لجريدة عمان:
2024-12-23@12:10:12 GMT

فقاعة الغزو البري.. والخطاب المنتظر !

تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT

ليس من المبالغة في شيء القول بأن هذا الأسبوع اتسم بالكثير من الأهمية على مستوى سير العمليات والتطورات التي تشهدها غزة والحرب الهمجية التي تشنها إسرائيل وما تمارسه من أعمال تجاوزت كل القوانين والشرائع والمواثيق الدولية، حيث تقف إسرائيل لتتحدى كل العالم باستثناء القوى الغربية، التي تقف إلى جانبها وتدعم عدوانها ضد الشعب الفلسطيني الأعزل منذ السابع من الشهر الماضي.

وعلى امتداد شهر كامل حدثت وتحدث الكثير من التطورات بالغة الأهمية التي سيكون لها تأثير على الأوضاع في غزة وعلى مستقبل الأوضاع الفلسطينية، بل وعلى كل الشرق الأوسط ودول المنطقة وعلى النظام الإقليمي والنظام الدولي أيضا بشكل أو بآخر، خاصة أن حرب غزة شهدت اصطفافا غير مسبوق بين الدول المؤيدة لإسرائيل والدول المعارضة لاستمرار الحرب وعلى نحو فاق ما يحدث في أوكرانيا التي نسيها الكثيرون. خاصة في ظل خسائر الفلسطينيين التي سجلت إجراما إسرائيليا مجنونا حصد في طريقه ما يزيد على ثلاثين ألفا من القتلى والجرحى، أي بمعدل نحو ألف قتيل وجريح كل يوم تقريبا. وبينما اهتز ضمير العالم وصرخ جوتيريش والكثير من المنظمات والمؤسسات الدولية استنكارا وإدانة للهمجية الإسرائيلية وللدعم الغربي لها، والذي يتجاوز القانون والشرعية الدولية، فإن هذا الصراخ وتلك الإدانات على تعددها واختلافها، والتي صدر الكثير جدا منها لحفظ ماء الوجه أثبت في الواقع مرة أخرى وليست أخيرة خواء وهشاشة النظام الدولي ومؤسساته أمام القوى الكبرى التي تستطيع تحديه وتجاوز قراراته ومواقفه إذا وجدت، وبالتالي هز الثقة فيه على نحو أكبر، وهو ما ستكون له تبعاته في السنوات القادمة.

على أية حال فإنه في الوقت الذي لا يملك المجتمع الدولي إلا أن يتمسك بالمؤسسات الدولية الراهنة، برغم كل المآخذ عليها وعلى ضعف فاعليتها لأسباب معروفة، خاصة أنه لا بديل لها حتى الآن على الأقل، فإن مما له دلالة التوقف أمام حدثين انتظرهما الكثيرون خاصة في المنطقة توقعا وظنا أنه ستكون لهما آثار ملموسة، أولهما الاجتياح البري من جانب القوات الإسرائيلية لقطاع غزة من أجل تأكيد السيطرة على الأرض كخطوة ضرورية للسيطرة الفعلية على القطاع لتحقيق أهدافها ضد حركة حماس كما تأْمل. والحدث الثاني هو الخطاب الذي ألقاه حسن نصر الله زعيم حزب الله اللبناني، مساء الجمعة الماضي، والذي جرى الإعلان عنه والترويج الكبير له قبل ذلك بأيام، وإلى حد تصور البعض أنه سيكون له صدى وتأثير كبير في التطورات في الحرب على غزة وأنه قد يقلب الأمور رأسا على عقب، غير أن الأمور لم تكن كذلك مع احترام وجهات النظر المختلفة حول كل منها. وفي هذا الإطار فإنه يمكن الإشارة إلى عدد من الجوانب لعل من أهمها ما يلي: أولا: إن الحدث الذي ترقبه الجميع هو ما يمكن تسميته فقاعة الاجتياح البري الإسرائيلي لقطاع غزة من أجل محاولة السيطرة عليه وذلك نتيجة لكثرة التخويف والقلق وما يمكن أن يترتب على هذه الخطوة من نتائج، حذر منها الرئيس الأمريكي بايدن نفسه ونصح نتانياهو أيضا بتأجيلها حتى يتيقن وخبراؤه من نجاحها. غير أن ضغط أهالي الأسرى الإسرائيليين من ناحية والجدل حول مدى مسؤولية نتانياهو في التقصير في مواجهة هجوم حماس المفاجئ في السابع من أكتوبر الماضي من جهة ثانية، ومعارضة إصلاحات نتانياهو القضائية من جهة ثالثة كل ذلك وغيره نال بشدة من شعبية نتانياهو في الشارع الإسرائيلي ودفعه إلى التعجيل باجتياح غزة برا وعلى نحو دفع الأمريكيين إلى التلويح بأن الإسرائيليين لا يعرفون ما الذي يريدون تحقيقه في غزة برغم تأييدهم غير المحدود والمتواصل لما تتخذه إسرائيل من خطوات، ورغم معارضة بايدن نفسه للحديث في وقف إطلاق النار في هذه الظروف باعتبار أن ذلك ليس مناسبا لإسرائيل الآن. وبغض النظر عن أن نتانياهو اختار أن يطلق على عملية الاجتياح البري «عملية عسكرية محدودة» للتقليل من أهميتها نسبيا قبل أن يسميها بعد ذلك «عملية عسكرية كبيرة»، فإن التردد الكبير قبل بدء عملية الاجتياح زاد من الترقب والانتظار حول نتائجها بدرجة كبيرة، خاصة أنه سبقها عمليات قصف هي الأعنف من جانب إسرائيل وباستخدام كل أنواع الأسلحة الممكنة لديها كتمهيد للاجتياح البري. وعندما يتمخض ذلك في النهاية عن خسائر إسرائيلية «مؤلمة» على حد قول نتانياهو، وعندما يشير رئيس الأركان الإسرائيلي إلى الحاجة إلى تغيير أسلوب العمليات، ويتم الإعلان عن تقديم منح مالية للجنود الإسرائيليين لتشجيعهم، وعندما تفشل القوات الإسرائيلية والأمريكية في تحرير بعض الأسرى حتى الآن، وعندما يكون الإنجاز الإسرائيلي بعد الاجتياح الصعب هو مزيد من قتل المدنيين وهدم الأحياء السكنية في جباليا والزيتون وقصف المستشفيات بشكل متعمد وإطلاق النار على سيارات الإسعاف التي تحمل الجرحى حتى لا يذهبوا للعلاج في مصر، فإن الاجتياح البري يكون بالفعل فقاعة تسفر فقط عن هدم المباني وزيادة أعداد القتلى والجرحى دون القدرة على النيل من صمود مقاتلي حماس والمقاومة الفلسطينية وإرادتها، وبذلك انكشف الجيش الإسرائيلي أمام قوات المقاومة على نحو لم يحدث من قبل. وبرغم ذلك لا تزال واشنطن تؤيد إسرائيل دون تردد على حد قولها حتى وإن كان ذلك لا يفيد سوى ترك أحياء كثيرة من غزة غارقة في الدمار والخراب والدماء. بعد مهاجمة أكثر من 11 ألف هدف وبعد قصفها بأكثر من 12 ألف قنبلة وهو ما يعادل نحو 7 أطنان من المتفجرات لكل كيلومتر من أرضها، ومع ذلك فالقلق الإسرائيلي يتزايد بالنسبة لنتائج الحرب وهو ما يتضح في ظهور وتكرار الحديث عن الحاجة إلى هدنة إنسانية في حديث بلينكن في زيارته الأخيرة للمنطقة قبل أيام مع تمنع نتانياهو رغبة في إظهار موقف يحفظ ماء الوجه.

والواقع أنه حتى لو استمر القصف لأحياء ومرافق غزة فإن الفقاعة الإسرائيلية تسهم فقط في مزيد من الإدانة والتنديد بهمجية إسرائيل على كل المستويات ويزيد من قوة الدعوة إلى محاكمتها محاكمة عادلة وهو ما دعا إليه معالي السيد بدر بن حمد البوسعيدي وزير الخارجية العماني.

أما الحدث الثاني الذي انتظره الكثيرون فهو خطاب حسن نصر الله في ذكرى تكريم الشهداء يوم الجمعة الماضي وقد زاد من أهمية الخطاب أنه سبقه جدل كبير وتحذيرات متبادلة بين إسرائيل وحزب الله وهو جدل دخلت فيه واشنطن طرفا وتحذيرا من توسيع رقعة الحرب حتى لا تتحول بتداعياتها إلى حرب إقليمية تجر معها المنطقة إلى مزيد من المخاطر. يضاف إلى ذلك أن أحاديث زعيم حزب الله اللبناني الذي أصبح رمزا للمقاومة ينظر إليها عربيا وإسرائيليا ودوليا باهتمام وثقة كبيرة ولذا انتظر كثيرون في لبنان وإسرائيل والمنطقة الخطاب بتوقعات ومشاعر مختلفة زاد منها التراشق الذي حدث بين القوات الإسرائيلية وقوات حزب الله على الحدود اللبنانية الإسرائيلية في الأيام السابقة لخطاب الجمعة الماضية. ومع الوضع في الاعتبار أن حسن نصر الله يتحدث طويلا في العادة، حيث استغرق الخطاب نحو ساعة ونصف الساعة تناول فيها مختلف التطورات إلا أن من أهم ما أشار إليه في الواقع أنه أكد أن هجوم السابع من أكتوبر كان قرارا حمساويا خالصا، وأنه لم يكن لصالح إيران وأنه لم يعلم به قبل حدوثه وأن جبهة المقاومة هي «جبهة تضامن ومساندة لغزة» وأنها جاهزة لمواجهة الأساطيل والسفن الحربية التي لا تخيف المقاومة، وأن واشنطن هي المسؤولة عن الحرب وهي التي تمنع وقف القتال في غزة. وبينما أكد على أهمية وقف القتال وعلى ثقته في انتصار غزة فإنه أكد أيضا على استعداد المقاومة للتصعيد وأن كل الخيارات مفتوحة لكل أنواع الخيارات وفي الوقت الذي يقتضيه الموقف.

وإذا كان نصر الله ألقى الكرة في ملعب إسرائيل، فإن إسرائيل أكدت من جانبها أنها لا تريد محاربة حزب الله وبذلك تبلور الموقف حول توجه نحو التهدئة في جنوب لبنان وبمشاركة أطراف عدة تعمل بدعم أمريكي على عدم توسيع ساحة الحرب عمليا ومع اليقين أن الحرب لن تتوقف سريعا إلا أن ما حققته إسرائيل فيها يظل أقرب إلى أعمال الانتقام ضد المواطنين والبنى التحتية في غزة بهدف تهجير أبنائها، ولكنّ مقاتلي المقاومة نجحوا في تدمير سمعة الجيش الإسرائيلي وهز الثقة فيه لسنوات عديدة قادمة، أما الحديث عن مستقبل غزة فإنه سابق لأوانه.

د. عبدالحميد الموافي كاتب وصحفي مصري

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: الاجتیاح البری حزب الله نصر الله على نحو فی غزة وهو ما

إقرأ أيضاً:

حذيفة عبد الله: سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى

قال حذيفة عبد الله الناطق باسم التحالف الديمقراطي للعدالة الاجتماعية إنه سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى.الجزيرة – السودان إنضم لقناة النيلين على واتساب

مقالات مشابهة

  • دعاء آخر السنة وأولها.. بـ7 كلمات تجعلها نهاية كل حزن وضيق
  • حذيفة عبد الله: سوف تسقط قريباً الدعاوي “الزائفة” التي تسوق خطاب حكومة المنفى
  • حزب الله يكشف عن المعادلة الوحيدة التي تحمي لبنان
  • ‏إذاعة الجيش الإسرائيلي: "الكابينت" يجتمع هذه الأثناء وعلى جدول أعماله التطورات في سوريا
  • بلال الدوي: مصر الدولة الوحيدة التي أجبرت إسرائيل على السلام
  • دعاء نهاية العام وبداية سنة جديدة.. ردده الآن يفتح لك أبواب الخيرات
  • معاوية عوض الله: العقوبات التي تصدر تجاه قادة الجيش لن تزيدنا إلا قوة وصلابة
  • من هو النبي الذي قتل جالوت؟.. تعرف على القصة كاملة
  • علي جمعة: الصدق الذي نستهين به هو أمر عظيم
  • صور تظهر ما نجم عن صاروخ الحوثي الذي استهدف إسرائيل وفشلت باعتراضه