بين الاختلاف الرحمة والانقسام العذاب!
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
تحيا الدول بالتنوع وتتقوى بالإقرار بحق الاختلاف الإيجابي الذي منه يصنع أجمل مؤتلف بالحوار الجاد والواعي والمسؤول الذي يستوعب كل الآراء المختلفة اختلافاً طبيعياً خلاقاً بين مكونات طبيعية كل منها يشكل جزءاً من جسد المجتمع الواحد المتنوع والمقصود بالاختلاف الطبيعي غير المصنّع بهدف خلق النزاع وإنما ليكون طريق للرحمة واستيعاب أسباب التطور للأخذ بها، أما الانقسام الوظيفي الذي تخلقه ألاعيب بعض السياسيين خدمة لمصالح خارجية غير مشروعة غالباً تنفذها أدوات داخلية من حيث تعلم أو لا تعلم، فإن كانت تعلم فهي شريك في صنع الانقسام وتتحمل كامل نتائجه، أما إذا كانت لا تعلم فإنها من ضحايا ثقافة الاستبداد والرعونة، وفي كل الأحوال والظروف لا يعدم الانسان الحر الوسيلة في مقاومة الاستبداد والظلم حسب الظروف والأحوال وفرز واختيار السلطات المعبرة عن إرادته وهذا مقياس التفرقة بين المجتمعات الحرة والمجتمعات الخاضعة لعبث العابثين وأبرز علاماتها الاستسلام للعبة الانقسام والصراع على السلطة وتحويلها إلى مزايا ومغانم قابلة للتقاسم، والانقسام والتسابق عليها حين يأخذ شكل النزاع المسلح يفقد كل طرف مشارك فيه أي شرعية ولو كان منتخباً.
ومن مظاهر الانقسام والصراع المهين على السلطة حالة الانقسام والصراع الفلسطيني الفلسطيني المعد بخبث وإحكام من خلال سيناريوهات أنتجت سلطتين في بقعتين جغرافيتين محاصرتين تؤديان وظيفة تخدم الاحتلال سلطة رام الله (مركز بوليس رام الله) التي يعتبرها بعض رموز فصائل المقاومة الفلسطينية موظفة ضد المقاومة الفلسطينية واستهداف المقاومين وبالذات معارضيها، وهذه أعجوبة لا مثيل لها، أما سلطة حماس فقد وظفت بآلية مختلفة كمبرر لاستمرار الانقسام الذي يلعنه كلا الطرفين لتصبح الضفة وغزة تحت المراقبة والحصار والابادة الممنهجة والشعب الفلسطيني هو الضحية، وإذا كان النموذج الفلسطيني يكرس الانقسام في بلد محتل فإن نماذج عربية أخرى عديدة يستخدم فيها الانقسام مبررا للعدوان عليها والتدخل في شؤونها وإعاقة نموها، ولا يصعب معرفتها على من يريد المعرفة.
إن الانقسام المصطنع يمزق الكيان الموحد وينهيه، والاختلاف الطبيعي يتشكل منه الجسد الواحد الذي إذا اشتكى منه عضو تداعى له سائر الجسد بالسهر والحمى، فلا وحدة حقيقية بدون تعدد خلاق لكيان موحد تأتلف أجزاؤه في انسجام تتمتع به كل الأجزاء به ينبض قلب الوحدة وينتعش ضميرها ويحيا، ومن أبرز ما يعبر عن حالة التنافر والتشظي في الجسد المسمى بالعربي ويصرف الأنظار عن التعامل معه بحكمة حالات الإلهاء بالتفاهات ومنها ما نشاهده في هذه الظروف المأساوية التي تعيشها غزة من بذاءات إلهاء الشباب (السعودي) التي تنظمها ما تسمى هيئة الترفيه السعودية المتزامنة مع ما يشهده العالم من مجازر الكيان الصهيوني المشهودة عالمياً بحق أطفال فلسطين، وهي صورة لا تختلف في الجوهر عن بذاءات ما عرف بهيئة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر التي عملت في خدمة سلطات الفساد تحت مظاهر التشدق والتشدد، وأي منكر أنكر من السلطات التي تتربع على عروش الخليج وبقية الأقطار المسماة بالعربية المتفرجة على المسرح الحي للإبادة الجماعية للجزء الحي (فلسطين) في جسد الأمة الميتة التي تُدعى أمة العروبة والإسلام، وهل توجد صورة أقدر على التعبير عن حالة موت أبلغ من هذه الصورة ؟!؛
إنها أمة لا يختلف فيها الحكام عن المحكومين والأحياء لا يقبلون حكم الأموات، وإلا كان موته مركباً وانطبق عليه وصف أبي العلاء المعري:
(ليس من مات فاستراح بميتٍ
إنما الميت ميت الأحياءِ
إنما الميت من يعيش كئيباً
كاسفاً باله قليل الرجاءِ)؛
والأحياء لا يقبلون حكم من يقودهم إلى الهاوية، وأي هاوية أكبر مما تعيشه أمة لسان حالها بالجملة والمفرق (لا حول ولا قوة)؟ ، الصورة تبدو جالبة لليأس ولكنها تعكس حقيقة الواقع ورؤية الواقع بشجاعة خير من التعامي والهروب بذريعة تجنب ما يؤدي إلى الاستسلام لليأس والقنوط، رؤية حقيقة الموت تساعد على انبعاث الحياة لأن الحياة من الموت تولد، وتجدد نور الحقيقة الساطع خير من ظلام التضليل ،فالتفاؤل يُبنى على الوضوح والمكاشفة والتأمل لمعرفة أسباب ومسببات ما نعيشه على المستوى الفردي والاجتماعي، الوطني والقومي والإنساني ؛
إن الشراسة في استباحة إبادة الأطفال والمدنيين الفلسطينيين بدعم أقوى دولة في العالم تدار باسم رئيس شوفيني خرف يطلق كلمات لا معنى لها دعماً لحق (إسرائيل في الدفاع عن نفسها) ضد الأطفال حال يهز العقول والأرواح والضمائر ويدعو للتفكير في معنى حق الحياة الحرة الكريمة كبشر يعرفون معنى الحرية يبحثون عن القواسم الإنسانية المشتركة بعيداً عن أي شكل من أشكال العنتريات والغرور ويعملون بجد في سبيل الخروج من حالة الجنون التي تحكم العالم!.
أحفاد عبد شمسٍ وعبد مناف
هاهم يبيعون الهوى نفطاً
يُسَوِّقونَ الغازَ مجداً شامخاً
يُعطر ما تبقى من الكائنات المذابة.
المصدر: الثورة نت
إقرأ أيضاً:
معنى الصعود في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾
معنى الصعود.. أوضحت دار الإفتاء المصرية المراد بالصعود في قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، مشيرة إلى أنه يمكن أن يكونَ الصعود إليه سبحانه؛ فيكون مجازًا عن علو المكانة ورُقيِّ المرتبة عنده؛ لاستحالة المكان في حقه سبحانه، وإما أن يكون لمواضع مخلوقاته المشرفة؛ فيصحّ فيه ارتفاع المكانة أو المكان.
معنى الصعود بالقرآن الكريم
قال الإمام بدر الدين بن جماعة الشافعي في كتابه "إيضاح الدليل في قطع حجج أهل التعطيل" (ص: 111-112، ط. دار السلام): [قوله تعالى: ﴿إِلَيْهِ يَصْعَدُ الْكَلِمُ الطَّيِّبُ﴾ [فاطر: 10]، ﴿تَعْرُجُ الْمَلاَئِكَةُ وَالرُّوحُ إِلَيْه﴾ [المعارج: 4]، ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾ [آل عمران: 55]: اعْلَم أَنه قد تقدَّم الكلامُ عليه في آيَة الاسْتوَاء، ونزيد هَهُنَا: أَنه إِذا ثَبت اسْتِحَالَةُ الْجِهَة فِي حَقه تَعَالَى وَجب تَأْوِيل هَذِه الْآيَات، وَأَن المُرَاد: يصعد ويعرج إِلَى مَحل أمره وإرادته، أَو أَنَّ المُرَاد بالمعارج: الرتب والدرجات؛ كَمَا ورد فِي دَرَجَات الْجنَّة، وَلَيْسَ المُرَاد بِهِ: الدَّرَجَات الَّتِي هِيَ مراقي من سفل إِلَى علو الرُّتْبَة والمنازل عِنْده تَعَالَى، وَفِي إفاضات النعم فِي الْجنَّة، ومنه قولُه تعالى: ﴿وَرَافِعُكَ إِلَيَّ﴾، وقوله: ﴿بَل رَفَعَهُ اللهُ إِلَيْهِ﴾ إِلَى مَحل كرامته؛ كَمَا يُقَال: رفع السُّلْطَان فلَانا إِلَيْهِ؛ لَيْسَ المُرَاد مَكَانًا وَلَا جِهَة علو، بل قرب رُتْبَة ومنزلة] اهـ.
وقالت الإفتاء إن علماء المسلمين اتفقوا على أنَّ العروج إلى الله تعالى إنما هو بالرتبة والمنزلة والمكانة، لا بالمسافة والانتقال؛ لأنَّه تعالى مُنزَّهٌ عن المكان والجهة والنُقلة ودُنوِّ الْمسَافَة.
قال الإمام الثعلبي في "الكشف والبيان" (25/ 86، ط. دار التفسير): [ودُنوّ الله من العبد ودنوّ العبد من الله تعالى بالرتبة، والمنزلة، والمكانة، وإجابة الدعوة، لا بالمسافة؛ لأن المسافة لمن يكون له المكان مشتغلًا به، فيكون بينه وبين المكان الآخر مسافة، وذلك كله من أمارات الأجسام وخواصها، والله عزَّ شأنه يتعالى عن ذلك علوًّا كبيرًا، وإنما هو كقوله تعالى: ﴿فَإِنِّي قَرِيبٌ أُجِيبُ دَعْوَةَ الدَّاعِ إِذا دَعانِ﴾ [البقرة: 186]، وقوله: ﴿وَنَحْنُ أَقْرَبُ إِلَيْهِ مِنْكُمْ﴾ [الواقعة: 85]؛ يعني: بالعلم والقدرة وإجابة الدعوة] اهـ.
وقال الإمام القرطبي المالكي في تفسيره "الجامع لأحكام القرآن" (11/ 333، ط. دار الكتب المصرية-القاهرة): [وقال أبو المعالي: قوله صلى الله عليه وآله وسلم: «لَا تُفَضِّلُونِي عَلَى يُونُسَ بْنِ مَتَّى» المعنى: فإني لم أكن وأنا في سدرة المنتهى بأقرب إلى الله منه وهو في قعر البحر في بطن الحوت. وهذا يدل على أن الباريَ سبحانه وتعالى ليس في جهة] اهـ.
وقال الإمام بدر الدين بن جماعة الشافعي في كتابه "إيضاح الدليل" (ص: 144): [اعْلَم أَن دنو الْمسَافَة على الله تَعَالَى محَال] اهـ.
وقال العلَّامة القسطلاني الشافعي في "إرشاد الساري" (10/ 393، ط. الأميرية) عند شرحه لقول زينب بنت جحش رضي الله عنها: "إِنَّ اللَّهَ أَنْكَحَنِي فِي السَّمَاءِ": [وذات الله تعالى منزّهة عن المكان والجهة، فالمراد بقولها: "فِي السَّمَاءِ": الإشارة إلى علوّ الذات والصفات، وليس ذلك باعتبار أنَّ محله تعالى في السماء، تعالى الله عن ذلك علوًّا كبيرًا] اهـ.
وأكدت دار الإفتاء أن الذي عليه الأمة الإسلامية كلها بفقهائها ومُحدثيها ومتكلميها أن الصعود إليه سبحانه معناه ارتفاع الرتب وزيادة الفضائل وعلو المكانة وشرف المنزلة، ونحو ذلك؛ مما ليس فيه صعودٌ حِسِّيٌّ ولا نُقلةٌ أو قطع مسافة.