قصف وطائرات استطلاع ونزوح.. حرب استنزاف بين حزب الله وإسرائيل جنوب لبنان
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
جنوب لبنان- ما إن غادرت سيارة الجزيرة مدينة صور الساحلية (جنوب) صباح الأربعاء باتجاه الشريط الحدودي بين لبنان وإسرائيل، حتى تكتشف أن جميع مظاهر الحياة توقفت بشكل كامل فلا شيء يتحرك على الأرض، سوى بعض دوريات قوات الأمم المتحدة المؤقتة في لبنان (يونيفيل).
وعلى امتداد الطريق، عبرت سيارات الجزيرة داخل العديد من القرى والبلدات اللبنانية، والتي كانت خالية تماما من السكان بعد أن هجرها أهلها نحو المناطق الأكثر أمنا في صور وصيدا، هربا من القصف العشوائي لمدفعية الاحتلال والتي تستهدف الأراضي الزراعية والمنازل في تلك القرى.
فمنذ يوم 8 أكتوبر/تشرين الأول الماضي، يشهد الشريط الحدودي اشتباكات وقصفا متبادلا بين قوات الاحتلال الإسرائيلي من جهة، وحزب الله اللبناني وفصائل فلسطينية من جهة أخرى، في محاولة لإسناد المقاومة الفلسطينية في قطاع غزة وتخفيف الضغط عليها.
في تلك المنطقة، لا صوت يعلو فوق صوت طائرات الاستطلاع الإسرائيلية بدون طيار، من طراز "إم كيه" والتي يسميها سكان القرى الجنوبية في لبنان "أم كامل" فهذه الطائرات لا تغادر الأجواء اللبنانية على مدار الساعة، ويحمل بعضها صواريخ موجهة ويمكن أن تستهدف أي منزل أو سيارة أو شخص يتحرك على الطريق بدون سابق إنذار.
وعلى مدار شهر، قام حزب الله والفصائل الفلسطينية باستهداف المواقع العسكرية الإسرائيلية على طول الشريط الحدودي، بالإضافة إلى قصف عدد من المستوطنات شمال إسرائيل وعلى رأسها كريات شمونة.
في المقابل، ترد طائرات الاحتلال بقصف القرى والبلدات جنوب لبنان، بالإضافة إلى قصف واسع للأراضي الزراعية والأحراش والتي يزعم جيش الاحتلال أن مقاتلي حزب الله يختفون داخلها أثناء استهداف المواقع الإسرائيلية.
وخلال التجول في المناطق الحدودية تظهر بوضوح آثار قذائف المدفعية والصواريخ الإسرائيلية، والتي طالت المدارس والمنازل وخزانات المياه، فضلا عن مساحات واسعة من الأحراش وأراضي الزيتون المعمرة والتي احترقت نتيجة استهدافها بالقنابل الفوسفورية.
وبعد صباح هادئ جدا بدون أي اشتباكات، اشتعلت الأوضاع بشكل مفاجئ بعدما نفذ حزب الله وكتائب القسام -لبنان بشكل متزامن خلال نصف ساعة هجمات صاروخية باتجاه مواقع عسكرية إسرائيلية وعدة مستوطنات.
وبدأت الهجمات عندما استهدف مقاتلو حزب الله بالصواريخ الموجهة مواقع (المالكية والراهب وجل الدير) العسكرية الإسرائيلي على طول الشريط الحدودي.
وما إن بدأت قوات الاحتلال الإسرائيلي إطلاق الصواريخ وقذائف المدفعية على مصادر النيران، حتى أطلقت كتائب القسام-لبنان 16 صاروخا باتجاه نهاريا وجنوب حيفا، على بعد بتجاوز 20 كيلومترا من الأراضي اللبنانية.
ويوما بعد آخر تتزايد احتمالات توسع رقعة المواجهات لتتحول إلى حرب شاملة، وفقا للخبير العسكري والإستراتيجي إلياس فرحات.
ويقول فرحات -في حديث للجزيرة نت- إن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله حدد في كلمته الأخيرة حالتين يمكن أن تتسببا في تحويل التصعيد الحالي إلى حرب شاملة، الأولى إذا ارتكبت إسرائيل اعتداء على الداخل اللبناني، عندها سيرد حزب الله على كامل الجبهة وبالعمق، أما الثانية فهي إذا تعرضت حركة حماس لتهديد حقيقي.
ويضيف أن حزب الله لن يسمح لإسرائيل ولا للولايات المتحدة بالقضاء على حليفته حركة حماس -حسب ما يعتقد- لأن ذلك سيؤدي للتحول إلى القضاء على حزب الله، لافتا إلى أن محاولة القضاء على الجسم العسكري لحماس سوف تؤدي حتما لتدخل حزب الله وربما تدخل قوى أخرى في الإقليم، لا سيما سوريا والعراق واليمن، وربما إيران، وبذلك تحصل المواجهة الشاملة.
ويعود الخبير العسكري اللبناني للتأكيد على أن حزب الله يتعمد قصف مراكز رصد واستطلاع إسرائيلية مجهزة بمعدات متطورة من رادارات وأجهزة رصد وكاميرات بحيث تضررت شبكة الاستطلاع الإسرائيلية بنسبة تتجاوز 50%، كما يشمل القصف تجمعات عسكرية إسرائيلية وآليات ودبابات على المواقع المقابلة. وقد أعلنت إسرائيل عن مقتل وجرح 160 جنديا في هذه الاشتباكات.
أما إسرائيل فترد في الغالب على مصادر النيران ومحيطها وتستخدم المدفعية والصواريخ وأحيانا غارات من الطيران، لكن الأخطر -كما يقول فرحات- كان استخدام المسيرات التي ألحقت خسائر وقتل نحو 63 من مقاتلي حزب الله و6 مدنيين بينهم راعيان في بلدة الوزاني الحدودية، وامرأة و3 من أحفادها داخل سيارة في بلدة عيناتا.
ويضيف فرحات "وإلى جانب حزب الله، شاركت كتائب القسام-لبنان الذراع العسكري لحركة حماس في هذه المواجهة وقصفت عدة مستوطنات بينها كريات شمونة بينما شاركت سرايا القدس الذراع العسكري لحركة الجهاد الإسلامي، عبر تسلل عدد من مقاتليها إلى الداخل، وكمنت لسيارة عسكرية وقتلت ضابطا وجنديين إسرائيليين".
كما شاركت قوات الفجر التابعة للجماعة الإسلامية (الجناح اللبناني لجماعة الإخوان المسلمين) بالإضافة إلى السرايا اللبنانية للمقاومة، وهي تضم مقاتلين ينتمون إلى أحزاب أخرى في قصف المستوطنات الإسرائيلية بالصواريخ.
ويشدد فرحات على أن حزب الله يريد في الوقت الحالي إشغال الجيش الإسرائيلي في حرب مواقع حقيقية على الجبهة الشمالية، مرشحة للتطور والتوسع في أي وقت، في المقابل تريد إسرائيل التصدي لهجمات حزب الله واتخاذ التدابير العسكرية لمواجهة أي هجوم من الشمال.
ويضيف "بالفعل حشدت إسرائيل الفرقة 91 الجليل، وهي قوات نظامية، ثم حشدت في النسق الثاني الفرقة 136 احتياط (من الذين استدعوا حديثا إلى الخدمة بعد معركة "طوفان الأقصى" يوم 7 أكتوبر/تشرين الأول) وهناك معلومات عن تحريك الفرقة 32 النظامية كنسق ثالث.
ويؤكد الخبير العسكري أن المعلومات تشير إلى أن نصف منظومة القبة الحديدية لجيش الاحتلال براداراتها وصواريخها موجهة نحو لبنان خشية انطلاق صواريخ إلى العمق الإسرائيلي، كما أن قسما كبيرا من القوات الجوية مستنفر للتدخل بالاتجاه اللبناني.
المصدر: الجزيرة
كلمات دلالية: الشریط الحدودی جنوب لبنان حزب الله
إقرأ أيضاً:
سر الاستقواء الأمريكي – الإسرائيلي
شكّل الإعلان الصادر عن وزير الحرب في كيان الاحتلال يسرائيل كاتس، حول الحصول على ترخيص أمريكي بالبقاء في المناطق اللبنانية المحتلة دون قيد زمنيّ، صدمة للبنانيين وحكومتهم بعد نيل حكومة الرئيس نواف سلام الثقة وهي تبني آمالاً، كما قالت في مواقف رئيسها ووزير خارجيّتها وسبقهم رئيس الجمهورية بالقول، إنّ الحل الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو رهان لبنان لإلزام كيان الاحتلال بالانسحاب من النقاط اللبنانية المحتلة داخل الخط الأزرق تمهيداً للانسحاب من الشق اللبنانيّ من بلدة الغجر الموجود أيضاً داخل الخط الأزرق وصولاً لحسم أمر النقاط التي يسجّل لبنان تحفظه على بقاء الاحتلال فيها وفي مقدّمتها مزارع شبعا المحتلة، كما نص اتفاق وقف إطلاق النار ونص قبله القرار 1701 وكفل الأمريكيّون تنفيذ كيان الاحتلال لهما، والحديث عن الحلّ الدبلوماسيّ والضغط الدبلوماسيّ هو التوصيف المنمّق لما ينتظره لبنان الرسمي من واشنطن، التي لا يُخفى على أحد حجم دورها في تظهير الصورة الجديدة للحكم والحكومة.
تجاهلت واشنطن مسؤوليتها بإصدار نفي لكلام كاتس، وتجاهل لبنان الرسميّ تجاهل واشنطن وكلام كاتس معاً، لما في الأمر من إحراج، ولبنان الرسمي لا يملك أن يقول ما يقوله بعض اللبنانيين عن مبرّرات وذرائع للموقف الإسرائيلي، لأنه يعلم أن الاتفاق واضح والتزامات لبنان فيه لا لبس حولها وهي محصورة في بند وحيد هو انسحاب قوات حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ولبنان الرسمي راضٍ عن تجاوب حزب الله مع ما طلبه منه الجيش اللبناني في هذا السياق، وكان يعلن أنه لا يعتبر أن هناك أي إخلال لبناني بالموجبات يبرر الإخلال الإسرائيلي، عندما كانت “إسرائيل” تقول إن مبرّر إخلالها هو أن الاتفاق مشروط بانتشار الجيش اللبنانيّ وانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، كما قال بنيامين نتنياهو عشية انتهاء مدة الستين يوماً المنصوص عليها في الاتفاق لانسحاب إسرائيلي كامل إلى ما وراء الخط الأزرق.
أمامنا مشهدان واحد ميدانيّ والثاني سياسيّ، حتى تاريخ نهاية مهلة الستين يوماً، الميداني يقول إن الاحتلال فشل في احتلال القرى والبلدات اللبنانية طوال أيام المواجهات العسكرية الممتدة من 27 أيلول 2024 الى 27 تشرين الثاني 2024، إلا أنه في أيام تطبيق الاتفاق دخل 47 قرية وبلدة ودمّر ما فيها من منازل وبنى تحتية، بعدما صار أمن الجنوب في عهدة الدولة اللبنانيّة والحل الدبلوماسيّ، والعجز الإسرائيلي عن احتلال القرى والبلدات خلال المواجهات هو الذي أجبره على قبول الاتفاق الذي ينصّ على الانسحاب الكامل، وما لمسه من قدرة على حرية التوغل والتدمير في مرحلة تطبيق الاتفاق هي ما أغراه على طلب تمديد المهلة، لكننا في السياسة كنّا طول المرحلتين أمام مشهد تعبّر عنه المواقف الصادرة عن رئيس حكومة الاحتلال بنيامين نتنياهو، تتحدث حصراً عن اتفاق يقضي بانسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني، ومواقف أمريكية في لجنة الإشراف على الاتفاق تقول إن هناك انتهاكات إسرائيلية تهدّد الاتفاق ويجب أن تتوقف.
إذا كان الدخول في المسار الدبلوماسيّ شكل مصدر شعور الإسرائيلي بالاطمئنان لدخول مناطق لم يتمكّن من دخولها خلال الحرب، والسعي لتمديد المهلة حتى 18 شباط، ثم التنكّر للمهلة واختيار البقاء في أراضٍ لا خلاف على وجوب الانسحاب منها. فالسؤال هو ماذا حدث حتى صار لدى الإسرائيلي تعديل في الخطاب وربط الانسحاب بشروط لا تقتصر على انسحاب حزب الله إلى ما وراء الليطاني؟ ولماذا تبدّل الخطاب الأمريكي من اعتبار التأخير الإسرائيلي والبقاء في أراضي لبنان انتهاكاً للاتفاق وباتت تعطي الترخيص للبقاء دون مهلة زمنيّة، كما قال كاتس؟
الجواب المؤلم، هو أن الداخل اللبناني المعادي للمقاومة هو السبب، وأن هذا الداخل اللبناني الذي دأب على الزعم بأن لا انسحاب كامل دون إنهاء أمر سلاح المقاومة، ولا أموال سوف يسمح بوصولها بهدف إعادة الإعمار دون نزع هذا السلاح، وجد خطابه موضع طعن في مصداقيّته واتهامه بالعدائيّة لدرجة وصفه الإسرائيلي أكثر من “إسرائيل” نفسها، حتى تمّ تشييع الأمين العام لحزب الله السيد حسن نصرالله، فتحرّك أصحاب هذا الخطاب يحملون ما يسمّونه بالتراخي الأمريكي والإسرائيلي مسؤولية ما يسمّى بتعافي حزب الله واستعادة بيئته وشعبيته، وكانت النتيجة بالون الاختبار الذي أطلقه كاتس وصمتت عنه واشنطن، كورقة ضغط بيد هذا الداخل اللبناني عساه يستطيع توظيفه، كما يزعم في محاصرة المقاومة وابتزازها، وربما تحقيق مكاسب في اتجاه تسريع وضع مستقبل سلاحها على الطاولة.
إذا كان قد حُسم أمر أن الحكومة هي حكومة القرار 1701 وليست حكومة القرار 1559، فإن ما لم يُحسم بعد، هو هل القرار 1701 هو خطوة نحو القرار 1559 أم هو خطوة نحو القرار 425؟
إذا كان نص خطاب القَسَم عن حق الدولة في احتكار حمل السلاح وبسط سلطة الدولة بقواها الذاتية على كامل أراضيها، استعادة لما جاء في اتفاق الطائف، فإنه من المفيد التذكير أن اتفاق الطائف ترافق مع رهانات وأحلام دبلوماسيّة شبيهة برهان قادة الدولة الحاليين، يومها مسار مدريد ووعود تنفيذ القرار 425، واليوم وعود أمريكية بتحييد لبنان عن صراعات المنطقة وأزماتها، كان كلام الطائف قبل مقتل رابين، وكانت وعود أمريكا للبنان قبل إعلان تهجير غزة.
الاستقواء الأمريكي الإسرائيلي بالداخل اللبناني، رهان يسقط مع سقوط الحل الدبلوماسي للاحتلال، كما هو حال الاستقواء من بعض الداخل اللبناني بالحضور الأمريكي والإسرائيلي.
* رئيس تحرير صحيفة البناء اللبنانية