ثقب غزة الأسود إذ يبتلع الشرق الأوسط
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
هل تحاول الولايات المتحدة فرض مبدأ مونرو جديد في الشرق الأوسط وشمال أفريقيا؟ جلبت الولايات المتحدة قوة بحرية كبيرة إلى المنطقة وشكلت تحالفا غير مسبوق من البلدان، ما أثار أسئلة حول هذا التجمع العسكري الضخم وفرض على الأطراف الإقليمية الدولية أن تكون في حالة تأهب قصوى، مما يجعل هذه الأسئلة مشروعا تماما.
مبدأ مونرو الذي أصدره الكونغرس الأمريكي في عام 1823، كان يهدف في الأصل إلى مواجهة التدخل الأوروبي في منطقة نصف الكرة الغربي، لكنه تحول إلى شكل من أشكال الهيمنة من قبل ثيودور روزفلت في بداية القرن العشرين، والذي احتل دولا صغيرة في أمريكا اللاتينية، بعد أن حول الأمريكيون موقفهم من مدافع مفترض إلى محتل متوحش.
كثيرون في المنطقة غير مقتنعين بأنّ الهدف الوحيد للحملة الأمريكية على المنطقة هو مجرد مواجهة مع قطاع غزة، كما تم الإعلان عنه، ولكنه في الواقع أكبر من ذلك بكثير، ويمكننا استنتاج بعض هذه الحملة بناء على قراءة بسيطة للسياسة الخارجية الأمريكية بعد الحرب العالمية الثانية.
على مدى السنوات التالية للحرب العالمية الثانية، رأينا كيف عملت واشنطن على إنهاك الدول الأوروبية، وجعلتها تعتمد على الولايات المتحدة. ولا يمكن تجاهل حقيقة أن التحالف الغربي الداعم للحرب في أوكرانيا يهدف ولو جزئيا إلى استنزاف الاقتصاد الأوروبي، وجعل الأوروبيين يشعرون دائما بانعدام الأمن، والحاجة إلى مظلة الجيش الأمريكي.
لقد بلغ الضعف بالأوروبيين أمام الولايات المتحدة الأمريكية، أنّهم صمتوا عندما عطلت أمريكا خط أنابيب نورد ستريم في العام الماضي، ولم تكن أي من الدول الأوروبية قادرة على الرد بشكل فعّال بل دخلوا حالة إنكار، وفوق كل ذلك بعد أن خسرت أوروبا الطاقة الروسية واضطرت إلى استيرادها بسعر فاحش من الولايات المتحدة، وسط انتقادت فارغة من ألمانيا، مثلما عبّر وزير الاقتصاد الألماني روبرت هابيك عن استيائه من أن تصرفات بعض "الدول الصديقة"، بما في ذلك الدول الأعضاء في الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة، والتي أدت إلى زيادة أسعار الغاز الطبيعي المسال، وبالتالي زيادة الاعتماد الأوروبي على الولايات المتحدة.
علاوة على ذلك، فإن الوجود العسكري الغربي في شرق المتوسط يمكن أن تنظر إليه روسيا على أنّه محاولة للضغط عليها من خلال حاملات الطائرات القادرة على حمل عشرات الطائرات، بالإضافة إلى السفن المصاحبة، والتي من الممكن أن تدخل في حرب مع روسيا في أوكرانيا في أي وقت.
كما أنّها وسيلة للضغط على الصين من خلال محاولة السيطرة على مصادر الطاقة والتلاعب بأسعارها، الأمر الذي من شأنه أن يؤثر في الاقتصاد الصيني والنمو، حيث إنّ الصين تعتمد بشكل كبير على مصادر الطاقة من المنطقة، كما يمثّل هذا الحضور تهديدا حقيقيا لمشروعات مبادرة الحزام والطريق، وهو ما يتكامل مع جهود الولايات المتحدة لاحتواء الصين في منطقة آسيا والمحيط الهادئ وفرض المزيد من الضغوط على خطتها لتوسيع وجودها في المنطقة وخاصة بعد زيارة الرئيس السوري إلى الصين قبل بضعة أسابيع.
كما أن الوجود الأمريكي في المنطقة قد يسعى إلى منع أي تغيير سياسي محتمل في العالم العربي والإسلامي؛ مماثل لما حدث في الربيع العربي ومؤخرا في بلدان جنوب الصحراء الكبرى. لقد ورثت أمريكا المنطقة التي كان يهيمن عليها الاستعمار الغربي، مجزأة وضعيفة، وتريد الحفاظ على الوضع الراهن من خلال وجودها المباشر في المنطقة، بحيث يهدد هذه الأنظمة بشكل مباشر إذا حاولت التمرد، ويوفر لها الحماية عند الضرورة.
إنّ الوجود العسكري الغربي ليس استفزازيا فقط للقوى الكبرى، التي قد لا تتردد هي الأخرى في تعزيز وجودها العسكري في المنطقة كرد على محاولة الهيمنة الأمريكية، بل إنّه يقف أمام طموح القوى الإقليمية مثل إيران وتركيا. بالطبع فإنّ الولايات المتحدة لا تخفي ذلك العداء تجاه إيران وقد أرسلت تهديدات مباشرة لطهران، وأنّها مستهدفة بالتواجد العسكري، وقد كانت إيران تستعد منذ سنوات طويلة لمثل هذه الحرب غير المستبعدة.
ومن ناحية أخرى، فإنّ تركيا تبدو منزعجة إلى حد كبير بسبب الوجود العسكري الغربي في شرق البحر الأبيض المتوسط، وليس فقط لأنّ لديها ذكريات مريرة للغاية من مثل هذه الائتلافات العسكرية، ولكن أيضا لأنها كذلك تقع في قلب شرق المتوسط.
بدون شك، وجود هذه القوات العسكرية الضخمة سوف يؤثر على توازن القوى في المنطقة، وسوف يشكل حواجز أمام طموحات تركية لتعزيز حضورها في البحر الأبيض المتوسط والبحث عن مصادر الطاقة، كما أنّه سيثير المزيد من المخاوف التركية من علاقات أمريكا المشبوهة مع الجماعات الكردية الانفصالية/ الإرهابية، وسوف تعمل على مواجهة هذا الوضع.
لا شك أنّ تركيا، باعتبارها عضوا في حلف شمال الأطلسي، لديها حسابات معقدة، وأنّ وجود الأساطيل الغربية في المنطقة سيضع ضغوطا إضافية عليها وسيتسبب باستفزازها بشكل أكبر، خاصة أنّ الضغط الشعبي يتصاعد على الرئيس أردوغان، وبالذات من بنك الأصوات الشعبية التي يعتمد عليه للفوز بالانتخابات، كي يقوم بشيء لوقف جرائم الحرب الإسرائيلية في غزة. إنّ تركيا تواجه تحديات ضخمة وربما تضطر إلى إعادة تقييم علاقتها مع الولايات المتحدة وحلف شمال الأطلسي نتيجة لذلك، مع الأخذ في الاعتبار أن علاقة تركيا مع مصر تحسنت في الآونة الأخيرة.
(تم نشر المقال على موقع ميدل إيست مونيتور باللغة الإنجليزية)
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه الشرق الأوسط غزة الشرق الأوسط امريكا فلسطين غزة توتر مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة الولایات المتحدة فی المنطقة
إقرأ أيضاً:
بن جامع يدعو مجلس الأمن إلى تطبيق قراراته في الشرق الأوسط لاستعادة شرعيته ومصداقيته
قال ممثل الجزائر الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، عمار بن جامع، إنه “يتعين على مجلس الأمن أن يتحمل مسؤوليته كاملة ويتحرك بسرعة وحزم لمعالجة الأزمة المتفاقمة في الشرق الأوسط من أجل استعادة شرعيته ومصداقيته”
وخلال اجتماع لمجلس الأمن حول الوضع في الشرق الأوسط، دعا مجلس الأمن إلى تطبيق قراراته، لا سيما بشأن الوضع في فلسطين المحتلة ولبنان الذي يتعرض لاعتداء صهيوني وحشي.
وأضاف ممثل الجزائر الدائم لدى منظمة الأمم المتحدة، أن “بينما فشل مجلس الأمن في اتخاذ إجراءات حاسمة، فُقدت عشرات الآلاف من الأرواح، علاوة على معاناة مئات الآلاف من الجوع والمرض والنزوح القسري في غزة”.
وأكد الدبلوماسي أن أولوية مجلس الأمن تتمثل في وقف “المأساة” و”المجزرة المستمرة بفرض وقف فوري ودائم وغير مشروط لإطلاق النار في قطاع غزة ولبنان”، مشيرا إلى “ضرورة معالجة الوضع الإنساني الكارثي بشكل فعال” في قطاع غزة.
وأوضح بن جامع أن “العمليات الإنسانية (في قطاع غزة) معرقلة حاليا بسبب غياب الإرادة السياسية من قبل المحتل (الصهيوني) الذي يواصل استخدام الجوع كسلاح حرب”.
وفي هذا الصدد، دعا الديبلوماسي الجزائري إلى تنفيذ قرار الأمم المتحدة المتعلق بإنشاء دولة فلسطينية يكون القدس الشريف عاصمة لها، معتبرا أن هذا القرار “مهدد” بسبب ممارسات سلطات الاحتلال الصهيونية التي تسعى إلى تكثيف المستوطنات في الضفة الغربية.
ودعا، من جانب أخر، مجلس الأمن لتسهيل انضمام فلسطين إلى منظمة الأمم المتحدة، بصفتها عضو كامل العضوية.
وذكر بهذا الخصوص، ما صرح به رئيس الجمهورية، السيد عبد المجيد تبون، حين دعا الى “اتخاذ إجراءات فورية ومستعجلة من أجل إنقاذ عملية السلام التي تشهد انسداد غير مسبوق. وهذا الأمر لن يتحقق إلا بحمل المحتلين على احترام أسس القانون الدولي، من خلال تنفيذ لوائح الأمم المتحدة ومن خلال مضاعفة الجهود من أجل تمكين فلسطين من العضوية الكاملة في الأمم المتحدة”.
“يجب على مجلس الأمن أن يسهر على تطبيق لوائحه، من خلال فرض عقوبات على الذين ينتهكون القانون الدولي”، على حد تعبير الدبلوماسي الجزائري الذي ذكر بأنه بالرغم من موقفه جد الواضح حول لا شرعية المستوطنات الصهيونية، من خلال المصادقة على اللائحة 2334، غير أن مجلس الأمن لم يوفق في تنفيذ هذه اللائحة.
كما ذكر بن جامع بأن السبب العميق للصراع في الشرق الأوسط هو الاحتلال الصهيوني لفلسطين وأراضي سوريا ولبنان.
وأضاف المسؤول نفسه يقول “على مجلس الأمن أن يفرض احترام لوائحه من أجل وضع حد للاحتلال واستتباب الأمن في المنطقة”.
“ويعد ثمن الصمت والتقاعس جد باهظ”، حسب السيد بن جامع الذي حذر من تداعيات الصراع في الشرق الأوسط.
وخلص بن جامع يقول “على مجلس الأمن العمل “من أجل بعث الأمل في السلام و من أجل السلام وفرض احترام أسس العدل والقانون الدولي”.