كييف – حدث هائل شهدته روسيا قبل أيام، ظهر وكأنه تهديد حقيقي خطير لنظام الحكم في موسكو، لدرجة دفعت الأخير إلى اتخاذ إجراءات سياسية وأمنية كثيرة وعلى نطاق واسع.

لكن تمرد مجموعة فاغنر انتهى سريعا على عكس معظم التوقعات التي طُرحت حينها؛ فأنهى فرحة استعجلتها كييف، وبدد أملها بصراع داخلي، يشغل روسيا عنها في خضم الحرب المستمرة.

وهنا، دخل المسؤولون والمحللون في أوكرانيا مرحلة إعادة التفكير والحسابات، والخروج بآراء وتصريحات أقل إيجابية هذه المرة، أو حتى سلبية، تحذر من تداعيات "حادثة التمرد"، استنادا إلى جملة أسباب تدفع للتشكيك في حقيقتها.


تدبير بيلاروسي فاشل

مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني تطرق إلى الخلافات القديمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.

خلافات واسعة حول السياسات الداخلية والخارجية لمينسك، خمدت في أغسطس/آب 2018، عندما لم تعترف معظم دول الجوار والعالم بفوز لوكاشينكو في انتخابات الرئاسة، على عكس بوتين الذي استغل ذلك ليعيد لوكاشينكو إلى صفه، ويضغط لاحقا عليه كجهة وحيدة تدعم بقاءه في السلطة؛ كما يرى الأوكرانيون.

في هذا السياق، يقول أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف، إن "الدكتاتور البيلاروسي شخص ماكر للغاية وعديم الضمير، لا أستبعد أن يكون لوكاشينكو متورطا في تصرفات رئيس فاغنر، بالتدبير لمحاولة انقلاب في روسيا"، وفق وصفه للجزيرة نت.

ويقول المحلل السياسي أولكسندر كوفالينكو "هذا غير مستبعد، وإلا فما سر علاقة قائد فاغنر يفغيني بريغوجين مع لوكاشينكو، واستجابته السريعة لوساطته، كما قيل".

وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف كوفالينكو "تدعم هذا الرأي المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام اليوم، حول أن التفاعل مع التمرد لم يرق إلى ما كان يريده بريغوجين داخل روسيا على مستوى المسؤولين وقيادات الجيش، ومن ذلك أيضا أن 8 آلاف من قواته فقط كانت مستعدة للمضي قدما، وأنها لم تقترب مسافة 200 كيلومتر من موسكو كما أُعلن".


عملية مخابراتية روسية

ولكن، ماذا لو كان الأمر كله صناعة مخابراتية روسية؛ وخديعة كبرى تصب جميع أهدافها في مصلحة روسيا، وحربها الدائرة على أوكرانيا؟

حول هذا الرأي تحدث مع الجزيرة نت المدون السياسي أندري سودوف، فقال "ما حدث في روسيا كان مسرحية صدقها الكثيرون، وتبين ذلك من خلال نهايتها السريعة، التي حققت الغاية، بدون أن تؤثر سلبا على المجتمع والاقتصاد".

وأضاف سودوف "مهما كانت درجة الخلاف بين بريغوجين ووزير الدفاع شويغو، لا يجب أن ننسى أن فاغنر صناعة روسية، وتمثل قبضة روسيا العسكرية إقليميا ودوليا؛ وبالتالي فإن تمردها -إن حدث- سيكون كارثيا عليها؛ وعندها لا يمكن أن ينتهي بهذه الطريقة البسيطة والساذجة للغاية".

ويدلل سودوف على رأيه هذا بالقول "في روسيا، وصف العملية الخاصة في أوكرانيا بأنها حرب يعرض صاحبه للسجن 7 سنين، أما محاولة تنفيذ انقلاب عسكري، والسيطرة على مقاطعات تضم ملايين السكان، وإسقاط عدة طائرات وأسر الجنود، فجريمة عقوبتها القصوى هي الترحيل إلى بيلاروسيا".


تحديد وتحييد "الخونة"

ووفق المحلل السياسي، أوليكساندر يريمينكو، فإن "التمرد كان عملية مخابراتية روسية، هدفها تحديد المشكوك بولائهم من مسؤولين روس، وخاصة حول بوتين، الذين استجابوا لنداءات بريغوجين، أو سهّلوا أمره في المقاطعات الحساسة التي سيطر عليها".

وفي حديثه للجزيرة نت، يرى يريمينكو أن "مصير هؤلاء الخونة بعيون الكرملين ستكشفه الأيام القادمة، من إقصاء عن المناصب، أو تصفية بحوادث سير مفتعلة أو غيرها، أو اغتيال يُستغَل لاتهام أوكرانيا، والحشد أكثر ضدها"، على حد رأيه.


إعادة انتشار للقوات

ولليوم الثاني على التوالي، يتحدث الأوكرانيون عن إرسال مجموعات من قوات "فاغنر" إلى جبهات الشرق المشتعلة، التي كانوا قد خرجوا منها قبل التمرد.

وقد أكدت هانا ماليار، نائبة وزير الدفاع الأوكراني، ذلك؛ لكنّ آخرين يتخوفون من أن يكون التمرد حجة لنقل أعداد كبيرة من القوات الخاصة إلى مواقع أخرى، تعيد التهديد إلى كييف مجددا من الشمال.

في هذا الإطار، يرى المحلل السياسي أوليكساندر يريمينكو، أن "وساطة بيلاروسية لم تأت من فراغ، فهي الوجهة الرئيسية لقوات فاغنر المتمردة، وقوات أحمد الشيشانية التي أرادت القضاء على تمردها في روستوف، لم تصل حتى الآن، وانتهى الحديث عنها فجأة".

ويدلل يريمينكو على رأيه هذا بالقول إن "بولندا أعلنت استنفار جيشها مع بداية حراك بريغوجين، رغم أنها بعيدة أكثر منّا عن روستوف وموسكو؛ ولكنها كانت تشكك بحقيقة التمرد، وتخشى احتمال انتقال مثل هذه القوات إلى بيلاروسيا المجاورة".

وإذا صح هذا الرأي، فهو يبرر دعوة الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا، إلى تعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، قريبا من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا معا.

طمأنة أوكرانية ووعيد

وإذا صح هذا الرأي أيضا، فهو يبرر تأكيد قائد القوات الأوكرانية في الشمال الفريق سيرهي نايف، أنه "إذا حاول العدو عبور الحدود من بيلاروسيا، فسيكون ذلك انتحارا بالنسبة له".

وأكد نايف أيضا أن "الوضع في منطقة العمليات الشمالية لا يزال مستقرا وتحت السيطرة، وحتى الآن لا يوجد حشد لمعدات أو قوى بشرية تابعة للعدو".

لكنه أشار بالمقابل إلى أن "القوات الأوكرانية تواصل بناء التحصينات الدفاعية على الحدود، التي تتم مراقبتها وحمايتها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع".

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

ما هي الدروس التي استخلصها الجيش الفرنسي بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا؟

استفادت القوات المسلحة الفرنسية من نجاحات وأخطاء الجيشين الأوكراني والروسي

اعلان

دفعت ثلاث سنوات من الصراع ومئات الآلاف من القتلى على الجانبين الأوكراني والروسي الجيش الفرنسي إلى إعادة التفكير في استراتيجيته العسكرية.

فالصراع الذي بدأ بعد الغزو الروسي الشامل لأوكرانيا في عام 2022، يشي بما ستكون عليه حروب المستقبل بسبب العديد من الابتكارات التكنولوجية والتكتيكية في هذا المجال.

وقد دفع ذلك النزاع، الجيش الفرنسي إلى إنشاء وحدة ابتكارات دفاعية خاصة به في عام 2023 تُعرف باسم قيادة القتال المستقبلي (CCF).

قال الجنرال رودولف هاردي، الرجل الثاني في قيادة وحدة القتال المستقبلي في الجيش الفرنسي، خلال مؤتمر صحفي عُقد في باريس الخميس: "في النهاية، إن الابتكار والقدرة على التكيف الذي شهدناه خلال هذا الصراع هو الذي يحشد طاقاتنا فيما يتعلق باستعداداتنا الخاصة".

صعود الحرب الإلكترونية

من أهم ما تم التوصل إليه هذا العام: معركةالحرب الإلكترونية الخفية التي تعيد تشكيل الحرب الأوكرانية.

الحرب الإلكترونية هي تكنولوجيا تتداخل فيها الاتصالات اللاسلكية ونظام تحديد المواقع والطائرات بدون طيار.

وأوضح نائب الأميرال إيمانويل سلارز، نائب رئيس العمليات لرئيس أركان البحرية الفرنسية قائلا: "إذا كنت لا تستطيع استخدام هاتفك الخلوي لأنه لا يستطيع الاتصال بمحطة الشبكة، فالأمر معقد بعض الشيء. لذلك في المجال العسكري، سواء كان ذلك في مجال الاتصالات، أو أنظمة التوجيه المعتمدة على نظام تحديد المواقع العالمي GPS، أو أنظمة تبادل الطائرات أو حتى توجيه طائرة بدون طيار بدون طيار، كل هذا يستغل المجال الكهرومغناطيسي".

وقد أجبر هذا الإشكال القادة العسكريين الفرنسيين على إعادة النظر والتكيف مع الثغرات الموجودة في قدراتهم.

عن هذا قال المسؤول العسكري: "نحن بحاجة إلى أن نكون قادرين على التأثير عليه، أي تعطيل استخدامه. وهذا مجال يتحرك بسرعة كبيرة جدًا جدًا. نحن بحاجة إلى أن نكون نشيطين جدًا في هذا المجال لأنه عنصر أساسي".

الجبهة الثانية على البحر الأسود

على الرغم من أن معظم القتال يدور في البر، إلا أن هناك جبهة ثانية حاسمة وهي الجبهة البحرية.

وقد علمت القوات المسلحة الفرنسية أيضًا كيف دافعت أوكرانيا عن أجزاء من البحر الأسود باستخدام طائرات بدون طيار.

يقول نائب الأدميرال سلارز: "رأينا طائرات أوكرانية بدون طيار كانت بدائية للغاية أول الأمر لكنها أصبحت الآن ذات تقنية عالية، بل وقادرة على مواجهة المروحيات".

من حسنات الصراع أنه سمح بالاستفادة من عدة دروس ألهمت القيادة العسكرية الفرنسية لإنشاء مركز جديد للتحليل والتدريب والتعليم المشترك بين الناتو وأوكرانيا في بولندا، والذي تم افتتاحه هذا الأسبوع. والهدف من ذلك هو التكيف مع الحقائق الجديدة في ساحة المعركة.

Go to accessibility shortcutsشارك هذا المقالمحادثة مواضيع إضافية بعد ثلاث سنوات من القتال.. اجتماع أمريكي أوروبي يبحث إنهاء الحرب الأوكرانية الانتخابات الألمانية تقترب: معركة حاسمة بين شولتز وميرتس وهابيك في سباق المستشار كيف تؤثر سياسات المجر على حرب أوكرانيا وعلاقة الاتحاد الأوروبي بالرئيس ترامب؟ الغزو الروسي لأوكرانياالجيش الفرنسيروسياطائرة مسيرة عن بعدالتكنولوجيات الحديثةاعلاناخترنا لكيعرض الآنNextعاجل. ترقب لتسليم 6 رهائن إسرائيليين في غزة مقابل الإفراج عن 602 أسير فلسطيني في الدفعة السابعة من التبادل يعرض الآنNext ترامب يرشح اللواء دان كاين لرئاسة هيئة الأركان المشتركة بعد إقالة الجنرال براون يعرض الآنNext الانتخابات الألمانية تقترب: معركة حاسمة بين شولتز وميرتس وهابيك في سباق المستشار يعرض الآنNext "وحدة الظل".. ماذا نعرف عن القوة المسؤولة عن احتجاز الأسرى الإسرائيليين في غزة؟ يعرض الآنNext ترامب: لن أفرض خطة غزة بالقوة ومشاركة زيلينسكي في المحادثات حول أوكرانيا لا تهمّ اعلانالاكثر قراءة نتنياهو يتوعد حماس بدفع الثمن والحركة تعلّق على الالتباس حول جثة شيري بيباس تفجير 3 حافلات بواسطة عبوات ناسفة قرب تل أبيب وإسرائيل تقول إن مصدر العبوات جاء من الضفة الغربية في تطور مفاجئ: إسرائيل تتحدث عن "جثة مجهولة" ضمن صفقة تبادل مع حماس! "يوروبول" يحذر: تصاعد المجتمعات الإلكترونية العنيفة التي تستهدف الأطفال اكتشاف مذهل: العثور على مقبرة الفرعون تحتمس الثاني بعد قرن من الغموض والبحث! اعلان

LoaderSearchابحث مفاتيح اليومالانتخابات التشريعية الألمانية 2025روسيادونالد ترامبالاتحاد الأوروبيقطاع غزةأوكرانياإسرائيلفولوديمير زيلينسكيفلاديمير بوتينألمانياالصحةالصراع الإسرائيلي الفلسطيني الموضوعاتأوروباالعالمالأعمالGreenNextالصحةالسفرالثقافةفيديوبرامجخدماتمباشرنشرة الأخبارالطقسآخر الأخبارتابعوناتطبيقاتتطبيقات التواصلWidgets & ServicesAfricanewsعرض المزيدAbout EuronewsCommercial ServicesTerms and ConditionsCookie Policyسياسة الخصوصيةContactWork at Euronewsتعديل خيارات ملفات الارتباطتابعوناالنشرة الإخباريةCopyright © euronews 2025

مقالات مشابهة

  • الكرملين: لن يتم التفريط في الأراضي التي قرر مواطنوها الانضمام إلى روسيا
  • الكرملين: روسيا منفتحة على مفاوضات السلام مع أوكرانيا بهذا الشرط
  • ما هي الدروس التي استخلصها الجيش الفرنسي بعد ثلاث سنوات من الحرب في أوكرانيا؟
  • ما هي المعادن الأرضية المهمة في أوكرانيا التي يريدها ترامب ؟.. تفاصيل
  • "ريا نوفوستي": روسيا تعدل مشروع القرار الأمريكي بشأن القضاء على أسباب الأزمة الأوكرانية
  • وكالة ريا نوفوستي: روسيا تقدم تعديلا على القرار الأمريكي بشأن أزمة أوكرانيا
  • روسيا: سيطرنا على 3 بلدات أخرى في شرق أوكرانيا
  • حسين العزي: دول خليجية تعرقل جهود السلام بين روسيا وأمريكا بشأن أوكرانيا
  • ترامب: روسيا هي صاحبة اليد العليا بمفاوضات السلام مع أوكرانيا
  • ترامب: روسيا تمتلك الأوراق الرابحة في التفاوض مع أوكرانيا