اّلاف الشهداء والمصابين بينهم مرضى السرطان.. وقصف جنونى للمستشفيات100 طبيب صهيونى يدعون لضرب المراكز الصحية.. والقبة الحديدية تفشل فى صد صواريخ المقاومة

 

شهد قطاع غزة سلسلة غارات إجرامية إسرائيلية غير مسبوقة، تزامناً مع قطع الاتصالات وخدمات الإنترنت للمرة الثانية عن القطاع. باستخدام القنابل الزلزالية كسلاح جديد لإبادة الشعب الفلسطينى وهى قذيفة استخدمت لتدمير الأنفاق، التحدى الرئيسى للقوات المتوغلة فى القطاع المحاصر.

فيما أعلنت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين التابعة للأمم المتحدة (أونروا) أن طفلاً يفقد حياته كل 10 دقائق فى المتوسط بغزة، فى حين يصاب اثنان تزامنا مع قصف همجى لكل مدارسها التى لجأ لها النازحون.

وطالب نحو 100 طبيب وأساتذة جامعيون فى مجال الطب بإسرائيل بقصف المستشفيات، خاصة مجمع الشفاء الطبى فى مدينة غزة، بزعم أن حركة حماس تستخدمه لأغراض عسكرية ولم يخف حاخام فى قاعدة تدريب عسكرية إسرائيلية النوايا الحقيقية لسلطات الاحتلال، واحتفى بما تفعله الدولة العبرية فى فظائع مروعة فى غزة، وقال للعناصر الإسرائيلية «إن البلاد كلها لنا، بما فيها غزة ولبنان».

وقال الدكتور منير البرش، مدير عام وزارة الصحة الفلسطينية: واجهنا ليلة صعبة بسبب عزل القطاع عن العالم، مشيرا إلى أن الاحتلال ارتكب أكثر من 24 مجزرة بحق الشعب الفلسطينى فى ليلة واحدة، وأضاف أن الاحتلال ينفذ ضربات قاتلة على الفلسطينيين ويقوم بإبادة مواقع سكنية بشكل كامل.

وأكدت وزارة الصحة فى قطاع غزة استشهاد ما لا يقل عن 500 شخص فى العدوان الإجرامى النازى للاحتلال المكثف على القطاع.

وأعلنت استشهاد الزميل الصحفى محمد الجاجة، وعدد من أفراد عائلته إثر غارة إسرائيلية على حى النصر فيما استشهد 10 آخرين باستهداف منزل مدير العلاقات العامة والإعلام فى مستشفى النجار طلعت برهوم غرب رفح جنوب القطاع.

وأشارت إلى استشهاد 70 على الأقل فى المحافظة الوسطى فى غزة من فى مجزرتين لقوات النازية الصهيونية فى دير البلح والزوايدة، كما استشهد 33 فلسطينيا وأُصيب العشرات إثر قصف الاحتلال منزلاً لعائلة مشمش فى النصيرات.

وأشارت إلى مواصلة قوات الاحتلال غاراتها المسعورة على المستشفيات خاصة الشفاء والقدس وشهداء الأقصى والرنتيسى للأطفال مما أسفر عن عشرات المئات ما بين شهداء ومصابين أغلبهم من الأطفال والنساء أطفال مصابين بمرض السرطان فى قصف استهدف الطابق الثالث من مستشفى الرنتيسى، واستشهد آخرون إثر قصف طائرات الاحتلال منزلاً فى بيت حانون.

وطالبت وزارة الصحة الفلسطينية جميع الوزارات حول العالم، والاتحادات والنقابات الطبية والصحية للتحرك ورفض المجازر اليومية بحق قطاع غزة، ونظامه الصحي. وناشدت بتوفير ممر آمن لتدفق المساعدات والأدوية والوقود إلى المستشفيات بات مسألة حياة أو موت للجرحى، مع تعمد الاحتلال قصف قوافل الإسعافات التى تحمل المصابين ما يعيق نقلهم إلى معبر رفح للعلاج فى مصر.

وأكدت أن الغارات الإسرائيلية على غزة استهدفت 110 منشآت صحية، فيما خرج 16 مستشفى و32 مركزا للرعاية الأولية عن الخدمة بسبب القصف ونفاد الوقود.

وأكد الطبيب النرويجي، «مادس غيلبرت» الذى عمل لسنوات فى مجمع الشفاء الطبي، أنه لم ير طوال عمله فى المستشفى أى وجود عسكري. وأوضح فى تصريحات صحفية أن إسرائيل فشلت فى تقديم أى دليل يثبت صحة ادعاءاتها حول وجود قاعدة عسكرية بالمستشفى. وأشار إلى أن لدى إسرائيل سجلا طويلا فى استهداف المستشفيات.

وأكد شهود عيان لـ«الوفد» استمرار الغارات المتتالية من الطيران الحربى فى شارع السكة شرق مخيم جباليا شمالى القطاع. وقصف مدفعى فى مشروع بيت لاهيا شمالى قطاع غزة، كذلك قصف طيران الاحتلال منزلاً قرب صالة الطيب فى بيت لاهيا. واستهدف طيران الاستطلاع منطقة الشيخ زايد شمالى القطاع.

وقال المكتب الإعلامى الحكومى الفلسطينى «تردنا عشرات البلاغات والمناشدات بشأن وجود مئات الجثامين لشهداء بالشوارع فى مناطق مختلفة من مدينة غزة ممن حاولوا التوجه للممر الآمن المزعوم وممن حاول الاحتماء من غارات الليلة الماضية». وأكد المكتب الإعلامى أن قطاع غزة بات يعانى من مجاعة شديدة، حيث يقضى المواطنون أكثر من 4 ساعات للحصول على الخبز، و3 أخرى للحصول على المياه.

وأوضح أن طواقم الدفاع المدنى والإسعاف والطوارئ لم تتمكن من إخراج الضحايا ولا تستطيع الوصول إلى عشرات الشهداء الموجودين فى الطرقات التى يزعم الاحتلال أنّها آمنة وسط صعوبات كبيرة فى عمليات الإنقاذ بسبب قدم المعدات المتهالكة.

وحذر من التحريض المتواصل المتصاعد ضد المستشفيات فى قطاع غزة، مشيراً إلى أن تكرار هذا الأمر بحق المراكز المدنية الآمنة سيكرر المحرقة الصهيونية التى ارتكبها الاحتلال فى المستشفى المعمداني.

واستنكر بشدة التحريض الذى أصدره عشرات الأطباء الاحتلال بمطالبتهم تدمير مستشفى الشفاء، مؤكداً أن هذه المطالبات تتماشى مع تهديدات الاحتلال وتنفيذه لغارات جوية هى الأعنف فى محيط مستشفيات مدينة غزة.

أكد أن الاتهامات التى زعمها المتحدث باسم الاحتلال بشأن مستشفيات حمد والإندونيسي، ادعاءات باطلة وغير صحيحة. وأشار إلى أن ما زعمه بحق مستشفى حمد بوجود أنفاق هى فتحة مخزن الوقود بحسب ما أعلن المكتب الهندسى المشرف على المشروع.

وشدّد على أنّ المستشفيات تقدم خدمات طبية فقط، وأعلنوا استعدادهم لاستقبال لجنة أممية للتحقق من أوضاع المستشفيات داعيا الأمين العام للأمم المتحدة ومنظمة الصحة العالمية والصليب الأحمر لحماية المستشفيات من غارات الاحتلال وتحريضه المستمر، ووضع مسئولية حماية المستشفيات خاصة الشفاء على عاتق الجهات الدولية بما فيها الأمم المتحدة. يأتى ذلك فيما شهدت مناطق واسعة من غزة حالة عطش ونقص حاد فى المياه.

وفشل صاروخ أطلقته القبة الحديدية فى اعتراض صواريخ أطلقتها حركة حماس من قطاع غزة، وسقط فوق منطقة سكنية وسط إسرائيل فيما أصيب إسرائيليان فى عملية طعن عن باب الساهرة بالقدس المحتلة، فيما استشهد منفذها وعمت المظاهرات والإضرابات عدة مناطق من الضفة المحتلة دعما لغزة وتنديدا بمجازر العدو الصهيونى. وتشهد الجبهة الشمالية مع لبنان مناوشات بيت حزب الله والاحتلال من وقت لآخر..

اّلاف الشهداء والمصابين «أبو ردينة» يطالب بوقف الحرب.. و«أشتية»: نتنياهو يقتلنا مستشهداً بالتوراة

طالب أمس نبيل أبوردينة، المتحدث الرسمى باسم الرئاسة الفلسطينية، بوقف إطلاق النار فى قطاع غزة، حتى يمكن الحديث عن أى موضوع آخر، ولا يجوز السماح بعمليات الإبادة فى غزة، وأن ما تقوم به إسرائيل يتجاوز حق الدفاع عن النفس.

وأضاف «أبو ردينة» خلال تصريحات صحفية بقوله «لا يمكن المساس بالمشروع الوطنى الفلسطينى، والأمور ستتفاقم ما دام الدعم الأمريكى لإسرائيل، وأننا نرفض تهجير الفلسطينيين من قطاع غزة، والشعب الفلسطينى لا يقبل تبديل أرضه بأخرى، والموقف الفلسطينى العربى ضد التهجير، ونرفض أى محاولة إسرائيلية لخلق أراض بديلة للشعب الفلسطيني».

 وأوضح أن المشروع الوطنى الفلسطينى، يتمثل فى دولة فلسطينية عاصمتها القدس المحتلة بمقدساتها، وأن القدس الشريف يجب أن تكون فلسطينية عربية، مشيرا بقوله «ولقد حذرنا مرارا وتكرارا من استمرار العدوان الإسرائيلى، ويجب التزام الشرعية الدولية والعربية لنشر السلام فى كل ربوع المنطقة».

وأكد أن الولايات المتحدة لم تنفذ أيًا من وعودها، بشأن وقف إطلاق النار فى غزة، وعلى الإدارة الأمريكية مراجعة سياساتها، وأن بلينكن أخبرنا بأن الجيش الإسرائيلى يشن الهجمات على قطاع غزة بدعم من الحكومة الإسرائيلية.

وشدد رئيس الوزراء الفلسطينى، محمد أشتية، عن أن رئيس الوزراء الإسرائيلى بنيامين نتنياهو يبرر القتل فى غزة مستشهدا بآيات من التوراة، وطالب المحكمة الجنائية الدولية بإصدار أمر اعتقال بحق مرتكبى الجرائم في غزة، وقال «أشتية»: «إن فى غزة شلالا من الدماء يسيل»، وأضاف متسائلا عن موعد تحرك العالم لوقف العدوان الغاشم على قطاع غزة المحاصر.

وقال «أشتيا»، إن الوضع فى غزة فاق قدرة الإنسان على التحمل، مشيرا إلى أن القطاع بحاجة عاجلة للطعام والماء والكهرباء والدواء، ودعا رئيس الوزراء الفلسطينى إلى تحرك دولى فورى لوقف العدوان على غزة، مشددا على أن الفلسطينيين لن يسمحوا لمخططات إسرائيل بفصل غزة عن الضفة الغربية.

وأضاف «أشتية»، «أعلنت حكومة الاحتلال أنها قررت اقتطاع مبالغ جديدة من الأموال المستحقة لنا بحجة أننا نمول غزة بقيمة 140 مليون دولار شهرياً، هذا القرار سياسى يهدف لفصل غزة عن الضفة، ونحن لن نقبل بهذا الفصل»، ودعا «أشتية» الأمم المتحدة لإلغاء الاحتفال بيوم الطفل العالمى تضامنا مع أطفال غزة.

 

الاتحاد الأوروبى يؤكد فشل الحل العسكرى ويقترح قوات أممية 

شدد أمس مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى، جوزيب بوريل، على فشل الدبلوماسية فيما يتعلق بالصراع العربى - الإسرائيلى فى السنوات الأخيرة، وأكد أنه لا يوجد حل عسكرى فى غزة، إذا لم تكن هناك استيراتيجية سياسية.

وأشار «بوريل» خلال المؤتمر السنوى لسفراء الاتحاد الاوروبى إلى أن الحرب بلغت ذروتها فى الساعات الأخيرة، مؤكدا أنه «الآن هناك فرصة أخيرة للتوصل إلى حل الدولتين».

كما أعلن مسئول السياسة الخارجية بالاتحاد الأوروبى دعمه لدعوة الأمم المتحدة من أجل هدنة إنسانية لإغاثة المدنيين والتمهيد للإفراج عن الرهائن.

وقال «بوريل» إن الاتحاد الأوروبى ملتزم أخلاقيًا وسياسيا بالمساهمة فى إيجاد حل سياسى للنزاع فى المنطقة.

وأوضح رئيس الدبلوماسية الأوروبية، فى إشارة إلى تصرفات إسرائيل بشأن غزة، أن تجاهل التكلفة البشرية يمكن أن يؤدى فى النهاية إلى نتائج عكسية، مشيرا إلى أنها عالية جدًا لأنه كانت هناك أيضاً أوقات انعدام الإرادة السياسية.

وشدد الممثل السامى فى رسالته على أنه رغم أن الأمر الآن بعيد، إلا أن المسار الأكثر منطقية هو حل الدولتين، وعلى أوروبا أن تراهن عليه، وحذر «بوريل» من أنه إذا لم ننجح فسنكون فى دوامة من العنف والكراهية المتبادلة لأجيال.

أكدت المفوضية الأوروبية، أن نشر قوات دولية فى قطاع غزة بإشراف أممى من الخيارات التى يجرى بحثها.

وقالت رئيسة المفوضية، أورسولا فون دير لاين: إن الاتحاد الأوروبى سيزيد المساعدات الإنسانية لغزة بمقدار 25 مليون يورو (26,9 مليون دولار). وأضافت «فون دير لاين» فى كلمة ألقتها فى بروكسل، «من خلال ذلك، سيقدم الاتحاد الأوروبى إجمالا 100 مليون يورو مساعدات إنسانية للمدنيين فى غزة».

 

فتح معبر رفح لعبور المصريين والأجانب المسجلين والمصابين والمساعدات

أكد أمس المتحدث باسم معبر رفح من الجانب الفلسطينى، وائل أبوعمر، أنه تقرر فتح معبر رفح لعبور الأجانب ومزدوجى الجنسية بعد تنسيق خروج الجرحى.

وقال بيان رسمى، «إن الهيئة العامة للمعابر والحدود قررت فتح المعبر للمصريين وللأجانب الذين وردت أسماؤهم فى الكشوفات الأخيرة منذ 1 نوفمبر، فيما لن يتم السماح بالسفر لمن لم يرد اسمه فى الكشوف حسب ما وردنا من الجانب المصرى، وكشف مدير مجمع الشفاء الطبى، محمد أبوسلمية، أن سيارات إسعاف تحركت من المستشفى، صوب معبر رفح تنقل جرحى ومرضى لعلاجهم بالمستشفيات المصرية، وأشار إلى أن القافلة تحمل 7 حالات، بينهم 5 جرحى، وطفلان مريضا أورام.

وأوضح أبو سلمية أن هذه الخطوة جاءت بعد التنسيق مع الصليب الأحمر، حيث إن سيارات الإسعاف التى تنقل الجرحى تتبع الصليب لمنع استهدافها من جانب إسرائيل كما حدث سابقا.

وكانت حكومة حماس فى القطاع طالبت فى وقت سابق أن يرافق الصليب الأحمر الدولى أى قافلة مصابين أو سيارة إسعاف تتجه إلى الأراضى المصرية.

وكانت هيئة المعابر والحدود فى غزة قررت السبت تعليق خروج الأجانب ومزدوجى الجنسية لحين تنسيق خروج الجرحى من شمال غزة للعلاج فى مصر، ووقف استهداف إسرائيل قوافل نقل الجرحى، وبالفعل تم وقف خروج الأجانب منذ السبت، ولكن استمر دخول المساعدات من الجانب المصرى إلى غزة.

يشار إلى أن معبر رفح كان فتح ثلاثة أيام هى الأربعاء والخميس والجمعة من الأسبوع الماضى للسماح بإجلاء عشرات المصابين الفلسطينيين والمئات من حاملى الجوازات الأجنبية.

إلا أنه عاد وأغلق يومى السبت والأحد بسبب خلاف على عبور سيارات الإسعاف، بعد قصف الاحتلال سيارة إسعاف كانت تقل مصابين من القطاع إلى الداخل المصرى.

ونزح أكثر من 800 ألف مدنى فلسطينى من شمال غزة نحو الجنوب بينهم المئات من حاملى الجنسيات الأجنبية، منذ اندلاع شرارة الحرب فى غزة فى السابع من أكتوبر، بينما اشترطت القاهرة السماح بدخول شاحنات المساعدات إلى غزة المحاصرة منذ أكثر من 4 أسابيع، بلا كهرباء ولا مياه، ولا سلع غذائية أو وقود، قبل خروج الأجانب.

فتح معبر رفح لعبور 

المصدر: بوابة الوفد

كلمات دلالية: حزب الله الشعب الفلسطيني الرئاسة الفلسطينية الاتحاد الأوروبى فى قطاع غزة معبر رفح أکثر من إلى أن فى غزة

إقرأ أيضاً:

هل ينتزع نتنياهو بالقمة ما عجز عنه بالقنابل؟

يجتمع اليوم قادة العرب وملوكهم في القاهرة، حيث تنعقد قمة عربية يُرتقب أن تصدر عنها قرارات مصيرية تتعلق بأخطر القضايا وأشدها حساسية، وفي مقدمتها المخطط الإسرائيلي لتهجير الفلسطينيين من قطاع غزة والضفة الغربية، وتحويل القطاع إلى “ريفيرا” سياحية، في إطار رؤية تتغذى على العدوان والاستيطان والتهويد. هذه القمة تُعقد في ظل ضغوط أمريكية وإسرائيلية هائلة، تهدف إلى فرض واقع جديد يُقصي المقاومة ويعيد رسم خريطة فلسطين وفق أجندات الاحتلال، بينما تقف الأنظمة العربية أمام اختبار تاريخي مفصلي: بين الإذعان أو المواجهة، بين الإرادة أو الخضوع.

نحن أمام مشروع استعماري جديد، امتداد لوعد بلفور واتفاقية سايكس بيكو، يراد منه طيّ صفحة القضية الفلسطينية إلى الأبد، وتشتيت الفلسطينيين في دول الجوار، وإعادة رسم الخرائط والحدود عبر اقتطاع المزيد من الأراضي العربية في فلسطين ولبنان وسوريا والأردن ومصر، وربما حتى داخل العمق الخليجي. إنه مخطط يستهدف ليس فقط الشعب الفلسطيني، بل الأمن الإقليمي العربي برمّته.

لم يكن الطريق إلى القاهرة معبّدًا ولا خاليًا من التوترات، فقد سبقته قمة مصغرة في الرياض، جمعت دول مجلس التعاون الخليجي ومصر تحت مسمى “الاجتماع الأخوي”، لكنه بدا في مضمونه خطوة لتهميش الجزائر، التي رأت في استبعادها تجاوزًا لدورها السياسي، فجاء ردها صارمًا برفض الرئيس عبد المجيد تبون الحضور، مكتفيًا بإرسال وزير خارجيته، في موقف يعكس التصدع العميق في الصف العربي، الذي لم يستطع حتى الاتفاق على مبدأ موحّد قبل القمة.

في المقابل، كان بنيامين نتنياهو أكثر وضوحًا في رسائله، إذ استبق القمة بتشديد الحصار على غزة، ملوّحًا بتجديد العدوان، في إشارة إلى أن القادة العرب لن يكون أمامهم سوى الإذعان، وأنهم، مهما ارتفعت أصواتهم، سيعودون إلى قيودهم، ويسيرون في المسار المرسوم لهم. يدرك نتنياهو أن الأنظمة العربية، رغم مواقفها المعلنة، ستجد نفسها عاجزة عن تجاوز الخطوط الحمراء التي ترسمها واشنطن، مهما أبدت من رفض واستنكار.

وفي الظاهر، يتجه الموقف العربي إلى رفض التهجير، كما عبّرت عنه مصر والأردن والسعودية، إذ إن هذا السيناريو لا يهدد فلسطين وحدها، بل يهزّ استقرار الأنظمة نفسها، التي تدرك أن تهجير الفلسطينيين يعني خلق قنبلة ديموغرافية وسياسية قد تعصف بها. غير أن هذا الرفض، مهما بدا حاسمًا، يظل موقفًا تكتيكيًا في لعبة أكبر، حيث لا يقتصر المخطط على التهجير، بل يمتد إلى تنفيذ “اليوم الموالي”، وفق الرؤية الأمريكية - الإسرائيلية، التي تسعى إلى اجتثاث المقاومة، وإعادة بناء غزة وفق أسس تضمن ألا يكون فيها صوت يعترض، ولا يد تقاوم، ولا إرادة ترفض الهيمنة. ذلك كله تمهيدٌ لمرحلة جديدة من التمدد الاستيطاني، وصولًا إلى تحقيق الحلم الصهيوني بإسرائيل الكبرى، التي لم تعد مجرد رؤية متطرفة، بل مشروعًا ممهورًا بمباركة أمريكية علنية.

بعد أكثر من عام ونصف من حرب ضارية، وقفت إسرائيل أمام حقيقة مريرة حاولت إنكارها طويلًا: عجزها عن تحقيق أهدافها الكبرى بالقوة العسكرية. فشلت في القضاء على المقاومة، وفي استعادة أسراها عبر القوة المسلحة، وفي بسط سيطرتها المطلقة على غزة كما خططت في بداية العدوان. لكنها، وكعادتها، لا تعترف بالفشل، بل تعيد ترتيب أدواتها، مستندة إلى نهج قديم جديد: ما لا يُفرض بالقوة، يُنتزع بالدبلوماسية، وما لا يأتي بالحصار، يُفرض بالإملاءات والتنازلات المدعومة بغطاء أمريكي غير محدود.

وهنا يأتي الدور المطلوب من الأنظمة العربية، إذ يُراد لها أن تحقق لإسرائيل ما لم تستطع تحقيقه بالقوة، أن تنفذ أجنداتها عبر السياسة، فتكون الجسر الذي تعبر من خلاله المشاريع الصهيونية، لا السد الذي يصدّها. لكن هذه الأنظمة، في جوهرها، مكبّلة بالتبعية، عاجزة عن اتخاذ قرارات تتعارض مع الإرادة الأمريكية. بعضها يحتضن القواعد العسكرية الغربية، وبعضها يعتمد في اقتصاده على المساعدات الأجنبية، وأغلبها أنظمة استبدادية تخشى شعوبها أكثر مما تخشى أعداءها، وتخوض معاركها الحقيقية داخل حدودها، وليس خارجها.

ولذا، فإن السيناريو الأكثر ترجيحًا أن تخرج قمة القاهرة بموقف مزدوج: رفض التهجير في العلن، والقبول الضمني بمخطط “اليوم الموالي”، من خلال إعادة إعمار غزة وفق الشروط الأمريكية - الإسرائيلية، بما يضمن القضاء على المقاومة، ويفتح الطريق أمام الهيمنة المطلقة للاحتلال. وهذا بالضبط ما يريده ترامب وإدارته، برفع سقف المطالب إلى التهجير، ليحصل على تنازلات أقل، لكنها كافية لإخضاع غزة وتوسيع النفوذ الإسرائيلي في المنطقة.

غير أن هذه التسوية، إن تمت، لن تضمن استقرار الأنظمة العربية، بل ستضعها في مواجهة مباشرة مع الشارع العربي، الذي لا يزال يرى في القضية الفلسطينية معيار الشرعية الأهم، واختبار المصداقية الحقيقي. فالأنظمة التي تفرّط بفلسطين لا تفرّط في قضية بعيدة، بل في شرعيتها ووجودها ذاته، وتفتح على نفسها أبواب الغضب الشعبي، الذي وإن بدا صامتًا اليوم، فهو لا ينسى، ولا يغفر.

قمة القاهرة ليست مجرد اجتماع عربي عابر، بل لحظة مفصلية تحدد مستقبل المنطقة: إما أن يثبت العرب أنهم ما زالوا أصحاب قرار، أو أن يكرّسوا تبعيتهم المطلقة، ويوقعوا بأيديهم شهادة عجزهم.
لكن، ومهما تكن مخرجات القمة، فإن التاريخ لا يرحم، والشعوب لا تغفر، والحقائق لا تُطمس، حتى لو تواطأ العالم بأسره. ففلسطين ستبقى بوصلة الأمة، ومن يفرّط بها، يكون قد فرّط بوجوده وبأساس شرعيته.

مقالات مشابهة

  • استشهاد فلسطيني وإصابة آخرين جراء قصف الاحتلال لحي الشجاعية
  • جنوب إفريقيا: “إسرائيل” تستخدم التجويع سلاحا في العدوان على غزة
  • عودة “إسرائيل” لعدوانها على غزة… تدوير للفشل أم أهداف سياسية جديدة؟
  • 35 شهيدا وصلوا إلى مستشفيات القطاع خلال الساعات الـ24 الماضية
  • إعلام إسرائيلي: استئناف الحرب في غزة يثير مخاوف كبيرة فيما يتعلق بمصير الأسرى
  • مخطط إسرائيلي يدعو للانفصال عن قطاع غزة وتحميل مصر مسؤولية إدارته
  • حماس: منع المساعدات جريمة حرب يرتكبها الاحتلال الإسرائيل أمام العالم
  • عربدة ستندمون عليها.. هكذا تفاعل سوريون مع غارات إسرائيل على أراضيهم
  • هل ينتزع نتنياهو بالقمة ما عجز عنه بالقنابل؟
  • باحث: تمديد المرحلة الأولى من اتفاق وقف إطلاق النار في مصلحة إسرائيل