قالت دار الإفتاء المصرية، إن الشرع الشريف حثَّ على السِّتْر، وغض الطرف عن عثرات الناس وعيوبهم، وعدم تتبع عوراتهم، وعدم التشهير بهم مطلقًا؛ لئلا يكون ذلك سببًا في نشر السوء من وجهٍ، وسترًا وعونًا على إصلاح النفس والاستقامة والتوبة من وجهٍ آخر؛ فعَنْ أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قال: «مَنْ سَتَرَ مُسْلِمًا سَتَرَهُ اللَّهُ فِي الدُّنْيَا وَالآخِرَةِ، وَاللَّهُ فِي عَوْنِ الْعَبْدِ مَا كَانَ الْعَبْدُ فِي عَوْنِ أَخِيهِ» أخرجه مسلم في "صحيحه".

حكم إخراج زكاة المال لإغاثة الشعب الفلسطيني.. الإفتاء تجيب الإفتاء: دعوة إسرائيل لإلقاء قنبلة نووية تعطش إلى القتل

في رواية: «منْ سَتَرَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ سَتَرَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ، وَمَنْ كَشَفَ عَوْرَةَ أَخِيهِ الْمُسْلِمِ كَشَفَ اللَّهُ عَوْرَتَهُ حَتَّى يَفْضَحَهُ بِهَا فِي بَيْتِهِ» أخرجها ابن ماجه في "سننه"، قال العلامة محمد بن إسماعيل الصنعاني في "سبل السلام": [من ستر مسلمًا اطلعَ منه على ما لا ينبغي إظهارهُ من الزلاتِ والعثراتِ، فإنه مأجور بما ذكره من سترهِ في الدنيا والآخرة؛ فيسترهُ في الدنيا بألَّا يأتي زلةً يَكْرَهُ اطلاعَ غيرهِ عليها، وإن أتاها لم يُطلعْ الله عليها أحدًا، وستره في الآخرة بالمغفرة لذنوبه، وعدم إظهار قبائحه وغير ذلك].

حكم تشهير كلٍّ من الزوجين بالآخر وذكر عيوبه بعد الطلاق

تشهير أحد الزوجين بالآخر وذكر عيوبه، والتحدث عنه بالسوء بعد الطلاق بلا ضرورة وغرض شرعي يستدعي ذلك: أمرٌ يتعارض مع كل ما سبق، ويُعدُّ هتكًا لستر الآخرين بغير سبب مبيح، وهو من الغيبة المحرمة شرعًا.

والغيبة: هي ذكر المرء بِمَا فيه مما يَكْرَهُ في دينه أو دنياه أو أهله أو غير ذلك مما يتعلق به؛ سواء كان ذلك باللفظ أو بالإشارة أو بالرَّمْز، أما ذِكْرُه بما ليس فيه فيكون بهتانًا.

قال شيخ الإسلام زكريا الأنصاري في "أسنى المطالب": [الحاصل أن الغيبة: وهي ذِكْرُ الإنسان بما فيه ممَّا يكره ولو في ماله أو ولده أو زوجه أو نَحوِهَا: مُحَرَّمَةٌ؛ سواء أذكره بلفظ أم كتابة أم إشارة بعين أو رأس أو يد أو نحوها].

والغيبة من الذنوب المحرمة التي تواترت الأدلة الشرعية من الكتاب والسنة والإجماع في الدلالة على حرمتها والتنفير منها ومن مظاهرها، ومن ذلك: قوله تعالى: ﴿وَلَا يَغْتَبْ بَعْضُكُمْ بَعْضًا أَيُحِبُّ أَحَدُكُمْ أَنْ يَأْكُلَ لَحْمَ أَخِيهِ مَيْتًا فَكَرِهْتُمُوهُ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ تَوَّابٌ رَحِيمٌ﴾ [الحجرات: 12]؛ قال الإمام الطبري في "جامع البيان": [حرَّم الله على المؤمن أن يغتاب المؤمن بشيء، كما حرَّم المَيْتة].

وعن أبي هُرَيْرَةَ رضي الله عنه أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ صلى الله عليه وآله وسلم قَالَ: «أَتَدْرُونَ مَا الْغِيبَةُ؟» قَالُوا: اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَعْلَمُ، قَالَ: «ذِكْرُكَ أَخَاكَ بِمَا يَكْرَهُ»، قِيلَ: أَفَرَأَيْتَ إِنْ كَانَ فِي أَخِي مَا أَقُولُ، قَالَ: «إِنْ كَانَ فِيهِ مَا تَقُولُ فَقَدِ اغْتَبْتَهُ، وَإِنْ لَمْ يَكُنْ فِيهِ فَقَدْ بَهَتَّهُ» أخرجه مسلم.

والأحاديث في التحذير من الغيبة واسعة جدًّا دالة على شدة تحريمها؛ كما في "سبل السلام" للصنعاني.

وقد حكى الإجماع على تحريم الغيبة غيرُ واحد من العلماء؛ كالإمام القرطبي في "الجامع لأحكام القرآن" والإمام النووي في "الأذكار"، وغيرهما.

فإذا كانت الغيبة بذكر الإنسان أخاه المسلم بما يكره أمرًا محرمًا شرعًا على النحو السابق؛ فإن الحرمة هنا تكون أشد وآكد؛ لما تتضمنه من إفشاء أسرار الحياة الزوجية الخاصة بعد الطلاق، وقد بيَّن صلى الله عليه وآله وسلم ذلك بقوله: «إِنَّ مِنْ أَشَرِّ النَّاسِ عِنْدَ اللهِ مَنْزِلَةً يَوْمَ الْقِيَامَةِ الرَّجُلَ يُفْضِي إِلَى امْرَأَتِهِ وَتُفْضِي إِلَيْهِ، ثُمَّ يَنْشُرُ سِرَّهَا» أخرجه مسلم في "صحيحه" من حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه.

قال الإمام النووي في "شرحه على صحيح مسلم": [وفي هذا الحديث: تحريم إفشاء الرجل ما يجري بينه وبين امرأته من أمور الاستمتاع، ووصف تفاصيل ذلك، وما يجري من المرأة فيه من قولٍ أو فعلٍ ونحوه] اهـ. فيحرم على كِلَا الزوجين إفشاء الأسرار وذكر العيوب الخاصة بأحدهما بدون سبب معتبر، سواء في حالة قيام الحياة الزوجية أم بعد زوالها.

كما يتعارض ذلك مع الأمر بحُسْن العِشْرَة والمفارقة بالمعروف الوارد في قوله تعالى: ﴿وَإِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَبَلَغْنَ أَجَلَهُنَّ فَأَمْسِكُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ أَوْ سَرِّحُوهُنَّ بِمَعْرُوفٍ﴾ [البقرة: 231]، وقوله: (بِمَعْرُوفٍ): أي بكلِّ ما يُعرف من إِقامة الحقِّ في إِمساك وتسريح المرأة، كما في "معاني القرآن وإعرابه" لأبي إسحاق الزجاج.

والوارد في قوله تعالى: ﴿الطَّلَاقُ مَرَّتَانِ فَإِمْسَاكٌ بِمَعْرُوفٍ أَوْ تَسْرِيحٌ بِإِحْسَانٍ﴾ وقوله: (الْإِحْسَانُ): أن يوفيها حقَّها، فلا يؤذيها، ولا يشتمها، ولا يتعدى عليها بأيِّ قولٍ أو تشهيرٍ؛ كما في "جامع البيان" للطبري، و"الجامع لأحكام القرآن" للقرطبي.

وقال العلامة ابن الزبير الغرناطي في "ملاك التأويل" عند تفسير هاتينِ الآيتينِ: [وقد روعي في هذه الآي كلها مقصد التلطف وتحسين الحال في المحبة والافتراق].

ولا شك أن تشهير أحد الزوجين بالآخر بذكر عيوبه والتحدث عنه بالسوء يتنافى مع الافتراق بالإحسان والمعروف، وهو أمرٌ تأباه العقول السليمة والأخلاق الكريمة.

موقف القانون من تشهير كلٍّ من الزوجين بالآخر بعد الطلاق

أوضحت الإفتاء، أن المُشْرِع المصري جرَّم أفعالَ السَّب والقذف والتشهير بالغير وإفشاء الأسرار، واعتبر ذلك جنحةً يعاقب عليها إذا توفرت أركانها بالحبس والغرامة، أو بأحدهما؛ وذلك بحسب التفصيل الوارد في الباب السابع "القذف والسب وإفشاء الأسرار" في المواد (302-310) من قانون العقوبات رقم 58 لسنة 1937م.

الخلاصة

بناء على ذلك وفي واقعة السؤال، أوضحت الإفتاء، أنه يحرم شرعًا ويجرم قانونًا تشهير أحد الزوجين بالآخر -سواء في حال قيام الزوجية أو بعد الفراق-، وذِكْره بالسوء مما يبغض ويكره، أو يتعلق بالعيوب أو الأسرار الخاصة بأحدهما، بلا ضرورة أو مقتضى شرعي أو سبب معتبر، والواجب عليهما الستر على بعضهما، ومراعاة المفارقة بالإحسان والمعروف.

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: تشهير الزوجين دار الافتاء الإفتاء الشرع غض الطرف الطلاق ب م ع ر وف

إقرأ أيضاً:

ما حكم ارتداء الملابس السوداء في الحداد؟.. الإفتاء توضح

كتب- حسن مرسي:

أوضح الدكتور عمرو الورداني، أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، أن ارتداء الملابس السوداء تعبيرًا عن الحزن أو بسبب الوفاة ليس مأمورًا به في الشريعة الإسلامية، كما أنه ليس محظورًا.

وأشار أمين الفتوى بدار الإفتاء المصرية، خلال حلقة برنامج "مع الناس"، المذع على قناة الناس، إلى أن المرأة في فترة العدة، وهي أربعة أشهر وعشرة أيام، يجب عليها الالتزام بعدم إظهار الزينة أو ارتداء الملابس الملفتة، لكن لا يوجد نص شرعي يلزمها بارتداء ملابس بلون معين، بما في ذلك الأسود.

وأضاف: "إذا كان ارتداء الملابس السوداء يعبر عن حالة الحزن والتفجع بشكل طبيعي، فلا بأس به، طالما أنه لا يتنافى مع ضوابط الشرع، كما يجوز لها ارتداء ألوان أخرى بشرط ألا تكون هذه الألوان تعبر عن الفرح أو تلفت الأنظار بشكل مبالغ فيه".

وأكد أن المطلوب خلال فترة العدة هو أن تعبر المرأة عن حالتها بشكل طبيعي دون تكلف، وألا تتجاوز ضوابط الحداد الشرعية التي تمنعها من إظهار الزينة أو التبرج.

اقرأ أيضا:

محمود سعد يكشف كواليس رفض نور الشريف ظهوره معه وعلاقته بعادل إمام

أمطار على هذه المناطق.. تحديث حالة الطقس عبر صورة بالقمر الصناعي

الدكتور عمرو الورداني دار الإفتاء المصرية الشريعة الإسلامية برنامج مع الناس ما حكم ارتداء الملابس السوداء في الحداد

تابع صفحتنا على أخبار جوجل

تابع صفحتنا على فيسبوك

تابع صفحتنا على يوتيوب

فيديو قد يعجبك:

الخبر التالى: أستاذ جراحة يوضح العلامات المبكرة للقدم السكري ومضاعفاته الأخبار المتعلقة تفاصيل مشاركة دار الإفتاء في معرض الكتاب 2025 أخبار

مقالات مشابهة

  • هل الصلوات فرضت في رحلة المعراج؟.. الإفتاء توضح
  • ما حكم ارتداء الملابس السوداء في الحداد؟.. الإفتاء توضح
  • «الإفتاء» توضح حكم صيام ليلة الإسراء والمعراج.. توافق الـ27 من شهر رجب
  • معاش والدتي المتوفاة مازال يصرف بالخطأ فهل يجوز الحصول عليه.. الإفتاء تجيب
  • هل توجد عبادة مُحددة مُستحبة في ليلة الإسراء والمعراج.. دار الإفتاء توضح
  • هل يرى المؤمنون الله يوم القيامة؟.. دار الإفتاء توضح معنى الحديث الشريف
  • حكم تخصيص رجب بالصدقة اعتقادا بفضله.. الإفتاء توضح
  • من يستحق الشبكة حال فسخ الخطبة أو كتب الكتاب أو الطلاق؟.. الإفتاء تحدد
  • حكم سداد الدين المؤجل عند وفاة الدائن وقبل حلول الأجل.. الإفتاء توضح
  • الإفتاء توضح أفضل صيغ الاستغفار وحكم ترديده بنية جلب الرزق