الحرب على غزة وخرافة القانون الدولي الإنساني
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
تدخل الحرب القذرة على غزة شهرها الثاني، مُستعملة أحدث الآليات العسكرية، برا وبحرا، في حق مواطنين مدنيين عُزل، ذنبهم أنهم يدافعون عن أرضهم التي سُلبت منهم بالتدريج، وبالقوة والنار، منذ قرار التقسيم والإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل قبل 75 سنة (1948-2023).
ولعل أفظع ما مَيز الحرب الدائرة في غزة أنها حصدت الآلاف من الأبرياء الشهداء، من الأطفال والنساء، والشيوخ، ودَمرت المباني والمنشآت العمومية والخاصة، ولم تسلم من عملياتها القذرة حتى المؤسسات الدولية، المنوط بها تقديم المعونة للفلسطينيين لمواجهة مآسيهم، ومساعدتهم على تحمل ما يكابدون يوميا من جرائم الآلة العسكرية الإسرائيلية فوق أرض عمرها أجدادهم وآباؤهم منذ قرون، وظلوا متمسكين بها بنضالهم وإيمانا بعدالة قضيتهم.
أعادت الحرب على غزة العديد من المفاهيم والمصطلحات المتداولة دوليا إلى دائرة الضوء، ووضعت سلامة استعمالها ومصداقية توظيفها أمام المحك، أبرزها ما سمي في الفقه الدولي بـ"القانون الدولي الإنساني"، و"التدخل الإنساني"، و"الدفاع المشروع عن النفس"، وغيرها من التسميات التي ظلت موضوع جدا واختلاف في الرأي بين الفاعلين والمؤثرين في العلاقات الدولية والقانون الدولي.
أعادت الحرب على غزة العديد من المفاهيم والمصطلحات المتداولة دوليا إلى دائرة الضوء، ووضعت سلامة استعمالها ومصداقية توظيفها أمام المحك، أبرزها ما سمي في الفقه الدولي بـ"القانون الدولي الإنساني"، و"التدخل الإنساني"، و"الدفاع المشروع عن النفس"، وغيرها من التسميات التي ظلت موضوع جدا واختلاف في الرأي بين الفاعلين والمؤثرين في العلاقات الدولية والقانون الدولي
فلطالما انتقد اتجاه في الفقه الدولي هذه المفاهيم والمصطلحات، واعتبر مضامينها غير سليمة ولا مقبولة من الناحيتين المنهجية والموضوعية. حجج أنصار هذا الرأي النقدي، أن السياسة بشكل عام، والسياسة الدولية فرع منها، مبنية بطبيعتها على المنفعة والمصلحة، وحَيّزُ الأخلاق فيما تعرف من تطبيقات وممارسات ضيق جدا، وبذلك يُصبح البُعد الإنساني في إعمال مثل هذه المفاهيم محدودا جدا أمام تنازع المصالح، إن لم نقل مضللا على صعيد الفهم والإدراك، والتحليل، وتقييم الممارسة والحكم على نتائجها..
لذلك، كشفت الحرب القذرة على غزة المستور، وأكدت حقيقة النظام الدولي، ونفاق قواه الكبرى المهيمنة على مصادر صنع القرار في مؤسساته، كما قامت بتعرية الوظيفة الأيديولوجية لمصفوفة من مفاهيمية ومصطلحاته. فالقانون الدولي الإنساني، على سبيل المثال، الذي بشّر دُعاتُه والمنتصرون لمبادئه وقواعده من الفقهاء والممارسين؛ بأدواره المفصلية في "أنسنة" الحروب والنزاعات، وحماية ضحاياها والمتضررين من ويلاتها ومآسيها، لم نعاين وقعا ولا أثرا له في الحرب على غزة، حيث تحصد الآلة العسكرية الإسرائيلية الجائرة يوميا مئات الأبرياء من المدنيين من مختلف الأعمار، بل إن المسؤول الدبلوماسي لإسرائيل في الأمم المتحدة لم يجد حرجا في تمزيق مشروع قرار يدعو إلى إيقاف الحرب على غزة أمام أنظار ممثلي الدول وأسماعهم، وكل المناشدات المطالبة بإيقاف الحرب من أوساط دولية عديدة، بما فيها تلك الصادرة من الفاتيكان، لم تلتفت إليها إسرائيل التي تتصرف كسيدة العالم، لا رقيب عليها ولا حسيب ولا مسؤولية عليها على الإطلاق.
ليس القانون الدولي الإنساني، على الرغم من الجهود الفقهية الساعية لتقعيده وتأصيل مبادئه، مجرد خرافة فحسب، بل يبدو وكأنه سلاح الضعفاء ليس إلا. وفي حالة الحرب على غزة تحديدا، تظل لغة القوة والحرب القذرة واحتقار كل ما يندرج ضمن الشرعية الدولية، هو المنطق السائد دون سواه.
والحقيقة، لاحظنا مواقف متميزة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة الحالي، والمحكمة الجنائية الدولية، وبعض الشخصيات الدولية المستقلة، كما أبانت دول من أمريكا الجنوبية عن مبادرات مشرفة بقطع علاقاتها مع إسرائيل أو بسحب سفرائها. وقد أدت تحركات كثير من المجتمعات العربية إلى خلخلة مشروع التطبيع مع إسرائيل، الذي شُرع في بناء خطواته الأولى في دول عربية بعينها ضمن ما سمي باتفاقية أبراهام"، وتظاهر العالم من غربه إلى شرقه دعما للشعب الفلسطيني في غزة وضد المجازر التي تقع فوق أرضه التاريخية، والآفاق مفتوحة أمام ما ستولد هذه الحرب من آثار في القادم من الشهور.
القانون الدولي الإنساني، على الرغم من الجهود الفقهية الساعية لتقعيده وتأصيل مبادئه، مجرد خرافة فحسب، بل يبدو وكأنه سلاح الضعفاء ليس إلا. وفي حالة الحرب على غزة تحديدا، تظل لغة القوة والحرب القذرة واحتقار كل ما يندرج ضمن الشرعية الدولية، هو المنطق السائد دون سواه
فإذا استثنيا صمت بعض الدول، وحيادية بعضها الآخر، وهي قليلة في كل الأحوال، فقد حصدت الحرب على غزة ردود فعل مساندة لفلسطين ولحق شعبها في أن يكون له وجود وكيان مشروع يحميه، ويصون وجوده وهويته. فقد ظهرت الولايات المتحدة (وإلى حد ما فرنسا)، معزولة عما يجري في العالم، وهي التي حركت منذ اليوم الأول من بداية الحرب على غزة أسطولها وبارجاتها نحو المتوسط، غير بعيدة عن إسرائيل، كما لم يتردد رئيسها في التعبير الصريح عن مساندته غير المشروطة لما أقدمت عليه إسرائيل من جرائم وعمليات تدمير وإبادة منذ أكثر من شهر، وما زالت مستمرة في هذا التأييد والدعم المادي والعسكري، وما خفي أعظم.
تؤكد الحرب القذرة على غزة، وما ترتبت عنها وتترب عنها من آثار خطيرة، أن الأداء العربي كعادته محدود وباهت، ويطرح أكثر من تساؤل واستفهام، سواء من داخل نظامه الإقليمي، أي جامعة الدول العربية، أو من خلال مواقف دوله منفردة. فمهما كانت التحليلات المفسرة للموقف الرسمي العربي مما يقع في غزة، فإن حال العرب يدعو إلى الكثير من التفكير. وقد سبق التنبيه إلى هذا الواقع بعض القادة من دول أمريكا الجنوبية وغيرهم، وحثوا العرب على اليقظة والتوحد من أجل الدفاع عن وجودهم المشترك.
أما الواقع الفلسطيني، بوصفه المعني الأول وفي مقدمة الحرب الدائرة، في غزة فيكشف هو الآخر عن درجة واضحة من الهشاشة بالنسبة لوحدة مكوناته، وتماسك كيانه، وتوسع فجوة التباعد بين قياداته، وكلها مؤشرات لا تخدم القضية الفلسطينية وعدالة كفاحها الوطني.. لتكن ماساه غزة وما ترتكب على أرضها من جرائم حرب، فاتحة تاريخ جديد يجُبّ سابقه، ويُعيد للعقل العربي رُشدَه وتصالحَه مع التاريخ.
المصدر: عربي21
كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل جرائم القانون الدولي الفلسطيني إسرائيل فلسطين غزة جرائم القانون الدولي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القانون الدولی الإنسانی الحرب على غزة فی غزة
إقرأ أيضاً:
جنرال إسرائيلي: إسرائيل فشلت في حرب غزة
شن الرئيس السابق لمجلس الأمن القومي الإسرائيلي، الجنرال غيورا آيلاند، هجوماً غير مسبوق على تل أبيب، قائلاً: "فشلنا في الحرب على غزة فشلاً ذريعاً"، وإسرائيل هُزمت في الحرب وفق المعايير المهنية ولم تحقق أهدافها، مضيفاً أن حماس تمكنت من فرض شروطها على تل أبيب.
وجاء ت هذه التصريحات في مقابلة أجرتها إذاعة "103FM" التابعة لصحيفة "معاريف" العبرية.
و"آيلاند"، هو مهندس "خطة الجنرالات"، التي اقتُرحت قبل عدة أشهر، ودعت إلى محاصرة شمال قطاع غزة وتهجير الفلسطينيين منه.
وقال آيلاند في المقابلة: "الصورة هي أن إسرائيل فشلت فشلاً ذريعاً في حرب غزة، من هنا يجب أن نبدأ وإلا فإننا نخلق توقعات لأشياء غير واقعية".
وأضاف: "الهزيمة الإسرائيلية في حرب غزة تقاس وفق معيارين ليسا سياسيين ولا شعبويين، بل مهنيين: الأول هو فحص من حقق أهدافه ومن لم يحققها، والثاني هو معرفة أي طرف نجح في فرض إرادته على الطرف الآخر".
وأوضح: "وفقاً لهذين المعيارين، فإن إسرائيل لم تحقق أهدافها، بينما استطاعت حماس فرض شروطها".
גיורא איילנד מודה: "ישראל נכשלה בגדול במלחמה בעזה"https://t.co/KCVYhS3Sf3
— מעריב אונליין (@MaarivOnline) February 13, 2025وقال آيلاند: إنّ "حماس تستطيع أن تُملي علينا في المرحلة الثانية "اتفاقاً" نحصل بموجبه في أفضل الأحوال على بقية المحتجزين لديها، وهذا مهم، ولكنّنا سندفع الثمن أيضاً بالإفراج الجماعي عن مئات الأسرى".
وأضاف: "سيتعين على إسرائيل أيضاً أن توافق على إنهاء الحرب والانسحاب من المحيط الأمني"، الذي أقامه الجيش الإسرائيلي داخل غزة.
Maariv on the former head of the Israeli occupation's National Security Council, #Giora_Eiland:
"Israel failed miserably in the #Gaza war & its defeat can be measured by knowing who achieved their goals & which side imposed its will on the other. The army withdrew from… pic.twitter.com/BAUd91Jwra
وتابع قائلاً: "لا أسمّيها حماس، بل دولة غزة، انظروا إلى الصفقة (اتفاق غزة)، فتحت إسرائيل معبر رفح، وانسحبت من محور نتساريم، وعاد مئات الآلاف من الفلسطينيين إلى الشمال، وهي لا تسمح فقط بدخول الغذاء والماء إلى غزة، بل أيضاً دخول المعدات التي تُشكّل بداية إعادة الإعمار".
وأقر اللواء بأن "كل ما كانت الحكومة الإسرائيلية تقوله طيلة الستة عشر شهراً الماضية هو كلمات جميلة بلا غطاء، ووعود بلا تنفيذ"، مضيفاً "ما يمكن أن يغير علاقات القوة بين دولة إسرائيل ودولة غزة هو الجانب الاقتصادي".
وأوضح: "إذا كانت إسرائيل تعتقد أن الضغط العسكري وحده سيحقق النتائج، فلن يحقق أي ضغط عسكري هذه النتائج"، مشيراً إلى عدم جدوى العمليات العسكرية بقطاع غزة.
وأضاف: "إذا تمكنت من احتلال القطاع وظل المدنيون هناك، فإن حماس ستبقى أيضاً. وبصرف النظر عن تلقي هجمات رهيبة ضد قوات الجيش الإسرائيلي، فلن تكسب شيئاً".
وتابع قائلاً: "أنا لست مع التجويع، بل مع عدم تقديم المساعدات كوسيلة ضغط"، لكن "الشيء الوحيد - واليوم فات الأوان لأننا في الاتفاق القائم اتفقنا على زيادة عدد الشاحنات الداخلة - هو إغلاق جميع المعابر ومنع دخول المساعدات وإمدادات الوقود".
Former Israeli national security adviser Giora Eiland describes the recent war in Gaza as “a resounding failure” for Israel, acknowledging that Hamas has not only prevented Israel from achieving its goals but has also secured its own pic.twitter.com/e3He19U4bc
— Middle East Eye (@MiddleEastEye) January 19, 2025وفي ختام حديثه بالقول: "عندما يتحدث المسؤولون الإسرائيليون مع المسؤولين الأمريكيين، ويخلقون لديهم انطباعاً خاطئا بأنه إذا لم تفعل حماس هذا وذاك فإننا سنجدد الحرب ونريهم ذلك، يقول الأمريكيون: افعلوا هذا، ولكن هذا لن يغير الواقع. الشيء الوحيد الذي يمكن أن يخلق التغيير هو إغلاق كل المعابر ووقف الإمدادات"، وفق "معاريف".
وتأتي هذه التصريحات، بعد أن أعلنت حركة حماس تجميد إطلاق سراح أسرى إسرائيليين مقرر الإفراج عنهم السبت المقبل، لحين وقف انتهاكات تل أبيب، والتزامها بأثر رجعي بالبرتوكول الإنساني للاتفاق في ظل الأوضاع الكارثية في غزة.
وأمس الخميس، أعلنت حماس أن الوسطاء يضغطون على إسرائيل لإلزامها بتنفيذ البروتوكول الإنساني لاتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة واستئناف عملية تبادل الأسرى السبت المقبل.
قطر ومصر تنجحان في حل أزمة اتفاق غزة.. وحماس تصدر بياناً - موقع 24أكدت حركة حماس، اليوم الخميس، الاستمرار في تطبيق اتفاق وقف إطلاق النار في قطاع غزة، بما في ذلك تبادل الأسرى وفق الجدول الزمني المحدد.وبدأ سريان اتفاق غزة في 19 يناير (كانون الثاني) الماضي، ويشمل 3 مراحل تستمر كل منها 42 يوماً، على أن يتم التفاوض في الأولى لبدء الثانية، بوساطة مصر وقطر ودعم الولايات المتحدة.