حقائق حول مخطط التهجير القسرى للفلسطينيين إلى سيناء
تاريخ النشر: 6th, November 2023 GMT
إن مخطط التهجير القسرى للفسلطينيين من غزة إلى سيناء كمخطط إسرائيلى بدعم غربى على قمته أمريكا التى رفضته القيادة المصرية، قد يظنه الكثير مخططًا جديدًا، والبعض الآخر يرجعه لبضع سنوات دون توثيق، ولا شك أن التاريخ يمثل قراءة للحاضر واستقراء للمستقبل على ضوء تجارب الماضى، وفى سبيل تنوير العقل العربى أجرى المفكر والمؤرخ القضائى المصرى القاضى الدكتور محمد عبدالوهاب خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة المعروف بأبحاثه الوطنية والقومية دراسة مهمة بعنوان: «مخطط تهجير الفلسطينيين إلى صحراء سيناء بدء منذ عام 1951 — حقائق تاريخية غائبة عن العالم العربى والغربى ودور مصر الإقليمى» ونعرض لها فيما يلى فى 8 نقاط:
أولًا: بداية الحكاية فى ديسمبر 1949، بعد أن طردت الميليشيات الصهيونية ثلاثة أرباع مليون فلسطينى من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، ماذا فعلت الأونروا فى مخيمات الشتات ؟
يقول الدكتور المستشار محمد خفاجى نائب رئيس مجلس الدولة تحكى لنا كتب التاريخ المنصفة–التى كشفت عن بعض مراجعها كل من مجلة نيو لاينز ومركز كيفوركيان لدراسات الشرق الأدنى بجامعة نيويورك – أنه فى ديسمبر 1949، بعد أن قامت الميليشيات الصهيونية بطرد ثلاثة أرباع مليون فلسطينى من منازلهم إلى الضفة الغربية وغزة والدول العربية المجاورة، أنشأت الجمعية العامة للأمم المتحدة وكالة الأمم المتحدة لإغاثة وتشغيل اللاجئين (الأونروا) وتم تكليف الوكالة بتقديم الإغاثة الإنسانية والخدمات الاجتماعية للاجئين الفلسطينيين فى «مخيمات الشتات» خارج فلسطين حتى يتم التوصل إلى حل سياسى يسمح للفلسطينيين بالعودة إلى ديارهم أو الحصول على تعويضات.
ثانيًا: فى منتصف عام 1951 قام جون بلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا بدعم أمريكى بمشروع تهجير الفلسطنيين بسيناء بحجة تنميتها والفلسطينيون رفضوا اعتزازًا بأرضهم.
ويضيف: فى منتصف عام 1951 قام جون بلاندفورد الأمريكى مدير الأونروا بدعم أمريكى بمشروع تهجير الفلسطنيين بسيناء بحجة تنميتها وإطلاق نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية وكان برنامج الأونروا فى ذلك الوقت تم تصميمه للقضاء على قضية اللاجئين الفلسطينيين باعتبارها مشكلة سياسية لها بُعد اقتصادى، وبحجة أن هذا من شأنه أن يوفر طريقا مختصرا لحل قضية اللاجئين الشائكة دون الجهد الدبلوماسى الذى لم يفلح فى تحقيق تسوية عربية إسرائيلية بسبب رغبة اللاجئين فى العودة إلى وطنهم. إلا أن هذا النهج عارضه الفلسطينيون اللاجئون بسبب موقفهم الشخصى من العودة إلى ديارهم وأراضيهم، وحقهم السياسى فى تقرير مصيرهم.
ثالثًا: فى يوليو 1955القيادة المصرية انتهت إلى أن مشروع التهجير لسيناء سيمحو الهوية السياسية الفلسطينية وتحقيقا للسيادة المصرية.
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أنه فى العهد الملكى عام 1951، عملت الأونروا بمساعدة من الولايات المتحدة الأمريكية كما ذكرنا على طرح فكرة تهجير سكان غزة إلى صحراء سيناء وكانت حجة أمريكا هى نهضة اقتصادية عربية أوسع بما يتماشى مع المصالح الإستراتيجية الأمريكية، ودعمت الجمعية العامة هذه الجهود من خلال «صندوق إعادة الإدماج» الذى تبلغ قيمته 200 مليون دولار، والذى تدعمه فى المقام الأول مساهمات الولايات المتحدة، إلا أنه بعد ثورة الضباط الأحرار فى 23 يوليو 1952 اتخذت خطط تنمية سيناء منعطفًا آخر، رغم انشغال الضباط الأحرار بالقضايا المباشرة المتعلقة بالحكم مثل طرد البريطانيين من مصر خاصة من منطقة قناة السويس ومكافحة الفقر والمرض المنتشر، واستغلت أمريكا اللحظات الثورية بتأثير من إسرائيل لمخططها من خلال الأونروا بحجة تنمية سيناء الممولة بمساعدات خارجية, وخصصت الحكومة الأمريكية عشرات الملايين من الدولارات لدعم الفكرة الشيطانية.
وظلت الضغوط من خلال الغارات العسكرية الإسرائيلية المستمرة على مخيمات اللاجئين فى غزة طوال أوائل الخمسينيات، وفى ذات الوقت تم التأكيد على الولاية القضائية النهائية لمصر على مشروع التهجير بحجة التنمية الاقتصادية فسيصبح اللاجئون خاضعين للقوانين واللوائح المصرية، والسيادة المصرية. وفى يوليو 1955، شكلت القيادة المصرية فريق لمسح سيناء الذى أودع تقريره النهائي، بأن مشروع سيناء سيؤدى إلى محو الهوية السياسية الفلسطينية وهو ما انتهت إليه القيادة المصرية تحقيقا للسيادة المصرية من ناحية وتأكيدا على القضية الفلسطينية من ناحية أخرى.
رابعًا: انتفاضة مارس عام 1955 فى غزة أجبرت أمريكا ومسئولى الأمم المتحدة عن التخلى عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهم بالهوية السياسية:
ويشير إلى أن الأمم المتحدة قامت فى بدايات الخمسينيات من القرن الماضي، بوضع مخطط لتهجير عشرات الآلاف من الفلسطينيين من غزة إلى سيناء وكان ذلك بهدف إلغاء حق الفلسطينيين فى العودة إلى وطنهم، وقد ترتب على ذلك إصرار الفلسطينيين على التمسك بأرضهم، خاصة وقد ظهرت حالات التعبئة الجماهيرية الفلسطينية والمقاومة المنظمة بعد عام 1948, ولكن الفلسطينيين فى غزة اتحدوا مع بعضهم البعض من خلال انتفاضة مارس عام 1955 فى غزة.
وأن انتفاضة الفلسطينيين فى غزة مارس عام 1955 أجبرت أمريكا ومسئولى الأمم المتحدة على التخلى عن مشروع تهجير الفلسطينيين بسيناء والاعتراف لهم بالهوية السياسية، وكان المطلبان الأساسيان لانتفاضة مارس، إلغاء مشروع سيناء، وتسليح وتجنيد اللاجئين الفلسطينيين فى غزة للدفاع ضد العدوان العسكرى الإسرائيلى.
ولعبت مصر دورًا محوريًا فى القضية الفلسطينية أظهره كلام عبدالناصر وليس الحكومة، ففى أغسطس 1955 أوقفت الحكومة المصرية مشروع سيناء وكان التبرير المعلن تقنيًا بحتًا بركيزة أن مصر لم تكن قادرة على الحفاظ على المياه لاستخداماتها الخاصة، ولم تتمكن الحكومة من تحويل المياه إلى سيناء، لكن وفقًا لأوراق هنرى لابويس مدير الأونروا من عام 1954 حتى عام 1958 قال إن تصريحات جمال عبدالناصر الخاصة كانت على خلاف ذلك حيث اعترف ناصر بأنه يعتقد أن اللاجئين الفلسطينيين أصبحوا «قوة مؤثرة وسوف يقررون مستقبلهم من أجل القضية الفلسطينية وأن أى تسوية سياسية شاملة ستكون مستحيلة دون معالجة مطالبهم الأساسية فى وطنهم فلسطين».
خامسًا: الرؤية المصرية عام 1955 توافقت مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى.
ويذكر الدكتور محمد خفاجى أنه توافقت الرؤية المصرية مع رفض الفلسطينيين أنفسهم لفكرة التوطين بسيناء وكان رفضهم بمثابة شهادة على قوة وعيهم السياسى، حيث أدرك الفلسطينيون فى مختلف أنحاء الشتات التهديد الذى فرضته خطة التهجير على حقهم فى العودة، واعترض الفلسطينيون على تهجيرهم لسيناء كوجهة لإعادة توطين اللاجئين، و قالوا إن المشروع يقضى على قضيتهم السياسية.
وطوال أوائل الخمسينيات من القرن الماضي، أدرك الفلسطينيون الصلة الوثيقة بين خطط إعادة توطينهم وتهجيرهم بسيناء التى تقدمها الأونروا من خلال دعم أمريكا وبين الغارات العسكرية الإسرائيلية المتكررة على غزة فى ذلك الوقت، وهى استراتيجية سياسية متعمدة للضغط على مصر لنقل الفلسطينيين خارج غزة إلى سيناء، وفى مواجهة هذين الخطرين المتوازيين الطرد والتهجير القسرى أو العدوان على أهل غزة، دعا العديد من الفلسطينيين إلى مقاومة منسقة باعتبارها الرد الفعال الوحيد.
سادسًا: المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبدالناصر كان ضد النفوذ الغربى فى الشرق الأوسط ودعا إلى التوحدات العربية.
ويضيف الدكتور خفاجى المخاطر كانت تحيط بمصر والعرب وعبدالناصر كان ضد النفوذ الغربى فى الشرق الأوسط من خلال السياسة الإقليمية والعالمية، فعلى سبيل المثال فى فبراير 1955 تم التوقيع على حلف بغداد، وهو تحالف عسكرى بين تركيا والعراق الهاشمية، وقد انضمت إليه لاحقًا المملكة المتحدة وإيران وباكستان، وقام جمال عبدالناصر بمعارضة تلك الاتفاقية لسببين الأول أنها قدمت رؤية بديلة لمصر كمركز للقوة السياسية والعسكرية العربية، والثانى أن التحالف العسكرى أثناء الحرب الباردة، بقيادة القوة الاستعمارية السابقة لمصر، لا يمكن أن يتوافق مطلقًا مع التحالفات العربية الإقليمية، وقد كشفت غارة 28 فبراير على أن جمال عبدالناصر قد تبنى سياسة خارجية جديدة تعارض المصالحة العربية الإسرائيلية من ناحية وأى مظهر قوى للنفوذ الغربى فى الشرق الأوسط من ناحية أخرى.
سابعًا: لابويس مدير الأونروا اللاحق اعترف بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسون ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم فى العالم العربي:
ويؤكد الدكتور خفاجى أنه بحلول نهاية عام 1955، أجبرت المقاومة الفلسطينية المستمرة التخلى عن التهجير لسيناء وفى عهد لابويس مدير الأونروا اللاحق اعترف بخطأ التعامل مع الفلسطينيين اللاجئين فلن ينسون ماضيهم ولن يقبلوا استيعابهم فى العالم العربى، وبدلت الوكالة مسارها بخلاف وجهة النظر الأمريكية والإسرائيلية فالحل السياسى وحده هو الذى يمكنه معالجة محنة اللاجئين الفلسطينيين، وقد اعترف لابويس بأنه كان من الخطأ الاعتقاد بأن اللاجئين سوف ينسون ماضيهم فهم لا يقبلون استيعابهم فى العالم العربى، وذكر أن مثل هذا الاعتقاد يتجاهل حقيقة أساسية: «لقد كانت الأمة الفلسطينية هى التى اقتلعت» وكان هذا بمثابة تحول أيديولوجى مهم للغاية بالنسبة للأونروا، حيث أقنع اللاجئون قادة الوكالة بالاعتراف بهم كفلسطينيين.
ثامنًا: التاريخ يعيد نفسه ومازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عامًا رغم ظهور قوى جديدة:
يقول الدكتور محمد خفاجى بنظرة فاحصة على فشل مشروع تهجير الفلسطينيين إلى سيناء الذى كان معروضا فى بداية خمسينات القرن الماضى فإنه يدل دلالة قاطعة على التاريخ يعيد نفسه ومازالت أمريكا تستغل برنامج المساعدات كما كانت منذ 70 عامًا ! فعلى الرغم من آلاف الصفحات من تقارير المسح وملايين الدولارات من التمويل المخصص للأمم المتحدة بمساعدات أمريكية، بحلول نهاية الخمسينيات، كان مشروع سيناء مجرد واحد من المشاريع التى تدل على الفشل الدولى تجاه فلسطين، وهو ما يجعلنا نفكر فى الحاضر إذ يظل التاريخ أكثر أهمية من أى وقت مضى، وكان فشل المشروع دلالة لنوع معين من التفكير الذى ساد برامج المساعدات الأمريكية والأمم المتحدة فى أوائل حقبة ما بعد الحرب العالمية بحجة الدوافع الاقتصادية كوسيلة لتجاوز المفاوضات السياسية والقضاء على القضية الفلسطينية.
ويختتم: ليس من الذكاء السياسى الدولى السير على هذا النهج فى صنع السياسات فى الشرق الأوسط كما كان منذ 70 عاما مضت تبدلت فيها أحوال الدول وظهرت قوى دولية جديدة عسكرية واقتصادية تقلب موازين القوى وفى خضم المتغيرات الكبرى تمسك الفلسطينيون أكثر بوطنهم ومصر داعمة لحقهم فى تقرير مصيرهم طوال عقد من الزمان.
المصدر: بوابة الوفد
كلمات دلالية: حقائق القسرى للفلسطينيين اللاجئین الفلسطینیین القضیة الفلسطینیة تهجیر الفلسطینیین فى الشرق الأوسط الفلسطینیین فى مدیر الأونروا الأمم المتحدة الدکتور محمد مشروع تهجیر مشروع سیناء سیناء وکان العودة إلى إلى سیناء من ناحیة غزة إلى من خلال فى غزة عام 1951
إقرأ أيضاً:
روسيا .. امريكا وقعت على مسؤوليتها عن مقتل عشرات الآلاف من الفلسطينيين باستخدام الفيتو
#سواليف
قال مندوب #روسيا الدائم لدى #الأمم_المتحدة فاسيلي #نيبينزيا إن #الولايات_المتحدة، باستخدام حق النقض ” #الفيتو “، قامت بالتوقيع على مسؤوليتها عن #مقتل #عشرات_الآلاف من #الفلسطينيين #الأبرياء.
وأوضح نيبينزيا خلال اجتماع لمجلس الأمن الدولي، قائلا: “أود أن أخاطب زملائي الأمريكيين: لقد وقعتم اليوم أخيرا عن مسؤوليتكم الكاملة عن مقتل عشرات الآلاف من المواطنين الأبرياء، والمصاعب التي يواجهها اللاجئون، و #معاناة #الرهائن و #الفلسطينيين المحتجزين بشكل غير قانوني”.
وأشار إلى أن “الولايات المتحدة، رغم أنها تقدم نفسها على أنها شريك أساسي لإسرائيل وبعض دول العالم العربي، إلا أنها تصوت ضد قرار يصب في مصلحة العرب كافة ويدعمه العرب أنفسهم”.
مقالات ذات صلة جنرال إسرائيلي يشكك بنجاح مخطط إسرائيل لإقامة حكم عسكري في غزة والقضاء على “حماس” 2024/11/20وأكد مندوب روسيا الدائم لدى الأمم المتحدة: “نطالب إسرائيل بوقف هجماتها القاتلة في غزة والضفة الغربية، وكبح رغبتها في مواصلة عدوانها على لبنان وسوريا، ويمكننا أن نرسل إشارة واضحة إلى الأطراف لوقف العنف والانتقال إلى تسوية سياسية ودبلوماسية للقضية الفلسطينية”.
وسبق أن استخدمت الولايات المتحدة حق النقض “الفيتو” في أكثر من مناسبة ضد قرارات كانت تدعو إلى وقف فوري ودائم لإطلاق النار في قطاع غزة.
وتواصل إسرائيل حربها على قطاع غزة منذ 7 أكتوبر 2023، والتي تحظى بدعم أمريكي مطلق، ما أسفر عن سقوط آلاف القتلى والجرحى والمفقودين، تزامنا مع تصاعد وتيرة الاقتحامات الإسرائيلية في الضفة الغربية.