حسن عبدالموجود يكتب.. هل تراجعت الرواية المصرية عربيا؟
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
أتاح الأستاذ نجيب محفوظ للرواية المصرية، رُقعةً شديدة الاتساع، إذ اتجه إلى الرواية الغربية.. استعار خرائطها الهندسية.. درسها وأعاد تخطيطها، بما يناسب التربة المصرية، وبرع فى تشييد أشكال من البناء والتقنيات، بحيث أصبحت روايتنا على يديه من علامات الإنسانية.
كما أن إنتاجه الضخم (55 رواية ومجموعة قصصية)، جعل أساسها متيناً، ثم جاء الستينيون ومن بعدهم أسماء مُفردة، من جيلى السبعينات والثمانينات، وبنوا عدَّة طوابق فوق هذا الأساس القوى، وزيَّنوها بالمعمار الشرقى، حتى بدا أن الرواية المصرية تُؤسِّس لنفسها عمارة عالية، ومكانة لا غُبار عليها.
لكن بمضي الأعوام، ظهر كثيرٌ من الروايات تخاصم هذه العمارة، وتبنى حولها أعشاشاً صغيرة، بعضها مستعار من بيئات أخرى، وبعضها الآخر شديد المحلية، حتى أصبح المشهد عشوائياً ومشوهاً، وذلك النهر الذى يبدأ من منبع قوى ويتجه بإصرار إلى الأمام توقف، بعد عدة كيلومترات، عن الجريان.
لا يهدف هذا المقال إلى الحطِّ من شأن الرواية المصرية، ولا القول بأن الكتَّاب الجدد لم يضيفوا شيئاً، ويتخلى عن ضرب الأمثلة، «لكيلا يجعل من هذا التأمل مساحة لسوء الظن والاتهام بالتعريض»، بتعبير الناقد السعودي عبدالله العقيبي.
ولكن الهدف هو أن يرسم صورة صادقة ومخلصة لمشهد شديد الصخب، يتبادل فيه الكتَّاب «ألقاب العالمية»، ويرشح أحدهم أكثر من عشرين اسماً من الأجيال الجديدة للحصول على جائزة نوبل.
يرفع صوته: «أحضروا نوبل إلينا الآن»، دون أن يتعب نفسه بأن يقدم ولو مجرد لمحة عن إسهامهم أو حتى يستعرض عناوين أعمالهم. وفى حفلات تفخيم الذات يشيد الكاتب بزميله، ليس لوجه الكتابة، لكن انتظاراً لإشادة مماثلة.
وبما أن الناس يتحدثون بجدية شديدة فأنت قد تصدق أن الأكاديمية السويدية تتجاهل الروائيين المصريين، كما صدقنا أن الجائزة العالمية للبوكر انصرفت عن منحها لنا بعد أن حصلنا عليها فى أول دورتين (بهاء طاهر ثم يوسف زيدان) لأنها تكرهنا، أو لأن لجان التحكيم غالباً تستهدفنا وتفضِّل العرب الآخرين علينا.
غرقت معظم الروايات المصرية أو أغرقت نفسها فى مطب العامية، تحت شعار أنها لغتنا، وكأن اللغة العربية الفصيحة ليست لغتنا، وقد شهدنا خلال السنوات الأخيرة دعاوى مؤذية بترجمة أعمال عالمية بالعامية المصرية، فصدرت رواية الكاتب الأمريكى أرنست همنجواى «العجوز والبحر» مترجمة بها.
كما اتجه أدباء إلى كتابة روايات كاملة بالعامية، أو فى أقل الأحوال إلى كتابة حوارات الشخصيات بها، باعتبار أن تلك الشخصيات يجب أن تتحدث وفقاً لثقافتها ومستواها التعليمى والثقافى وهذا صحيح، لكن من يقولون ذلك يغفلون أن الفصحى، كما يقول عزت القمحاوي، لغة تمنحك مستويات، بينما العامية «سريعة التحول والتغير، وألفاظها تتقادم بسرعة شديدة، وهو ما يتنافى مع اللغة التى ينبغى أن يمتاز بها الأدب من ديمومة واستمرارية».
ومن المثير للسخرية، أن يضرب البعض المثل بالأستاذ نجيب محفوظ للتدليل على ضرورة الاتجاه إلى المحلية، فالمحلية المقصودة فى أعماله هى انشغاله بالروح المصرية، كما أنه لم يلجأ إلى العامية إلا فى الحدود الدنيا، وفى مفردات قليلة مضيئة يندر أن تجد لها مثالاً فى الفصحى، حتى إننى أدعو الباحثين إلى إنتاج قاموس لمفردات العامية فى أعمال محفوظ، ثم التفكير فى ترقيتها إلى الفصحى عبر مجمع اللغة العربية.
لقد تخيلنا أننا نعود إلى المحلية لتوصلنا إلى العالمية، لكننا غرقنا فيها دون أن ندرى، ويحضرنى أن كاتبة عربية قرأت رواية مصرية مكتوبة بالعامية وقالت لى إنها لم تفهم ثلاثة أرباعها، ثم سألتنى: «هل أنتم تريدون أن تكتبوا لأنفسكم؟!».
بعض الروائيين ذهبوا إلى الغرب كما ذهب قبلهم الأستاذ نجيب محفوظ، لكنهم استعاروا شوارع وأحياء ومدناً أوروبية وأمريكية كاملة واستوردوا حبيبات شقراوات وأطلقوا على أبطالهم أسماء أجنبية.
ويمكنك أن تطالع ذلك العدد المهول فى العناوين التى تستعير الكلمات والأسماء الغريبة، وإن نظرت من الشبَّاك فى رواية أحدهم ربما ترى ناطحات سحاب، وطقساً ضبابياً، وغابات ممتدة ووعولاً تمرح فيها (ها أنا أجد نفسى مضطراً مرة أخرى للتذكير بأن هناك استثناءات).
وأنا أستغرب أن رواية تدور أحداثها فى الصعيد تبدأ باستيقاظ بطل ثم شربه قهوته الفرنسية، وقد فكرت أن أكتب بدورى رواية (بطلها كاتب من الدلتا يكتب عن أوجاع المواطن فى أمريكا اللاتينية!)، فعلى الأقل صدَّر لنا اللاتينيون مصطلح الواقعية السحرية وجنَّنونا به.
كما أن بعض الروائيين يستغلون معرفتهم بلغات أخرى ويترجمون عباراتٍ جميلة ومقاطع رائعة من رواياتٍ، ثم -وبدم بارد- يضعونها فى أعمالهم، كأنها تخصهم، وهذه الجريمة فى تزايد واضح خلال الفترة الأخيرة، بسبب سهولة الوصول عبر الإنترنت إلى الأعمال المكتوبة بلغات أخرى.
بعض الكتَّاب كذلك بدوا كأنما ينتقمون من أسلافهم بمقاطعتهم، أى إنهم اختاروا عدم البناء على ما تركه محفوظ والستينيون وبعض الأسماء المهمة من الأجيال اللاحقة، وهذه المبالغة فى القطيعة خلقت أعمالاً غير أصيلة أو أصلية، لا هى مصرية ولا حتى أجنبية.
لكن أصحابها يبرعون فى الترويج لها، وما دام الناس يصدقون الدعاية فإنهم لا يكفون عن زيادة مساحتها على صفحاتهم بمواقع التواصل الاجتماعى.
كما أصبح بعضهم لا يجدون مشكلة فى الجهر بجهلهم باللغة، أقصد النحو والإملاء، بل الجهر بأن الإلمام بالقواعد يعنى أنك كاتب سيئ بالضرورة، وبذلك أصبحت لغة معظم الروايات شبيهة بحقول البطاطس المليئة بالحفر والمطبات.
تراجعت الرواية المصرية، وباتت كالسلع منتهية الصلاحية حتى وهى تصدر للتو من المطبعة. وهذا الصخب، والنشر المبالغ فيه، والأعداد الكبيرة للروايات الصادرة، لا تنبئ عن مقدار الجودة، فالجودة غير مضمونة إلا عند نفر قليل جداً من روائيين وروائيات يعملون فى صمت حتى لا يصيبهم الصمم.
المصدر: الوطن
كلمات دلالية: الرواية المصرية الرواية العربية نجيب محفوظ الروایة المصریة
إقرأ أيضاً:
بتكوين تتراجع مجددًا مع دخول رسوم ترامب الجمركية حيز التنفيذ
تابع أحدث الأخبار عبر تطبيق
تراجعت بتكوين "أكبر عملة رقمية في العالم"، اليوم الثلاثاء مجددًا، بعد أن انتهت سريعًا الزيادة التي حققتها نتيجة الضجة حول خطة الرئيس الأمريكي دونالد ترامب لضم خمس عملات رقمية لاحتياطي العملات الرقمية.
كما اهتزت المخاطرة بسبب دخول رسوم ترامب الجمركية الشديدة حيز التنفيذ على الصين وكندا والمكسيك، مما أدى إلى تصعيد حرب تجارية عالمية.
وأوضح موقع (كوين ديسك) الأمريكي، المختص في العملات الرقمية، انخفاض البتكوين بنسبة 10.1% لتصل إلى 83.950 دولار، حيث تراجعت لتقترب من أدنى مستوى لها في 4 أشهر، في حين تكبدت العملات الرقمية الرئيسية الأخرى خسائر كبير؛ مما أدى إلى محو جميع المكاسب التي تحققت بعد إعلان ترامب بشأن الاحتياطي.
كما انخفضت الإيثيريوم "العملة الرقمية رقم 2 في العالم" بنسبة 14% إلى 2.106.28 دولار، في حين هبطت عملة "اكس ار بي" بنسبة 16.1% لتصل إلى 2.3597 دولار.
كما تراجعت سولانا وكاردانو، اللتان تم ذكرهما أيضًا في خطة ترامب للاحتياطي، بنسبة 18.9% و22.7% على التوالي، بينما خسرت بوليغون 15.5%.
وانخفضت أيضًا عملات الميم، فقد هبطت دوجكوين بنسبة 15.2%، في حين انخفضت عملة ترامب $TRUMP بنسبة 22.8% مقتربة من أدنى مستوياتها القياسية.