لجريدة عمان:
2025-02-23@20:03:35 GMT

دور الخصخصة في تحريك الاقتصاد

تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT

تمثّل الشركات الحكومية أو المؤسسات العامة العمود الفقري لمعظم اقتصادات دول العالم، خاصة الدول التي تصنّف ضمن الاقتصادات صغيرة الحجم. وتسعى هذه الدول لإجراء تعديلات اقتصادية شاملة بين فترة وأخرى بهدف إجراء إصلاح اقتصادي شامل للتعامل مع المتغيرات التي تواجه الاقتصاد العالمي، لاسيما عند حدوث أزمة تؤدي إلى إرباك الأسواق العالمية، وتحد من النمو الاقتصادي مثل أزمة تفشي فيروس كوفيد-19 وأزمة انخفاض أسعار النفط العالمية بأكثر من 70% عام 2014م.

ومن بين الإصلاحات الاقتصادية التي تقوم بها بعض الدول «أسلوب الخصخصة» الذي يساعد على إعادة جدولة الديون ومواجهة مشكلات ميزان المدفوعات عبر هيكلة الاقتصاد، ووضع سياسة نقدية ومالية إضافة إلى اعتماد برنامج للتكيف الهيكلي مع أسلوب الخصخصة التي تتطلب وضع برنامج يبدأ بإجراء عملية مسح كامل لمشاريع القطاع العام وتحدياته ودراسة أوضاع كل مشروع على حدة لمعرفة المشروع المراد خصخصته، وينطبق كذلك على الشركات الحكومية التي تواجه تحديات في الجوانب الإدارية والمالية وحالت دون تحقيق أهدافها الاستثمارية والربحية، وهذا ما يقوم به جهاز الاستثمار العماني في سلطنة عمان عبر تخارجه من بعض الشركات الحكومية؛ فالخصخصة عموما هي «عملية نقل الملكية العامة إلى الملكية الخاصة ونقل إدارة الخدمة أو النشاط من الحكومة إلى القطاع الخاص كليا أو جزئيا»، ولإدراك أهمية الخصخصة في تحريك الاقتصاد ودورها في النمو الاقتصادي، فسنقوم في هذا المقال باستعراض بعض الدراسات حول الموضوع لعلّ أبرزها دراسة الباحث الاقتصادي Samuel Adams الذي ركّز في دراسته على معرفة أثر الخصخصة الإيجابي في النمو الاقتصادي رغم عدم تحقيقها للمساواة في الدخل؛ إذ اكتشف مساهمة الأداء المحسن على مستوى الاقتصاد الكلي في حال كانت الخصخصة واسعة بما فيه الكفاية وكانت لها تأثيرات محفزة على الكفاءة، وأنه إذا تحققت الآثار الإيجابية للخصخصة في الأداء المالي والإنتاجية للشركات وفقا لنظرية الاقتصاد الجزئي microeconomic theory، فيجب أن يكون لها تأثير إيجابي في الاقتصاد الكلي يؤدي إلى زيادة النمو الاقتصادي. وفي رأيي الداعم والمساند لنظرية Samuel Adams أن المنافسة الجيدة بين الشركات في القطاع الخاص والاستخدام الأمثل للموارد المتاحة بكفاءة عالية وتأثير إيجابي في الأداء المالي للشركات يمثلان عاملين محفّزين على الابتكار المستمر وتحسين الكفاءة وتقديم خدمة عالية الجودة، وبالتالي نستطيع أن نستفيد من خدمات أقل تكلفة وجودة أعلى وأكثر ابتكارا. كذلك من النتائج المهمة والمحرّكة للاقتصاد في حال استخدام أسلوب الخصخصة بطريقة صحيحة هو تقليل الديون المعيقة لاستكمالات مشاريع القطاع العام إضافة إلى قدرة القطاع الخاص على الاستفادة من الموارد المتاحة واستخدامها في التطوير والتحسين بالشراكة مع القطاع العام، وبوجود الخصخصة وتنمية البنى الأساسية وانعكاساتها إيجابا على بعض البرامج لاسيما الاجتماعية سيسهم في تعزيز النمو الاقتصادي والإنتاجية عموما مما سيساعد على استقرار الاقتصاد الكلي.

أيضا ينظر المستثمرون والأسواق إلى انتهاج أسلوب الخصخصة بأنه إشارة على وجود إصلاح اقتصادي على هيكلية الاقتصاد وأنه التزام من الحكومة بسداد الديون؛ مما يتيح فرصا لزيادة نسبة الاستثمار الأجنبي في الدولة، وهذا بدوره عامل مهم لتحسين التكنولوجيا عبر استيراد تقنيات جديدة متطورة يستفيد منها السوق والمستثمرون المحليون، وتعلّم مهارات جديدة ومتطورة في التسويق والإدارة التي تتميز بالكفاءة والمهارات، إضافة إلى الانفتاح على الأسواق العالمية.

إن انتهاج أسلوب الخصخصة في الشركات المملوكة للدولة ساعد على إيجاد حلول لمشاكل ضعف الأداء وضبط الإنفاق وخفف أعباءً مالية على الميزانية العامة للدولة مثل التكاليف التشغيلية، وساعد على إخضاع الإدارة التنفيذية للرقابة والمحاسبة عند التقصير في أداء المهام، وذلك لأن في القطاع العام تكون الحكومة هي الضامن للشركة ولا تتعرض للإفلاس والعكس صحيح. أيضا تعد الخصخصة أحد الحلول الفاعلة في تطوّر أسواق المال، خاصة في الدول النامية؛ إذ إن ازدياد حجم التداول اليومي في سوق المال يعكس حجم تحسّنها وتحولها من سوق مال ناشئة إلى سوق مال متطوّرة. وعموما فإن للخصخصة أهدافا رئيسية، أبرزها تأمين الكفاءة والإنتاجية، وتقوية دور القطاع الخاص في الاقتصاد، ومعالجة التحديات المالية في القطاع العام إضافة إلى الاستفادة من الموارد المتاحة لتوظيفها في قطاعات أخرى تمتاز بالإنتاجية والكفاءة في الإدارة، ولتحقيق هذه الأهداف لابد من تفعيل عدد من السياسات الاقتصادية التي تساعد على إنجاح الخصخصة، ولا سيّما السياسات النقدية والمالية مثل تطوير الأسواق المالية، وإصلاح النظام الضريبي، ورغم نجاح أسلوب الخصخصة في عدد من الدول وساعدها في تجاوز أزماتها الاقتصادية، إلا أنه لا يعني فاعلية الخصخصة في كل الاقتصادات، فهناك دول أجرت عمليات اقتصادية غير الخصخصة وتمكّنت من تجاوز الأزمات الاقتصادية، ولذلك ينبغي التفكير في إيجاد حلول مبتكرة للتعامل مع التحديات المالية المستمرة وأن تكون الخصخصة آخر الحلول بحيث تتناسب مع وضع الاقتصاد في الدولة من حيث هيكله وحجمه، وباستمرار ضعف النمو الاقتصادي وثقل حجم الديون ستظل الخصخصة هي الحل السريع والناجح لكثير من الدول خاصة ذات الأسواق الناشئة لتوفير سيولة مالية ومحاولة إنعاش الاقتصاد.

راشد بن عبدالله الشيذاني باحث اقتصادي

المصدر: لجريدة عمان

كلمات دلالية: النمو الاقتصادی القطاع العام القطاع الخاص إضافة إلى

إقرأ أيضاً:

الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو الخصخصة النموذجية

ما هي الخصخصة؟

تُعدّ الخصخصة عملية معقدة تنطوي على تحويل ملكية وإدارة الموارد والخدمات من القطاع العام إلى القطاع الخاص. من منظور فلسفي، يمكن أن تُفهم الخصخصة بوصفها جزءا من التحول الأوسع نحو نماذج اقتصادية نيوليبرالية، التي تؤكد على تقليل دور الدولة في الاقتصاد وتعزيز حرية السوق.

يرتكز الفكر الليبرالي على فكرة أنّ تخصيص الملكية للأفراد والشركات الخاصة يشجع الابتكار والكفاءة بسبب التنافسية الطبيعية التي تنشأ في الأسواق الحرة، إذ يعتقد الفلاسفة الليبراليون أنّ الخصخصة تعزز حقوق الملكية الشخصية، وهي حقوق تُعتبر جوهرية لتحقيق العدالة التوزيعية. على الجانب الآخر، ينتقد الفلاسفة الاجتماعيون واليساريون الخصخصة، حيث يعتبرونها خطوة قد تؤدي إلى تقويض دور الدولة في تقديم الخدمات الأساسية، وتفاقم الفجوات الاقتصادية والاجتماعية بين طبقات المجتمع.

ومن هنا، يمكن القول: تعد الخصخصة عملية ديناميكية تعيد رسم الحدود بين الدولة والسوق والمجتمع، وتثير تساؤلات فلسفية جوهرية حول دور الدولة في الحياة الاقتصادية والاجتماعية، وحقوق الأفراد في تملك وإدارة الموارد.

الحكومة السورية المؤقتة والحديث عن الخصخصة:

تسعى الحكومة السورية المؤقتة جاهدة لإعادة بناء اقتصادها المدمر بعد سنوات من الصراع الداخلي، إحدى الخطوات المهمّة التي تفكر بها هي خصخصة جزء من الاقتصاد، خصوصا الشركات الحكومية التي تعاني من خسائر مستمرة. والفكرة وراء ذلك هي تحسين كفاءة هذه الشركات، وجذب الاستثمارات الأجنبية التي من شأنها تعزيز الاقتصاد السوري.

وتشمل عملية الخصخصة بيع الشركات الحكومية أو تحويلها إلى شركات خاصة، مع الحفاظ على بعض الأصول الاستراتيجية مثل الطاقة والنقل تحت سيطرة الدولة لضمان الأمان الوطني، وتعتمد هذه العملية على إقناع المستثمرين الأجانب والمحليين بأن السوق السورية ستكون مكانا آمنا ومربحا للاستثمار.

من الجوانب المهمة التي تناقشها الحكومة؛ تقليل عدد موظفي القطاع العام بنسبة كبيرة تصل إلى الثلث. الهدف من ذلك هو تقليص النفقات الحكومية وتحقيق كفاءة أعلى في تشغيل المؤسسات، لكن هذه الخطوة تلقى معارضة من بعض الأوساط التي تخشى من تأثيرها السلبي على المواطنين، خاصة في ظل الأوضاع الاقتصادية الصعبة التي يعيشونها.

ومن الجدير بالذكر أن هناك جدلا واسعا حول الخصخصة في سوريا، حيث يخشى البعض من أن يؤدي ذلك إلى تفاقم الوضع الاقتصادي للمواطنين، وإلى تدهور الخدمات العامة إذا لم تُنفذ بشكل مدروس ومتوازن.

الخصخصة بين الإيجابيات والسلبيات:

تُعتبر الخصخصة وسيلة فعّالة لتحسين كفاءة المؤسسات، فعندما تُدار الشركات من القطاع الخاص، يكون هناك دافع أكبر لتحقيق الربح وتقليل التكاليف، ما يؤدي إلى تحسين الإنتاجية. ويمكن للمؤسسات الخاصة أن تكون أكثر ابتكارا واستجابة للتغيرات في السوق، ما يعزز النمو الاقتصادي، ناهيك عن أنّ فتح الباب أمام الاستثمارات الأجنبية يمكن أن يعزز الاقتصاد السوري من خلال نقل التكنولوجيا والمعرفة والخبرات الدولية، ما يحفز النمو الاقتصادي ويخلق فرص عمل جديدة، ويسهم في تحسين مستوى المعيشة. بالإضافة إلى ذلك، يمكن أن تخفف الخصخصة من العبء المالي على الحكومة، ما يتيح لها توجيه الموارد المالية نحو تحسين الخدمات العامة مثل التعليم والصحة والبنية التحتية، وبالتالي تعزيز التنمية المستدامة.

ومع ذلك، تحمل الخصخصة بعض المخاطر والسلبيات، إذ قد تؤدي الخصخصة إلى تسريح عدد كبير من موظفي القطاع العام، ما يفاقم البطالة ويزيد من الضغط على النظام الاجتماعي. وقد يجد المواطنون العاديون أنفسهم أمام تحديات اقتصادية أكبر، مما يتطلب توفير دعم اجتماعي مناسب. بالإضافة إلى ذلك، إذا لم تُنفذ الخصخصة بشكل مدروس، فقد يؤدي ذلك إلى تدهور الخدمات العامة. في بعض الحالات، قد تتحول الشركات الخاصة إلى البحث عن الربح فقط دون مراعاة الجودة والاحتياجات المجتمعية، ما يضر بالمواطنين. وقد تسهم الخصخصة في زيادة التفاوت الاقتصادي إذا لم تُنفذ بطرق تضمن العدالة، فيمكن أن يصبح الأغنياء أكثر ثراء بينما يزداد الفقراء فقرا، مما يؤدي إلى تفاقم الفجوة الاجتماعية وزيادة التوترات.

بالنظر إلى فلسفة الخصخصة، يمكننا أن نرى أنها تعكس تصادما بين الرؤى الاقتصادية النيوليبرالية والمفاهيم الاجتماعية للعدالة والتضامن. تعزز الخصخصة مبدأ السوق الحرة والكفاءة الاقتصادية، بينما تصطدم بقيم العدالة الاجتماعية والتكافل بين أفراد المجتمع. إذا تم تنفيذ الخصخصة بحذر وبمراعاة هذه التوازنات، يمكن أن تكون أداة قوية للنهوض بالاقتصاد السوري. ولكن، إذا أُسيء استخدامها، فقد تسفر عن نتائج عكسية تؤثر سلبا على المجتمع ككل.

كيف تتحقق الخصخصة النموذجية في سوريا؟

يستدعي تحقيق الخصخصة في سوريا بطريقة نموذجية اتباع نهج شامل ومتوازن يجمع بين الفلسفة الاقتصادية والاجتماعية.

وتُعدّ الشفافية أمرا أساسيا في عملية الخصخصة، حيث يتعين على الحكومة إطلاع الجمهور على كل خطوة من خطوات التنفيذ، وتساهم هذه الشفافية في تعزيز الثقة بين الحكومة والمواطنين، مما يمكن المجتمع من المشاركة الفعالة في صنع القرار والشعور بالأمان.

المساءلة هي عنصر آخر لا غنى عنه، إذ يتعين على الشركات التي ستخضع للخصخصة أن تكون مسؤولة أمام الجهات الرقابية وأمام المجتمع، وهذا الالتزام يضمن تقديم خدمات عالية الجودة وتحقيق التنمية الاقتصادية.

توازن الربحية مع العدالة الاجتماعية هو أمر حيوي، إذ يجب أن تُوجه الأرباح المحققة من عملية الخصخصة نحو تحسين الخدمات العامة وتعزيز الدعم الاجتماعي، لا سيما للفئات الأكثر ضعفا في المجتمع. هذا النهج يضمن أن القيم الإنسانية والعدالة الاجتماعية لن تُهمل لصالح الربح المالي فقط.

التوعية والتثقيف يلعبان دورا حاسما في هذه العملية، فقبل الشروع في الخصخصة، ينبغي على الحكومة تنفيذ حملات توعية شاملة تشرح الأهداف والفوائد والتحديات المحتملة. وتثقيف المواطنين والموظفين حول التوقعات وكيفية التعامل مع التغييرات القادمة يمكن أن يسهم في تحقيق انتقال سلس. فالمعرفة قوة، وتمكين المجتمع من خلال الفهم يساعد على تحقيق ذلك.

الخصخصة التدريجية تُعتبر استراتيجية فعالة لتجنب السلبيات، حيث إنّ تنفيذ الخصخصة على مراحل يتيح التقييم المستمر للنتائج والتكيف مع التحديات. هذه الطريقة تمكن الحكومة من تعديل السياسات وتجنب الوقوع في أخطاء كارثية قد تنجم عن التنفيذ السريع.

لا يمكن إغفال الجوانب البيئية ضمن فلسفة التنمية المستدامة، فالشركات الخاصة التي ستتولى الأصول الحكومية ينبغي أن تلتزم بمعايير البيئة والاستدامة، حتى لا تكون التنمية الاقتصادية على حساب البيئة.

التشريعات والتنظيمات الواضحة والقوية تساهم في تنظيم عمل الشركات الخاصة وتضمن التزامها بالأهداف الوطنية. التنظيم الذكي لا يعني تقييد الشركات، بل يهدف إلى تحقيق التوازن بين الحرية الاقتصادية والمسؤولية الاجتماعية.

في المجمل، تعتمد الخصخصة النموذجية على تحقيق توازن دقيق بين الفعالية الاقتصادية والعدالة الاجتماعية. يتطلب ذلك قيادة حكيمة وإدارة شاملة تأخذ بعين الاعتبار تطلعات المجتمع واحتياجاته، مع الحفاظ على القيم الإنسانية والمبادئ الفلسفية. إنها رحلة طويلة ومعقدة، ولكن بإدارة حكيمة، يمكن أن تكون وسيلة لتحقيق تنمية مستدامة وشاملة.

مقالات مشابهة

  • «الخصخصة في سوريا».. هل تكون «طوق النجاة» الذي ينتشل البلاد من أزمتها؟
  • الخصخصة في سوريا.. حديث في الإيجابيات والسلبيات والطريق نحو الخصخصة النموذجية
  • التخطيط: إعداد خطة تنفيذية لتعزيز النمو المستدام واستقرار الاقتصاد الكلي.. نواب: مصر فى مرحلة بناء وتنمية شاملة.. الدولة تدفع بالاقتصاد الوطني للقضاء على التضخم
  • أول تعليق من منتجي الدواجن على تحريك دعوى جنائية ضد منتجي الكتاكيت
  • التخطيط: إعداد خطة تنفيذية لتعزيز النمو المستدام واستقرار الاقتصاد الكلي
  • توصيات "منتدى الرؤية الاقتصادي 2025"
  • «المشاط»: مصر تمتلك مقومات تنافسية تعزز قدرتها على جذب الاستثمارات الأجنبية
  • الأسر البريطانية أكثر تشاؤما بشأن الاقتصاد مقارنة بعام 2024
  • الاقتصاد السوري يحتاج إلى نصف قرن لاستعادة عافيته بعد الحرب التي دمرته
  • منتدى: استثمار التكامل الاقتصادي بين البلدان الإفريقية أداة حاسمة لتحقيق الاستقرار والسلم