عواقب الصراع في غزة على اقتصاد العالم والشرق الأوسط
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
كتب الخبير الاقتصادي: نوار السعدي
مقدمة
كما هو معلوم للجميع شهد العالم والشرق الاوسط تحديدا في الشهر الماضي تصعيدا أمنيا خطيرا بسبب النزاع الحاصل بين حماس وإسرائيل الذي بدأ في السابع من أكتوبر تشرين الأول الماضي. حيث يحمل هذا التصعيد تداعيات بعيدة المدى على الاقتصاد العالمي بشكل عام، حيث شاهدنا الان ارتفاع في أسعار الطاقة وخاصة النفط وزيادة كبيرة في أسعار الغاز الأوروبي.
التداعيات الاقتصادية بشكل عام:
1. ارتفاع أسعار الطاقة:
أدى الصراع إلى ارتفاع بقيمة 20 دولارًا للبرميل في أسعار النفط، مما أثر بشكل كبير على الدول التي تعتمد بشكل كبير على البترول في الصناعة. وقد أدى ذلك إلى مخاوف من التضخم، حيث تنتشر تكاليف الطاقة الأعلى في مختلف قطاعات الاقتصاد.
2. تهديد نقص الطاقة:
بالإضافة إلى زيادة الأسعار، هناك تهديد مستقبلي لنقص الطاقة. إذا استمر النزاع وأثر على إنتاج الطاقة في مناطق رئيسية، أو إذا تم قطع مسارات النقل لموارد الطاقة، فإن إمدادات النفط والغاز العالمية قد تتأثر بشكل كبير، مما يؤدي إلى مزيد من زيادة الأسعار ونقص المعروض المحتمل.
3. مخاوف من الركود التضخمي:
الوضع الحالي قد يشعل مخاوف من حدوث حالة من الركود التضخمي، وهي حالة اقتصادية خطيرة تتميز بالنمو الركودي وارتفاع التضخم. نقص الأموال الناتج عن البطالة يسبب تباطؤ النمو الاقتصادي يمكن أن يزيد من هذا الوضع.
التأثير على منطقة الشرق الأوسط:
في حين أن ارتفاع أسعار النفط والغاز المفروض يعود بالفائدة للدول الشرق أوسطية المنتجة والمصدرة لهذه الموارد من خلال زيادة إيراداتها وتقليل العجز، إلا أنه يترافق مع مجموعة من التحديات أثناء الأزمات. الصراعات المستمرة في المنطقة تؤدي إلى التضخم، خصوصاً في تكاليف النقل، وتخلق بيئة غير مواتية للاستثمارات.
بشكل عملي، يؤدي هذا الوضع إلى هروب رؤوس الأموال إلى المناطق الآمنة، بعيدًا عن مناطق النزاع ومحيطها. علاوةً على ذلك، تنخفض قيم العملات الإقليمية، وتصبح الفرص الاستثمارية التي تعزز النمو والتنمية نادرة. على الرغم من أنه قد يكون مبكرًا التنبؤ بتفاصيل دقيقة، إلا أن المؤشرات الأخيرة تطلق إنذارًا حول المخاطر الاقتصادية التي تواجهها منطقة الشرق الأوسط بسبب طبيعة النزاع الطويل الأمد.
لذا فأن حركة الاقتصاد في الشرق الأوسط قد تدفع ثمناً كبيراً في حالة تنامي الصراع واتساع رقعته لخارج قطاع غزة، سوف تسبب ضرر في امدادات الوقود والغاز قد يكون له تأثيرات كبيرة على التضخم الاسعار بشكل عام، خاصة وان هناك صدمة في أسعار الطاقة منذ حرب روسيا ومع بدء التعافي دخلنا في الصراع بقطاع غزة، الأمر الذي قد يؤثر بصورة كبيرة على أسعار الغذاء والمنتجات المرتفعة فعليًا حاليًا، وقد يتأثر الطلب ومن ثم تضرر الشركات المنتجة، والوضع لا يتحمل مثل هذه التأثيرات
التأثير على الاقتصاد الأوروبي:
تظهر العواقب الناجمة عن ارتفاع أسعار الطاقة على الاقتصادات الأوروبية بشكل مثير للقلق. تزيد معدلات التضخم، حيث بقراءة سريعة الى قبل احداث الصراع الحالي نلاحظ وبحسب بيانات اليوروستات ان هناك انخفاض في معدلات التضخم في منطقة اليورو من 8.6% في عام 2022 إلى 5.5% في العام الحالي، وانخفاض من 9.6% إلى 6.4% في الاتحاد الأوروبي بحلول يونيو 2023.
أدنى معدل تضخم في أوروبا سُجل في لوكسمبورج بنسبة 1%، بينما تليها بلجيكا وإسبانيا عن كثب بنسبة 1.6%. من ناحية أخرى، سُجلت أعلى معدلات التضخم في هنغاريا بنسبة 19.9%، حيث تلتها سلوفاكيا بنسبة 11.3% وجمهورية التشيك بنسبة 11.2%.
اما في المملكة المتحدة، تراجع معدل التضخم بوتيرة أبطأ مقارنة بالبلدان الصناعية الأخرى، حيث انخفض من 11.1% في عام 2022 إلى 6.7% في الشهر الماضي. هذة الارقام جميعها اتوقع ان تعود مع الربع الاول من السنة القادمة اي خلال 4 اشهر فقط من حدوث النزاع.
لذا أعتقد ان هذة الحرب سوف تخلق كسادا تضخميا في اوروبا، وهو أخطر بكثير من الكساد المعتاد، الذى عادة ما يؤدى إلى خفض الأسعار، نتيجة نقص الطلب على المواد، الناتج أساسا عن شح المال المتولد عن البطالة الناتجة هى الأخرى عن التباطؤ الاقتصادى.
الاستقرار الاقتصادي العالمي:
أن الدول تعاني الدول بالفعل من مستويات مرتفعة بشكل غير عادي من الديون وزيادة في تكاليف الاقتراض مع استمرار رفع مستويات الفائدة لأعلى مستويات لها منذ 20 سنة تقريبا في الولايات المتحدة كما أن استثمارات القطاع الخاص تشهد تعثرات مستمرة وهناك تباطؤ كبير في حركة التجارة العالمية مما يجعل الحرب وتكاليفها تأتي في ظروف غاية الصعوبة وفي وقت يعاني فيه العالم.
ولكونها المرة الأولى التي يتعرض فيها الاقتصاد العالمي لصدمتين للطاقة في نفس الوقت في أوكرانيا وفي الشرق الأوسط على أسعار النفط والغاز، وتؤدي هذه الزيادات في الأسعار إلى تقليص القوة الشرائية للأسر والشركات فحسب، بل تؤدي أيضا إلى ارتفاع تكلفة إنتاج الغذاء، مما يزيد من مستويات انعدام الأمن الغذائي المرتفعة، لا سيما في البلدان النامية.
لذا فان الصراع الحالي يسلط الضوء على طبيعة الاقتصاد العالمي الهشة، وسوف تعتمد على مدى تصاعد النزاع. إذا استمر النزاع على نطاق محدود، ستكون تأثيراته محدودة، ولكن إذا تصاعدت الأمور، يمكن أن تصل أسعار النفط إلى 150 دولارًا للبرميل الواحد او أكثر.
الختام:
سيكون الصراع في الشرق الأوسط نقطة تهديد كبير للاقتصاد العالمي. ليس فقط في ارتفاع أسعار الطاقة، بل يثير أيضًا شبح نقص الطاقة. يجب ان يكون تعاون دولي كبير لايقاف الحرب على غزة ومنع المزيد من الاضطرابات الاقتصادية لان النتائج ستكون كارثية على الجميع. الحاجة إلى الاستقرار والسلام والتعاون العالمي باتت ضرورة ملحة ان يتحد العالم لايجاد حلاً جذريا لهذه الأزمة قبل أن ينفجر الوضع وتتوسع دائرة الصراع.
المصدر: وكالة بغداد اليوم
كلمات دلالية: الاقتصاد العالمی على الاقتصاد ارتفاع أسعار أسعار الطاقة الشرق الأوسط أسعار النفط فی أسعار بنسبة 1
إقرأ أيضاً:
تحديات وعقبات.. أطراف إقليمية ودولية تؤجج الصراعات لإطالة أمدها بالشرق الأوسط
تواجه منطقة الشرق الأوسط مجموعة من التحديات التي تؤثر على الاستقرار الإقليمي والعالمي، لأنها تشهد اضطرابات وتوترات سياسية فى سوريا واليمن وليبيا والعراق، بجانب القضية الفلسطينية، ما أدى إلى تزايد النزاعات المسلحة، وتدمير البنية التحتية، وتفاقم الوضع الإنساني، فى ظل التدخلات الخارجية، التي تدعم الاحتلال الإسرائيلي، ما أدى إلى تعقيد الأوضاع، وجعل التسوية السياسية أمراً صعباً، خصوصاً مع التوسعات الإسرائيلية فى المنطقة، واستمرار الحصار على قطاع غزة، الذى تم تدميره تماماً، ما زاد من معاناة السكان فى القطاع الفلسطيني.
ويُعد الصراع «الفلسطينى - الإسرائيلى» أحد أبرز القضايا فى الشرق الأوسط، حيث تتصاعد حدة التوترات فى الأراضى المحتلة، فى قطاع غزة والضفة الغربية، رغم المحاولات المستمرة لتحقيق السلام، إلا أن الاتفاقات السياسية لم تسفر عن حل دائم، ما يعمق الخلافات بين الدول العربية وإسرائيل، ويشكل تحديات كبيرة للاستقرار الإقليمى، ومؤخراً امتد النزاع ليشمل سوريا، التى تشهد توغلات إسرائيلية وتوسعات استعمارية، منذ سقوط نظام بشار الأسد، مما أدى إلى تدمير واسع النطاق، وتهجير الملايين من المدنيين، وسط تدخل القوى الإقليمية والدولية فى النزاع.
ويشهد لبنان أزمات سياسية واقتصادية تسببت فى انهيار القطاع المالى والمصرفى، الذى كان يُعد من أهم ركائز ودعائم الاقتصاد فى البلاد، بجانب الصراع بين «حزب الله» وجيش الاحتلال الإسرائيلى، كما يشهد اليمن حرباً أهلية متفاقمة منذ 2014 بين الحكومة الشرعية وجماعة «الحوثيين»، ما عمَّق الأزمة الإنسانية فى المنطقة، والوضع فى ليبيا ما زال يشهد بعض الصراعات الداخلية، بعد الإطاحة بنظام القذافى فى 2011، ما يؤدى إلى تدهور اقتصادى واجتماعى، وزيادة عدد اللاجئين، وتفاقم التوترات بين الدول الكبرى والإقليمية.
وتمثل التدخلات الإقليمية والدولية تحديات كبرى فى استقرار الدولة الوطنية، ما جعل الأوضاع أكثر تعقيداً، وساهم فى تأجيج الصراعات المحلية وتحقيق مصالح استراتيجية لهذه القوى، وزيادة التدخلات الخارجية التى تساهم فى إطالة الأزمات، وتزيد من تفكك الدول، ما يُصعّب حل النزاعات، ويحافظ على حالة عدم الاستقرار.
وحذر الرئيس عبدالفتاح السيسى من توسيع دائرة الصراع فى الشرق الأوسط، واعتبر أن العالم، ومنطقة الشرق الأوسط بشكل خاص، يشهد تحديات وأزمات غير مسبوقة، تحتل فيها الصراعات والحروب صدارة المشهد، مشيراً إلى أن أبرز الشواهد على ذلك استمرار الحرب الإسرائيلية ضد الشعب الفلسطينى فى تحد لقرارات الشرعية الدولية، وما يصاحب ذلك من خطورة وتهديد بامتداد الصراع لدول أخرى، مثلما حدث مع لبنان، وصولاً إلى سوريا التى تشهد تطورات واعتداءات على سيادتها ووحدة أراضيها، مع ما قد يترتب على احتمالات التصعيد واشتعال المنطقة من آثار سوف تطول الجميع سياسياً واقتصادياً.
واعتبر الرئيس السيسى أن تسوية أزمات المنطقة يتم بتحقيق الاستقرار، عبر استعادة مفهوم الدولة وأركانها، ودعم مؤسساتها، وتعزيز قدرة جيوش الدول وحكوماتها، كما أكد الرئيس، فى تصريحاته، أن عمليات التهجير القسرى، ووجود خلايا أو عناصر نائمة، تشكل تحديات تواجه المنطقة، بجانب تطورات الأوضاع الإقليمية، بما فى ذلك الحرب على غزة، فى ظل الجهود المصرية للتوصل إلى اتفاق لوقف إطلاق النار، وتبادل الأسرى والمحتجزين، وإنفاذ المساعدات الإنسانية دون عراقيل، فضلاً عن التطورات فى كل من سوريا ولبنان وليبيا والسودان والصومال واليمن، والجهود المصرية لتسوية تلك الأزمات.
«بدر الدين»: الصراع يحقق مصالح أطراف خارجيةمن جانبه، قال الدكتور إكرام بدر الدين، أستاذ العلوم السياسية، لـ«الوطن»، إن الصراع فى الشرق الأوسط يحقق مصالح العديد من الأطراف الخارجية، فالمنطقة تشهد تصاعداً فى الأحداث، إذ تبرز العديد من السيناريوهات المحتملة لعدم قيام الدولة الوطنية، والحفاظ على شكل الدولة، عن طريق التقسيم والتجزئة إلى عدة مناطق إدارية أو كيانات، مما يؤدى إلى انهيار الهيكل الوطنى، وأضاف أن هذا السيناريو مرتبط بتدخلات إقليمية ودولية معقدة.
وأوضح «بدر الدين» أن مصر تتعامل مع هذه التطورات بجدية، خاصةً فيما يتعلق بالتهجير القسرى للفلسطينيين، وما تشهده سوريا ولبنان وغيرهما من أزمات، مؤكداً أن التحديات الراهنة تتطلب تنسيقاً دولياً وتماسكاً داخلياً ضمن الدول المعنية.
«سليمان»: مصر «حائط الصد» لضمان وحدة وسلامة الأراضى العربيةوأكدت الدكتورة سماء سليمان، وكيل لجنة الشئون الخارجية والعربية والأفريقية بمجلس الشيوخ، أن الشرق الأوسط يواجه العديد من التحديات، على رأسها الجماعات والخلايا النائمة، التى تحاول استغلال ضعف المشهد، من أجل العودة مرة أخرى، كما تشهد المنطقة مشكلة نزاع نفوذ بين القوى الكبرى، وأضافت أن كل هذه الصراعات تهدف إلى تفتيت الدول العربية، سواء من الدول الكبرى أو القوى الإقليمية.
وأوضحت «سليمان» أن مصر لم تتخلَّ عن دورها تجاه قضايا المنطقة كاملة، إذ يظهر الدور المصرى فى القضية الفلسطينية ومحاولاتها الوصول إلى هدنة ووقف كامل لإطلاق النار، والحيلولة دون عدم تصفية القضية الفلسطينية، وعدم تهجير الشعب الفلسطينى، وهو ما نجحت فيه بشكل كبير جداً، إذ لا تزال هى الدولة الوحيدة التى تستضيف المفاوضات بين الطرفين الإسرائيلى والفلسطينى، للوصول إلى حل، من خلال التعاون مع الدول العربية، وجامعة الدول العربية، والأمم المتحدة، وكذلك فى مجال المساعدات الإنسانية، كان الدور المصرى واضحاً جداً فى إرسال المساعدات، كما لم تغلق مصر معبر رفح إلى هذه اللحظة، لكن الجانب الإسرائيلى متعنت جداً، ويفرض حصاراً خانقاً على الشعب الفلسطينى لتهجيره. وأكدت «سليمان» أن مصر تحافظ على وحدة وسلامة الأراضى العربية، وتدعو دائماً إلى عدم التدخل فى الشئون الداخلية للدول، واعتبرت أن التدخل الخارجى فى شئون الدول هو الذى يؤدى إلى تقسيمها وعدم استقرارها، وهو ما حدث فى العراق، ونراه يحدث الآن فى سوريا ولبنان وليبيا واليمن والسودان، وتابعت أن مصر ترى أن الحل الأمثل لحل قضايا المنطقة يتمثل فى وقف الاستقطاب والتدخل الخارجى، وأن المسار السلمى هو الأفضل لحل قضايا المنطقة.