عربي21:
2025-02-01@22:04:56 GMT

الحرب على غزة وخرافة القانون الدولي الإنساني

تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT

تدخل الحرب القذرة على غزة شهرها الثاني، مُستعملة أحدث الآليات العسكرية، برا وبحرا، في حق مواطنين مدنيين عُزل، ذنبهم أنهم يدافعون عن أرضهم التي سُلبت منهم بالتدريج، وبالقوة والنار، منذ قرار التقسيم والإعلان عن إنشاء دولة إسرائيل قبل 75 سنة (1948-2023).

ولعل أفظع ما مَيز الحرب الدائرة في غزة أنها حصدت الآلاف من الأبرياء الشهداء، من الأطفال والنساء، والشيوخ، ودَمرت المباني والمنشآت العمومية والخاصة، ولم تسلم من عملياتها القذرة حتى المؤسسات الدولية، المنوط بها تقديم المعونة للفلسطينيين لمواجهة مآسيهم، ومساعدتهم على تحمل ما يكابدون يوميا من جرائم الآلة العسكرية الإسرائيلية فوق أرض عمرها أجدادهم وآباؤهم منذ قرون، وظلوا متمسكين بها بنضالهم وإيمانا بعدالة قضيتهم.

. حدث كل هذا أمام أعين العالم "المتمدن"، وعلى مسمع مؤسساته، وقوانينه وشرائعه، وفي مواقف كثيرة، بتأييد ضمني أو صريح من بعض قادته وصناع سياساته.

أعادت الحرب على غزة العديد من المفاهيم والمصطلحات المتداولة دوليا إلى دائرة الضوء، ووضعت سلامة استعمالها ومصداقية توظيفها أمام المحك، أبرزها ما سمي في الفقه الدولي بـ"القانون الدولي الإنساني"، و"التدخل الإنساني"، و"الدفاع المشروع عن النفس"، وغيرها من التسميات التي ظلت موضوع جدا واختلاف في الرأي بين الفاعلين والمؤثرين في العلاقات الدولية والقانون الدولي.

أعادت الحرب على غزة العديد من المفاهيم والمصطلحات المتداولة دوليا إلى دائرة الضوء، ووضعت سلامة استعمالها ومصداقية توظيفها أمام المحك، أبرزها ما سمي في الفقه الدولي بـ"القانون الدولي الإنساني"، و"التدخل الإنساني"، و"الدفاع المشروع عن النفس"، وغيرها من التسميات التي ظلت موضوع جدا واختلاف في الرأي بين الفاعلين والمؤثرين في العلاقات الدولية والقانون الدولي
فلطالما انتقد اتجاه في الفقه الدولي هذه المفاهيم والمصطلحات، واعتبر مضامينها غير سليمة ولا مقبولة من الناحيتين المنهجية والموضوعية. حجج أنصار هذا الرأي النقدي، أن السياسة بشكل عام، والسياسة الدولية فرع منها، مبنية بطبيعتها على المنفعة والمصلحة، وحَيّزُ الأخلاق فيما تعرف من تطبيقات وممارسات ضيق جدا، وبذلك يُصبح البُعد الإنساني في إعمال مثل هذه المفاهيم محدودا جدا أمام تنازع المصالح، إن لم نقل مضللا على صعيد الفهم والإدراك، والتحليل، وتقييم الممارسة والحكم على نتائجها..

لذلك، كشفت الحرب القذرة على غزة المستور، وأكدت حقيقة النظام الدولي، ونفاق قواه الكبرى المهيمنة على مصادر صنع القرار في مؤسساته، كما قامت بتعرية الوظيفة الأيديولوجية لمصفوفة من مفاهيمية ومصطلحاته. فالقانون الدولي الإنساني، على سبيل المثال، الذي بشّر دُعاتُه والمنتصرون لمبادئه وقواعده من الفقهاء والممارسين؛ بأدواره المفصلية في "أنسنة" الحروب والنزاعات، وحماية ضحاياها والمتضررين من ويلاتها ومآسيها، لم نعاين وقعا ولا أثرا له في الحرب على غزة، حيث تحصد الآلة العسكرية الإسرائيلية الجائرة يوميا مئات الأبرياء من المدنيين من مختلف الأعمار، بل إن المسؤول الدبلوماسي لإسرائيل في الأمم المتحدة لم يجد حرجا في تمزيق مشروع قرار يدعو إلى إيقاف الحرب على غزة أمام أنظار ممثلي الدول وأسماعهم، وكل المناشدات المطالبة بإيقاف الحرب من أوساط دولية عديدة، بما فيها تلك الصادرة من الفاتيكان، لم تلتفت إليها إسرائيل التي تتصرف كسيدة العالم، لا رقيب عليها ولا حسيب ولا مسؤولية عليها على الإطلاق.

ليس القانون الدولي الإنساني، على الرغم من الجهود الفقهية الساعية لتقعيده وتأصيل مبادئه، مجرد خرافة فحسب، بل يبدو وكأنه سلاح الضعفاء ليس إلا. وفي حالة الحرب على غزة تحديدا، تظل لغة القوة والحرب القذرة واحتقار كل ما يندرج ضمن الشرعية الدولية، هو المنطق السائد دون سواه.

والحقيقة، لاحظنا مواقف متميزة من قبل الأمين العام للأمم المتحدة الحالي، والمحكمة الجنائية الدولية، وبعض الشخصيات الدولية المستقلة، كما أبانت دول من أمريكا الجنوبية عن مبادرات مشرفة بقطع علاقاتها مع إسرائيل أو بسحب سفرائها. وقد أدت تحركات كثير من المجتمعات العربية إلى خلخلة مشروع التطبيع مع إسرائيل، الذي شُرع في بناء خطواته الأولى في دول عربية بعينها ضمن ما سمي باتفاقية أبراهام"، وتظاهر العالم من غربه إلى شرقه دعما للشعب الفلسطيني في غزة وضد المجازر التي تقع فوق أرضه التاريخية، والآفاق مفتوحة أمام ما ستولد هذه الحرب من آثار في القادم من الشهور.

القانون الدولي الإنساني، على الرغم من الجهود الفقهية الساعية لتقعيده وتأصيل مبادئه، مجرد خرافة فحسب، بل يبدو وكأنه سلاح الضعفاء ليس إلا. وفي حالة الحرب على غزة تحديدا، تظل لغة القوة والحرب القذرة واحتقار كل ما يندرج ضمن الشرعية الدولية، هو المنطق السائد دون سواه
فإذا استثنيا صمت بعض الدول، وحيادية بعضها الآخر، وهي قليلة في كل الأحوال، فقد حصدت الحرب على غزة ردود فعل مساندة لفلسطين ولحق شعبها في أن يكون له وجود وكيان مشروع يحميه، ويصون وجوده وهويته. فقد ظهرت الولايات المتحدة (وإلى حد ما فرنسا)، معزولة عما يجري في العالم، وهي التي حركت منذ اليوم الأول من بداية الحرب على غزة أسطولها وبارجاتها نحو المتوسط، غير بعيدة عن إسرائيل، كما لم يتردد رئيسها في التعبير الصريح عن مساندته غير المشروطة لما أقدمت عليه إسرائيل من جرائم وعمليات تدمير وإبادة منذ أكثر من شهر، وما زالت مستمرة في هذا التأييد والدعم المادي والعسكري، وما خفي أعظم.

تؤكد الحرب القذرة على غزة، وما ترتبت عنها وتترب عنها من آثار خطيرة، أن الأداء العربي كعادته محدود وباهت، ويطرح أكثر من تساؤل واستفهام، سواء من داخل نظامه الإقليمي، أي جامعة الدول العربية، أو من خلال مواقف دوله منفردة. فمهما كانت التحليلات المفسرة للموقف الرسمي العربي مما يقع في غزة، فإن حال العرب يدعو إلى الكثير من التفكير. وقد سبق التنبيه إلى هذا الواقع بعض القادة من دول أمريكا الجنوبية وغيرهم، وحثوا العرب على اليقظة والتوحد من أجل الدفاع عن وجودهم المشترك.

أما الواقع الفلسطيني، بوصفه المعني الأول وفي مقدمة الحرب الدائرة، في غزة فيكشف هو الآخر عن درجة واضحة من الهشاشة بالنسبة لوحدة مكوناته، وتماسك كيانه، وتوسع فجوة التباعد بين قياداته، وكلها مؤشرات لا تخدم القضية الفلسطينية وعدالة كفاحها الوطني.. لتكن ماساه غزة وما ترتكب على أرضها من جرائم حرب، فاتحة تاريخ جديد يجُبّ سابقه، ويُعيد للعقل العربي رُشدَه وتصالحَه مع التاريخ.

المصدر: عربي21

كلمات دلالية: سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي سياسة اقتصاد رياضة مقالات صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة تفاعلي مقالات كاريكاتير بورتريه غزة إسرائيل جرائم القانون الدولي الفلسطيني إسرائيل فلسطين غزة جرائم القانون الدولي مقالات مقالات مقالات سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة سياسة اقتصاد رياضة صحافة أفكار عالم الفن تكنولوجيا صحة القانون الدولی الإنسانی الحرب على غزة فی غزة

إقرأ أيضاً:

حظر إسرائيل لـ "الأونروا" يدخل حيز التنفيذ اليوم.. ماذا يعني ذلك؟

يدخل، اليوم الخميس، قانونا الكنيست الإسرائيلية اللذان يستهدفان عمل وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين "الأونروا" في الأراضي الفلسطينية، حيز التنفيذ، مما يحرم عشرات آلاف اللاجئين من خدمات بينها التعليم والرعاية الصحية.

انهيار الخدمات الأساسية

وقال المتحدث باسم وكالة الأونروا جوناثان فاولر إن "وقف عمليات الأونروا في الضفة الغربية المحتلة، بما فيها القدس الشرقية، سيؤدي إلى انهيار الخدمات الأساسية لآلاف اللاجئين الفلسطينيين، بمن فيهم المرضى والطلاب".

وأشار إلى أن عدم وجود بدائل حقيقية وواقعية يجعل من إنهاء عمل الأونروا كارثة إنسانية تضاف إلى معاناة اللاجئين في المنطقة. 

وأضاف أن "مجمع الوكالة في القدس الشرقية تابع للأمم المتحدة ويتمتع بالحماية بموجب اتفاقية عام 1946 بشأن المواقع الدبلوماسية"، لافتاً إلى أن بعض ما يُنشر في وسائل الإعلام الإسرائيلية عن خطط لبناء منازل ومحال تجارية بالموقع أي إنشاء وحدات استيطانية. 

وذكـّر المسؤول الأممي بأن "القدس الشرقية أرض محتلة وفق القانون الدولي وبأن مـحكمة العدل الدولية قد قضت العام الماضي بأنه لا ينبغي لأي جهة القيام بأي شيء لتعزيز الاحتلال".

بسبب قرار إسرائيلي، موظفو الأونروا الدوليون يغادرون القدس

"قُلصت تأشيرات الموظفين الدوليين وهو ما يعادل الطرد.
الموظفون المحليون لن يكونوا موجودين في المجمع بسبب المخاطر التي سيواجهونها بما في ذلك أثناء مظاهرات حركات إسرائيلية حول المجمع بالقدس الشرقية".https://t.co/42YAB6V0YJ pic.twitter.com/HEq2okp7uy

— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) January 30, 2025 قانونا الحظر

ويحظر القانون الأول نشاط "الأونروا" داخل "المناطق الخاضعة للسيادة الإسرائيلية"، بما يشمل تشغيل المكاتب التمثيلية وتقديم الخدمات، فيما يحظر القانون الآخر أي اتصال مع الوكالة  الأممية.

وبالنسبة للوكالة، فإن قطع الاتصال سينهي فعلياً حالة التنسيق لضمان تحركات آمنة لطواقم "الأونروا" من الفلسطينيين، وسيفرض عليهم ظروف عمل محفوفة بالمخاطر، كما أنه سيحول دون حصول موظفيها الدوليين على تأشيرات الدخول والعمل في الأرض الفلسطينية.

كما سيضع القانون عراقيل أمام تعامل "الأونروا" مع البنوك الإسرائيلية وحصولها على الحوالات المالية ودفعها الرواتب وسداد المستحقات المترتبة عليها.

وتقدم "الأونروا" خدمات لأكثر من 110 آلاف لاجئ في القدس، ويتبع الوكالة الأممية مخيمان للاجئين هما مخيم شعفاط، ومخيم قلنديا.

وكان المفوض العام لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين فيليب لازاريني، أكد سابقاً أنه لا بديل للوكالة في الأراضي الفلسطينية في حال نفذت إسرائيل قراري حظر أنشطتها.

بحلول الخميس المقبل..أونروا: إسرائيل تأمر بوقف عمليات الوكالة في القدس - موقع 24قالت وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، أونروا اليوم الأحد، إن إسرائيل أمرتها بإخلاء مقراتها وإيقاف كل عملياتها في القدس الشرقية المحتلة بحلول يوم الخميس.

ويمثل قرار الكنيست بحظر عمل وكالة غوث وتشغيل اللاجئين، خرقاً لميثاق الأمم المتحدة وأحكام القانون الدولي والأعراف والاتفاقيات الدولية، ويتناقض مع قرارات الجمعية العامة للأمم المتحدة، خاصة القرار رقم 302 الذي أنشأ "الأونروا" عام 1949 استجابة لأزمة اللاجئين الفلسطينيين، بما يمثل التزاماً دولياً بهذه القضية بعد فشل تنفيذ قرار مجلس الأمن 194 الذي يضمن لهم حق العودة.

كما أن وقف أنشطة الأونروا، وما يترتب على ذلك من منع وصول المساعدات الأساسية للاجئين، خصوصاً في غزة، قد يصنف كجريمة حرب بموجب اتفاقية روما، التي تجرم تعمد استخدام التجويع كوسيلة من وسائل الحرب.

"خطوة غير مسبوقة وضربة أحادية للتعددية": قرار إسرائيلي يُجبر موظفي الأونروا الدوليين على مغادرة القدس.

"مجمع الوكالة في القدس الشرقية المحتلة تابع للأمم المتحدة ويتمتع بالحماية. وهناك بعض ما يُنشر عن خطط لبناء مستوطنات بالموقع".
-المتحدث باسم الأونرواhttps://t.co/42YAB6V0YJ

— أخبار الأمم المتحدة (@UNNewsArabic) January 29, 2025 موظفين فلسطينيين

ومن جهتها، أكدت مديرة العلاقات الخارجية والإعلام في وكالة الغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) تمارا الرفاعي، أن خدمات الوكالة في الأراضي الفلسطينية المحتلة مستمرة معتمدة على الموظفين الفلسطينيين.

وقالت الرفاعي، لقناة "المملكة" الأردنية، إن الموظفين الفلسطينيين مستمرون في المدارس والمراكز الصحية وغيرها من الخدمات التي تقدمها الوكالة للفلسطينيين، حيث إن الوكالة ملتزمة باستمرار خدماتها.

الأونروا لـ"المملكة": خدماتنا في فلسطين مستمرة اعتمادا على موظفين فلسطينيين #عاجل #أونروا #هنا_المملكة https://t.co/d3AH9hOU8j

— قناة المملكة (@AlMamlakaTV) January 29, 2025

وبينت أن الاعتماد على الفلسطينيين في الوقت الحالي لأن الموظفين الدوليين اضطرّوا لمغادرة المقرات الموجودة في القدس والضفة الغربية، الأربعاء، لعدم الحصول على إقامات وتأشيرات بسبب قرارات الاحتلال الإسرائيلي.

مقالات مشابهة

  • ماليزيا وجنوب أفريقيا تقودان مجموعة دولية لمنع إسرائيل من تحدي القانون الدولي
  • برنامج أممي يدرب مستشارين عسكريين ليبيين على القانون الدولي الإنساني في تونس
  • جنوب أفريقيا وماليزيا تشكّلان “مجموعة لاهاي” لدعم محكمتي العدل والجنائية الدولية 
  • الحرب في السودان: بعض تحديات الاستقرار والتعافي الاقتصادي واعادة الاعمار
  • اقتصادى وسياسى واجتماعى.. ما الآثار السلبية لعمليات غسيل الأموال؟
  • التأكيد على أهمية التعاون بين الجهات المعنية لتعزيز تطبيق القانون الدولي الإنساني
  • «الموساد» تطارد خبيراً مصرياً دولياً لتوثيقه جرائم الحرب في غزة
  • «أونروا»: قرار إسرائيل بإخلاء مقارنا أحادي وعدائي ولا يتماشى مع القانون الدولي
  • حظر إسرائيل لـ "الأونروا" يدخل حيز التنفيذ اليوم.. ماذا يعني ذلك؟
  • قرار إسرائيل حظر "الأونروا" يدخل حيز التنفيذ اليوم