شعوب العالم تنتفض للتنديد بمجازر الاحتلال ودعم حقوق الفلسطينيين
تاريخ النشر: 7th, November 2023 GMT
منذ السابع من الشهر الماضى، تغيّرت اهتمامات العالم بأسره، بعد أن أعلنت الفصائل الفلسطينية إطلاق عملية «طوفان الأقصى» وردّت عليها إسرائيل بـ«السيوف الحديدية»، التى كشفت عن الوجه القبيح لإسرائيل، فبدأت منذ ذلك اليوم قصفاً متواصلاً على قطاع غزة، استهدف المستشفيات والمدارس دون رحمة، ليسقط آلاف الأطفال والنساء، فى مشاهد حركت العالم، وأظهرت غضباً شعبياً عالمياً فى شكل مظاهرات داعمة لفلسطين فى الكثير من عواصم الدول.
فى العالم العربى خرج الآلاف فى الشوارع وأمام مقار السفارات الإسرائيلية، للتنديد بمجازر الاحتلال، وصمت المجتمع الدولى إزاء ما يحدث فى قطاع غزة، لكن مظاهرات واحتجاجات العالم العربى ليست الأولى، فخلال السنوات الماضية، وفى كل مرة تقصف خلالها إسرائيل غزة، تكون المظاهرات الداعمة وسيلة المدنيين فى التعبير عن رفض الاحتلال الإسرائيلى لفلسطين.
لكن أحداث السابع من أكتوبر، نقلت المظاهرات من العالم العربى إلى عواصم الدول الأوروبية، ففى فرنسا خرج الآلاف للمطالبة بإنهاء المجزرة على غزة والوقف الفورى لإطلاق النار، وهى مظاهرات سمحت بها السلطات الفرنسية، كما أطلقت مسيرات أخرى ضد الحرب فى العاصمة باريس.
وفى ألمانيا وبريطانيا وإسبانيا، وأيضاً كندا والولايات المتحدة الأمريكية، والكثير من عواصم الدول الأخرى، خرجت الشعوب الأوروبية فى مظاهرات تُسيطر عليها أعلام دولة فلسطين المحتلة، للتنديد بالاحتلال وما يرتكبه من فظائع بحق المدنيين، وكانت الهتافات تتنوع بين «فلسطين حرة»، «وقف إطلاق النار الآن»، «بالآلاف، بالملايين، نحن جميعاً فلسطينيون».
«فهمى»: المظاهرات العالمية متغير جديد لصالح القضية الفلسطينيةالرأى العام الغربى بدأ التحرك ضد مواقف حكوماته مع تزايد رقعة الاحتجاجات، وبدأت مراكز قياس الرأى العام فى التركيز وإظهار قوة الاحتجاجات والمظاهرات، كما أبرزت تأثيرها على مواقف الحكومات المؤيدة للحرب على غزة، ووصل عدد المتظاهرين فى لندن إلى أكثر من 50 ألف شخص، دعماً لفلسطين.
الدكتور طارق فهمى، أستاذ العلوم السياسية بالجامعة الأمريكية، قال إن المظاهرات التى انطلقت فى الكثير من عواصم الدول العربية والعالمية، هى متغير جديد فى القضية الفلسطينية، ففى الأسبوع الأول حظيت إسرائيل بدعم كبير جراء ما قامت به الفصائل الفلسطينية، فوقف العالم بجانب الرواية الإسرائيلية، لكن الأمور بدأت تتغير مع مرور الأيام، جزء من سبب تغيير الأمور مرتبط بالداخل الإسرائيلى، والآخر له علاقة مباشرة بتظاهرات الدول.
وأكد أستاذ العلوم السياسية لـ«الوطن» أن هذه التظاهرات أسهمت فى الضغط على الحكومات الغربية التى ساندت إسرائيل لتغيير مواقفها، لكن العنصر الرئيسى هو حجم التظاهرات، فإذا اتسعت رقعتها فى الدول الأوروبية وإسرائيل ستؤدى إلى مزيد من الضغط على صانع القرار، إما بوقف الدعم المفتوح لإسرائيل، وإما تكون هناك ضغوطات على المجتمع الدولى مُتمثلاً فى مجلس الأمن والدول الرئيسية فيه.
«الرقب»: أثرت فى الرأى العام العالمىوأوضح «فهمى» أن التظاهرات متغير مهم للغاية، وفى حالة تزايدها واتساع رقعة الاحتجاجات سيكون لها تأثير كبير على الموقف، وخلال الأيام القادمة، ستكون المتغير الرئيسى من الأوروبيين والإسرائيليين فى وضع حد للصراع، مشيداً بالجهود العربية التى بُذلت وستُبذل فى الصراع المستمر بقطاع غزة.
الدكتور أيمن الرقب، المحلل السياسى الفلسطينى قال لـ«الوطن» إنه بعد مرور شهر على أحداث غزة، تغير تأثير الرأى العام العالمى، ففى أوروبا التى دعمت الاحتلال وأعلنت منذ اللحظة الأولى تأييدها وتبنى رواية الاحتلال الإسرائيلى، كانت المظاهرات مهمة جداً فى كشف المجتمع الدولى لزيف الحكومة الإسرائيلية.
وتمنى المحلل السياسى أن تتحول المظاهرات إلى عوامل ضغط كبير، لكن بعد شهر، كان تأثيرها محدوداً، لكنها أظهرت أهمية سلاح الإعلام، وليس فى منصة واحدة، بل فى كل المنصات، سواء الإعلام المرئى أو المقروء، وأيضاً منصات التواصل الاجتماعى، التى لها دور كبير وفعّال فى نقل الصور الحقيقية.
واستكمل «الرقب» حديثه، قائلاً إنه رغم ضعف إمكانيات وسائل الإعلام العربية، إلا أنها سخرت معظم ما لديها لنقل صورة وبشاعة ما يحدث فى غزة، والصور التى نُقلت حية، وذلك أسهم فى وصول الصورة إلى العالم كله، ووضع مزيد من الضغط على المجتمع الدولى، ليضطر لنقل ما يحدث، ودفع ذلك إلى اتجاه نمطية تفكير الشارع الأوروبى، وذلك أسهم بشكل كبير فى خروج المظاهرات والاحتجاجات.
المحلل السياسى سعيد عبدالعزيز، قال إنه فوجئ بالمظاهرات التى اندلعت فى الكثير من عواصم العالم، ولم يتخيل أن تصل إلى هذه الدرجة والحجم، فاللافتات التى تُرفع وتُظهر التنديد بما يفعله الاحتلال الإسرائيلى فى غزة دليل واضح وصريح حول وصول القضية الفلسطينية وانتهاكات الاحتلال إلى شعوب العالم، والتى لم تكن على دراية كافية بالقضية فى الماضى. وأوضح المحلل السياسى أنها أسهمت فى الضغط على المجتمع الدولى، فتغيّرت لهجة الكثير من الحكومات حول العدوان الإسرائيلى، وبدأت بالمطالبة بوقف إطلاق النار، والتنديد بالمجازر الإسرائيلية.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الاحتلال الإسرائيلى دعم حقوق الفلسطينيين غزة المجتمع الدولى الضغط على
إقرأ أيضاً:
مخططات تقسيم الشرق الأوسط: الخلافات «وقود خبيث».. وإسرائيل الرابح
تشهد المنطقة العربية والشرق الأوسط تحولات جيوسياسية كبرى فى العقود الأخيرة، كشفت العديد من المخططات التى تهدف إلى تقسيم الدول العربية وإعادة رسم خريطة المنطقة، إذ لا تقتصر مخططات التقسيم على التحولات الداخلية التى تحدث فى بعض الدول، بل تشمل التدخلات الخارجية التى تهدف إلى إضعاف وحدة الشعوب، عبر تحفيز الصراعات الطائفية، ودعم الانفصال والتجزئة، وإضعاف الشأن العربى وتفتيت كياناته السياسية.
وتعود بداية مخططات التقسيم إلى سنوات طوال؛ ففى عام 1957، أعلن الرئيس الأمريكى دوايت أيزنهاور ما عُرف بـ«مبدأ أيزنهاور»، الذى كان يقضى بأحقية الولايات المتحدة فى التدخل لصالح أى دولة فى الشرق الأوسط.
وفى العصر الحديث، هناك مخطط برنارد لويس، الذى يهدف إلى تقسيم الدول العربية إلى دويلات وأقاليم على خلفيات دينية وعرقية، وفى عام 2004، ظهر مشروع «الشرق الأوسط الكبير» من قبَل إدارة الرئيس الأمريكي الأسبق جورج بوش الابن، الذى استهدف تقسيم بعض الدول العربية إلى كيانات أصغر على أسس طائفية أو عرقية.
وتبعه مشروع «الفوضى الخلاقة» فى العام نفسه، إذ استُخدم هذا المصطلح فى 2005 من قبَل وزيرة الخارجية الأمريكية كونداليزا رايس، التي دعمت استراتيجيات تهدف إلى إعادة تشكيل منطقة الشرق الأوسط عبر تفكيك العديد من الدول العربية وإطلاق شرارة الحروب الأهلية، لتعم الفوضى العديد من الدول.
لم تكن المخططات تستهدف إعادة تقسيم المنطقة فحسب، بل تفتيت الدول العربية نفسها، وهو ما برز فى مشروع تقسيم العراق عام 2006، خصوصاً بعد الغزو الأمريكى، إذ روج بعض المسئولين والمفكرين الأمريكيين لفكرة تقسيم العراق إلى ثلاثة كيانات منفصلة «دولة شيعية فى الجنوب، دولة كردية فى الشمال، ودولة سنية فى الوسط»، وعلى الرغم من أن المشروع لم يتم تنفيذه رسمياً، فإن العراق شهد تفككاً داخلياً بسبب الانقسامات الطائفية، ما ساعد على نمو الجماعات المتطرفة مثل تنظيم داعش الإرهابى.
وفى عام 2011، برز مخطط تقسيم ليبيا، بعد تدخل حلف الناتو على خط الأزمة، حيث بدأت بعض الأطراف الدولية فى الحديث عن تقسيم ليبيا إلى ثلاث مناطق مستقلة أو فيدرالية؛ المنطقة الغربية التى تسيطر عليها طرابلس، والشرقية وعاصمتها بنغازى، والجنوبية التى تسيطر عليها الجماعات المسلحة، وعلى الرغم من عدم تنفيذ المخطط رسمياً، لكن ليبيا شهدت تفككاً سياسياً وصراعات مستمرة بين مختلف الفصائل المسلحة.
وفى 2012، برز مخطط تقسيم سوريا، وبدأت الفكرة تنتشر بشكل أكبر بعد اندلاع الحرب الأهلية السورية، وكانت هناك دعوات من بعض الأطراف الدولية لتقسيم سوريا إلى مناطق ذات أغلبية عرقية أو طائفية، مثل دولة كردية فى الشمال، وعلوية فى الساحل، وكيانات سنية فى بقية المناطق، وهو ما لاقى معارضة من الحكومة السورية وحلفائها، لكنه أصبح محل نقاش خلال الحرب الأهلية التى أدت إلى تدخلات متعددة من القوى الأجنبية.
«إسماعيل»: الغرب سعى لتحويل الدول العربية إلى كيانات طائفية وعرقيةوقال الدكتور محمد صادق إسماعيل، مدير المركز العربى للدراسات السياسية، إن مخططات تقسيم الشرق الأوسط بدأها بعض المفكرين الأمريكيين مثل صامويل هنتنجتون، وميشيل فوكوياما، وتوماس فريدمان، وتحدث هؤلاء المفكرون عن تقسيم الدول العربية إلى كيانات أصغر، تحت مسمى «الشرق الأوسط الجديد» وإعادة هيكلة المنطقة، ومن ضمن تلك التحركات ما يسمى بـ«الربيع العربى».
وأشار «إسماعيل»، لـ«الوطن»، إلى أن المخططات كانت تشمل تقسيم دول مثل السودان واليمن وسوريا وليبيا على أسس طائفية أو عرقية، مؤكداً أن المخططات كانت تتضمن تقسيم مصر، لكن القيادة السياسية المصرية حافظت على استقرارها بفضل تماسك شعبها ووجود مؤسساتها القوية كالقوات المسلحة.
«مهران»: مطلوب تعزيز دور الجامعة العربيةوأكد محمد محمود مهران، أستاذ القانون الدولى، عضو الجمعيتين الأمريكية والأوروبية للقانون الدولى، أن مخططات تقسيم المنطقة العربية وتفتيت دولها تتعارض مع مبادئ القانون الدولى وميثاق الأمم المتحدة، مشيراً إلى وجود مخططات ممنهجة لتفتيت الدول العربية وإعادة رسم خريطة المنطقة وفق مصالح قوى إقليمية ودولية.
وتابع «مهران»: «المنطقة العربية تواجه تحديات غير مسبوقة فى ظل تصاعد الصراعات الإقليمية وتزايد التدخلات الخارجية، ما يتطلب يقظة عربية مستمرة لحماية وحدة وسيادة الدول العربية».
وحذر «مهران» من نجاح مخططات التقسيم؛ لأنها تفتح الباب أمام سلسلة من التداعيات الخطيرة على المنطقة بأكملها، مشيراً إلى أن تفتيت الدول العربية سيؤدى إلى إضعاف قدرتها على مواجهة التحديات الإقليمية والدولية، منوهاً بأن المخططات الحالية تستند إلى استراتيجيات قديمة لتفتيت المنطقة، مثل اتفاقية سايكس بيكو وما تلاها من محاولات لتقسيم المنطقة على أسس طائفية وعرقية.
وشدد أستاذ القانون الدولى على ضرورة تعزيز دور جامعة الدول العربية وتفعيل آليات العمل العربى المشترك، إضافة إلى تقوية المؤسسات الوطنية وتعزيز التماسك المجتمعى فى الدول العربية، لافتاً إلى أهمية الوعى الشعبى بخطورة مخططات التقسيم، وأن تماسك المجتمعات العربية وتعزيز الهوية الوطنية يمثلان خط الدفاع الأول ضد محاولات التفتيت.
«العنانى»: التدخلات الخارجية مدفوعة بمصالح شخصية والمشكلات الداخلية تسهل المخططات الاستعماريةوقال أحمد العنانى، خبير العلاقات الدولية، إن الاضطرابات تعد فرصة لبعض الدول لتغذية الصراعات الداخلية، ما يسهل عليها تحقيق أهدافها، موضحاً أن التدخلات الخارجية، سواء من دول كبرى أو إقليمية، تكون مدفوعة بالمصالح الشخصية، فالمشكلات الداخلية والانقسامات بين الأطراف المختلفة تسهل المخططات الاستعمارية، حتى تصبح الدول أهدافاً سهلة للأطراف الخارجية التى تبحث عن موطئ قدم لها.
واستشهد «العنانى» بوجود القوات الروسية والتركية والإيرانية فى سوريا، التى تتفاوت أهدافها بين تأمين مصالحها الاستراتيجية أو محاربة الجماعات المتطرفة.
وأكد أن إسرائيل هى أكثر المستفيدين من الفوضى فى المنطقة، خصوصاً من خلال توغلها فى مناطق استراتيجية بالعديد من البلدان سواء فلسطين أو سوريا وحتى لبنان واليمن، سعياً إلى ضمان أمنها القومى وتعزيز نفوذها، لافتاً إلى أن التطورات الحالية تشير إلى أن تفتيت الدول العربية يعود جزئياً إلى التدخلات الخارجية وانعدام الاستقرار الداخلى، وفى ظل هذه الظروف، يصبح الشرق الأوسط منطقة ملتهبة، تتطلب جهوداً مشتركة لتحقيق التماسك والاستقرار.