بين التمرد والخديعة.. 6 أسباب تدفع للتشكيك بأحداث روسيا وإثارة مخاوف أوكرانيا
تاريخ النشر: 26th, June 2023 GMT
كييف – حدث هائل شهدته روسيا قبل أيام، ظهر وكأنه تهديد حقيقي خطير لنظام الحكم في موسكو، لدرجة دفعت الأخير إلى اتخاذ إجراءات سياسية وأمنية كثيرة وعلى نطاق واسع.
لكن تمرد مجموعة فاغنر انتهى سريعا على عكس معظم التوقعات التي طُرحت حينها؛ فأنهى فرحة استعجلتها كييف، وبدد أملها بصراع داخلي، يشغل روسيا عنها في خضم الحرب المستمرة.
وهنا، دخل المسؤولون والمحللون في أوكرانيا مرحلة إعادة التفكير والحسابات، والخروج بآراء وتصريحات أقل إيجابية هذه المرة، أو حتى سلبية، تحذر من تداعيات "حادثة التمرد"، استنادا إلى جملة أسباب تدفع للتشكيك في حقيقتها.
تدبير بيلاروسي فاشل
مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني تطرق إلى الخلافات القديمة بين الرئيس الروسي فلاديمير بوتين، ونظيره البيلاروسي ألكسندر لوكاشينكو.
خلافات واسعة حول السياسات الداخلية والخارجية لمينسك، خمدت في أغسطس/آب 2018، عندما لم تعترف معظم دول الجوار والعالم بفوز لوكاشينكو في انتخابات الرئاسة، على عكس بوتين الذي استغل ذلك ليعيد لوكاشينكو إلى صفه، ويضغط لاحقا عليه كجهة وحيدة تدعم بقاءه في السلطة؛ كما يرى الأوكرانيون.
في هذا السياق، يقول أمين مجلس الأمن القومي والدفاع الأوكراني أوليكسي دانيلوف، إن "الدكتاتور البيلاروسي شخص ماكر للغاية وعديم الضمير، لا أستبعد أن يكون لوكاشينكو متورطا في تصرفات رئيس فاغنر، بالتدبير لمحاولة انقلاب في روسيا"، وفق وصفه للجزيرة نت.
ويقول المحلل السياسي أولكسندر كوفالينكو "هذا غير مستبعد، وإلا فما سر علاقة قائد فاغنر يفغيني بريغوجين مع لوكاشينكو، واستجابته السريعة لوساطته، كما قيل".
وفي حديثه للجزيرة نت، أضاف كوفالينكو "تدعم هذا الرأي المعلومات التي تتناقلها وسائل الإعلام اليوم، حول أن التفاعل مع التمرد لم يرق إلى ما كان يريده بريغوجين داخل روسيا على مستوى المسؤولين وقيادات الجيش، ومن ذلك أيضا أن 8 آلاف من قواته فقط كانت مستعدة للمضي قدما، وأنها لم تقترب مسافة 200 كيلومتر من موسكو كما أُعلن".
عملية مخابراتية روسية
ولكن، ماذا لو كان الأمر كله صناعة مخابراتية روسية؛ وخديعة كبرى تصب جميع أهدافها في مصلحة روسيا، وحربها الدائرة على أوكرانيا؟
حول هذا الرأي تحدث مع الجزيرة نت المدون السياسي أندري سودوف، فقال "ما حدث في روسيا كان مسرحية صدقها الكثيرون، وتبين ذلك من خلال نهايتها السريعة، التي حققت الغاية، بدون أن تؤثر سلبا على المجتمع والاقتصاد".
وأضاف سودوف "مهما كانت درجة الخلاف بين بريغوجين ووزير الدفاع شويغو، لا يجب أن ننسى أن فاغنر صناعة روسية، وتمثل قبضة روسيا العسكرية إقليميا ودوليا؛ وبالتالي فإن تمردها -إن حدث- سيكون كارثيا عليها؛ وعندها لا يمكن أن ينتهي بهذه الطريقة البسيطة والساذجة للغاية".
ويدلل سودوف على رأيه هذا بالقول "في روسيا، وصف العملية الخاصة في أوكرانيا بأنها حرب يعرض صاحبه للسجن 7 سنين، أما محاولة تنفيذ انقلاب عسكري، والسيطرة على مقاطعات تضم ملايين السكان، وإسقاط عدة طائرات وأسر الجنود، فجريمة عقوبتها القصوى هي الترحيل إلى بيلاروسيا".
تحديد وتحييد "الخونة"
ووفق المحلل السياسي، أوليكساندر يريمينكو، فإن "التمرد كان عملية مخابراتية روسية، هدفها تحديد المشكوك بولائهم من مسؤولين روس، وخاصة حول بوتين، الذين استجابوا لنداءات بريغوجين، أو سهّلوا أمره في المقاطعات الحساسة التي سيطر عليها".
وفي حديثه للجزيرة نت، يرى يريمينكو أن "مصير هؤلاء الخونة بعيون الكرملين ستكشفه الأيام القادمة، من إقصاء عن المناصب، أو تصفية بحوادث سير مفتعلة أو غيرها، أو اغتيال يُستغَل لاتهام أوكرانيا، والحشد أكثر ضدها"، على حد رأيه.
إعادة انتشار للقوات
ولليوم الثاني على التوالي، يتحدث الأوكرانيون عن إرسال مجموعات من قوات "فاغنر" إلى جبهات الشرق المشتعلة، التي كانوا قد خرجوا منها قبل التمرد.
وقد أكدت هانا ماليار، نائبة وزير الدفاع الأوكراني، ذلك؛ لكنّ آخرين يتخوفون من أن يكون التمرد حجة لنقل أعداد كبيرة من القوات الخاصة إلى مواقع أخرى، تعيد التهديد إلى كييف مجددا من الشمال.
في هذا الإطار، يرى المحلل السياسي أوليكساندر يريمينكو، أن "وساطة بيلاروسية لم تأت من فراغ، فهي الوجهة الرئيسية لقوات فاغنر المتمردة، وقوات أحمد الشيشانية التي أرادت القضاء على تمردها في روستوف، لم تصل حتى الآن، وانتهى الحديث عنها فجأة".
ويدلل يريمينكو على رأيه هذا بالقول إن "بولندا أعلنت استنفار جيشها مع بداية حراك بريغوجين، رغم أنها بعيدة أكثر منّا عن روستوف وموسكو؛ ولكنها كانت تشكك بحقيقة التمرد، وتخشى احتمال انتقال مثل هذه القوات إلى بيلاروسيا المجاورة".
وإذا صح هذا الرأي، فهو يبرر دعوة الرئيس الليتواني غيتاناس ناوسيدا، إلى تعزيز الجناح الشرقي لحلف شمال الأطلسي، قريبا من روسيا وبيلاروسيا وأوكرانيا معا.
طمأنة أوكرانية ووعيدوإذا صح هذا الرأي أيضا، فهو يبرر تأكيد قائد القوات الأوكرانية في الشمال الفريق سيرهي نايف، أنه "إذا حاول العدو عبور الحدود من بيلاروسيا، فسيكون ذلك انتحارا بالنسبة له".
وأكد نايف أيضا أن "الوضع في منطقة العمليات الشمالية لا يزال مستقرا وتحت السيطرة، وحتى الآن لا يوجد حشد لمعدات أو قوى بشرية تابعة للعدو".
لكنه أشار بالمقابل إلى أن "القوات الأوكرانية تواصل بناء التحصينات الدفاعية على الحدود، التي تتم مراقبتها وحمايتها على مدار الساعة طوال أيام الأسبوع".
المصدر: الجزيرة
إقرأ أيضاً:
روسيا مستعدة للتفاوض حول أوكرانيا إذا بادر ترامب بذلك
أعلنت روسيا أنها مستعدة للتفاوض بشأن إنهاء الحرب في أوكرانيا إذا طرح الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترامب مبادرة بهذا الشأن.
وقال سفير روسيا لدى الأمم المتحدة، غينادي غاتيلوف، إن أي مفاوضات يجب أن تستند إلى "الواقع على الأرض"، في إشارة إلى التقدم العسكري الروسي الأخير في الأراضي الأوكرانية. وتسيطر روسيا حاليا على نحو خُمس الأراضي الأوكرانية.
وأضاف غاتيلوف أن "وعد ترامب بتسوية الأزمة الأوكرانية بين عشية وضحاها يبدو غير واقعي"، موضحا أنه رغم ذلك، إذا بدأ ترامب أو اقترح عملية سياسية، فإن روسيا ترحب بذلك.
وأشار السفير الروسي إلى أن نتائج الانتخابات الأميركية تمثل "فرصة جديدة للحوار مع واشنطن"، لكنه أبدى شكوكه في حدوث تحول شامل في السياسة الأميركية تجاه روسيا. وقال إن "النخبة السياسية الأميركية" تواصل اتباع سياسة "احتواء موسكو"، وإن تغيير الإدارة في الولايات المتحدة لن يؤثر بشكل كبير على هذه السياسة.
ترامب انتقد مرارا حجم المساعدات الغربية لأوكرانيا، ووعد بإنهاء الصراع بشكل سريع (رويترز)وكان ترامب قد انتقد مرارا حجم المساعدات الغربية لأوكرانيا، ووعد بإنهاء الصراع بشكل سريع من دون تقديم تفاصيل عن كيفية تحقيق ذلك. وفوزه في الانتخابات الرئاسية الأخيرة أثار قلقا في كييف وبعض العواصم الأوروبية حول التزام الولايات المتحدة المستقبلي بدعم أوكرانيا.
ويؤكد الرئيس الأوركراني فولوديمير زيلينسكي أن السلام لن يتحقق إلا بعد طرد جميع القوات الروسية واستعادة الأراضي التي تسيطر عليها، بما في ذلك شبه جزيرة القرم. ورفض زيلينسكي أي تنازلات لروسيا، مؤكدا أنها ستكون "غير مقبولة بالنسبة لأوكرانيا وانتحارية لجميع أوروبا".
وأدت الحرب الروسية على أوكرانيا، التي بدأت في 2022، إلى أكبر صراع بين موسكو والغرب منذ الحرب الباردة، وسط دعم عسكرية واقتصادي قوي من الغرب لأوكرانيا.