علي يوسف السعد يكتب: سافر معي إلى سلوفينيا
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
إذا كنتَ واحداً من مستكشفي الكهوف، سيسُّرك السفرُ معنا في رحلة إلى سلوفينيا، البلاد التي يحلم بزيارتها كل عشاق الكهوف، رغبةً في استكشاف كهوفها وما تُخفيه من خبايا وأسرار... سلوفينيا تقع في وسط القارة الأوروبية على مشارف البحر الأدرياتيكي والبحر الأبيض المتوسط، وما يزيد موقعها تميزاً هو امتلاكها حدوداً مشتركة من جهة الغرب مع إيطاليا، ومن ناحية الجنوب الشرقي مع دولة كرواتيا والمجر، بالإضافة لاشتراكها في الحدود من جهة الشمال مع النمسا، وقد تمّ تصنيفها في المرتبة العاشرة كأفضل دولة في أوروبا.
لا عجبَ في أنّ سلوفينيا تُعرف ببلاد الكهوف، حيث يُقدّر عدد الكهوف الموجودة فيها بنحو 8000 كهف، ومع ذلك، فإنّ 22 كهفاً فقط مفتوحة للزوار، وذلك لصعوبة استكشافها، وعند الحديث عن أشهر كهوف سلوفينيا، فإنّني أوصي بشدة بزيارة كهف «بوستوينا» (Postojna)، الذي قمتُ بزيارته شخصياً، وهو واحدٌ من أكثر مناطق الجذب السياحية، ويُعتبر هذا الكهف أعجوبةً طبيعية فعمره يُقدّر بمليوني عام، وهو الكهف الأكثر زيارة في البلاد، ويبلغ طوله نحو 20 كم، ومع ذلك، فإنّه يُسمح للزوار بدخول 5 كيلومترات منه فحسب، في جولة مصحوبة بمرشد متخصص.
ويقع هذا الكهف في بلدة بوستوينا، عند نهر «بيفكا» (Pivka) على بعد 46 كم من مدينة ليوبليانا، ويمكن الوصول إلى موقعه مباشرة بركوب الحافلة في رحلة تستغرق ساعة واحدة بتكلفة 7 يوروهات للذهاب، أو بركوب القطار من محطة قطار ليوبليانا إلى بوستوينا في رحلة تستغرق ساعة واحدة أيضاً بتكلفة 5 يوروهات للذهاب فحسب، ومن الجدير بالذكر أن كهف بوستونيا يبعُد عن محطة القطار مسافة 30 دقيقة سيراً عن الأقدام.
يُعتبر كهف بوستونيا ثاني أطول كهف في سلوفينيا، وتتراوح درجة الحرارة فيه بين 8 و10 درجات مئوية، وعلى الرغم من تسميته بكهف بوستونيا، إلا أنّه عبارة عن مجموعة من الكهوف المترابطة، حيث يبلغ طول هذه الشبكة من الكهوف نحو 20 كيلومتراً من الممرات والغرف على عمق 115 متراً.
يمكن شراء تذكرة للدخول إلى الكهف بسعر 29 يورو تقريباً، وأنصحُ بحجزها عن طريق «الإنترنت» لتجنُّب الازدحام، وستغرق الزيارة التي يصحبك فيها مرشد سياحي نحو 90 دقيقة وتكون عبر قطار مفتوح، إلا أنّ هناك منطقة محددة في الكهف يتم التجول فيها على الأقدام، ومن الملاحظات التي عليكم تذكرها أثناء جولتكم فيه، الانتباه أثناء تحرك القطار حيث إنّ سقف الكهف منخفض جداً في كثير من الأجزاء ويحتوي على نتوءات حادة.
أثناء جولتي استمتعتُ بمشاهدة التشكيلات الملحية الغريبة، والتي تشكلت واكتسبت ألوانها على مرّ القرون بفعل العوامل البيئية المختلفة، ومن المشاهد الغريبة التي رأيتُها فيه، النوع الغريب من الأسماك المُلقّبة بالأسماك البشرية أو أسماك التنين، حيث يبلغ طول هذه الأسماك 30 سم، وتحيط بها العديد من الأساطير، حيث يقول البعض إنّها من أحفاد التنانين، ويُشير العلماء أيضاً إلى قدرتها العجيبة على العيش دون تناول الطعام لمدة قد تصل لسنوات، لذا إذا كنتَ تبحث عن الإثارة والغموض، أنصحك بزيارة كهف بوستونيا وتأكّد بأنّك لن تشعرَ بالملل. أخبار ذات صلة
المصدر: صحيفة الاتحاد
كلمات دلالية: علي يوسف السعد
إقرأ أيضاً:
مصطفى الشيمي يكتب: ما تبقّى من الحذف
كانت تكتب له، كل ليلة.. كأن شيئًا في قلبها لا يهدأ إلا حين تُسكته بالحروف. تبدأ بكلمة "اشتقتُ إليك"... ثم تتجمد أصابعها عند الحرف الأخير وتُحدّق في الجملة، كأنها لا تُصدق أنها كتبتها، ثم تمحوها ببطء، كمن يبتلع اعترافًا لا يملك شجاعة تحمّله. لم تكن تكتب لتقول ما تُخفي، بل لتتنفس فقط، وكأن الحروف كانت المتنفّس الوحيد الذي لا يراكِبه الخوف.
أحيانًا، كانت ترسل رسالة مليئة بالدفء. جملة واحدة: "ياريتني قابلتك من زمن بعيد، وكنت أتمنى حبك وطريقتك."
ثم تعود بعد يومين، تمحوها من المحادثة، كأنها تريد أن تمحي آثار قلبها، كأنها تنكُر، لا ما كتبته، بل ما شعرت به لحظة الكتابة.
أما هو، فكان يرى آثار الغياب في رسائل مبتورة. يرى ردوده على كلام لم يعد موجودًا.
يقرأ: "تم حذف هذه الرسالة".
يقرأ سطورًا كتبها بحُب، ثم يكتشف أن لا شيء هناك يستحق هذا الانفعال. كأنّه يحاور ظلًّا، أو طيفًا يتراجع كلما اقترب.
كان الصمت معها لا يشبه الصمت. كان مليئًا بالأصوات: خوف، رغبة، هروب، اقتراب... ثم فزع.
كانت تريده، لكنها كانت تخاف مما قد يحدث إن أراده بالمثل.
ربما لم تكن قاسية. ربما كانت فقط تائهة. ضائعة بين ما تريده، وما لا تعرف كيف تعطيه. بين أن تُحب وتُفلت، أن تقترب ثم تهرب كأن في القرب تهديدًا لا يُحتمل.
لم تكن تعرف كيف تُكمل، لكنها كانت تعرف تمامًا كيف تُبقيه على الحافة. نصف حب، نصف انسحاب، رسالة تُكتَب، ولا تُرسَل. كلمة تُقال، ثم تُمحى. ويدٌ تُمدّ... ثم ترتجف وتعود.
أما هو، فظلّ يحاول أن يصدّق. أن يمنحها الوقت، والمجال، والاحتمال. وكان كلما ضاق به الصبر، تذكّر ما قاله له والده يومًا: "بعض القلوب يا ولدي، لا تُطارد... تُترك، ليعرف أصحابها إن كانوا يريدون البقاء."
ومع كل رسالة تُمحى، كان يفقد جزءًا من ثقته، ومن نفسه، ومن الحكاية.
حتى أتى اليوم الذي لم يعد ينتظر. لا رسالة، ولا تراجع، ولا اعتذار. أغلق الأبواب بهدوء، كما تُغلق صفحة كانت تؤلم كلما قُرئت.
وفي تلك الليلة، كتبت له من جديد. هذه المرة، كتبت كل شيء. بصوت القلب العاري، والخوف الذي لم يعد له مكان يختبئ فيه. لكن حين دخلت تبحث عنه... لم تجده.
قرأت الرسالة مرة، مرتين، وأرسلتها. ثم مسحتها كعادتها. لكن هذه المرة، لم يكن الحذف نسيانًا... بل خسارة. شعرت لأول مرة، أنها لا تمحو الكلمات فقط... بل تخسر شيئًا لا يمكن استرجاعه.