عُمان مع تجدد نوفمبر المجيد.. سياسة حكيمة ومواقف ثابتة
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
يتزامن العيد الوطني الثالث والخمسون المجيد لنهضة عمان الحديثة مع متغيرات إقليمية ودولية شكلت الكثير مع علاقات الدول ببعضها البعض، ولم تكن عُمان بمعزل عن هذه المتغيرات، فقد اعتادت التعامل مع الأزمات، وتجاوز المحن، وتذليل الصعاب، وتقريب الأضداد، والسعي الدائم نحو إحلال السلام الذي يمنح شعوب العالم أملًا لحياة سعيدة، مفعمة بالرخاء، ومملوءة بالأمل.
يأتي العيد الوطني الثالث والخمسون المجيد، وقد بلغ العدوان الإسرائيلي على غزة ذروته، ليكون الأشد دموية وقسوة إذا ما نظرنا إلى الشهداء والجرحى من المدنيين العزل، ناهيك عن استهداف المنظومات الصحية من خلال الاستخدام المفرط لقوة النيران، وتدمير أغلب البنى التحتية للقطاع، التي تركت آثارًا واضحة لا تخطئها عين، مخلفة وراءها ركامًا، وأجسادًا محروقة، في نموذج فريد من الوحشية الطاغية، وإدارة الظهر للعهود والمواثيق، وأذن صماء لمطالب حكومات وشعوب العالم الحر، وتجاهل تمام لمطالب المجتمع الدولي للوقف الفوري لهذا العدوان ضد الشعب الفلسطيني، والالتزام باحترام القانون الدولي وقرارات الأمم المتحدة، والمسارعة إلى فتح المعابر لوصول المساعدات الإنسانية، والمواد الغذائية الأساسية.
وجاء موقف سلطنة عمان من هذا العدوان واضحًا وثابتًا، متناسبًا مع المبادئ التي دعت إليها السياسة العمانية، وامتدادًا لسعيها الدائم لدعم جهود السلام العالمي، وما من شأنه إحلال الأمن في منطقة الشرق الأوسط، وانطلاقًا من ضرورة احترام القانون الدولي، وتأكيدًا على عدالة القضية الفلسطينية، ومطالب الشعب الفلسطيني المشروعة غير القابلة للتجزئة، وحقه في إقامة دولته المستقلة وعاصمتها القدس الشرقية، وفقًا لقرارات مجلس الأمن، وما تلاها من مبادرات عربية، وتأييد لحل إقامة الدولتين، حيث عبرت سلطنة عمان عن موقفها إبان عقد الجمعية العمومية للأمم المتحدة في كلمة ألقاها مندوبها الدائم لدى المنظمة الدولية، حيث أكد على موقف السلطنة الواضح تجاه حقوق الشعب الفلسطيني، والمندد باستمرار سياسة الاستيطان، ومظاهر التضييق والاستفزاز الذي تمارسه إسرائيل، وانتهاكها لحرمة الأماكن المقدسة، والتنكيل بالمدنيين من النساء والأطفال، الأمر الذي لم يكن يومًا ليخدم مسار السلام الذي تسعى إليه شعوب المنطقة.
ولا يخفى على أحد الدور الذي قامت به سلطنة عمان في الأزمة اليمنية، وهي كانت بمثابة تحدٍ كبير لمسقط بحكم أنها عضو في مجلس التعاون الخليجي، وكون بعض أطراف الصراع أعضاء في المجلس، حيث خلق هذا بدوره صعوبات جمة وضغوطا متتالية على موقف مسقط من الأزمة اليمنية، غير أن عمان تمتلك رصيدًا تاريخيًا وافرًا من التجربة والخبرة في التعامل مع الأزمات والمتغيرات والأحداث، فتعاملت من قبل مع خيار مصر في اتفاقية كامب ديفيد مع إسرائيل، والثورة الإسلامية الإيرانية ورأت فيها شأنًا داخليًا، وتعاملت بحنكة عند اندلاع الحرب العراقية الإيرانية، وعند غزو العراق للكويت، وتعاملت بموضوعية مع أحداث الحادي عشر من سبتمبر وما تلاه من غزو لأفغانستان والعراق، وأحداث الربيع العربي، والأزمة الخليجية في 2017، وهي كلها أحداث نجحت فيها سلطنة عمان باقتدار في أداء دور إيجابي، وتجنبت الاصطفاف مع أي طرف لإبقاء قنوات التواصل مفتوحة مع جميع الأطراف الأمر الذي عزز مكانتها وأكسبها احترام وثقة جميع اللاعبين في المنطقة.
وتنظر سلطنة عمان إلى الملف اليمني من خلال ما يمكن أن يكون له من انعكاسات مباشرة على أمنها ومصالحها الوطنية، فتأثير الصراع يأتي من خلال طول الحدود مع اليمن، والتي ستجعل مسألة احتواء أي تدفقات بشرية، أو عمليات تهريب أمرًا صعبًا للغاية، وعليه فإن السياسة الخارجية العمانية ذات البعد الثاقب والنظرة الفاحصة لمجريات الأحداث، واستشراف للتبعات والنتائج بشكل مبكر جعل مسقط تؤدي دور الوسيط للعمل على وقف الصراع، وتقريب وجهات النظر بين أطراف النزاع، والخروج بحلول ناجعة وبأقل الأضرار، لأجل إنهاء الأزمة، ودعمًا لوحدة الصف اليمني، واتقاءً لما يمكن أن يتسبب به الصراع المطول من زعزعة لاستقرار المنطقة، ناهيك عن الاستنزاف المفرط للموارد، لم لا وعمان قبلة المتصارعين إن صح التعبير لما تملكه من دبلوماسية هادئة، وتوظيف لمفاتيح القوى الناعمة التي تمتلكها، حيث حظيت باستمرار على إشادات دولية لقاء سياستها المحايدة للوصول إلى تهدئة لكل صراع، والقيام بدور قيادي في تخفيف التصعيد، ودعم جهود المفاوضات، مثلما فعلت في المحادثات التي صاحبت الاتفاق النووي الإيراني من خلال تقديم تسهيلات، وأداء دور إيجابي لإقناع جميع الأطراف بالجلوس على طاولة المفاوضات لتسوية الخلافات بالطرق السلمية، وتجنبًا للنزاعات والصراعات.
يأتي العيد الوطني هذا العام وسلطنة عُمان قد استطاعت بفضل قائدها السلطان هيثم المعظم والمخلصين من أبنائها تجاوز الكثير من التحديات، وإذ تعد هذه الحقبة إحدى مراحل رؤية عمان المستقبلية 2040 فإن الكثير من أبناء عمان يعولون عليها للوصول إلى مستوى معيشي أفضل، وتقدم علمي وفكري وثقافي ومعرفي، وإذ يطمح أبناء عمان لرؤية انعكاسات لهذه الرؤية على الوطن وقاطنيه، فهم مطالبون كذلك بتضافر الجهود، ووحدة الصف، والعمل بجد واجتهاد لخدمة وطنهم، أسوةً بمن سبقوهم في هذا الشأن، وهم بلا شك يجددون العهد والولاء للوطن وقائده، لتبقى راية عمان خفاقة، ويبقى وجهها مشرقا يزداد توهجا يوما بعد يوم، لغد أفضل، وكل عام والوطن وأبناؤه في رفعة وعزة وشموخ.
كاتب عماني
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: جمیع الأطراف سلطنة عمان من خلال داخلی ا
إقرأ أيضاً:
أهلاً وسهلًا نوفمبر المجيد
خليفة بن عبيد المشايخي
khalifaalmashayiki@gmail.com
في تاريخ الأمم والشعوب هناك قصص وحكايات، وبطولات وتحديات وأزمات ومعوقات، وصعوبات وتضحيات، وتأتي في سياق عهودها وأزمنتها وتاريخها، أيام سامقات عظام كبار، سطرت ملاحم وبطولات وإنجازات، فأزهرت حاضرًا مشرقًا، وبنت مستقبلًا يانعًا هانئًا باسمًا، حقق الخير على كل الصعد هنا وهناك، وأتى بالرخاء والتطور من الشمال إلى الجنوب، فكان الاستقرار والتقدم شمل الفيافي والسهول والوديان، وعمَّ الحضر والبادية سيان.
فمن تعليم تحت الشجر إلى وجود مؤسسات تعليمية راقية وجامعات عريقة حكومية وخاصة، ومدارس كبيرة مرتبة ومُجهزة، بها مرافق دراسية مختلفة، وتخصصات متعددة ومجالات علمية متنوعة، وخدمات وأغراض دراسية متقنة؛ وصولًا إلى بناء منظومة مكتملة ومؤسسات صحية كبيرة وشاملة، ومستشفيات ضخمة على مدار الساعة عاملة، ومراكز صحية ممتازة، تؤدي عملها ودورها الريادي والعناية بصحة الإنسان العُماني أينما وجد وليست منحازة، فكل هذا يحدث لدينا في السلطنة الحبيبة، هذا البلد الذي قال عنه الحبيب المصطفى صلى الله عليه وسلم "لو أنَّ أهل عُمان أتيت ما سبوك ولا ضربوك".
منذ أيام هل علينا شهر نوفمبر المجيد، هذا الشهر الذي كان ولا زال له ذكريات خالدة في ذاكرة العُمانيين، فكانت عُمان على موعد معه بقدرة وتوفيق من الخالق جل في علاه، نعم كانت على موعد مع خيراته ومسراته وبركاته، فكتب للعُمانيين فيه تحولًا كبيرًا في مسار التنمية البشرية الشاملة، وفي حقول وميادين حياتهم. العامة والخاصة، محدثًا- بإرادة سلمية وعزيمة لم تلن- نقلة نوعية وتاريخيّة عظيمة، وأمطر علينا خيرًا سارًا، أبهجنا وأسعدنا، وجعلنا نفخر ونُفاخر به على الدوام.
وما تحقق في عقود مضت، جعل عُمان يضيء بريقها ويظهر اسمها للعلن، لتكون محط أنظار العالم أجمع، فشاع اسمها وذاع صيتها في كل أرجاء المعمورة وهي تمضي في طريق آمن، وفي خط سير سليم ثابت، أكسبها احترام العالم أجمع، ككيان مستقل وإمبراطورية عظمى، وبلد شامخ متجذر متحد متعاضد مُستقر متحاب، لا يتدخل في شؤون الغير، ولا يحبذ أن يتدخل الغير في شؤونه.
فعُمان بلد له تاريخ طويل حافل بالإنجازات والنضال والرجال، فيه وجد السلام له مكانا، والوئام والتعايش السلمي والالتفاف خلف القيادة الحكيمة منذ عهد السلطان الراحل- طيب الله ثراه- ضمانًا وسمة غالبة سائدة، حتى إلى وقتنا الحالي والعهد الجديد المتجدد بقيادة السلطان هيثم حفظه الله ورعاه.
إن عُمان من أقصاها إلى أقصاها وهي تستشرف اليوم آفاق هذا الشهر النوفمبري الجديد، وتستلهم منه الدروس والعبر والعضات، لتستذكر بكل فخر واعتزاز أيامها السعيدة الماجدة طوال الـ ٥٤ عامًا من مسيرتها المباركة، ونهضتها المتجددة، التي جاءت في فتراتها المتلاحقة بالخير العميم، وبالرفاه واليسر بعد الشدة والعناء وكل فكر ذميم؛ فتاريخها وهي عُمان كان ولا زال براقا بأحرف من نور بكل ما تحقق من أحداث جسام، مليئاً بأفعال ومنجزات حضارية وتنموية، شاهدة على جهود القيادة الحكيمة، وإنجازات العهد الميمون الحالي، ما جعل عُمان دولة حديثة مُكتملة البنيان، راسخة الأركان.
ومع الإشراقة المباركة للذكرى الرابعة والخمسين للعيد الوطني المجيد، فإنه نتوجه إلى المولى العلي القدير، بأن يديم على هذا الوطن العزيز الأبيّ نعمه ظاهرة وباطنة، وأن ينعم على جلالته بدوام العافية، محفوفًا بالرعاية الإلهية ومؤيدًا بنصره، محفوفًا بتوفيقه الدائم، لتحقيق المزيد من التقدم والنماء والازدهار.
إننا اليوم في عُمان نسعد بما يتحقق على أرضنا من مكاسب اقتصادية واجتماعية، وقد استبشر الشعب منذ تولي حضرة صاحب الجلالة السلطان هيثم بن طارق المعظم- حفظه الله ورعاه- مقاليد الحكم بعطايا وهبات ومكارم شتى، هدفت إلى التخفيف من وطأة الأوضاع الاقتصادية والمعيشية، وتحسين الأحوال المعيشية والأوصاع الحياتية.
إن شهر نوفمبر تعودنا أن يكون شهر المكرمات، ونتطلع فيه إلى كل ما من شأنه، دوام الخير والتقدم، والبشرى بكل ما يُحقق استقرار البلد ومجتمعاته.
حفظ الله عُمان وأهلها وسلطانها من كل سوء وشر ومكروه، وكل عام والجميع بخير وصحة وعافية وسلامة، ولنكن قلبًا واحدًا لعُمان.