علاقة ألمانيا بإسرائيل من الإعجاب إلى التقييد
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
ترجمة: أحمد شافعي -
في ظل قصف غزة، وموت الآلاف، وخراب النسبة الغالبة من بنيتها الأساسية، هل من المقبول على الإطلاق لشخص ألماني أن ينتقد إسرائيل؟ وفقا لما تراه أغلب المؤسسة السياسية في ألمانيا وأغلب الحياة العامة، يبدو أن الأمر ليس كذلك.
منذ السابع من أكتوبر، أي اليوم الذي نفذ فيه مقاتلو حماس هجومهم على مواقع إسرائيلية في غلاف غزة، تحدثت الأحزاب الرئيسية ـ أي الأحزاب الثلاثة التي تتشكل منها الحكومة فضلا عن حزب الاتحاد الديمقراطي المسيحي CDU المحافظ بل وحزب (البديل من أجل ألمانيا) اليميني المتطرف ـ بصوت واحد، متضامنين مع إسرائيل.
كتب ماثياس دوبفنر الرئيس التنفيذي للشركة المالكة لصحيفة بيلد وأحد الأصوات المؤثرة في ألمانيا «لقد كنت أعتقد بعد الهولوكوست، وبعد إبادة ستة ملايين يهودي، أننا ربما قد تعلمنا الدرس». وفي مقالته التي نشرت أمس الأول في صحيفة بيلد بعنوان «ليس مرة أخرى» كتب دوبفنر أن اثنين من اليهود في فريق صحيفته قد سافرا إلى الخارج لعدم إحساسهما بالأمان، بينما أعرب ثالث ـ متزوج من يهودية ـ عن رغبته في إخراج ابنه من الحضانة. انتقد دوبفنر السكرتير العام للأمم المتحدة أنطونيو جوتيريس وحركة جريتا ثونبرج «أيام الجمعة من أجل المستقبل». وأكد أنه عندما يتعلق الأمر بدعم إسرائيل فلا وجود لـ«نعم ولكن».
في يوم الأربعاء، وجَّه نائب المستشار الألماني روبرت هابيك ـ وهو من كبار الشخصيات في حزب الخضر ـ اتهاما للمتظاهرين اليساريين بالتحامل على إسرائيل في سياق «سردية مقاومة كبيرة». ودعا هابيك الشرطة إلى اتخاذ إجراءات صارمة منها ترحيل من لا يحملون تصاريح إقامة وأثبت القضاء إدانتهم.
ترسخ الإجماع عقب سلسلة من الحوادث المعادية للسامية، ومنها إلقاء قنابل حارقة على معبد يهودي في وسط برلين. تم حظر أغلبية المظاهرات المناصرة للفلسطينيين، بل لقد طولبت مظاهرة يهودية صغيرة تنتقد أفعال إسرائيل في غزة بالتفرق. وبرغم ذلك اتهم كتاب من اليمين الحكومة الألمانية باللين في تعاملها مع هذه المظاهرات، بينما اتهم جماعات مناصرة للحريات المدنية الشرطة الألمانية بفرض الرقابة وغلظة التعامل.
وهذا كله جديد في ألمانيا بصفة خاصة. ففي هذا الأسبوع فقط، قالت أسرة شاني لوك ـ وهي امرأة ألمانية إسرائيلية تبلغ من العمر اثنين وعشرين عاما ويعتقد أن حماس قد اختطفتها في السابع من أكتوبر ـ إنه تم العثور على بقاياها. كان المستشار الألماني أولاف شولتز أول زعيم غربي يزور إسرائيل بعد الهجمات معلنا أن «لها كل الحق في الدفاع عن نفسها». ولهذه الديناميكية جذور عميقة. ففي غضون سنوات قليلة من الحرب العالمية الثانية، أقام المستشار الألماني الغربي كونراد أديناور ورئيس الوزراء الإسرائيلي ديفين بن جوريون علاقة وثيقة.
بلغت تلك العلاقة ذروتها بخطاب أنجيلا ميركل أمام الكنيست في مارس 2008 بمناسبة الذكرى الستين لتأسيس دولة إسرائيل. أعلنت ميركل أن دعم إسرائيل جزء من مبرر وجود الجمهورية الفيدرالية. لكن حتى هذه الأقوال اعتبرت غير مقبولة لدى بعض الساسة الإسرائيليين الذين أدانوا محض تردد اللغة الألمانية في برلمانهم.
ومع وجود عثرات قليلة في الطريق، بقيت العلاقة صلبة. وعلى مدار السنين، غامرت ألمانيا بالدعوة إلى حل الدولتين لإحياء عملية السلام. ولكن في بعض الحالات التي اشتدت فيها التصريحات إلى ما يتجاوز ذلك، من قبيل انتقاد التوسع الاستيطاني في الضفة الغربية، أو معاملة الفلسطينية بصفة أعم، كانت تلك التصريحات تعد غير مقبولة.
لقد حدث أخيرا أن دافع كريشتوف هوسجن ـ كبير مستشاري السياسة الخارجية السابق والرئيس الحالي لمؤتمر ميونيخ للأمن ـ عن السكرتير العام للأمم المتحدة لقوله إنه لا بد من النظر إلى أحداث الأسابيع القليلة الماضية في سياق «سنين من الاحتلال الخانق» المفروض على الفلسطينيين. واصفا جوتيريس أنه «رجل شديد الالتزام»، قال في حوار تلفزيوني إنه «كان مصيبا في كل من إدانته لعمل حماس مع إشارته إلى أن ذلك العمل لم يحدث في فراغ». كان يمكن أن يختار هويسجن كلماته بمزيد من التوفيق، ولكن الساسة من أحزاب عديدة أدانوه لقوله بـ«نسبية» المعاناة.
منذ السابع من أكتوبر، يزداد الساسة في برلين عزوفا عن ذكر سجل بنيامين نتانياهو، أي اتهامات الفساد، والحملة الشعبوية على المحاكم والإخفاقات الأمنية والمخابراتية الرهيبة في الشهر الماضي.
إن فكرة التصالح مع الماضي من أعظم قصص النجاح في ألمانيا الحديثة. وهي بمثابة بوصلة للدولة والمجتمع. ولكنها على المدى الأطول لا يمكن أن تكون بمثابة الضابط أو الحاكم في النقاش الصعب.
ومن شأن المرحلة التالية في الصراع أن تقتضي ديناميكية جديدة، ودبلوماسية صارمة في التعامل مع إسرائيل والولايات المتحدة والدول العربية للمساعدة في التوصل إلى حل سياسي بعيد المدى للمأزق الإسرائيلي الفلسطيني. ويجب أن يتأكد الاتحاد الأوروبي من اشتراكه هو الآخر. فبوسع ألمانيا ـ على الرغم من ماضيها الرهيب، بل وبسبب هذا الماضي في حقيقة الأمر ـ أن تقوم بدور مفيد. وسوف يقتضي هذا حساسية، ودقة، وقدرا غير قليل من الصلابة.
جون كامبفنر كاتب ألماني أحدث مؤلفاته بعنوان «في البحث عن برلين».
عن ذي جارديان البريطانية
المصدر: لجريدة عمان
كلمات دلالية: فی ألمانیا
إقرأ أيضاً:
«القاهرة الإخبارية»: مستشار ألمانيا يلغي زيارة لأذربيجان بعد انهيار الائتلاف الحكومي
أكدت الحكومة الألمانية، أن مستشار ألمانيا أولاف شولتس ألغى زيارة مقررة لأذربيجان الأسبوع المقبل، بعد انهيار الائتلاف الحكومي، وفق نبأ عاجل أفادت به قناة «القاهرة الإخبارية».