حكمت الملكة فيكتوريا الإمبراطورية البريطانية لمدة 63 عاما و7 أشهر ويومين، لتكون أطول الملوك حكما في ذلك الوقت، قبل أن تحطم الملكة إليزابيث الثانية ذلك الرقم القياسي بفترة حكم امتدت 70 عاما.

لقبت بـ"جدة أوروبا"، إذ اتسعت رقعة الإمبراطورة في عهدها لتصل ذروتها، كما أطلق على فترة حكمها اسم "العصر الفيكتوري"، كونه تميز بانطلاق الثورة الصناعية، وحدوث طفرة واضحة في التقدم التكنولوجي والعلمي.

مولد ونشأة الملكة فيكتوريا

ولدت فيكتوريا عام 1819 في قصر كنسينغتون في لندن، وأطلق عليها اسم "ألكسندرينا فيكتوريا" تيمنًا بعرّابها القيصر الروسي ألكسندر الأول.

لم يكن وصول فيكتوريا إلى العرش احتمالا واردا بشدة آنذاك، فقد كان ترتيبها الخامس في ولاية العرش، فهي ابنة إدوارد دوق كينت الابن الرابع للملك جورج الثالث، أما والدتها فهي الأميرة ماريا لويزا فيكتوريا ذات الأصل الألماني.

لكن ذلك تغيّر مع بلوغ فيكتوريا عامها الأول، إذ توفي والدها إدوارد بعد معاناة مع الالتهاب الرئوي، ثم توفي بعده الملك جورج.

وعُيِّن عمها ويليام الرابع ملكا، ولأن إخوة إدوارد لم يكن لديهم ورثة شرعيون على قيد الحياة، أصبحت فيكتوريا في المرتبة الأولى في ترتيب ولاية العرش.

وأدركت الأميرة ماريا لويزا أن ابنتها ستستلم العرش عاجلا أم آجلا، فبدأت بإعدادها لتكون الملكة المقبلة للبلاد، فتحالفت مع أحد رجال البلاط ويدعى جون كونروي، وتحت إشرافه أجبرت فيكتوريا على اتباع ما بات يعرف لاحقا بـ"نظام كينسينغتون".

يمكن تلخيص هذا النظام في أنه مجموعة من القواعد الصارمة التي أجبرت الملكة المستقبلية على اتباعها، فقد عزلت بشكل تام عن المحيط الخارجي، وباتت خطواتها كلها تحت المراقبة، حتى إنها تشاركت غرفة النوم مع والدتها كي لا تتركها بمفردها أبدا.

الملكة فيكتوريا سمي عصرها بالعصر الفيكتوري واتسعت رقة الإمبراطورية البريطانية لأوجّها حينها (أسوشيتد برس) فيكتوريا تتربع عرش الإمبراطورية

عند وفاة عمها ويليام، كانت فيكتوريا قد بلغت الـ18 من عمرها، وتولّت حينها عرش إنجلترا يوم 20 يونيو/حزيران 1837.

وكانت أول خطوة قامت بها فيكتوريا بعد تتويجها ملكة أن عزلت كونروي، الذي كان يتحكم في حياتها طوال الفترة السابقة، ثم انتقلت بعد ذلك إلى قصر باكنغهام.

وعلى الرغم من صغر سنها، فإن فيكتوريا امتلكت إحساسا واعيا بالمسؤولية، ويظهر ذلك جليا في مذكراتها التي كتبتها بعد فترة وجيزة من تسلمها التاج، إذ جاء فيها "سأبذل قصارى جهدي للقيام بواجبي تجاه بلدي".

وورد في مذكراتها أيضا "لا أزال صغيرة في السن، وربما أكون عديمة الخبرة مقارنة بغيري، لكنني متأكدة من أنني أملك نوايا طيبة ورغبة حقيقية في تحقيق الأفضل لهذه البلاد".

بعد توليها العرش، أصبح رئيس الوزراء البريطاني اللورد ميلبورن مستشارها الموثوق وصديقها المقرب، وفي ظل حكمها بدأت فيكتوريا في كسب ودّ العامة وتعزيز تأييدهم للنظام الملكي، فدعمت الفنون والجمعيات الخيرية، وناصرت التقدم الصناعي.

وتزامن عهد فيكتوريا مع عصر الثورة الصناعية والتكنولوجية، حيث تطورت الصناعات وظهرت العديد من الاختراعات، التي كانت مفتاح القوة والازدهار في بريطانيا، ونشطت صناعة السكك الحديدية، فكانت فيكتوريا أول ملك يركب قطارا عام 1842، حين كان عمرها 23 عاما.

وشهد عهدها تطورا في الطب والعلوم، وريادة في الأبحاث الخاصة بعلم الأوبئة.

9 أطفال و42 حفيدا

أغرمت فيكتوريا بابن عمها الأمير الألماني ألبرت، وتزوجته عام 1840، وقد وصفت زواجها منه بـ"السعادة السماوية" التي لم تكن تحلم بأن تشعر بها من قبل.

يذكر أن الملكة فيكتوريا كانت أول من ارتدى فستان الزفاف باللون الأبيض، وبسببها انتشرت تلك العادة في بقية أنحاء العالم، وأصبح الأبيض هو اللون الرسمي لفساتين الزفاف.

ونظرا لحب الملكة الشديد لزوجها، كان له تأثير على شؤون الحكم، إلى جانب صديق فيكتوريا المقرب اللورد ميلبورن، وقد كان تأثير ألبرت إيجابيا، إذ دعم هو الآخر التطور الصناعي والتكنولوجي الذي شكل طفرة في لندن آنذاك.

ومن أبرز مشاريع ألبرت المعرضُ الكبير لعام 1851، والذي يعد أول معرض عالمي في التاريخ، وقد جمع 6 ملايين شخص في لندن احتفالا بالصناعة والتكنولوجيا والثقافة العالمية.

وكانت ثمرة حب الزوجين 9 أطفال، جميعهم تزوجوا من عائلات ملكية أوروبية، وأنجبوا لفيكتوريا أحفادا بلغ عددهم 42 حفيدا، وحكم بعضهم ملكيات في جميع أنحاء القارة الأوروبية، وكان أبرزهم القيصر فيلهلم الثاني، آخر إمبراطور ألماني وملك بروسيا.

ومن بين أحفاد الملكة فيكتوريا البارزين: الملكة إليزابيث الثانية، والأمير فيليب، وملك اليونان قسطنطين الثاني، وملك رومانيا مايكل الأول، وملك إسبانيا خوان كارلوس الأول، وملك النرويج هارالد الخامس، وملك السويد كارل الـ16، والملكة مارغريت الثانية.

الملكة فيكتوريا اعتزلت الناس لعشرة أعوام حدادا على زوجها الأمير الألماني ألبرت (غيتي) وفاة ألبرت وعزلة الملكة

يذكر أن زواج الملكة السعيد لم يدم طويلا، فقد توفي زوجها مبكرا عام 1861 بسبب حمى التيفود عن عمر ناهز 42 عاما.

ارتدت الملكة اللون الأسود لبقية حياتها حدادا على زوجها الراحل، كما أمضت السنوات العشر التالية لموت محبوبها في عزلة تامة، أكسبتها لقب "أرملة وندسور".

وفضّلت الملكة فيكتوريا إدارة شؤون بلادها من القصر الملكي، وامتنعت عن الظهور في الأماكن العامة، خاصة بعد زيادة وزنها بشكل ملحوظ، إذ دفعها الاكتئاب إلى تناول الطعام بشكل زائد.

تلك العزلة تسببت في تراجع شعبية الملكة، وتراجع شعبية النظام الملكي، في الوقت الذي نمت فيه الحركات الداعية إلى بناء نظام جمهوري، وانتشرت فيه الاحتجاجات في أنحاء البلاد كافة.

وعلى خلفية تلك الأحداث، قررت الملكة العودة مجددا إلى الفضاء العام، وعادت للتجول في أنحاء لندن بعربة مفتوحة، وصبت تركيزها بشكل أكبر على السياسة الخارجية، فدخلت البلاد في مرحلة توسع ملحوظ.

إمبراطورة الهند وجدة أوروبا

خلال فترة حكم فيكتوريا التي استمرت قرابة 64 عاما، احتل البريطانيون أراضي شاسعة حول العالم، لتشمل الإمبراطورية البريطانية في ذلك الوقت الهند وأستراليا وكندا ونيوزيلندا وجنوب أفريقيا، وتوسعت الإمبراطورية حتى شملت خُمس مساحة اليابسة الموجودة في الكرة الأرضية.

وبما أن هذا التوسع الهائل للإمبراطورية كان في عهد الملكة فيكتوريا، فقد أطلق على فترة حكمها اسم "العصر الفيكتوري"، الذي وصلت فيه الإمبراطورية البريطانية إلى ذروة توسعها وقوتها، وتميز بحدوث ثورة في عالم الصناعة والتكنولوجيا والفنون، وامتد ما بين عامي 1837 و1901.

واعتبارا من عام 1877، لقبت فيكتوريا نفسها بـ"إمبراطورة الهند" بناء على نصيحة رئيس الوزراء البريطاني بنيامين دزرائيلي، ومع زيادة توسع الإمبراطورية البريطانية، تعززت مكانة فيكتوريا عالميا، مما أكسبها لقب "جدة أوروبا".

ومع زيادة حضورها في المجال العام، استطاعت استعادة شعبيتها إلى حد ما، ورسّخت النظام الملكي بشكل أكبر، متجاوزة أولئك الداعين إلى النظام الجمهوري.

الملكة فيكتوريا نجت من 7 محاولات اغتيال وتوفيت بشكل طبيعي عام 1901 (شترستوك) سبع محاولات اغتيال ووفاة طبيعية

خلال حكمها الطويل الذي امتد طوال 63 عاما و7 أشهر ويومين، نجت الملكة فيكتوريا مما لا يقل عن 7 محاولات اغتيال، لتكون وفاتها بعد ذلك بشكل طبيعي يوم 22 يناير/كانون الثاني 1901، عن عمر ناهز 81 عاما.

ومنذ عام 1897 كانت فيكتوريا قد كتبت وصيتها، فأوصت بجنازة عسكرية تليق بها، كما أمرت بوضع بعض التذكارات في قبرها، مثل إحدى عباءات زوجها الراحل ألبرت وقالب جبس ليده.

ودفنت الملكة بجانب ألبرت في ضريح فروغمور بالقرب من وندسور، ليخلفها بعد ذلك ابنها الأكبر إدوارد السابع.

المصدر: الجزيرة

إقرأ أيضاً:

ثورة مضادة فى منازل ثوار يوليو!

إذا دققت النظر فى ثورة يوليو التى حلت ذكراها الـ72 أمس الأول فستكتشف عجبًا..

من بين ما ستكتشفه أن الشعب المصرى يدفع ثمنًا فادحًا من حاضره ومستقبله بسبب سيره وراء أشخاص يقولون بألسنتهم ما ليس فى قلوبهم ويحاولون إقناع المصريين بما لا يقتنع به ابناؤهم الذين هم من أصلابهم!

فالضباط الأحرار الذين قادوا ثورة يوليو 1952 وملأوا الدنيا هجومًا وذمًا فى الغرب الاستعماري، لما مرت الأيام سافر كثير من أبنائهم إلى الغرب إما للحصول على شهادة علمية أو للإقامة والحصول على جنسية دولة من دول الغرب!

أيضا ثوار يوليو الذين ادخلوا البلاد فى طريق الاشتراكية وقالوا إنها ستجلب السعد لمصر والمصريين، لما كبر ابناؤهم لم نجد فيهم اشتراكيًا واحدًا، بل سلكوا طريق الرأسمالية فأقاموا الشركات واحترفوا البزنس وتزوجوا من بنات العائلات الثرية التى كان آباؤهم الثوار يسمونهم الإقطاعيين ويهاجمونهم ليل نهار!

الرئيس "السادات" الذى كان أحد الضباط الأحرار وصار رئيسًا لمجلس الأمة فى الستينيات، لم يصدر المجلس تحت رئاسته إلا قوانين اشتراكية الهوى والهدف واللون والطعم..

وعندما تولى السادات حكم مصر قطع دابر الاشتراكية المصرية وفتح أبواب البلاد على مصراعيه أمام الرأسمالية والرأسمالية المتوحشة!

«أحمد عرابى» مثال آخر على أن الشعب المصرى يدفع ثمنًا باهظًا للسير خلف أشخاص لا يقدرون الأمور حق قدرها ويقولون بأفواههم ما ليس في قلوبهم..

«عرابى» الذى قاد الجيش المصرى وحارب الإنجليز لمنع دخولهم مصرعام 1881، أتدرى ماذا قال عن الإنجليز بعد أن دخلوا مصر واحتلوها؟..

بعد أن احتل الإنجليز مصر أحالوا عرابى للمحاكمة بتهمة عصيان الخديو، وصدر أمر بنفيه خارج مصر فسألوه إلى أى البلاد يرغب فى النفى إليها، فقال دمشق، وإن لم تكن فإنجلترا، ولما سألوه: ولماذا إنجلترا؟ قال: أريد أن أعيش فى إنجلترا التى ترعى حقوق الإنسان والحرية وأرى أن أعيش فيها مواطنًا حرًا فى بلد حر.

انجلترا التى أرسلت جيشها وأسطولها لاحتلال مصر واستعباد شعبها ومص خيراتها لا يراها "عرابي" الذى حارب هو نفسه جيشها، دولة محتلة لوطنه ولكنه يراها دولة ترعى حقوق الإنسان والحرية!

وليس هذا فقط، فعندما أصدر خديو مصر قرارًا بالعفو عن عرابى والسماح له بالعودة من منفاه إلى مصر كتب عرابى برقية يشكر فيها ملكة بريطانيا وحكومة بريطانيا وخديو مصر"! (من كتاب عرابى وفاقة فى جنة آدم للدكتورة لطيفة محمد سالم).

ولما وصل إلى مصر أجرى عرابى حوارًا مع جريدة المقطم أشاد فيه بإنجازات بريطانيا فى مصر ثم أظهر أنها (أى بريطانيا) صاحبة فضل عليه!

بالله عليك هل هذه الأفعال تليق ممن قاد جيش مصر لمحاربة الجيش الإنجليزى؟.. لله الأمر من قبل ومن بعد.

 

 

مقالات مشابهة

  • نوستالجيا.. حقائق صادمة عن فيلم إمبراطورية ميم ورقم خيالي لـ أحمد مظهر
  • بعد انتهاء تصويره.. قصة وموعد عرض مسلسل سراب لـ خالد النبوي
  • إيران تستدعي سفير بريطانيا
  • ثورة مضادة فى منازل ثوار يوليو!
  • الحكومة توافق على قرار جمهوري بشأن مشروع الممر الملاحي بين بحيرة فيكتوريا والبحر المتوسط
  • رئيس حكومة بريطانيا: نشدد على أهمية وقف النار في غزة وبدء مسار حل الدولتين
  • فوساكو شيغينوبو.. الملكة الحمراء مؤسسة الجيش الأحمر الياباني دعما لفلسطين
  • الصين تصدر إنذارًا باللون البرتقالي لمواجهة الإعصار “جايمي”
  • الصين تصدر إنذارًا باللون البرتقالي لمواجهة الإعصار جايمي
  • ‏⁧‫لمن لايعرف‬⁩ :-⁧‫ ومضه عن ميناء مبارك‬⁩ !