياسة الأمريكية، فسقوط أكثر من نصف مليون شهيد سوري بأبشع طرق الموت من البراميل المتفجرة والأسلحة الكيماوية لم تكن مسألة مهمة، فضلا عن إصابة أكثر من مليوني شخص بإصابات تسببت لكثير منهم بإعاقات دائمة، إضافة إلى نحو مائة ألف قتلوا جراء التعذيب خلال اعتقالهم في سجون النظام، ووجود نحو مائة ألف آخرين رهن الاعتقال، ولا تهجير نحو 13 مليون شخص إلى مناطق اللجوء والنزوح داخل البلاد وخارجها.
إن تصورات الولايات المتحدة الأمريكية للشرق الأوسط تحددها منظورات الدولة الاستعمارية الصهيونية، وهي تصورات مشتركة تستند إلى التفوقية العرقية والعنصرية، وتقوم على صناعة "الإرهاب" فقد اخترع مفهوم "الإرهاب" في العصر الإمبريالي ومنتجه الصهيوني لمواجهة أي مقاومة تتحدى الهيمنة الإمبريالية الأمريكية والسيطرة الاستعمارية الصهيونية، ويعرّف "الإرهاب" على أسس استشراقية وثقافوية. فالإرهاب كتسمية يكافئ "الإسلام" الذي يعد عدوا يمثل البريرية والهمجية والرجعية في مواجهة الحضارة الغربية وعقيدة التقدم الرأسمالية الليبرالية، فسياسة الحرب على الإرهاب قيمة مشتركة بين الإمبريالية الأمريكية والاستعمارية الإسرائيلية، فالإرهاب مجرد بناء سياسي اجتماعي يعني في المعجم الإمبريالي والصهيوني كل ما يقف في طريق تحقيق الولايات المتحدة وإسرائيل طموحاتها بالهيمنة ويتحدى ويقاوم مصالحها الإمبريالية والاستعمارية.
تشير الطريقة التي بموجبها تضع الولايات المتحدة منظمة على قائمتها الخاصة بالإرهاب، إلى الطبيعة السياسية للتصنيف الإرهابوي، فببساطة بالغة يمكن وضع أي جماعة أو مجموعة أو منظمة على القائمة وبنفس السهولة يمكن رفعها، إذ يُعد شطب جماعة من قائمة المنظمات الإرهابية الأجنبية أمرا سهلا نسبيا، كما هو موضح في الصفحة الرئيسية لوزارة الخارجية الأمريكية على شبكة الإنترنت المتعلّقة ببرنامج المنظمات الإرهابية الأجنبية.
المتطلبات الأمريكية والغربية هي وصفة كاذبة للهيمنة والسيطرة، فما هو مطلوب من سوريا الجديدة لا علاقة له بتحقيق قيم العدالة والحرية، بل يتعلق بمطلب الخضوع للمستعمرة الصهيونية وقبول السلام عبر التسليم بالقوة الأمريكية، والتعايش مع دولة الجدار الحديدي وكيان الفصل العنصري، والسير على خطى عرب التطبيع المذل، وهو ما لا يمكن لسوريا الجديدة قبوله بعد أن تحررت من الدكتاتورية وخبرت الإمبرياليات التوسعية والاحتلالات الصهيونية
فمنذ إنشاء القائمة، تم شطب عشرين جماعة، ويمكن شطب جماعة عن لوائح الإرهاب إذا قرر وزير الخارجية الأمريكي أن الظروف الأصلية التي أدت إلى التصنيف قد تغيّرت بما يكفي لتبرير إلغائها، أو أن مصالح الأمن القومي الأمريكي تبرر إلغاءها، وببساطة أكبر، يتمتع الوزير بسلطة "إلغاء التصنيف في أي وقت". كما يمكن إلغاء التصنيفات الخاصة بالإرهاب العالمي التي صدرت بموجب "الأمر التنفيذي رقم 13224"، فالمحدد هو المصلحة القومية الأمريكية، وهي مصلحة تتحدد في الشرق الأوسط بالرغبة والإرادة الإسرائيلية.
خلاصة القول أن سوريا الجديدة سوف تبقى رهينة للتصورات الأمريكية التي تحددها المستعمرة الصهيونية، تحت وطأة التصنيفات الأدائية السياسية للإرهاب، وسوف تبقى الإدارة الأمريكية مخلصة في تأمين وجود ومصالح الاستعمار الصهيوني في المنطقة، وتلبية المتطلبات الإسرائيلية من خلال القوة والغطرسة من خلال مبدأ فرض السلام بالقوة، الذي يجسد عقيدة "الجدار الحديدي" الصهيوني، ومهما قولبت "هيئة تحرير الشام" من أيديولوجيتها وبعثت برسائل تطمينية للعالم ودول المنطقة، لن تحصل على الرضى والقبول الأمريكي الإسرائيلي، وسوف تبقى تحت وطأة الضغوطات والتخريب تحت ذريعة حرب الإرهاب، وستبقى المطالبات الأمريكية حاضرة بمزيد من المعايير الملموسة وبشكل حاسم دون انقطاع، وهي مطالبات ظاهرها الرحمة بضرورة الحكم الشامل، واحترام حقوق الإنسان وحقوق الأقليات، وحقوق النساء، والانتخابات الشفافة، وتفكيك الشبكات المتطرفة، ومحاربة الإرهاب، والامتثال الكامل لحظر الأسلحة الكيميائية، وفي جوهرها تعني الخضوع والإذعان بضمان أمن أمريكا وإسرائيل.
وللمفارقة، فإن هذه المعايير لا تتوافر في أي بلد عربي ولا شرق أوسطي، وهي غير موجود في دولة الكيان الاستعماري العنصري. فالمتطلبات الأمريكية والغربية هي وصفة كاذبة للهيمنة والسيطرة، فما هو مطلوب من سوريا الجديدة لا علاقة له بتحقيق قيم العدالة والحرية، بل يتعلق بمطلب الخضوع للمستعمرة الصهيونية وقبول السلام عبر التسليم بالقوة الأمريكية، والتعايش مع دولة الجدار الحديدي وكيان الفصل العنصري، والسير على خطى عرب التطبيع المذل، وهو ما لا يمكن لسوريا الجديدة قبوله بعد أن تحررت من الدكتاتورية وخبرت الإمبرياليات التوسعية والاحتلالات الصهيونية.
x.com/hasanabuhanya