وسط غموض يكتنف مستقبلها.. بيلاروسيا تعرض استضافة فاغنر في قاعدة عسكرية مهجورة وواشنطن تستهدفها بعقوبات
تاريخ النشر: 28th, June 2023 GMT
استهدفت الولايات المتحدة مجموعة فاغنر الروسية بعقوبات فرضتها على شركات اتهمتها بالتورط في تعاملات غير مشروعة بالذهب لتمويل المجموعة العسكرية الخاصة، في حين عرضت بيلاروسيا استضافة قوات فاغنر في إحدى قواعدها العسكرية المهجورة.
وأعلنت وزارة الخزانة الأميركية أمس الثلاثاء فرض عقوبات على أربع شركات وفرد واحد على صلة بمجموعة فاغنر" ومالكها يفغيني بريغوجين.
وقالت الخزانة الأميركية -في بيان- إن الكيانات المستهدفة توجد في جمهورية أفريقيا الوسطى والإمارات وروسيا، وإن هذه الكيانات شاركت في تعاملات غير مشروعة بالذهب لتمويل شركة فاغنر من أجل دعم وتوسيع قواتها المسلحة.
وأضاف البيان أن فاغنر تستغل انعدام الأمن في عدد من المناطق عبر العالم، وترتكب فظائع وأعمالا إجرامية تهدد سلامة الدول وتستغل مواردها الطبيعية.
وقال مساعد وزيرة الخزانة لشؤون الإرهاب براين نيلسون إن فاغنر تمول عملياتها بشكل جزئي عبر استغلال الموارد الطبيعية في بلدان مثل جمهورية أفريقيا الوسطى ومالي.
وتنامت فاغنر -التي تضم ضمن رجالها في أوكرانيا آلاف السجناء السابقين الذين تم تجنيدهم من السجون الروسية- لتصبح مجموعة دولية مترامية الأطراف، لها مصالح في أنشطة التعدين ومقاتلون في أفريقيا والشرق الأوسط.
وقال الرئيس الروسي فلاديمير بوتين -يوم الثلاثاء- إنه سيتم التحقيق بشأن تمويلات شركة تموين تابعة لبريغوجين بعد تمرده، مضيفا أن فاغنر ومؤسسها تلقيا ما يقرب من ملياري دولار من روسيا العام الماضي.
وفي السياق نفسه، نقلت وكالة ريا نوفوستي عن وزارة الدفاع الروسية أن مجموعة فاغنر تستعد لتسليم معداتها العسكرية الثقيلة للوزارة.
بريغوجين في مينسك
وبينما يكتنف الغموض مستقبل شركة فاغنر، أعلنت بيلاروسيا وصول قائد المجموعة يفغيني بريغوجين إلى مينسك.
وعرَضَ الرئيس البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو استضافة قوات فاغنر في إحدى القواعد العسكرية المهجورة في بلاده، مما أثار مخاوف لدى الغرب من اقترابها جغرافيا من حدود أوروبا.
ووصلت طائرة بريغوجين إلى بيلاروسيا قادمة من روسيا، وذلك بعد 3 أيام من وقف تمرده على نحو مفاجئ، بينما كان مقاتلو المجموعة يزحفون صوب العاصمة موسكو.
وتعليقا على ذلك، قالت الخارجية الأميركية -أمس الثلاثاء- إن قرار لوكاشينكو الترحيب ببريغوجين يظهر أنه يتخذ خطوات لصالح الكرملين لا لصالح شعبه.
وتضمّن اتفاقٌ توسّطَ فيه لوكاشينكو السبت الماضي وأنهى تمرد فاغنر في روسيا، أن يتوجه بريغوجين إلى بيلاروسيا، بينما مُنح رجاله خيار الانضمام إليه أو الاندماج في القوات المسلحة النظامية الروسية.
وقال لوكاشينكو أيضا إن وزير دفاعه فيكتور خرينيكوف أخبره أنه لا يمانع في وجود وحدة مثل فاغنر في جيش بيلاروسيا. وأصدر لوكاشينكو تعليمات لوزير الدفاع بالتفاوض مع بريغوجين بشأن هذه المسألة.
وفي وقت سابق، قالت وكالة الإعلام الروسية إن جهاز الأمن الفدرالي أسقط التهم الجنائية بحق يفغيني بريغوجين قائد فاغنر، وآخرين على صلة بالتمرد المسلح الذي نفذته المجموعة السبت الماضي وانتهى خلال ساعات بموجب اتفاق توسط فيه رئيس بيلاروسيا.
وكان إسقاط التهم من البنود الرئيسية للاتفاق الذي يسمح لمقاتلي فاغنر بالتوجه إلى بيلاروسيا، لكن شكوكا أثيرت بشأنه بعدما قالت وكالات الأنباء الرئيسية الثلاث في روسيا أمس إن القضية الجنائية لم تغلق.
تزويد الحرس الوطني الروسي بأسلحة ثقيلة
وفي غضون ذلك، قال رئيس الحرس الوطني الروسي فيكتور زولوتوف إن تركيز القوى في موسكو يفسّر سرعة تقدم فاغنر في البلاد.
وأضاف زولوتوف أن الحرس الوطني سيحصل على أسلحة ثقيلة ودبابات للمرة الأولى، مشيرا إلى أنه ناقش الأمر مع الرئيس بوتين.
وأكد أنه لا يستبعد ضلوع أجهزة استخبارات أجنبية في محاولة التمرد المسلح.
وكان بوتين قد عقد اجتماعا لبحث تبعات التمرد مع المدعي العام ووزيري الداخلية والدفاع ومدير جهاز الأمن الفدرالي ورئيس الحرس الوطني.
ستولتنبرغ: الناتو جاهز للدفاع عن نفسهمن جهة أخرى، أكّد الأمين العام لحلف شمال الأطلسي ينس ستولتنبرغ أن التكتل جاهز للدفاع عن نفسه بوجه أي تهديد من "موسكو أو مينسك"، وذلك بعد استقبال بيلاروسيا قائد مجموعة فاغنر العسكرية يفغيني بريغوجين.
وقال ستولتنبرغ إثر مأدبة مع قادة سبع دول في لاهاي: "ما هو واضح تماما هو أننا وجّهنا رسالة واضحة إلى موسكو ومينسك، مفادها أن حلف شمال الأطلسي موجود لحماية كل حليف وكل شبر من أراضيه".
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: مجموعة فاغنر فاغنر فی
إقرأ أيضاً:
الضباب الأمريكي... والسنة الإيرانية
يعرف الدبلوماسي واشنطن وردهاتِ التأثير في صناعة قرارها. وكانَ يذهب خصوصاً في بدايات العهود الرئاسية ويرجع بقدرٍ من الإجابات والتوقعات يساعده على تدبيج تقارير يرفعها إلى رؤسائه. ذهبَ هذه المرة فاكتشف أنَّ المهمة شاقة. رأى العاصمة الأمريكية غارقة في ضباب كثيف، وأنظار العالم مسلطة على عودة «الرجل القوي» إلى البيت الأبيض. رأى الضباب منتشراً على كامل التراب الأمريكي، ولمس أن الأسئلة أكثر بما لا يقاس من أنصاف الإجابات.
في البيت الأمريكي شعور بأنَّ البلاد تقف أمام منعطفٍ كبير. وأنَّ دونالد ترامب لن يكتفيَ بتغيير بعض أثاث البيت بل يحلم بتغيير ملامحه في السياسة والاقتصاد والإدارة. وضاعفت شراكة إيلون ماسك في الإدارة الجديدة من حديث الإقالات والاستقالات وترشيق الآلة الحكومية على نحو موجع.قالَ الدبلوماسي إنَّ البوصلةَ الأمريكية الجديدة شديدة الاهتزازات إلى درجة يمكن أن تربكَ الأعداء والحلفاء معاً. ولاحظ أنَّ السَّيرَ مع إدارة ترامب يشبه في الوقت الحاضر السير في طرق وعرة وسط ضباب يكاد يحجب الرؤية. عاد بانطباع أنَّ ترامب مُصِرٌّ على إنهاء الحرب الروسية - الأوكرانية، ليس فقط بهاجس الفوز بجائزة نوبل للسلام، بل أيضاً وقبل ذلك لحجز موقع استثنائي في التاريخ ينافس به أسلافَه. ويبدو في هذا السياق واثقاً بخيط ود قديم يربطه بفلاديمير بوتين، ولم يؤدِّ الاجتياح الروسي للأراضي الأوكرانية إلى قطعه.
لمس الزائر في أجواء واشنطن أيضاً إصراراً على معالجة حازمة للملف الإيراني وعلى قاعدة منع طهران من صناعة القنبلة وكذلك من تحريك «الجيوش الموازية» لزعزعة استقرار المنطقة. ولم يكن يحتاج إلى جهد لاستنتاج أنَّ ترامب يريد صناعة سلام في الشرق الأوسط، لكنَّه توقَّف عند نجاح بنيامين نتنياهو في حجز موقع تحالف وثيق ومؤثر مع إدارة ترامب.
واضح أنَّ دونالد ترامب صعد منذ اليوم الأول لولايته إلى مقعد القيادة في أمريكا، وأمطر العالم تباعاً بسلسلة من التصريحات والتغريدات أشاعت مناخاً من الضباب على امتداد «القرية الكونية»، ضباب أطلقته نذر الحرب التجارية ومقاربة الملف الأوكراني على قاعدة الاعتراف بوقائع فرضتها الحرب الروسية، فضلاً عن إطلاق الضباب في الشرق الأوسط عبر الاقتراح المستهجن بنقل سكان غزة لتحويلها «ريفييرا رائعة». يغيب هذا الضباب فيما يتعلق بالملف النووي الإيراني؛ حيث لا تبدو إدارة ترامب في وارد التراجع.
غمر الضباب الكثيف القارة الأوروبية حين وقف جيه. دي. فانس في مؤتمر ميونيخ للأمن ليوبخ دولاً أوروبية بسبب ما عدَّه «قمعاً للحريات»، منتقداً تعامُلها مع اليمين المتطرف فيها. وبدا سريعاً أنَّ أوروبا أصيبت بالذعر من احتمال حسم مستقبل الملف الأوكراني في غيابها، ومن دون اعتبار صاحب الملف الرئيس فولوديمير زيلينسكي شريكاً كاملاً. أضيف كلام فانس إلى كلام ترامب... أنَّ أمريكا لن تدفع إلى الأبد ثمن حماية أوروبا.
والحقيقة أنَّ موقف ترامب من عدم دفع ثمن حماية أوروبا ليس جديداً. جاهر بهذا الموقف في 1987 يومَ لم يكن اسماً مطروحاً في عالم السياسة. في تلك السَّنة زار موسكو كمطوّر عقاري، وعاد معجباً بالفرص، وأدلى بتصريح عن ثمن حماية أوروبا التي تستطيع دفعَ ثمن الدفاع عن نفسها.
وإذا كانت أوروبا منشغلة بمصير الملف الأوكراني الذي فتحه ترامب سريعاً على مصراعيه، فإنَّ أهل الشرق الأوسط سينشغلون، علاوة على موضوع السلام، بالتوجه نحو تحول السَّنة الحالية سنةً إيرانية بامتياز. تعهَّد ترامب بصورة قاطعة بعدم السماح لطهران بامتلاك قنبلة نووية. وكرَّر وزير خارجيته ماركو روبيو هذا التعهدَ أمس في إسرائيل مرفقاً بتعهد مماثل من بنيامين نتنياهو. والانطباع السائد هو أنَّ أي اتفاق جديد مع إيران لن يتجاهلَ ترسانتها الصاروخية ودورها في زعزعة الاستقرار. والسؤال هو: هل يستطيع المرشد الإيراني قَبولَ تنازلات بهذا الحجم تقلِّص دور بلاده خصوصاً بعد خسارتها في سوريا ولبنان؟
وسط الضباب الأمريكي الكثيف تتدافع الاستحقاقات المقتربة في الملفات الفلسطينية والإيرانية والأوكرانية. يمكن القول أيضاً أنَّ سوريا ولبنان والعراق دولٌ معنية بالضباب والخيارات الأمريكية في هذه الملفات. في هذا السياق لا بدَّ من حوار عميق وتفصيلي مع إدارة ترامب، ذلك أنَّ الاكتفاء بالاحتجاج لا يشكل سياسة، ولا يحفظ الاستقرار والحقوق. وسيكون من الضروري بلورة تصوُّر عربي خصوصاً في ملف السلام وعلى قاعدة التوجه نحو حل الدولتين، وهو السبيل الوحيد لإطفاء نار هذا النزاع المزمن.
واضح أنَّ السعودية بثقلها السياسي والاقتصادي هي في طليعة الدول العربية والإسلامية القادرة على الاضطلاع بدور من هذا النوع. استضافتها للقاءات الأمريكية - الروسية، وصولاً إلى القمة تعكس تقدير واشنطن وموسكو معاً لأهمية حضورها العربي والإسلامي والدولي. والمشاورات الجارية لإعداد خطة بديلة لخطة ترامب بشأن غزة تصبّ في هذا الاتجاه، ثم إنَّ السعودية ستكون قادرة على الإفادة من قاعدة صلبة بَنتْهَا في العلاقات الدولية مع دول ذاتِ ثقل كالصين والهند، علاوة على الاتحاد الأوروبي.
لا بدَّ من الاستعداد لاستحقاقات السَّنة الإيرانية. التوصل إلى اتفاق أمريكي - إيراني سيشكل حدثاً كبيراً وتحولاً في المنطقة. قيام إسرائيل بتدمير المنشآت النووية الإيرانية بدعم أمريكي سيشكّل هو الآخر حدثاً كبيراً وخطراً لا بدَّ من الاستعداد لاتّقاء ذيوله. الضّباب الكثيف لا يحول دون القيادة الآمنة إذا أحسنتِ الدولُ إعداد أوراقها والاستفادة من عناصر قوتها، وحاورت إدارة ترامب على قاعدة المصالح المتبادلة وفوائد الاستقرار وعائدات الاستثمار والازدهار.